تاريخ العالقات السياسية المصرية السودانية وأثرها في عالقة البلدين إبانحكم عبدالناصر( م) : دراسة موضوعية

Transcription

1 تاريخ العالقات السياسية المصرية السودانية وأثرها في عالقة البلدين إبانحكم عبدالناصر( م) : دراسة موضوعية جمال دالل النواري سالمة عبد الكريم أكاديمية الدراسات اإلسالمية جامعة ماليا كوااللمبور 2016 م

2 تاريخ العالقات السياسية المصرية السودانية وأثرها في عالقة البلدين إبانحكم عبدالناصر( م) : دراسة موضوعية جمال دالل النواري سالمة عبد الكريم رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراة أكاديمية الدراسات اإلسالمية جامعة ماليا كوااللمبور 2016 م

3 امللخ ص تتناول الدراسة طبيعة العالقات السياسية بني مصر والسودان يف عهد مجال عبد الناصر واألسس اليت بنيت عليها وأوضح أن البلدين حيتالن مركزا اسرتاتيجيا فريدا يف ميزان املصاحل الدولية وبينت الباحثة ذلك من خالل فصول الرسالة حيث اقتضت التمهيد لتلك العالقة والعوامل اجلغرافية والتارخيية اليت تربطهما وبيان املراحل اليت مرت هبا البلدين وحياول الوصول إىل سبل تطوير تلك العالقات من خالل بناء جيل مدرك هلذه العالقات الوثيقة املتأصلة اجلذور وتكمن مشكلة البحث إىل حتليل طبيعة العالقات املصرية والسودانية واحملددات الثنائية البيئية ملصر والسودان وهل تأثرت العالقات املصرية السودانية نتيجة التغريات يف موازين القوى اإلقليمية والعاملية وكيف تطورت العالقات السياسية والتارخيية بني البلدين يف العهد الناصري ويهدف البحث لتناول العالقات السياسية بني مصر والسودان يف عصر عبد الناصر ويطرحها ويوضح مراحلها املختلفة وتناول البحث أيضا أهم املشاكل اليت واجهت العالقة بني البلدين و أثرت على طبيعة العالقة بينهما يف فرتات خمتلفة وحاول إجياد بعض احللول من خالل الدراسة التارخيية للعمق األخوي بني مصر والسودان وكيفية اخلروج منها وذلك بوعي الشعبني املصري والسوداين بعمق تلك العالقة ووجوب التوحد حبكم ما ميلكه البلدان من وحدة األرض واجلوار واحلدود واملوارد واللغة على مر التاريخ واستخدمت الباحثة لتحقيق ذلك: املنهج التارخيي االسرتدادي الذي متثل يف كل فصول الرسالة من خالل حدود الدراسة مث املنهج التحليلي الذي قام على حتليل النصوص ووصفها وبيان طبيعتها. وخلصت الباحثة إىل أن البلدين تربطهما أواصر تارخيية وجغرافية جاءت يف وحدة التاريخ ووحدة املصري بينهما وأن املشاكل اليت وقعت بني البلدين نتيجة السياسات للبلدين خفف من حدهتا عمق الوعي بني الشعبني وتلك األزمات اليت أ حدثت لتفتيت الشعوب العربية ومتزيق صفها ووحدهتا وحماولة للنيل من كياهنا كل ذلك يصب يف صاحل االستعمار وتدعو الباحثة إىل االستفادة من تلك الدراسات اليت أ خذت على عاتقها بيانطبيعة العالقة بني البلدين وجتسيدها على أرض الواقع مبا جاءت به من نتائج حتافظ على األمة وأرضها وشعوهبا.

4 Abstrak Kajian ini bertujuan untuk mengkaji corak hubungan dua hala antara Mesir dan Sudan pada era Jamal Abdel Nasser. Pengkaji telah membuat penerangan dalam bab-bab yang berkaitan secara khusus tentang pasca hubungan dua hala dan merungkai nilai-nilai sejarah dan geografi kedua-dua negara ini. Seterusnya, pengkaji menyentuh tentang masalah-masalah yang mempengaruhi corak hubungan dua hala antara kedua-dua negara ini pada permulaannya, termasuk cara orang Mesir dan orang Sudan berusaha untuk menyelesaikan masalah-masalah tersebut melalui kesedaran tentang hubungan dua hala yang telah lama disemai serta keperluan untuk bersatu berdasarkan tanah/wilayah, kejiranan, sempadan, sumber hasil dan bahasa merentasi zaman. Pengkaji telah menggunakan pendekatan retrospektif sejarah dalam kajian ini seperti yang dibentangkan dalam beberapa bab. Selain daripada itu, pendekatan analisis adalah berdasarkan analisis, penerangan dan rumusan karangan. Kepentingan kajian ini adalah pada hubungan diakronik antara Mesir dan Sudan semasa era Nasser dan cuba untuk mencari cara bagi membangunkan hubungan tersebut menerusi peningkatan kesedaran dalam diri rakyat kedua-dua negara tentang hubungan yang telah lama disemai antara kedua-dua negara. Tambahan lagi, kajian ini juga membentangkan masalah-masalah yang paling utama mempengaruhi hubungan dua hala antara kedua-dua negara dan cuba untuk cari jalan penyelesaian melalui kajian yang mendalam tentang sejarah perhubungan kedua-dua negara ini. Akhirnya, pengkaji menemui bahawa sebenarnya kedua-dua negara ini mempunyai hubung kait rapat dari segi sejarah dan kedudukan geografi, mempunyai hala tuju yang sama, sementara masalah yang wujud di antara kedua-dua negara ini adalah disebabkan polisi-polisi yang ada, dan peningkatan kesedaran di kalangan rakyat mereka telah menyumbang kepada pengurangan krisis yang pada asalnya diwujudkan bagi memecahbelah perpaduan Arab dan melemahkan integriti. Pengkaji mencadangkan agar menggunakan kajian sebelum ini yang merangkumi corak hubungan kedua-dua negara dan melaksanakan ia secara praktikal berdasarkan hasilnya untuk mengekalkan tanah dan wilayah.

5 Abstract This study aims at studying the nature of relationship between Egypt and Sudan during Jamal Abdel Nasser's era. The researcher has explained that in the chapters which shed particular lighton the preparation for that relationship and revealing the historical and geographical value of the two countries. The research problem lies in analyzing the nature of the relations between Egyptian and Sudanese environmental and how did the political and historical relations between the two countries had improved and developed during Jamal Abdel Nasser's era. After that, the researcher touched on the problems that affected the nature of the relationship between the two countries in earlier periods and the way Egyptian and Sudanese managed to overcome their problems through people s awareness of their rooted relationship and the necessity of unity based on land, neighbourhood, borders, resources and language across the history. The researcher used retrospective historical approach represented in the chapters through the limitations of the study, and thenthe analytical approach based on analysis, description and disclosing the texts. The importance of this research lies on showing the diachronic relationship between Egypt and Sudan during Nasser's era and trying to find methods to develop that relationship through raising awareness of people regarding the deeply rooted relationship between the two countries. Moreover, this research addresses the most prominent problems facing the relationship between the two countries and tries to find some solutions throughout studying their deep historical relationship between the two countries. Finally, the researcher found thatthe two countries are linked by historical and geographical ties, unified history and common destiny, while the problems took place between the two countries were due to policies, and the raised awareness of their people contributed to alleviating the crisis that was created to break the unity of Arabs and undermine their integrity.

6 ب س م الل ه الر ح من الرح يم "أ م ن هو قانت آناء الل يل ساجدا وقائما ي حذ ر اآلخرة وي رجو رحمة رب ه قل هل يستوي ال ذين يعلمون وال ذين ال يعلمون إن ما ي ت ذك ر أولوا األلباب" ص د ق اهلل العظ يم

7 إهداء إليهم جميعا... والدي... رحمه اهلل...والدتي...متعها اهلل بالصحة والعافية... )وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا (...زوجي الوفي...الذي كان لي سندا بعد اهلل وعونا...من شاركني مر الحياة وحلوها...وتفانى ألجلي في بذل كل نفيس حتى يوفر لي كل سبل الراحة... أوالدي أحبابي الذين تحملوا معي عبء الدراسة... ( ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما (...وفقهم اهلل... إخوتي وأخواتي...عزوتي سندي في الحياة... إلى وطني الحبيب ليبيا... و إلىكل أبناء وطني الغالي...

8 الشكر والتقدير أتوجه أوال إىل اهلل عز وجل الذي ال يبلغ الواصفون وصف عظمته والذي لوال فضله وتوفيقه وإعانته ملا مت هذا البحث وملاكان على هذه الصورة فله سبحانه احلمد والشكر والثناء اجلميل. وأتقدم بعظيم الشكر إىل كل أفراد عائليت الذين غرسوا يف قليب حب اخلري واخل لق القومي وشجعوين على مواصلة دراسيت واجلد يف طلب العلم فجزاهم اهلل خري اجلزاء وأتقدم خبالص شكري وتقديري إىل كل من أسدى يل نصحا أو خصين بدعاء أو عاونين مبراجعة أو تصحيح أوكتاب أو كلمة طيبة وأرجو اهلل عز وجل أن جيعل ذلك يف ميزان حسناهتم وجيزيهم خري اجلزاء يف العاجل واآلجل. وأتوجه بأخلص وأصدق وأمسى آيات الشكر والعرفان والتقدير واالمتنان إىل أساتذيت الكرام د.طارق لعجال و د.فيصل عبد احلميد جبامعة ماليا على كل ما بذلوه معي من جهد مضن وما قدموه يل من نصائح وتوجيهات وأفاضوا علي بعلمهما الواسع فلهما عظيم الفضل من متابعة وحث وتشجيع حىت تبلور هذا العمل بالشكل الذي هو عليه اآلن كما أوجه الشكر والعرفان والتقدير واإلمتنان إىل هذا الصرح العلمي الفين املميز جامعة ماليا وإىل دولة ماليزيا على استضافتها يل طيلة هذه السنوات. ولست أزعم أن ما قدمته هو احلق اخلالص أو الصواب الذي ال يشوبه خطأ ولكن حسيب أين اجتهدت لفتح باب البحث واملناقشة يف اجتاه ميثل حاجة ماسة يف الوقت احلاضر وتوجيه األذهان إىل قضايا جديرة بأن توضع موضع التأمل والدرس فهي جمرد حماولة متواضعة أرجو أن تنضم إليها حماوالت أحسن منها فيكون من جمموعها بعد حني التنظري اجليد. وأسأل اهلل الكرمي رب العرش العظيم أن جيعل هذا العمل خالص ا لوجهه الكرمي ووسيلة للنجاة يوم الدين. وندعوه أن يكرم هذا العمل بالق بول وجيعله نافع ا مفيد ا يل ولإلسالم واملسلمني إنه مسيع قريب وباإلجابة جدير.

9 وصل اللهم وس ل م وبار ك على نبينا وحبيبنا حممد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إىل يوم الدين. وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني وختاما أود أن أعرب عن تقديري وشكري اجلزيل لكل من ساهم يف حتويل هذا اجلهد املبذول إىل أطروحة علمية. تاريخ التسليم : 2016/6/26 م. ليبيا ترهونة دالل النواري سالمة عبد الكرمي قسم : التاريخ واحلضارة االسالمية الربيد االكرتوين: Dalalnoaree@gmil.com أكادميية الدراسات اإلسالمية ماليا جامعة كواالملبور 2016 م

10 الفهرس الموضوع المقدمة أسباب اختيار املوضوع أمهية البحث أهداف البحث منهجية البحث الدراسات السابقة الفصل األول: الخلفية الجغرافية والتاريخية للعالقات الثنائية بين البلدين المبحث األول: نبذة جغرافية و تارخيية عن مصر والسودان قدم الوعي املصري بأمهية السودان. تطلع السودان احلضاري حنو مصر. المبحث الثاني تطور الوضع السياسي يفكال البلدين. العالقات املصرية السودانية يف عهد حممد علي. احلركة املهدية يف السودان. المبحث الثالث: العالقات املصرية السودانية )احلكم الثنائي(. ثورة 1919 م وتأثريها على أوضاع السودان معاهدة 1936 م واملسألة السودانية الفصل الثاني: العالقات المصرية السودانية في العهد الناصري المبحث األول: العالقات املصرية السودانية يف الدميقراطية األوىل م 1952 أستقالل السودان وصول مجال عبد الناصر للحكم يف مصر الصفحة المبحث الثاني: العالقات املصرية السودانية يف الدميقراطية األوىل م 99 تأثري العوامل اخلارجية يف العالقات املصرية السودانية 114 السياسات املصرية يف عهد عبود

11 المبحث الثالث: العالقات املصرية السودانية م موقف السودان من الصراع العريب الصهيوين العالقات املصرية السودانية إبان ثورة مايو 1969 م الفصل الثالث: المشاكل التي واجهت العالقات المصرية السودانية. المبحث األول: مشكلة احلدود بني مصر والسودان. أصل وتطور مشكلة احلدود أزمة حاليب. المبحث الثاني: مشكلة جنوب السودان. اجلنوب يف السياسة املصرية اجلنوب يف السياسة السودانية المبحث الثالث:األدوار األستعمارية يف جنوب السودان مشكلة دارفور والدور املصري. دور الصهاينة يف إثارة املشاكل يف السودان. الخاتمة التوصيات المالحق المصادر والمراجع

12 المقدمة مقدمة البحث

13 احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على خامت األنبياء واملرسلني سيدنا حممد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه وبعد: ع ر فت اجملتمعات البشرية العالقات الدولية منذ الق دم وأقامت بعض الدول فيما بينها عالقات حمددة منذ وقت بعيد واستقرت أساليب ها يف ذلك على أسس أصبحت مبادئ تسري عليها هبدف توطيد أواص ر صداقتها ورعاية مصاحلها ومن مث فقد كانت املصلحة القومية هي احملور الذي ب نيت عليه سياسات الدول وعالقاهت ا اخلارجية. وختتلف هذه املصاحل من دولة إىل أخرى إال أهنا جتتمع على احلفاظ على سيادة الدولة والدفاع عن أمنها القومي املتمثل يف االستقرار السياسي والرخاء االقتصادي واالجتماعي والعسكري واألمين. إن العالقات الدولية تبىن عادة على املصاحل املتباد لة وبقدر ما ألي دولة من أمهية يف امليزان الدويل تزدهر عالقاهت ا وتتكالب الدول عليها أما الدول الفقرية باملزايا االسرتاتيجية فإهنا بعيدة عن الصراع الدويل فهنالك عدة مزايا جتعل الدولة مهمة اسرتاتيجيا أمهها: املوقع واملساحة والعنصر االقتصادي من موارد طبيعية ووفر ة 1 عناصر أخرى تتعلق بالسكان والثقافة واحلضارة والقوة العسكرية ودوائر املصاحل. ومن هنا ارتبطت العالقات املصرية السودانية باجلوار اجلغرايف وهذا يعىن االمتدادات األثنية والقبائل املشرتكة والبناء النفسي املتقارب وإمكانيات التكامل والتعاون ورعاية مصاحل الفرقاء كما يعىن احلدود املشرتكة وتشغل مصر والسودان منطقة ختتلف يف ظروفها الطبيعية عن بقية الدول العربية اليت تقع يف مشال غرب أفريقية إذ يكون هنر النيل وواديه الذي حيمل إىل أراضي البلدين الرتبة اخلصبة واملياه الوفرية أهم ظاهرة طبيعية يف القطرين وتوجه مصر حنو اجلنوب أمر فرضته الظروف الطبيعية وساعد على تثبيته الرغبة يف حسن االستفادة من املاء الذي جيري إىل النهر من منابعه االستوائية ومن احلبشة وذلك إىل مشال الوادي املدين بوجوده وخصوبته للجنوب لذا حتمل مياه النيل إليه مكونات تربته. كما أن املعادلة اليت تتكون منها ميكن أن ت رد إىل تكوينات معينة من األراضي اليت جيري فيها النيل قرب منابعه. 1 عبد العزيزكامل دراسات يف اجلغرافيا البشرية للسودان دار املعارف القاهرة 1972 ص 14

14 وتتميز العالقات بني مصر والسودان بأهنا عالقات خاصة تتوغل يف القدم ونسبة خصوصي تها إىل أن تاريخ البلدين القدمي منه واحلديث تاريخ متشابك تأثر فيه كل من البلدين باآلخر ونتيجة هلذا التأثر والتأثري املتبادل تكونت األرضية واخللفية. وتدخل العالقات بني مصر والسودان يف إطار عالقات األشقاء وروابط اجلرية والعشرة واملودة وليست من النوع املعتاد يف العالقات الدولية ألهنا تضرب جبذورها يف أعماق التاريخ وتتعمق يف نفوس املصريني والسودانيني إىل القلوب تلهمهم باستمرار للعمل مع ا لتحقيق الوحدة فال خيتلف اثنان يف أن العالقة املصرية السودانية عالقة مميزة وخاصة ومتعددة اجلوانب ومن هذا املنطلق قد تنشأ أحيانا إشكاالت حتتاج إىل معاجلة موضوعية وبشفافية األمر الذي مل حيدث لألسف بصورة صحيحة لكي تضع العالقات يف مسارها الطبيعي ومتنحها االستقرار والنمو والتطور لتحقيق تطلعات الشعبني رغم كل احملاوالت. ويف ظل ما تواجهه املنطقة العربية يف وقتنا احلاضر من حتديات حتظى العالقات العربية_األفريقية بأمهية خاصة من أجل تصحيح مسارها وتقويتها ومن مث فإن العالقات املصرية السودانية متثل جناحا عربيا هاما ميكن أن يدعم هذه العالقات يف جمملها ومن ناحية أخرى فإن الشأن األفريقي يتطلب تدعيم هذه العالقات 2 بني الدولتني مما حيقق ترابطا يهدف إىل حمور أفريقي موحد.. وقد حاولت الدراسة أن تبني اجلوانب األساسية يف عالقات كال الدولتني يف عهد مجال عبد الناصر اليت من شاهنا أن جتعل من متيز العالقات أبعادا واسعة األهداف ترنو إليها كل منهما وال شك أن التاريخ يقدم أمهية خاصة هلذا احملور بني مصر والسودان ويف إمكانه أن جيتذب معه دوال أخرى أفريقية مثل تشاد أو دوال عربية مثل ليبيا وذلك يف ظل احملددات اإلقليمية اليت تنعكس أثارها على العالقات بني الدولتني. أسباب اختيار الموضوع إن من أهم األسباب اليت دعت الباحثة إىل اختيار املوضوع هي: عبد الغىن سعودي الوطن العريب مكتبة األجنلو املصرية القاهرة 1992 ص

15 1. ارتباط العالقات املصرية السودانية باجلوار اجلغرايف وهذا يعىن االمتدادات األثنية والقبائل املشرتكة والبناء النفسي املتقارب وإمكانيات التكامل والتعاون. وألن تاريخ البلدين القدمي منه واحلديث تاريخ متشابك تأثر فيه كل من البلدين باآلخر ونتيجة هلذا التأثر والتأثري املتبادل تكونت األرضية واخللفية مما دعا الباحثة إىل الدراسة يف هذا التاريخ العميق والبحث يف أصوله واستنباط درره. إن العالقات املصرية السودانية ليست يف مكاهنا الصحيح من فهم األجيال اجلديدة من شباب وادي.2 النيل كله كذلك أن يشعر شعب وادي النيل مشاله وجنوبه بنوع من الطمأنينة مع صفحة من تارخيه القريب ومهما كانت الغربة والقطيعة اليت يعيش فيها الشعب الواحد فإن الشعب الذي صنع املاضي لديه قدرات لصنع املستقبل. إن الفرتة اليت درستها الباحثة هي أدق فرتات العالقات املصرية السودانية يف التاريخ املعاصر ونقطة.3 االنطالق هنا هي االنقالب الذي أقدمت عليه ثورة يوليو يف منتصف القرن العشرين بفتح الباب أمام اإلقرار حبق تقرير املصري أمام السودانيني وهو األمر الذي فتح الباب أمام استقالل السودان عن كل من مصر وبريطانيا وإقامة الدولة الوطنية السودانية اليتكان من املفرتض أن تبىن عالقتها االسرتاتيجية بأهم اجلريان )مصر( على أسس مستقرة. 4. إن مثل هذه الدراسات اليت ختضع للمنهج التحليلي مل تنل نصيبها الوايف من البحث والدراسة وهذا دافع آخر جعل الباحثة هتتم به علها تثري به املكتبة العلمية يف العامل العريب. أهمية البحث: تكمن أمهية البحث: 1 بأنه يتناول العالقات التارخيية بني مصر والسودان يف العهد الناصري حياول عرضها بشكل موضوعي.

16 2 حماولة الوصول إىل سبل تطوير تلك العالقات من خالل بناء جيل واعي بعالقة البلدين الوثيقة املتأصلة اجلذور. 3 يعترب هذا البحث حماولة إلجياد بعض احللول ألهم املشاكل اليت تواجه العالقة بني البلدين من خالل الدراسة التارخيية السياسية للعمق األخوي بني مصر والسودان. وذلك ألن الكثري من الباحثني كتبوا عن العالقات املصرية السودانية يف عصور خمتلفة وبالتايل نقلت إلينا بعض املصادر التارخيية من املغالطات والتناقضات اليت ال تستقيم مع العقل وتشوهبا الكثري من الشوائب ويف املقابل هناك من حاول جتميل صورهتم بشكل مبالغ فيه فالباحثة يف هذه الدراسة حتاول تسليط الضوء وفق تصور أكادميي صرف وسليم إن شاء اهلل مشكلة البحث: تسعى هذه الدراسة إىل حتليل طبيعة العالقات املصرية والسودانية واحملددات الثنائية البيئية ملصر والسودان وهل تأثرت العالقات املصرية السودانية نتيجة التغريات يف موازين القوى اإلقليمية والعاملية وكيف تطورت العالقات السياسية والتارخيية بني البلدين يف العهد الناصري وهل هذا التطور كان له تأثري على طبيعة العالقات االقتصادية واالجتماعية بينهما. أسئلة البحث: هذه الدراسة تشكل معاجلة تارخيية للعالقات السياسية املصرية السودانية عرب مراحل خمتلفة وهذا يتطلب إجابات وافية عن مجلة من التساؤالت ومنها: ما هي اخللفية اجلغرافية والتارخيية للعالقات الثنائية بني مصر والسودان. ما هي طبيعة العالقات السياسية بني البلدين يف العهد الناصري. ما هي أهم املشاكل اليت واجهت البلدين وكيفية مت التغلب عليها أهداف البحث:

17 1 بيان اخللفية اجلغرافية من حيث موقع كال من مصر والسودان وتأثري املوقع اجلغرايف يف سياسة البلدين وتوضيح العالقات التارخيية الثنائية بني مصر والسودان واستعراضها من جانب تارخيي حيادي. 2 البحث يف طبيعة العالقة السياسية بني البلدين يف حقبة زمنية متثلت بعهد مجال عبد الناصر حيث مرت العالقات مبراحل خمتلفة بني االزدهار والفتور والتدهور. 3 حتديد املشاكل اليت واجهت العالقة بني البلدين يف فرتاهتا املختلفة وحماولة إجياد طرق حلها ببذل اجلهود يف ربط القنوات السلمية بني البلدين الذين ارتبطا مصرييا مبا ميلكانه من إرث حضاري وتارخيي جعلهما جسدا ال يتجزأ. حدود البحث: الحدود المكانية: متثلت تلك احلدود بدولتني مها مصر والسودان حيث أن هذين البلدين كما أسلفنا ميلكان الكثري من النقاط املشرتكة من خالل التاريخ العميق الذي يربط بينهما. الحدود الزمانية: تناولت الباحثة عهد مجال عبد الناصر ألهنا أدق فرتات العالقات املصرية السودانية يف التاريخ املعاصر وإن نقطة االنطالق يف العالقة بني البلدين هو االنقالب الذي أقدمت عليه ثورة يوليو يف منتصف القرن العشرين وألمهية هذه املرحلة يف كال البلدين حيث مرت العالقات املصرية السودانية يف عهد مجال عبد الناصر بأهم مراحلها واليت كان هلا أثر كبري يف مستقبل البلدين فقد كان اهلم التحرري واحدا من هواجسه الرئيسية يف وقت كانت تقبع معظم الدول اإلفريقية حتت االستعمار. حيث أدرك الرئيس مجال عبد الناصر أن وجود االستعمار ميثل اخلطر األكرب على أفريقيا والنيل معا فبدأ بدعم احلركات التحررية يف أفريقيا وكانت املعركة األساسية مع االستعمار الربيطاين يف دول

18 حوض النيل لذلك كان أول اهتماماته تأمني السودان اجلار اللصيق مبصر الذي يقع على حدوده سبع دول أفريقية ترزخ حتت االستعمار. إذن فقد بدأ عبد الناصر ملف التحديات اليت تواجه وحدة أفريقيا باملعوق األول وهو االستعمار وأوىل هذا امللف عناية كبرية ومل يبخل عليه بالكوادر واخلطط واخلربات وخطط التنمية فدعم كل حركات التحرر يف أفريقيا وساعد الدول حديثة االستقالل على التحرر من التبعية السياسية 3 واالقتصادية للمستعمر وهذا هو السبب الرئيسي الختيار موضع الدراسة ملا له أمهية يف توضيح الدور الفعال جلمال عبد الناصر وتأثريه على معظم الدول اإلفريقية والعربية يف فرتة الدراسة. منهجية البحث: تتبعت الباحثة مجع املعلومات يف إجراء هذه الدراسة جتملها يف شقني: األول هو االعتماد على املصادر وإجراء املقابالت وقد استخدمت الباحثة املنهج الوصفي حيث برز هذا املنهج يف الفصل التمهيدي يف وصف موقع كل من دولة مصر والسودان كما استخدم يف وصف العالقات بني البلدين واملراحل اليت مرت هبا أما املنهج التارخيي االسرتدادي حيث اتضح هذا التدرج يف كل فصول الدراسة حيث أوضحت الدراسة التطورات يف العالقات املصرية السودانية عرب الفرتة الزمنية احملددة واملنهج التحليلي استخدم يف رصد األفكار واآلراء وحتليلها من خالل الن س ق الفكري الذي تنتمي إليه وحتليال لعناصرها وأسسها مع البحث عن عوامل نشأهتا وتطورها وأتضح يف الفصل الثالث حيث قام بتحليل العالقات يف مراحلها املتعدة ورصدها حيث مت رصد العوامل املؤثرة يف السياسة اخلارجية لوادي النيل وطبيعة العالقة بينه وبني حميطه اإلقليمي والدويل وتأثري األطراف اخل ارجية على جممل العالقات أرشيف اخلارجية املصرية أرشيف الدول)حمفظة رقم 14 أفادة 689/103 (. 3

19 واستخدمت املنهج النقدي الذي ال يكتفي بالتسليم اجملرد بل يناقش ويقو م وينقد ويتبىن ويرفض للوصول إىل أرجح األقوال املدعمة باألدلة واألوىل بالقبول واملنهج املقارن له د ور أساسي مع التحليل والنقد فقدحاولت من خالله بيان أوجه التشابه أو االختالف بني األحداث. وأيضا مت اتباع املنهج التارخيي القائم على مجع املادة وترتيبها وحتليلها مع احلفاظ على مضموهنا ومعناها أما وجهات النظر وإبداءالرأي يف بعض األحداث فقد قامت بهكلما دعت احلاجة إىل ذلك كما حاولت إرجاع تفصيالت املوضوع ألصوهلا األوىل وجذورها املتفرعة لتوضيح معانيها. أهم الدراسات السابقة: 1. العالقات السودانية المصرية في الفترة من م. إعداد: طالل إبراهيم عبده رسالة ماجستري كلية االقتصاد والدراسات االجتماعية جامعة اخلرطوم السودان 2006 م. تناولت الرسالة العالقات قبل االستقالل والعالقات بعد االستقالل مع الرتكيز على فرتة حكم السادات باإلضافة إىل الرتكيز على ميثاق التكامل 1982 م مث فرتة اإلنقاذ 1989 م وركزت خالل فرتة الدراسة على مشكلة حاليب واملؤسسات التعليمية املصرية يف السودان ومياه النيل والعالقات الثقافية واالقتصادية بني البلدين خالل فرتة الدراسة. وهذه الدراسة ورغم أمهيتها غري أهنا ال تغطي الفرتة اليت سندرسهاكما وتبعد عن احليادية يفكثري من األمور ويف طرح العديد من القضايا بني اجلانبني يف تاريخ العالقات من الناحية السياسية واالقتصادية والثقافية ورغم احتياجنا لوجهة النظر السودانية لكنها غابت عن احليادية واملوضوعية عند مقارنتها بالعديد من الرسائل األخرى اليت تناولت تاريخ العالقات بني البلدين حسب رأي الباحثة ودراسة الباحثة هي النظر يف تلك احلقبة الزمنية يف العهد الناصري وتسليط الضوء على طبيعة العالقة اليت مهدت لوحدة البلدين حضارة وشعبا.

20 3 2 موقف ثورة 23 يوليو 1952 م من المسالة السودانية حتى االستقالل) م( إعداد: صالح الدين حافظ متويل رسالة دكتوراه يف الدراسات األفريقية قسم التاريخ معهد البحوث والدراسات األفريقية جامعة القاهرة م تناولت الرسالة عدد من احملاور عن التيارات السياسية يف اجملتمع السوداين قبيل االستقالل وتناولت العالقات بني عبد الناصر وحكومة إمساعيل األزهري وموقف الثورة من التعامل مع هذه احلكومة وإعالن استقالل السودان باإلضافة إىل اتفاق املهدي واملريغين ضد حكومة األزهري باإلضافة إىل تناول اجلمعية التأسيسية واالستفتاء على االستقالل وركزت على دور مصر وبريطانيا باالعرتاف باستقالل السودان باإلضافة إىل إلقاءها الضوء على انضمام السودان جلامعة الدول العربية وانضمامها أيضا لألمم املتحدة. ولعل هذه الرسالة أطر ت ملرحلة مهمة من تاريخ العالقات املصرية السودانية وخاصة فرتة عبد الناصر لكنها ركزت من ناحية تارخيية حبتة وأمهلت العديد من القضايا السياسية اليت كانت قد ثارت يف ذلك الوقت ومل تركز على دور األطراف اخلارجية يف حتريك اجلانب املصري والسوداين يف ذلك الوقت ودراسيت أوضحت طبيعة العالقة بني البلدين وكوهنما مرتبطني تارخييا وحضاريا ودينيا وهذا االرتباط الذي دعا البلدين إىل فهم وحدة االنتماء وايضاح املشاكل اليت أدت إىل الفرقة والقطيعة وساعدت هذه الدراسة على بيان املشاكل وحلوهلا مستعينة باملنهجني التارخيي والتحليلي. العالقات السودانية المصرية من منظور األمن القومي من م. إعداد آدم حممد أمحد عبد اهلل رسالة مقدمة للحصول على درجة الدكتوراه يف العلوم السياسية كلية الدراسات العليا قسم العلوم السياسية جامعة أم درمان اإلسالمية 2002 م. تناولت هذه الرسالة األمن القومي من حيث تعريفه ومستوياته واالرتباط بني األمن القومي واملصلحة القومية واألمن القومي والسياسة اخلارجية.كما تناولت الرسالة أمهية السودان االسرتاتيجية وأمهية مصر االسرتاتيجية من حيث موقعكل من السودان ومصر يف امليزان الدويل باإلضافة إىل دور السياسة اخلارجية يف حتقيق أمن البلدين

21 القومي حيث أوضحت الرسالة السياسة اخلارجية ومصاحل البلدين يف اإلطار العريب واالفريقي وكذلك على املستوى العاملي. وقد ركزت هذه الدراسة على اجلانب القومي وأمهلت العديد من القضايا السياسية األخرى اليت متس البلدين يف املراحل كلها وكذلك أمهلت طبيعة املشاكل بينهما وحلوهلا ولعل هذا كان واضحا يف عنوان الرسالة وملخصها وأما هذه الدراسة فقد تناولت جوانب العالقة بني البلدين حكومة وشعبا وطبيعة اخلالفات بينهما واحللول اليت كانت مواتية من خالل الوثائق اليت اطلعت عليها الباحثة واحلقتها يف آخر دراستها وكذلك املناهج املختلفة بني الدراستني واليت من املعلوم أهنا تؤدي إىل نتائج خمتلفة. 4 القضية السودانية م وموقف الصحف المصرية والسودانية منها. إعداد الطالبة هنله عبد العظيم إبراهيم عبد النيب رسالة للحصول على درجة املاجستري يف الدراسات االفريقية معهد البحوث والدراسات األفريقية قسم التاريخ جامعة القاهرة 1990 م. أوضحت الرسالة أوضاع السودان من 1919 إىل 1924 م وموقف الصحف املصرية من قضية السودان يف هذه الفرتة وكذلك انفراد بريطانيا بإدارة السودان رمسيا ( 1924 م( وموقف الصحف املصرية والسودانية من هذه السياسة الربيطانية كما تناولت سياسة بريطانيا جتاه جنوب السودان وموقف مصر منها وأثر ثورة 1919 م يف مصر على السودان حيثكان من الطبيعي أن تتسرب أخبار ثورة 1919 م إىل السودان كما أوضحت الرسالة جذور االضطرابات سنة 1924 م يف السودان وكيفكان هلا أثارها يف مصر. قامت هذه الدراسة بالرتكيز على الدور الربيطاين للتأثري على العالقات بني اجلانبني كما كانت الرسالة هامة بالنسبة إىل كل من مصر والسودان حيث أوضحت فرتة حساسة لكال البلدين إال أن الرسالة مل تتعرض للعهد الناصري والذي يعترب هو موضوع البحث اليت تقوم عليه دراستنا وهي من جانب صحفي خالص ومل يتناول اجلذور التارخيية للبلدين وال املشاكل وال احللول اليت متثلت يف فصول الدراسة.

22 م- 5 أزمة التكامل السياسي وانعكاساهتا على احلياة السياسية السودانية يف الفرتة من م". إعداد: هناد امحد مكرم امحد عبد الصمد رسالة ماجستري غري منشورة كلية التجارة ببورسعيد قسم العلوم السياسية واإلدارة العامة جامعة قناة السويس م تناولت الرسالة اجلذور التارخيية ملشكلة جنوب السودان وحماوالت احلل السلمي منذ االستقالل حىت 1989 م باإلضافة إىل استعراض مالمح معامل السياسات احلكومية فيما يتعلق بقضية جنوب السودان وتطورات العالقة بني العاصمة واإلقليم حىت عام م 1989 بداية من مرحلة احلكم املدين األول م مث مرحلة احلكم العسكري األول م مث حركة االنيانيا 1963 م ومرحلة الدميقراطية الثانية م )مؤمتر املائدة املستديرة( مث مرحلة احلكم العسكري الثاين م واتفاقية أديس أبابا 1972 م. باإلضافة إىل تناول الرسالة مرحلة الصراعات واالنقسامات والصراعات السياسية والقبلية اليت ظهرت وسط السياسيني اجلنوبيني من أجل السيطرة على مؤسسات احلكم اإلقليمي وأوضحت الرسالة أن الفرتة من 1983 قد شهدت تكوين ست حكومات إقليمية وهذا يكفي ليوضح حدة االنقسامات 1972 والصراعات وحالة الفوضى اليت دخلها اإلقليم وقدكانت السلطة املركزية تستغل هذه األوضاع من خالل لعبة التوازنات إلضعاف اجلنوب كمركز ضغط موحد كما أوضحت الرسالة قرار تقسيم اجلنوب إىل ثالثة أقاليم وثالث برملانات مما دفع القوى اجلنوبية لتشكيل جملس وحدة جنوب السودان للوقوف يف مواجهة التقسيم. فبالرغم من أمهيتها وما ورد يف الدراسة من سرد للمرحلة التارخيية لتاريخ العالقات إال إننا نريد املزيد من احللول لتوضيح جذور املشكلة باإلضافة إىل طرح اآلراء الفعالة حملاولة فهم املشكلة من اجلذور واالستفادة خبربات اجلانب املصري والسوداين فكان ينقصها طرح آراء حملاولة حل املشكلة. 6 أثر توزيع الموارد االقتصادية على االستقرار السياسي في السودان م. إعداد: صباح أمحد فرج خليل رسالة ماجستري غري منشورة قسم العلوم السياسية كلية االقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة 2011 م.

23 تنبع أمهية الدراسة من كوهنا تركز على حالة هلا أبعاد إقليمية ودولية وقد حاولت الباحثة االستعانة بالبيانات االقتصادية كوسيلة للتحليل السياسي. وذلك بالربط بني متغريين مها توزيع املوارد االقتصادية باعتباره انعكاسا لسياسة احلكومة القائمة ومتغري االستقرار السياسي /عدم االستقرار السياسي ويعد هذا النهج جديدا يف الدراسات السودانية حيث مل تتناوله الدراسات السابقة املتعلقة هبذا الشأن فقد تناول بعضها تاريخ السودان مبا يف ذلك تطور مشكلة اجلنوب وبعضها ركز على أنظمة احلكم السودانية وتعاملها مع املشكلة يف حني ركز البعض اآلخر على االقتصاد السوداين واملوارد السودانية بصفة عامة. وقد ركزت الدراسة على اجلانب االقتصادي بوصفها الفاعل القوي يف جذور مشكلة السودان وقامت باألساس على التهميش السياسي واالقتصادي للجنوب وكيفية تعامل احلكومات السودانية املختلفة مع هذا التهميش الذي تعرض له اجلنوب منذ االستعمار الربيطاين وتعميق هذا التهميش وزيادة حدته بعد االستقالل مع احلكومات السودانية املتتالية فضال على قيام الرسالة بالرتكيز علي برامج التثبيت والتكيف اهليكلي وتطبيقاهتا على السودان مما كان هلا أثر يف زيادة الفقر السوداين وتأثر مناطق بصورة اكرب من غريها وخاصة مع استمرار احلرب األهلية يف السودان ملدة أربع سنوات يف بداية ) م( واندالعها من جديد يف هناية ) م( مما كان له دور يف زيادة عدد الفقراء تزامن مع تطبيق برامج التكيف اهليكلي واملتأمل هلذه الدراسة جيدها تناولت السودان كحالة دراسة فقط ومل تتناول غريها من الدول احمليطة هبا وهذا األمر الذي حدا بالباحثة إىل تناول جانب العالقات بني البلدين ( مصر السودان ( وطبيعة تلك العالقة ما بني مشاكل وحلول وارتباط تارخيي بني البلدين وتعرضت الباحثة إىل املنهج التارخيي والوصفي التحليلي لبيان تلك العالقة. 7 مشكلة الحدود الجنوبية الشرقية لمصر دراسة قانونية : إعداد: شيم حامد عبد احلميد اجلرف رسالة ماجستري يف القانون الدويل كلية احلقوق جامعة القاهرة 2008 م.

24 ترتكز أمهية الدراسة على طبيعة العالقات املصرية السودانية وخصوصيتها ومقتضى ذلك حماولة التوصل حلل ملا قد يعرتي تلك العالقات من مسائل خالفية واليت تعد ترسيم احلدود اجلنوبية الشرقية ملصر إحداها. وهو ما مت الرتكيز عليه وقد تناولت الرسالة الطبيعة اجلغرافية للمنطقة وأيضا الطبيعة الدميغرافية واجلماعات البشرية اليت سكنت يف هذه املنطقة باإلضافة إىل تناول األمهية االسرتاتيجية للمنطقة وتناولت تارخيا موجزا عن العالقات بني مصر والسودان مع الرتكيز على مشكلة حاليب وشالتني وأساس هذه الدراسة قانوين حبت بينت اجلانب القانوين لتلك املشكلة بني البلدين وأوضحت القوانني الدولية املتعلقة هبا أما موضوعنا فتناول اجلانب التارخيي بكل أنواعه مث قامت الباحثة بدراسة تلك اجلوانب وبيان نقاط القوة والضعف موضحة طبيعة املشاكل اليت تأيت على وحدة األمة فتنهش جسدها ولعل هذه الدراسة تكون فاحتة خري لربط األواصر ورص الصف وردم احلال فيما بني شباب هذه األمة وكل ذلك متثل يف فصول الدراسة. 8 دور الطرف الثالث في تسوية المنازعات دراسة حالة: الدور األمريكي في مشكلة جنوب السودان م. إعداد: رغدة حممود أمحد حسنني رسالة ماجستري قسم العلوم السياسية كلية االقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة 2008 م. تتناول الرسالة النزاع بني الدول هو حقيقة النظام الدويل وهلذا كان اهلدف من هذه الدراسة هو فهم التسوية اليت تتم عن طريق الطرف الثالث للنزاعات باعتبارها وسيلة دولية حلل النزاعات وهي تعد ظاهرة امتدت عرب فرتة زمنية طويلة وهلذا جيب عند دراسة أي نزاع ينشب بني الدول عدم الرتكيز فقط على األطراف املتنازعة ولكن أيضا الرتكيز على دور الطرف الثالث الذي يؤثر على سلوك طريف النز اع. وتعترب هذه الرسالة رسالة قيمة ألهنا تناولت املشكلة من جذورها لكنها ركزت على عامل مهم يف فهم جذور املشكلة اخلاصة جبنوب السودان وكيف كان لألطراف الدولية عامل كبري يف إمخاد املشكلة تارة ويف إشعاهلا تارة أخرى وبالتايل هي قدمت لنا طرحا جديدا بتناول املشكلة من زاوية أخرى أعانت على فهم العالقات املصرية السودانية بطريقة أعمق وفهم أدوار الدول اخلارجية يف تعميق املشكلة وإثارهتا بني حني

25 وآخر ودراستنا تعتمد على املنهج التارخيي والتحليلي ومل تقتصر على جانب واحد من املشاكل الواقعة بني البلدين وكذلك طبيعة عالج لتلك املشاكل ومن املعلوم أنه مل تكن مشكلة اجلنوب هي الوحيدة اليت عانت منها السودان ألن هناك مشاكل أخرى أوضحتها فصول الرسالة. 9- العالقات السودانية البريطانية من 1956 إلى 1969 م. إعداد: مروة أمني حممد مصطفي رسالة ماجستري قسم التاريخ معهد البحوث والدراسات األفريقية جامعة القاهرة 2006 م. تناولت الرسالة نظرة تارخيية للعالقات الربيطانية السودانية واملؤثرات املصرية عليها وأيضا العالقات السودانية الربيطانية يف ضوء العدوان الثالثي على مصر يف عام 1956 م والعالقات السودانية الربيطانية يف إطار أزمة حاليب 1958 م والعالقات السودانية الربيطانية يف ظل مشكلة مياه النيل باإلضافة إىل السياسة الداخلية واخلارجية للسودان يف ظل التأثري املصري وتصاعد النفوذ الربيطاين واألمريكي باإلضافة إىل تناول قضايا العالقات السودانية الربيطانية خالل عهد عبود م ودور بريطانيا يف العالقات السودانية املصرية. وأوضحت هذه الدراسة بعض القضايا املهمة مثل قضية اإلرساليات التبشريية يف جنوب السودان وقضية مياه النيل فأعطت توضيحا لتاريخ العالقات. والناظر للدراسة جيد ها واضحة العنوان من خالل تناوهلا طبيعة العالقات بني السودان وبريطانيا أما حبثنا فقد تناولت فيه الباحثة طبيعة العالقات بني مصر والسودان مما يشكل فارقا واضحا غري أن هذه الرسالة تعطي بعض اجلوانب املفيدة واملهمة يف حبثنا. 10- التسوية السياسية للنزاع المصري السوداني بشأن مثلث حاليب. إعداد: غادة خضر حسني زايد رسالة ماجستري قسم العلوم السياسية كلية االقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة 2000 م. تناولت الرسالة العديد من التساؤالت اليت قد تتبادر لألذهان يف ضوء تكرار األزمات احلدودية بني مصر والسودان وحول أسباب وكيفية نشوب هذه األزمات وكيفية تعامل الطرفني مع هذه املشكالت

26 باإلضافة إىل تناول املوقف الربيطاين واألمريكي من موضوع احلدود وأوضحت الرسالة أنه مل يكن هناك أثر يذكر للتحوالت الدولية منذ إهناء احلرب الباردة وتفكك االحتاد السوفييت وانتهاء نظام القطبية الثنائية على مشكلة حاليب باستثناء تراجع األمهية االسرتاتيجية للسودان وبالتايل عدم اختاذ مواقف مؤيدة هلا يف نزاعها احلدودي مع مصر خاصة يف ظل وجود نظام حكم يف السودان مناوئ ملصاحل الغرب عامة والواليات املتحدة خاصة مما ترتب عليه جتاهل املطالب السودانية وجتاهل األزمات احلدودية بشأن حاليب يف التسعينات وبالتايل احلد من تصعيد مشكلة حاليب. وتناولت هذه الدراسة حتديدا مشكلة يف العالقات املصرية السودانية يف فرتة الحقة عن الرسالة موضوع حبثنا لكنها أوضحت جذور املشكلة بني الدولتني أهنا مشكلة سياسية واقتصادية من الطراز األول بينما تناول البحث املشاكل العالقة بني البلدين وبيان أساسها وإيضاح حلوهلا وعمق التأثري لطبيعة العالقة بني البلدين. الرسائل املنشورة 11 دور الثقافة السياسية للنخبة السودانية في العالقات السودانية المصرية م. إعداد: الوليد سيد حممد علي بشري إشراف إبراهيم نصر الدين. تاريخ النشر 2010 م احلجم 450 ص. أطروحة دكتوراه جامعة القاهرة معهد البحوث والدراسات االفريقية قسم النظم السياسية تنتمي هذه الدراسة حلقل العالقات الدولية وترتبط مع السياسية املقارنة وختصصت يف حتليل ودراسة العالقات السودانية املصرية من زاوية الثقافة السياسية للنخبة احلاكمة يف الفرتة حمل الدراسة فهي دراسة لنمط العالقات السودانية املصرية عرب مدخل جديد انطالقا من مدركات وقيم وتصورات النخبة السودانيةاحلاكمة م لتلك العالقة بني الثقافة السياسية والعالقات الدولية عرب حتليل الدور الفعلي للثقافة السياسية للنخبة احلاكمة يف خمرجات السياسة اخلارجية السودانية ومن مث انعكاس ذلك على منط العالقات السودانية املصرية.

27 12 التحوالت السياسية في السودان وانعكاساتها على العالقات السودانية المصرية ) م( القاهرة 2007 م. إعداد: توفيق حممد جاب اهلل عفيفي أشراف نوال عبد العزيز مهدي راضي. نشركتاب: 2010 م املكتب اجلامعي احلديث اإلسكندرية صدر أيضاكقرص مدمج. أطروحة دكتوراه جامعة القاهرة معهد البحوث والدراسات االفريقية قسم التاريخ. شهدت الفرتة من ) م( سلسلة من املفاوضات بني مصر وبريطانيا بشأن اجلالء من النيل كانت فيها مسألة السودان مالزمة ملسألة اجلالء يف نطاق وحدة وادي النيل وعرضت القضية على جملس االمن سنة 1947 م ويف أكتوبر 1951 م أعلن النحاس باشا على الربملان املصري مشروع قانون الغاء التحالف بني مصر وبريطانيا أهناء العمل باتفاقية الصداقة 1899 م بشأن إدارة السودان.. هيكليه البحث: قسم هذا البحث إىل مقدمة ثالثة فصول وخامتة إىل جانب املالحق اليت تتضمن بعضا من الوثائق وجانبا من االتفاقيات الدولية واجلداول. يتناول الفصل األول اخللفية التارخيية للعالقات الثنائية ويشمل التمهيد يف دراسة موجزة عن املوقع اجلغرايف ملصر والسودان واألسس واخللفيات اليت بنيت عليها العالقات املصرية السودانية عرب مراحلها التارخيية املختلفة ويعرض هذا الفصل دراسة العالقات املصرية السودانية يف العهد العثماين حيث أوضح فرتة حكم حممد علي واحلركة املهدية واحلكم الثنائي وكذلك سلط الضوء على ثورة 1919 و معاهدة 1936 م. وخيتص الفصل الثاين بدراسة مفصلة عن تطور العالقات املصرية السودانية يف العهد الناصري حيث يعرض مراحل العالقات املصرية السودانية عرب التاريخ املشرتك بني اجلانبني مع توضيح اجلوانب اإلجيابية والسلبية يف العالقات ورصد العوامل املؤثرة يف السياسة اخلارجية لوادي النيل وطبيعة العالقة بينه وبني حميطه اإلقليمي والدويل وتأثري األطراف اخلارجية على جممل العالقات باإلضافة إىل العوامل السياسية الداخلية املؤثرة يف

28 العالقات الثنائية. مث يلقي الفصل الثالث الضوء على املشاكل اليت واجهت العالقات املصرية السودانية وآثارها املعاصرة ودور االستعمار يف هذه املشاكل. وكانت من أهم املصادر اليت استقينا منها مادة البحث واملكتوبة تفصيال يف قائمة املراجع وثائق منشورة مودعة بدار الوثائق القومية بوزارة اخلارجية املصرية من مذكرات وحماضر وتقارير سياسية هذا إىل جانب االعتماد على ما نشره مؤرخون وسياسيون من اجلانب املصري والسوداين أمثال زكي البحريي وهو أستاذ التاريخ احلديث واملعاصر بكلية الرتبية جامعة املنصورة باحث له اهتمامات يف الشؤون العربية والقومية. واالفريقية وعمر صديق البشري وهو باحث يف الدراسات االسرتاتيجية وحاصل على القيد الصحفي وعضو جملس احتاد الصحفيني وأمحد حممد حممد الصادق وهو دكتور يف قسم العلوم السياسية جامعة الزعيم االزهري و حممد سعيد حممد احلسن حيث كان نائب رئيس حترير صحيفة الرأي العام مث مديرا لوكالة االنباء الفرنسية باخلرطوم عمل كاتبا متعاونا مع صحيفة الشرق األوسط الدولية وغريهم باإلضافة للمراجع اليت ألفها مؤرخون أجانب وتناولت أحداث هذه الفرتة يف سياق عام. ويف تسجيل األحداث وحتليلها فقد اعتمدت على األحباث والدراسات اليت نشرت يف هذه الدوريات منها جملة السياسة الدولية اليت تصدر عن مركز الدراسات السياسية االسرتاتيجية وجملة البحوث والدراسات العربية وجملة النيل هذا إىل جانب األعداد اليومية للدوريات الصحفية منها جريدة األهرام وجريدة اخلليج وجريدة الشرق األوسط وجريدة االخبار القاهرية. باإلضافة إىل العديد من املصادر األخرى اليت أوضحناها يف املالحق كالرسائل اجلامعية مثل رسالة الدكتوراه أدم حممد أمحد عبد اهلل العالقات السودانية املصرية من منظور األمن القومي م رسالة دكتوراه غري منشورة يف العلوم السياسية جامعة أم درمان اإلسالمية كلية الدراسات العليا قسم العلوم السياسية اخلرطوم واملؤمترات والندوات العلمية اليت تناولت الدراسات اليت ختدم هذه الدراسة.

29 الفصل األول الخلفية الجغرافية والتاريخية للعالقات الثنائية بين البلدين المبحث األول: نبذة جغرافية عن مصر والسودان. المبحث الثاني :تطور الوضع السياسي فيكال البلدين.

30 المبحث الثالث: العالقات المصرية السودانية "الحكم الثنائي" الفصل األول :الخلفية الجغرافية والتاريخية للعالقات الثنائية بين البلدين المبحث األول: نبذة جغرافية عن مصر والسودان: ليس يف العاملكله هنر ارتبطت به حياة السكان الذين يعيشون يف حوضه ارتباط سكان حوض النيل بالنهر الذي جيري فيه وليس هناك أراض تدين بوجودها أوال مث خبصوبتها ثانيا كما تدين تربة مصر والسودان

31 بوجودها وخصوبتها لنهر النيل وقد لعب دورا هاما يف توحيد الشعبني وتشابك مصاحل سكانه يف خمتلف عهود التاريخ. 4 موقع جمهورية مصر العربية: تقع مصر يف الركن الشمايل الشرقي من قارة أفريقيا ولديها امتداد آسيوي حيث تقع شبه جزيرة سيناء داخل قارة آسيا وحيد مجهورية مصر العربية من الشمال البحر املتوسط بساحل يبلغ طوله 995 كم وحيدها شرقا البحر األمحر بساحل يبلغ طوله 941 كم وحيدها يف الشمال الشرقي فلسطني والكيان الصهيوين بطول 265 كم وحيدها من الغرب ليبيا على امتداد خط بطول 1115 كم كما حيدها جنوبا السودان بطول 1280 كم وتبلغ مساحة مجهورية مصر العربية حواىل كيلو مرت مربع واملساحة املأهولة تبلغ كم 2 بنسبة % 7.8 من املساحة الكلية وتقع مصر بني دائريت عرض 522 مشاال وبني خطي طول و 37 ومن مث فإن معظمها يقع يف املنطقة احلارة وجزءا صغريا منها يقع يف املنطقة املعتدلة الدفيئة ويتميز مناخ مصر بارتفاع احلرارة اليت قد تصل إىل أكثر من 40 5 م صيفا وباخنفاضها يف فصل الشتاء وتسقط األمطار شتاء بسبب هبوب الرياح العكسية الغربية ولذلك كانت األمطار أغزر يف غرب البالد ويف مشاهلا وتقل يف شرق البالد وجنوهبا. 6 وميكن تقسيم مصر إىل األقاليم املناخية اآلتية : 1- إقليم البحر املتوسط: وميتد يف مشال مصر على طول سواحلها الشمالية املطلة على البحر املتوسط وحىت دائرة عرض طنطا تقريبا ويتميز هذا اإلقليم حبرارة معتدلة متيل إىل االرتفاع صيفا وإىل االخنفاض شتاء 20 وتسقط على اإلقليم األمطار الشتوية اليت ترتاوح بني 10 سم نتيجة هبوب األعاصري املصاحبة للرياح الغربية ويقل املطر كلما اجتهنا من الغرب إىل الشرق أو من الشمال إىل اجلنوب والصيف جاف متاما وميثل رئاسة جملس الوزراء وحدة وادي النيل أسسها اجلغرافية ومظاهرها يف التاريخ املطبعة األمريية القاهرة 1947 ص 1. جودة حسنني جودة جغرافية مصر الطبيعية وخريطة املعمور املصري اإلسكندرية 2000 ص 9. عبد الغىن سعودي الوطن العريب مكتبة األجنلو املصرية القاهرة 1992 ص 233.

32 هذا اإلقليم مدن اإلسكندرية وبور سعيد ودمياط ومرسى مطروح والعريش. 2- اإلقليم شبه الصحراوي: وميتد بني دائرة عرض طنطا إىل خط عرض مدينة املنيا وال خيتلف مناخه. عن اإلقليم السابق إال أنه أشد جفافا يف وبين سويف. الشتاء وأكثر حرارة يف الصيف وميثل هذا اإلقليم مدن املنيا والفيوم 3- اإلقليم الصحراوي: ميتد من خط عرض املنيا وحىت حدود مصر اجلنوبية مع السودان أي أنه يضم حمافظات مصر العليا )أسيوط سوهاج قنا أسوان( وهذا اإلقليم جاف متاما طول العام كما أنه أشد حرارة من اإلقليمني السابقني وهو نادر املطر وإذا سقط املطر فإنه يكون فجائيا وغزيرا 7. و متتد الصحراء الغربية من وادي النيل غربا إىل احلدود مع ليبيا وتقدر مساحتها بنحو كيلو مرت مربع وتعترب األساس منطقة صحراوية شاسعة معظمها مكون من الصخور الرسوبية و الكثبان الرملية و يوجد هبا عدد من املنخفضات املغلقة أو شبه املغلقة ومن أمهها واحات اخلارجة والداخلة والفرافرة والبحرية وسيوه كما يوجد هبا منخفض القطارة الذي يعد واحدا من أكربوأعمق املنخفضات الطبيعية يف الصحراء الكربى ومتتد الصحراء الشرقية من وادي النيل شرقا إىل البحر األمحر شرقا وخليج السويس وتتكون أساسا من سلسلة من اجلبال املكونة من صخور القاعدة ( الصخور النارية و املتحولة اليت متثل أقدم العصور اجليولوجية يف مصر( 8 تتخللها شبكة من الوديان الرئيسية والفرعية اليت تتجه أساسا إىل ساحل البحر. األمحر وتغطي شبه جزيرة سيناء مساحة حنو كيلو مرت مربع وهي مثلثة الشكل وتفصلها قناة السويس وخليج السويس عن باقي مساحة أرض مصر ويتكون اجلزء اجلنويب من سيناء من سلسلة مرتفعة من اجلبال املكونة من صخور القاعدة وأعلى هذه اجلبال هو جبل سانت كاترين الذي يصل إىل ارتفاع يقدر 7 صبري محمد حمد دراسات في جغرافية في مصر القاهرة 2012 م ص يسرى اجلوهري الوطن العريب دراسة يف اجلغرافيا التارخيية واإلقليمية مؤسسة شباب اجلامعة اإلسكندرية 1995 ص

33 بنحو 2641 مرتا فوق البحر أما مشاال فيتكون من جبال وسهول منخفضة من األحجار اجلريية والرملية والرسوبيات األخرى. 9 موقع جمهورية السودان: السودان إقليم متسع الرقعة إذ تبلغ مساحته *حوايل 2,5 2 مليون كم وليست له سواحل تتناسب مع هذه املساحة فالساحل قطاع قصري من البحر األمحر يف الشمال الشرقي يبلغ طوله حنو 725 كيلو مرت ويقع يف قلب القارة اإلفريقية وحماطا بتسع دول هي مصر وليبيا يف الشمال وتشاد وأفريقيا الوسطى يف الغرب وكينيا واوغندة وزائري يف اجلنوب وأثيوبيا وأريرتيا يف الشرق كما توضح اخلريط التالية وبذلك يعد السودان مبثابة اجلسر الذي يربط بني أفريقيا العربية والشرق األوسط وجيري يف السودان هنران عظيمان مها النيل األزرق والنيل األبيض مث يلتقيان يف مدينة اخلرطوم ويكونان هنر النيل إىل جانب أهنار أخرى مثل هنر عطربة والعرب 10 والسوباط. وميثل السودان أرض اللقاء بني احملور الرعوي املمتد من أقصى غرب القارة إىل شرقها واحملور النيلي املمتد من عامل البحر املتوسط إىل سقف أفريقيا يف هضبة البحريات وهو جممع املنابع االستوائية واإلثيوبية للنيل يتلقاها روافد متعددة ويسلمها إىل مصر هنرا واحد 11 ومناخ السودان يتدرج من مناخ مداري رطب يف اجلنوب إىل مناخ صحراوي جاف يف الشمال وترتفع معدالت درجات احلرارة يف السودان طول العام وتنقسم السنة يف السودان إىل فصلني متميزين صيف حار تتساقط فيه األمطار يف هيئة زخات س يليه مصحوبة بعواصف رعدية وشتاء حار لكنه أقل حرارة من الصيف حسام الدين جاد الرب جغرافية العامل العريب دار العلوم للنشر والتوزيع القاهرة 2005 ص 193. *هذه احلدود قبل أستقالل جنوب السودان. 10 زاهية قدورة تاريخ العرب احلديث دار النهضة العربية بريوت 1985 ص عبد العزيزكامل دراسات يف اجلغرافيا البشرية للسودان دار املعارف القاهرة 1972 ص جودة حسنني جودة جغرافية أفريقيا اإلقليمية منشأه املعارف اإلسكندرية 1996 ص 172.

34 كما تتنوع الظروف الطبيعية والبشرية يف السودان حيث تنقسم إىل ثالثة أقسام هي: القسم األول السودان الشمايل الذي حيد مصر وال خيتلف يف ظروفه الطبيعية وتكويناته الصحراوية عن الصحراء الشرقية والغربية ملصر والذي ينقسم بدوره إىل قسمني مها الصحراء الغربية غرب النيل وهي شديدة اجلفاف والصحراء الشرقية وهي أكثر ارتفاعا وهبا سالسل جبال مرتفعة وتقرتب من البحر اقرتابا شديدا. والقسم الثاين السودان األوسط وهو سطح منبسط بوجه عام ميتد إىل وسطه هنر النيل وتظهر فيه بعض املرتفعات ويف غربة سالسل جبال منعزلة والظاهرة الرئيسية فيه جبل مرة أما القسم الثالث السودان اجلنويب ويغلب عليه الطابع السهلي املنبسط يف السطح ويشمل أحواض هنر الغزال وهنر السوباط واألدىن بينهم حوض حبر اجلبل وللسودان منفذين على البحر األمحر حيث تقع مدينتا بور سودان وسواكن وبذلك 13 جتاور السودان اململكة العربية السعودية. بينما ترتبط السودان يف حدوده مع ليبيا بدول املغرب العريب األخرى ومعظم حدوده السياسية حدود برية طويلة مما كان هلا انعكاساهتا على السودان من وجهة نظر األمن القومي السيما أن عديدا من الدول 14 اجملاورة مل يصل إىل درجةكافية من االستقرار السياسي وبه عددكبري من القبائل تقدرها بنحو) 597 ( قبيلة تتحدث ما يقرب من )12( لغة وهلجة إىل جانب اللغة اإلجنليزية واللغة العربية وتعترب األخرية لغة التخاطب واللغة الرمسية وتوجد يف داخل هذه اللغات هلجات متفرقة. ولقد دفعت التكوينات االجتماعية واالنقسامات الدينية واللغوية السودان ليكون واحدا من أكثر األقطار العربية تنوعا يف الثقافة السياسية فهو من الدول العربية املميزة اليت تتوزع فيها اهلوية الثقافية والوطنية والقومية بني العروبة واالفريقية ياسني مراد جغرافية العامل اإلسالمي القاهرة 1997 ص 46. حممد صبحي عبد احلكيم دراسات يف جغرافية العامل اإلسالمي القاهرة 1991 ص حسان عبد اهلل علي دراسة مقارنة يف النظرية والتطبيق: حالة السودان م رسالة مقدمة الستكمال متطلبات درجة دكتوراه الفلسفة يف العلوم السياسية جامعة القاهرة كلية االقتصاد والعلوم السياسية 2009 م ص 75. خريطة املوقع اجلغرايف ملصر والسودان أنظر املالحق ص 240.

35 نبذة تاريخية عن مصر والسودان: الشك أن الطبيعة أكدت التكامل بني شطري الوادي مبا هو واضح من تدخل كثري من املظاهر الطبيعية يف الشمال واجلنوب فمظاهر السطح تكاد جترى بنظام واحد وحالة املناخ والنبات إمنا هي تدرج طبيعي ال حيس االنسان فيه بانتقال فجائي بني مصر والسودان وليست هناك عقبات مل ميكن التغلب عليها حىت يف تلك العهود األوىل اليت كانت توقف االنسان منها أبسط املوانع. وترتبط العالقات املصرية السودانية أيضا باجلوار اجلغرايف وهذا يعين االمتدادات األثنية والقبائل املشرتكة 16 والبناء النفسي املتقارب وامكانيات التكامل والتعاون ورعاية مصاحل الفرقاء كما يعين احلدود املشرتكة. وقد ظل السودان عرب التاريخ حتتل مكانة بارزة يف سياسات الدولة املصرية منذ عهد الفراعنة أو ما قبل ذلك فمنذ فجر التاريخ ظل هنر النيل يربط بني السودان ومصر يف وحدة طبيعية ومل يكن سبب االرتباط 17 هذا النهر فحسب بل انتشرت اجلماعات البشرية مشاال وجنوبا وتداخلت حىت اختلطت األعراق. لقد كان التواصل بني تلك اجملموعات البشرية متوفرا يف ذلك الزمان املبكر فلما ازدهرت احلضارة املصرية 18 وغلبت على أجزاء كبرية من مشال وادي النيل وأوسط ه زاد التواصل البشري أن هذا التشابه العرقي والتواصل البشري بني صعيد مصر وبالد النوبة هو الذي مهد لنشأة احلضارة املصرية القدمية. وبعد أن تبوأت مصر املراكز املتقدمة يف العامل القدمي عظم تأثريها احلضاري على السودان بل بقي هذا 19 األثر عظيما حىت غلب اإلسالم والثقافة العربية على أبنائه. عبد الرمحن أمحد عثمان الثورة المصرية 2011 م وأثرها على طبيعة العالقات السودانية المصرية مركز البحوث والدراسات 16 االفريقية القاهرة 2011 م ص محمودأبو العبنبن التكامل المصري السوداني تقييم تجربة التكامل في ظل الصراع الداخلي في السودان معهد اليحوث والدراسات األفريقية جامعة القاهرة ص 200. يوسف فضل حسن لمحات من تطور العالقات المصرية السودانية منظور تاريخي مركز البحوث والدراسات السياسية كلية الدراسات االقتصادية واالجتماعية جامعة اخلرطوم الطبعة االوىل 1990 م ص 85. يوسف فضل حسن املرجع نفسة ص 85.

36 فالعالقات املصرية السودانية عالقات قدمية وعند مقارنتها مع دول اجلوار األخرى جند أهنا تتصف باخلصوصية وذلك حبكم اجلوار والتشابك يف املصاحل والتدخل العرقي والتارخيي والثقايف ولكن باستعراض تاريخ العالقات يالحظ أن هناك فجوة تفصل بني ما ينبغي أن يكون عليه مستوى هذه العالقات وبني الواقع السياسي واالقتصادي والثقايف والتنسيق االسرتاتيجي واألمين هناك عبارات عادة ما تطغى على اخلطاب السياسي واإلعالمي بني البلدين مثل األزلية واخلصوصية واألشقاء ولكن هذه العبارات يف بعض األحيان ال ترتجم إىل واقع عملي يف عالقات البلدين كي تشكل بعدا اسرتاتيجيا ملصلحتها ضمن احلد املطلوب من 20 التنسيق والشراكة بني البلدين. والثابت أن كال البلدين مصر والسودان ظال على مدى العصور يدركان أمهية كل واحد منهما بالنسبة لآلخر ولذلك مل يكن ممكنا ألي منهما أن يتجاهل أو حياول أن يقلل من أمهية البلد اآلخر فوجود مصر مرتبط بوجود السودان ووجود السودان مرتبط بوجود مصر والوشائج اليت تدعم هذه املقولة كثرية كما 21 أسلفنا. ق د م الوعي المصري بأهمية السودان: منذ فجر التاريخ واحلضارة املصرية متوغلة يف السودان فقد ظهرت يف بالد النوبة حضارة معاصرة ومشاهبة كل التشابه حلضارة البداري يف صعيد مصر هذه احلضارة اليت هلا أمهية خاصة إذ أهنا كانت مبدأ احلضارات اليانعة اليت تتميز مبصريتها ومنها ميكننا أن نتتبع تطور احلضارات املصرية وتقدمها خطوة خطوة حىت عصر عفاف عبد املاجد أبو حسيب الخلفية التاريخية للعالقات المصرية السودانية جذور العالقة بين مصر والتيار االتحادي في 20 السودان 192 م جامعة اخلرطوم السودان 2008 م ص رضوان السيد ثقافة العالم اإلسالمي والبحث عن هويته الكاتب العريب العدد 45 الكويت مكتبة الكويت الوطنية 15 يونيو 2001 م ص 127.

37 األسر الفرعونية ويف كل ناحية من نواحي حضارة البداري جند الطابع املصري هو الطابع الغالب يف الديانة 22 وفن البناء وطريقة الدفن واالعتقاد يف احلياة االخرى. ومنذ ابتداء العصر التارخيي أخذت العالقات تتطور بني مصر والسودان تطورا تدرجييا بطبيعة احلال حىت وصلت ذروة الرابطة الوثقى ومثلت مسألة مياه النيل جانبا مهما من جوانب العالقات تأسيسا. أهم االعتبارات التي بنيت عليها العالقات المصرية السودانية: أن النيل هو مصدر املياه الوحيد ملصر بينما حتظى السودان مبصادر مياه أخرى. والثاين: اعتماد مصر طوال تارخيها على النيل باعتباره مصدرا للحياة. والثالث: هذه االعتبارات هو دخول بريطانيا طرفا ثالثا يف مسألة مياه النيل حيث لب ت املصاحل االستعمارية الربيطانية بزراعة القطن يف السودان التطلعات السودانية يف التوسع الزراعي اعتمادا على هنر النيل هبدف حتقيق 23 الرتاكم الرأمسايل. وشك ل هذا التالقي بني املصاحل الربيطانية والتطلعات السودانية ورقة ضغط بشأن مياه النيل الذي يعتربه املصريون مصدرهم الوحيد للحياة من هنا فإننا نعتقد أن العالقات املصرية السودانية مل تكن بطبيعة املصاحل الربيطانية يف السودان وحساسية مياه النيل بالنسبة ملصر عالقات تكامل لكنها حظيت جبدل التنافس والصراع على املصاحل احليوية ألي مجاعة بشرية وأعىن هبا املصاحل االقتصادية وذلك يف ضوء أن النيل مل يؤسس نظاما مصريا مائيا وزراعيا فقط بل امتدت أدواره لتؤثر يف النظام السياسي والعقيدة الدينية والوحدة والوطنية إذ حممود عبيد التكامل المصري السوداني جامعة القاهرة اجمللس األعلى للشباب والرياضة ص 68. يونان لبيب رزق السودان في عهد الحكم الثنائي األول م معهد البحوث والدراسات العربية القاهرة 1976 م ص 400.

38 هبدف إىل توحيد النظام املائي وتنظيم جداول الري يف األقاليم فانبثقت الوحدة السياسية املصرية وقامت 24 الدولة املركزية. ومل يكن سبب االرتباط هذا النهر فحسب بل انتشرت اجلماعات البشرية مشاال وجنوبا وتداخلت حىت اختلطت االعراق وامتزجت الدماء منذ عهود سحيقة ومما يالحظ أن سكان الصعيد تغلب عليهم السمات 25 اإلفريقية وتقل تلك السماتكلما اجتهنا مشاال حنو الوجه البحري. لقد ارتبطت مصر بالسودان منذ القدم بعالقات بنيت على أسس اجلغرافية والثقافة واالقتصاد وروابط الدم والدين والتاريخ املشرتك وأن هذا التشابه بني البلدين هو الذي مهد لنشأة احلضارة املصرية القدمية وقد أسهم التطور يف بسط نفوذ بعض اآلهلة وتقوية الوازع الديين يف املنطقة ولذلك تلعب اجلغرافية دورا مهما يف األمن للدول وفقا للمنظور الدويل حيث يرى فريدريك راتزل أن الدولة كائن حي يتكون من األرض واملساحة مما جيعل حدود الدولة غري ثابتة وقابلة لتغيري لصاحل الدول األكثر قوة ويؤدي إىل حروب وصراعات بني تلك 26 الدول ويف هذا الصدد حتتل مصر موقعا أسرتاتيجيا فمصر هي قلب العامل القدمي ونقطة التقاء القارات الثالث إن موقع مصر ليس فقط ألن حوهلا وحول شواطئها تتقابل القارات بل وألنه من تلك الشواطئ تبدأ البحار الداخلية املتحكمة يف البحار الدولية رحلتها حنو العامل اخلارجي البحر املتوسط من جانب الشمال السيدة فليفل الخلفية التاريخية التفاقية مياه النيل يف املؤمتر الدويل حول مشكلة املياه يف افريقيا معهد البحوث والدراسات 24 االفريقية 1988 م ص 1. يوسف فضل حسن لمحات من تطور العالقات المصرية السودانية منظور تاريخي يف ندوة العالقات املصرية السودانية بني 25 املاضي واحلاضر القاهرة 1990 م ص حامد ربيع نظرية األمن القومي العربي والتطور المعاصر للتعامل الدولي في منطقة الشرق األوسط القاهرة 1984 م ص 28.

39 والبحر األمحر من اجلانب اآلخر من الشرق هذه البحار اليت ظلت طيلة العصور القدمية والوسطى وحىت القرن 27 التاسع عشر معرب االتصال لذلك فإن مصركانت دائما دولة ممر ودولة التقاء. أما السودان فموقعها يف وسط وشرق القارة اإلفريقية على شريط طويل من ساحل البحر األمحر قد أه لها لتكون جسرا يربط بني الثقافتني العربية واإلسالمية بسبب جماورته للوطن العريب وأفريقيا باإلضافة إىل غناه بالثروات االقتصادية ولعل اإلمكانات اليت يتمتع هبا السودان كانت من االسباب الرئيسية اليت جذبت اهتمام 28 الدول العظمى حنوه منذ القدم لالستفادة منها أهم الطرق اليت دخل هبا اإلسالم الب السودان: وجاء اإلسالم إىل اجلزء األوسط من حوض وادي النيل )السودان(عن طريقني حمليني هامني: أوهلما : أثيوبيا. ثانيهما : مشال الوادي)مصر(. وجاءت عن طريق أثيوبيا مجاعات قليلة العدد بينما عربت مصر إىل السودان جمموعات متالحقة يف أعداد غفرية ففي السنوات القليلة اليت تلت وصول اهلجرات اإلسالمية يف عهد الرسول وما تبع ذلك من 29 هجرات أخرى بسبب حروب الردة وغري ذلك من الدوافع كما أن العرب قد دفعهم هجوم القراصنة يف البحر األمحر على جتارهتم وعلى املوانئ العربية إىل احتالل بعض املناطق على اجلانب الغريب للبحر األمحر حلماية املصاحل التجارية من أهل اجلانب اإلفريقي للبحر األمحر الذين قاموا هبجوم على ميناء جدة وخربوها 27 أدم حممد أمحد عبد اهلل)سواين( العالقات السودانية المصرية "منظور االمن القومي " رسالة دكتوراة جامعة أم درمان قسم العلوم السياسية السودان 2005 م ص 25. أ دم حممد أمحد عبد اهلل العالقات السودانية االمريكية رسالة ماجستري غري منشورة جامعة أم درمان السودان 1997 م ص 97. الشاطر بصيلي عبد اجلليل معالم تاريخ سودان وادي النيل من القرن العاشر الى القرن التاسع عشر القاهرة 1955 م ص 7.

40 وخاف املسلمون أن متتد يد القراصنة إىل الداخل فتصل إىل األماكن املقدسة ولذلك عمدوا إىل احتالل 30 جمموعة جزر دهلك. وعند دخول اإلسالم يف عهد سيدنا عمر بن اخلطاب وعثمان بن عفان رضي اهلل عنهما اجته احلاكمون اجلدد حنو تأمني حدود مصر اجلنوبية ضد هجمات القبائل البجاوية والدويالت املسيحية حول النيل حيث أسفر هذا التحرك عن توقيع اتفاقية البقط* الشهرية اليت وصفت بأهنا أطول معاهدة يف التاريخ حيث استمر العمل هبا ألكثر من سبعمائة عام ممتدة تغريت يف خالهلا االوضاع السياسية بإعالن قيام سلطنة سنار اإلسالمية يف سنة م. وملا مت الفتح العريب ملصر ذهبت القبائل العربية إىل السودان فالعروبة واإلسالم واإلسالم دخال إىل بالد السودان عن طريق مصر واستمرت اهلجرات إىل أن جاء األتراك 32. وجممل القول أنه بعد اكتمال اهلجرات العربية وقيام مملكة الفونج بدأت مرحلة جديدة لنشر وتعميق مبادئ العقيدة اإلسالمية على يد العلماء واملتصوفة الذين أبلوا بالء ا حسنا رغم ضآلة حمصوهلم الثقايف والفكري ورغم التحديات اليت واجهتهم فقد و جد التصوف قبوال لدى عامة السودانيني وتشهد بذلك األضرحة 33 والقباب املنتشرة علي شواطئ النيل األزرق. 30 الشاطر بصيلي عبد اجلليل المرجع نفسة ص 7. * أتفاقية البقط بني مملكة املقرة وحكام مصر املسلمني عقدت 651 م أستمرت سبعمائة سنة لذا تعترب من أطول املعاهدات يف تاريخ مصر يف هذا الوقت قاد هبد اهلل بن أيب السرح محلة ايل اجلنوب ضد املسيحيني وملا أدرك صهوبة األستيالء على املنطقة عقد معهم معاهدة البقط واليت تضمن أاليعتدي أحدهم على االخر وملواطين البلدين حرية التجارة والسفر ينب البلدين املعتصم أمحد علي األمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية دراسة حالة للعالقات السودانية املصرية م جامعة إفريقيا العاملية مركز البحوث والدراسات االفريقية 2002 م ص 23. محمود عبيد التكامل المصري السوداني مرجع سابق ص 70. حممد النور بن ضيف اهلل كتاب الطبقات في خصوص األولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان حتقيق يوسف 33 فضل 9

41 وتري الباحثة أن انتشار التصوف دليل على غلبة روح التدين ولكنها تعكس أتساع جوانب أخري من الثقافة اإلسالمية حيت التصوف فقد كان االهتمام بالنواحي العملية دون النظرية إذ مل تشهد البالد مولد نظريات أو فلسفة صوفية وقد ترتب على امتزاج التعاليم الصوفية مبا فيها طقوس تبشريية بالتعاليم الدينية مهادنة املسيحية والوثنية املوروثة دون حرب أو صراع إىل غلبة التسامح وانعدام التعصب الديين بني عامة السودانيني. األبعاد اليت احنصر عليها الوعي املصري بأمهية السودان: احنصر الوعي املصري املبكر بأمهية السودان والرؤية املصرية للسودان يف ثالثة هي: سودان وادي النيل. وسودان املوارد االقتصادية والتجارية والبشرية. وسودان العمق االسرتاتيجي وعلى ضوء هذه املصاحل أسست سياسة مصر اخلارجية جتاه السودان. وبالنسبة للبعد األول: سودان هنر النيل: أدرك املصريون أمهية هذا البعد قدميا وحديثا فالنيل مبثابة شريان احلياة بالنسبة للشعب املصري ومصر هي هبة النيل وبدون النيل ال وجود هلا يذكر فعلى ضفافه قامت كل 35 احلضارات املصرية القدمية وخاصة احلضارة الفرعونية وقد بلغ من اهتمام املصريني بالنيل أن قاموا بعبادته. ومع ق دم أمهية النيل تأيت أمهية السودان بالنسبة ملصر فالتطلع املصري حنو مصادر مياه النيل يتبعه دائما تطلع 36 حنو جماهل إفريقيا ومدخل مصر إىل إفريقيا هو السودان باإلضافة إىل األمهية االقتصادية يبدو فيه كل 34 أدم حممد أمحد عبد اهلل العالقات السودانية المصرية من منظور االمن القومي مرجع سابق ص يونان لبيب رزق الجذور التاريخية في العالقات السودانية المصرية ندوة العالقات املصرية السودانية جامعة القاهرة 199 م ص عبد الفتاح أبو الفضل مصر والسودان بين الوئام والخصام القاهرة دار احلرية للصحافة والنشر 1995 م ص. 53

42 منهما عمقا اسرتاتيجيا لآلخر وبالنسبة ملصر فوحدة النهر جعل هلا عالقة ذات طابع خاص فيها درجة عالية 37 من االرتباط العضوي اليت مل تعرفه عالقات مصر بدولة جماورة أخرى. والبعد الثاين: يتصل بسودان املوارد االقتصادية والبشرية: ويعترب هذا البعد كذلك من أبرز أسباب ق دم الوعي املصري بأمهية السودان فالسودان غين باملوارد املعدنية والزراعية واحليوانية مما جعله حمط أنظار الكثري من الدول. وقد أدرك املصريون ذلك منذ القدم فأنشأوا عالقات جتارية مهمة مع املمالك السودانية القدمية املسيحية منها واإلسالمية ومع حاجيات مصر بسبب تطورها احلضاري أصبح على مصر أن تقوم بالتوسع 38 اخلارجي فقدكان القرار املصري بغزو السودان واحتالهلا لثرواهتا املتوفرة. البعد الثالث: يتعلق برؤية السودان باعتباره العمق االسرتاتيجي ملصر: إذ تربز السياسة املصرية جتاه السودان يف احلفاظ على استقراره ومتاسكه من ناحية ويف تعزيز عالقات التكامل بني اجلانبني من ناحية أخرى ألهنا ترى أن أمن السودان واستقراره ميثالن جزء من األمن القومى املصري وأمن مصر من ناحية العمق اإلفريقي مرهون بأمن السودان وأستقرارة )األمن املتبادل( مثال عندما دخل االتراك مصر تبع ذلك دخوهلم للسودان وعندما تعرضت مصر لألحتالل الربيطاين تبعتة السودان وإحتلت من قبل بريطانيا 39. هذه وجهة النظر املصرية جتاه السودان.فكيف كانت وجهة النظر السودانية جتاه مصر وهل كانت وجهات النظر يفكال البلدين متوازنة هذا ماسوف نوضحه الصفحات التالية: تطلع السودان الحضاري نحو مصر 37 مصطفي الفقي من نهج الثورة الى فكر اإلصالح دار الشروق مكتبة االسرة 2004 م ص John Malowe Anglo- Egyptian Relatons London;1954 p اسر أبو حسن العالقات السودانية المصرية فى ظل المتغيرات المحلية املؤمتر الدويل السنوي ثورة 25 يناير 2011 م ومستقبل عالقات مصر بدول حوض النيل مايو 2011 م إفريقيا العاملية اخلرطوم ص 33.

43 لقد ظلت أنظار السودانيني ترنو دائما إىل الشمال إىل مصر فقد كانت مصر دائما مركز اشعاع حضاري اقتصادي وثقايف وديين اجتذبت إليها أفئدة شعوب جنوب وادي النيل وما دوهنا 40. وقد زاد أمهية التطلع السوداين إىل مصر يف تأثريهم على جمريات األمور منذ عهد األسرتني العشرين واحلادية والعشرين يف عهد األسر فصار السودانيون يشرتكون يف مؤامرات القصر ضد امللك خاصة بعد أن كثر االعتماد عليهم يف اجليش وكان اجلنود النوبيون هم القوة الضاربة إلمخاد الثورات وقد جنح بعضهم بعد أن متثلوا الثقافة املصرية متثال كامال يف تبوء مراكز رفيعة يف الدولة. 41 ويف القرن الثامن قبل امليالد أخذ ملوك الكوش *نبتة حاضرة هلم ومتكنوا من توحيد البالد وإكمال سيطرهتم على الديار السودانية اليت وقعت حتت السيطرة املصرية واستطاع هؤالء امللوك أن جيمعوا من القوة ما 42 مكنهم من التوسع حنو الشمال والسيطرة على وادي النيل األدىن. وقد شجعت حالة الضعف اليت ترد ت إليها احلكومة املصرية يف عهد األسرتني الثالثة والعشرين والرابعة والعشرين أن يهب ملوك كوش للدفاع عما يتهدد مصر من أخطار وأن يعيدوا إليها سالف جمدها ومتكنوا من السيطرة على مصر مكونني بذلك األسرة اخلامسة والعشرين اليت نفخت روحا جديدة يف احلضارة املصرية عرفت يف التاريخ بعصر النهضة املتأخرة وقد الطبيب حاج عطية التوازن اإلعالمي واالدرا المتبادل مركز البحوث والدراسات السياسية كلية االقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة الطبعة االوىل 1990 م ص 578. *كان ملوك كوش ميثلون القوة الضاربة لفرتات طويلة إبان العهود الفرعونية وكان سكان شرق السودان من البجة وأسالفهم يعملون شرطة يف ذات الوقت ومل ينته األثر املصري يف السودان هبزمية الكوشيني على أيدي اآلشوريني وانسحاهبم من مصر فمع الثقل السياسي من نبتة إىل مروي بالقرب من شندي حافظت احلضارة السودانية أو الروية بتعبري أدق على كثري من مظاهر احلضارة املصرية ولكنها استحدثت عليها وأضافت عليها إضافات تعكس البيئة اإلفريقية اجلديدة اليت ترعرعت فيها. حممد عبد احلميد أمحد حناوي معركة الجالء ووحدة وادي النيل م القاهرة اهليئة املصرية العامة للكتاب ص 7.

44 أمجع العلماء أن بذور تلك النهضة قد غرست يف عهد الكوشيني مبصر وبعد سقوط مملكة النوبة املسيحية تدفق العرب بأعداد كبرية من مصر معلنني بداية عهد جديد ظهرت مثاره بقيام املمالك اإلسالمية. وقد زاد تطلع السودان احلضاري حنو مصر بعد التغلغل العريب اإلسالمي يف السودان وقيام املمالك اإلسالمية يف السودان وذلك بدخول عناصر أخرى باإلضافة إىل عنصر الدين واليت تتمثل يف األصل الواحد واللغة املشرتكة فقد تتالت وفود العلماء املصريني حنو تلك املمالك اإلسالمية فكانت رؤية السودان ملصر بأهنا 43 مهد العروبة ومصدر االشعاع الديين والثقايف ومن مث فقد تتالت وفود العلماء املصريني حنو تلك املمالك اإلسالمية كما زاد عدد وفود الطالب السودانيني إىل مصر لنيل العلم وخاصة يف األزهر الشريف فأصبحت مصر قبلة السودان احلضارية مما كان له كبري األثر يف الرتكيب الذهين للشعب السوداين على مر العصور 44 وجعله مرتبطا عاطفيا مبصر وساهم ذلك الرتكيب الذهين يف ختفيف حدة العداء والكراهية ملصر. وكذلك جعل التكامل املصري السوداين جمال التأثري السياسي للسودان أكثر قوة وفعالية سواء على املستوى اإلقليمي )القارة االفريقية واملنطقة العربية او على مستوي احملافل الدولية(. كما أن التكامل اإلقليمي بني مصر والسودان ميكن أن يسهم يف عالج مشكالت التكامل القومي اليت يعاين منها السودان والنامجة عن االختالفات العرقية واإلثنية والدينية فاإلحساس باالنتماء إىل كيان أكرب وأوسع ميكن أن يساعد على ختطى الوالءات واالنتماءات الضيقة وتقليل حدة التعصب واجتياز اهلوة اليت تفصل هذه اجلماعات ويساعد ذلك يف عالج أزمة التكامل يف السودان 45. فالعالقة بني مصر والسودان عالقة قوية خضعا لنفس املؤثرات وآمنا بنفس املعتقدات صعدا معا وهبطا معا ومل يكن ملصر مكانة يف التاريخ إال عندما كانت يف وحدة مع السودان حممد عبد احلميد أمحد حناوي معركة الجالء ووحدة وادي النيل م مرجع سابق ص 7. أدم حممد أمحد عبد اهلل العالقات السودانية المصرية من منظور االمن القومي مرجع سابق ص حممود أبو العينني مستقبل التكامل المصري السوداني في ظل اوضاع التحديات الراهنة مرجع سابق ص 29. جمدي أمحد حسني مصر والسودان )التمرد احلضارة االنقاد( املركز العريب اإلسالمي للدراسات القاهرة 1997 م ص 201.

45 أما أهم االعتبارات التي أسهمت في تميز وخصوصية تلك العالقة فهي: أوال: الذاكرة التاريخية: ارتبط تشكيل اهلوية السودانية وصياغتها جبملة من الوقائع اهلامة اليت تربطها مع مصر واليت عربت عنها الذاكرة التارخيية منذ 1820 م سواء عرب احلكم الرتكي املصري أواخر القرن التاسع عشر أو عند احلكم الثنائي املصري الربيطاين ) م( يف النصف األول من القرن العشرين كما ظلت الذاكرة التارخيية حبلى بدور مصر كهمزة وصل لكل من أراد أن ميتد نفوذه خارج حدودها التقليدية ألرض السودان من )فراعنة فرنسيني إغريق رومان وأتراك( 47 هذه األحداث اهلامة بكل تفاعالهتا وفتح حممد علي باشا للسودان بتعدد أغراضه ومالبساته املختلفة محلت معها جوانب إجيابية وجوانب سلبية والوجود الفاعل لإلجنليز وما صاح ب ذلك من تنميط للعالقة بني املصري والسوداين واختصارها على حدودها الدنيا بإضافة السلوك املصري وظهورهكحليف للمستعمر يف وقت ينتظر من أخيه النصرة كل ذلك حمفور يف الذاكرة السودانية. كما أن مصر شكلت جزء ا من الذاكرة التارخيية السودانية بسبب عالقة االجنذاب والتأثر للفكر املصري واملؤسسات املصرية حىت ميكن القول بأهنا أصبحت منوذجا للسودان يف بعض األشياء اهلامة اليت وجهت مسار السودان السياسي والثقايف فيما بعد وذلك من خالل نقل الثقافة من مصر ايل السودان عن طريق فتح أبواب اجلامعات املصرية وتأثري األنشطة املصرية السياسية يف الوعي السوداين منذ القدم لذلك فإن معطيات الذاكرة التارخيية تقود بأن العالقة بني مصر والسودان تسبق بكثري وجود السودان كدولة حديثة مستقلة وتكمن خطورة الذاكرة التارخيية يف قابليتها للتوظيف السياسي خاصة فيما يتعلق باالحتالل يف أوقات تدهور العالقات. ثانيا: االعتبارات الجيوسياسية: 47 رحاب عبد الرمحن الشريف إشكالية بناء االمة في السودان ) م( حبث مقدم لنيل درجة دكتوراه الفلسفة السياسية جامعة القاهرة كلية االقتصاد والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية 2009 م ص 319.

46 هذا النوع من االعتبارات أيضا مييز العالقات املصرية السودانية عن سواها من العالقات اخلارجية لكل البلدين بسبب اخلصوصية النامجة عن: 1 االمتداد اإلقليمي املباشر للبلدين فكالمها يعترب امتدادا لآلخر كما لعب االنتقال عرب النيل دورا فعاال يف دعم العالقات املختلفة بني البلدين وحداثة احلدود بينهما واليت متتد إىل خط العرض 22 ومل حتدد إال يف هناية القرن التاسع عشر مبوجب اتفاق 1898 م هذه املعطيات الطبيعية أحكمت العالقة املصريية املشرتكة. 2 العالقات البشرية والثقافية والتجارية قدمية ومتميزة وسامهت يف تدعيم أواصر العالقة وشكلت عوامل 48 اتصال حقيقي وليست عوامل انفصال بني شطري وادي النيل. 3 كما ارتبطت العالقات من جهة أخرى بتعقيدات السياسة الداخلية السودانية وتأثرت كل من الدولتني بطبيعة وأشكال النظم احلاكمة واألحداث والتطورات السياسية بني البلدين ثالثا: االعتبارات االقليمية والدولية: ولكن رغم متي ز هذه العالقة وتفردها إال أهنا مقيدة باعتبارات إقليمية ودولية وتعود هذه االعتبارات يف املقام األول إىل املالحظات التالية: 1 تعدد فواعل صانعي السياسة اخلارجية املصرية جتاه السودان منذ عام 1820 م فمن حممد علي باشا وحلفائه إىل املعتمد الربيطاين يف القاهرة أو وكاالت حكومة السودان 49 بالقاهرة مث امللك فاروق. كذلك تعدد صانعي السياسة السودانية جتاه مصر واختالف رؤاهم جتاه مصر )نظم عسكرية دميقراطية وعقائدية خمتلفة(. 2 وكما تأثرت العالقة املصرية السودانية بتعدد الفواعل تأثرت أيضا باألدوار اإلقليمية احمليطة مبصر وبعالقتها ليس فقط مع بريطانيا سابقا وإمنا اتسع ليشمل قوات دولية وإقليمية عديدة )الواليات املتحدة اململكة 48 رحاب عبد الرمحن الشريف إشكالية بناء االمة في السودان مرجع سابق ص رحاب عبد الرمحن الشريف إشكالية بناء االمة في السودان مرجع سابق ص 321.

47 العربية السعودية ليبيا ( ووفقا لطبيعة النظام احلاكم يف السودان وتوجهاته السياسية دوليا وإقليميا ولكن على امتداد هذه العالقات األزليةكانت هناك مسات وميزات للسياسة املصرية جتاه السودان أمهها: أ احلفاظ على املصاحل احليوية يف السودان واليت ترتكز ببساطة يف مياه النيل وقضية احلدود وامللفات األمنية فمن البداهة القول: إن األمن القومي املصري يرتبط مبا حيدث من تطورات يف السودان ومن مث فإن مصلحة 50 مصر يف بقاء السودان موح دا. ب من السمات البارزة للسياسة اخلارجية املصرية جتاه السودان أيضا أهنا أسرية الشرعية الدولية مبعىن أهنا مرتبطة بواقع التفاعالت والتغريات اليت حتدث يف الساحة السودانية وعلى املستوى الدويل واإلقليمي مما يعين أن موقفها رغم أنه مرتبط بأمن السودان ووحدته إال أنه ال ينفك عن االلتزامات الدولية. ج السياسة اخلارجية املصرية كذلك أسرية لألشكال واألمناط الرمسية بينما األمناط الشعبية تظل حمدودة لذلك نالحظ أن الشارع املصري واإلعالم املصري وكثري من املؤسسات املصرية توجهها وحتركها قضايا وأحداث الدول العربية األخرى. د أيضا تتسم السياسة املصرية بأهنا أسرية التحيز السياسي جتاه النخبة السودانية ألسباب عديدة ترتبط بوجه خاص بطبيعة النظام السياسي املصري وآليات صنع السياسة وسيادة الدخل األمين للنظر يف العالقة مع 51 السودان. المبحث الثاني :تطور الوضع السياسي فيكال البلدين قد قامت يف البالد دويالت ومشيخات إسالمية على أنقاض ما كان قائما من دويالت مسيحية ووثنية وكان لزاما بعد أن استكملت الدويالت اإلسالمية مراحل تطورها أن تتطلع إىل سلطة مركزية جتمع يف صورة ما بني تلك الدويالت واملشيخات استجابة لدوافع النمو الطبيعي وكانت البالد أصال حمكومة مبلوك مسؤولني 50 رحاب عبد الرمحن الشريف املرجع نفسة ص رحاب عبد الرمحن الشريف مرجع سابق ص 333.

48 وكان طبيعيا أن تتغري النظم بدخول املسلمني إىل البالد يف هجرات متالحقة وقد دفع الوضع اإلقليمي يف 52 السودان إىل الدخول يف روابط اقتصادية مع البلدان اإلسالمية الواقعة خلف حدوده. أما عن العالقات بني شطري الوادي مصر والسودان فإهنا كانت أعمق أساسا عما كانت عليه مع البلدان األخرى ويرجع ذلك إىل أن شطري الوادي يطالن على منفذين إىل احمليطات ومها البحر املتوسط والبحر األمحر كما أهنما حيتالن املدخل األول إىل قلب القارة اإلفريقية األمر الذي وج ه جهودا موحدة لإلفادة من هذا الوضع االسرتاتيجي مبا فيه مصلحة البلدين. وبانتشار الثقافة اإلسالمية ظهرت سلسلة من السلطات اإلسالمية يف السودان الشرقي بني منتصف القرن اخلامس عشر وأوائل القرن التاسع عشر من أمهها مملكة الفونج أو السلطنة الزرقاء وسلطنة الفور بينما يف شهد إقليم كردفان الواقع بينهما مولد مملكتني صغريتني مها 53 تقلي والسبعينات. وبالرغم من وجود العناصر األجنبية من تركية ومملوكية اليت دخلت السودان فإهنا مل تتغلغل يف كيان اجملتمع السوداين كما تغلغلت العناصر العربية األصل اليت أقامت السلطنات واملمالك يف أقاليمه املختلفة إذ عاش األتراك وكذلك املماليك فئة مرتفعة عن املواطنني ال تبغي سوى السيادة واحلكم ومن هنا كان أثرها يف.54 األقاليم السودانية اليت حل ت هبا ضعيفا ويف منتصف القرن السابع عشر أسس "سليمان صولونق" الذي احندر من الكريا فرع من قبيلة الكنجارة الفوراويه ملكة دارفور وظلت ساللة الكريا حتكمها حىت قضى عليها الزبري باشا يف معركة منواشي سنة 1874 م وقد بلغت سلطنة الفور أوج عظمتها يف عهد السلطان عبد الرمحن الرشيد الذي شجع يف أواخر القرن الثامن عشر الدناقلة واجلعليني من سكان وادي النيل خاصة العلماء والفقراء منهم على اهلجرة إىل عباس عمار تحول أهل مصر والسودان إلى أمة عربية إسالمية في كتاب وحدة وادي النيل رئاسة جملس الوزراء املطبعة 52 االمريية القاهرة 1947 ص عباس عمار املرجع نفسة ص 77. نسيم مقار األسس التاريخية للتكامل االقتصادي بين مصر والسودان اهليئة املصرية العامة للكتاب 1985 م ص 27.

49 دارفور حيث عملوا علي نشر تعاليم الدين وتنشيط التجارة ويف عهده اتصلت دارفور بالعامل اخلارجي فاتصل.55 مثال بالسلطان العثماين وهن أ نابليون بونابرت النتصاره على املماليك يف مصر واستطاع أيضا الفونج السيطرة وسط السودان واختذوا مدينة سنار عاصمة هلم ويرجع اختيارهم ملدينة سنار كمقر للحكم ملوقعها اإلقليمي االسرتاتيجي ويسيطر موقع هذه املدينة على الطريق النيلية والقوافل الذي أضفى عليها أمهية كربى كمركز تلتقي فيه خمتلف الطرق التجارية حيث يتم تبادل السلع الواردة من البقاع اإلفريقية املختلفة ومن الشرق األقصى عرب سواكن ومصوع واثيوبيا 56. وجيدر بنا أن نشري يف هذا املقام إىل وثيقة تؤيد اتصال سالطني املمالك السودانية حبكام مصر يف كل ما يتصل بشؤون أمنهم وسالمتهم ففي وثيقة عن حممد بك الدفرتدار إىل حممد علي باشا تفيد بأنه قام بايفاد رسولني لكي يط لعا على الطرق املؤدية إىل كردفان ودراسة أحواهلا وعندما التقى هبم املقدم مسلم ملك كردفان أكرم وفادهتما وسلمها مكتوبا إىل حممد بك الدفرتدار يتضمن سردا مفصال عما ينوي عمله نائب حممد علي يف السودان واالعتداء على أمالك ملك كردفان فيشري امللك مقدوم رسالته إىل "أهل السودان أهل بر وأهل مصر أهل حبر "وأهنم مستقلون منذ القدم وكل سلطان حيكم رعيته على حسب القواعد والدساتري اإلسالمية وأن كردفان ال تدخل يف حكمكم ومل يظهر يف زمن السالطني املتقدمني مثل السلطان العثماين خاطبنا مبثل.57 هذه الرسائل حسن أمحد إبراهيم محمد علي في السودان القاهرة 1977 ص 14. زاهر رياض مصر وإفريقيا مكتبة األجنلو املصرية الطبعة االويل 1976 م الدرسات االفريقية معهد الدراسات القطبية ص 116. دار الوثائق القومية بالقاهرة محفظة 19 بحر برا معية تركى ترمجة املكاتبة رقم 19 بتاريخ 7 شوال سنة 1236 ه املوافق 8 يولية سنة 1821 م.

50 كما أن الفونج بعد السيطرة علي جبال النوبة قد صدروا إىل مصر كمية قليلة من الذهب والعاج من مناطق احلبشة وكميات كبرية من الصمغ من كردفان عن طريق القوافل ولكن الرقيق كان أكثر السلع أمهية يف 58 التصدير كان لسالطني الفونج عالقات طيبة مع علماء األزهر مبصر فكان ألهل السودان رغبة شديدة يف حتصيل العلوم العربية حىت إن بعضهم كان يقصد األزهر الشريف يف مصر ويقضي السنني الطوال يف حتصيل العلوم وقد أنشأ هلم رواق يف األزهر يعرف برواق السناريني وكان من أشهر من خترج منهم يف األزهر السيد أمحد األزهري ابن الشيخ إمساعيل الويل الكردفاين والشيخ احلسني إبراهيم الزهراء من أهل اجلزيرة وقد عادوا كلهم 59 إىل السودان فأنشأوا فيها مدارس العلم. وخترجوا على يديهم تالميذ انتشروا يف أقاليم السودان يبثون ما تلقوه من العلوم. وقد وصل نفوذ الدولة العثمانية يف السودان إىل احلدود الشمالية من مملكة الفونج واحتلوا سواكن اليت يستخدمها السودانيون لتأدية فريضة احلج وقد انزعج سلطان الفونج من هذه القوة اجلديدة اليت اختذ سلطاهنا 60 لقب خليفة املسلمني. على أي حال وصلت السودان إىل حالة من التدهور نتيجة احلروب واملنازعات مما أدى إىل تفتيت الوحدة القومية للسودان وخرابه وهروب السكان من سوء األحوال واالضطرابات وهتديد أمنهم ودبت االنقسامات بني الزعماء احلاكمة يف السودان واليت أدت إىل حروب راح ضحيتها الكثري حىت زال حكمهم يف ذلك الوقت تصاعد التنافر بني إجنلرتا وفرنسا وظهرت عالقة مصر هبذا الصراع ومدى اهتمام حكام مصر بالسودان وانعكاس السياسة األوربية خاصة من جانب فرنسا حنو مصر فبعد أن فشلت فرنسا يف بسط نفوذها القوي يف هولندا أمام النشاط الربيطاين نقلت مسرح الصراع إىل جنوب شرق البحر املتوسط 58 Cray Richard ;AHistory of the Southern Sudan; 1839-Oxford University Press 59 نعوم شقري جغرافية وتاريخ السودان القديم والحديث القاهرة 2007 م ص مكي شبيكة السودان عبر القرون دار اجلبل بريوت 1991 م ص 62. London 1961 p44.

51 حيث قامت بإرسال محلة نابليون بونابرت إىل مصر سنة 1798 م ألمهية موقع مصر االسرتاتيجي على مركز إجنلرتا وعلى خطوط التجارة بني الشرق والغرب وداخل القارة اإلفريقية واهتم نابليون بونابرت مبحاولة إعادة فتح طريق التجارة بني الفور وسلطنة سنار بعد أن أمهلها املماليك الذين وجهوا اهتمامهم حنو التجارة عرب البحر األمحر إىل السويس ومنها بطريق الرب إىل شاطئ البحر املتوسط وتركوا السودان يف عزلة اقتصادية تكاد تكون تامة ومل تكن بريطانية هتتم بالتنافس والتطاحن الذي كان قائما بني زعماء املمالك بسبب التجارة عرب مصر طاملا هذا الصراع ال يؤثر على 61 شريان مصاحلها يف الشرقيني األدىن واألقصى. إال أن نزول القوات الفرنسية يف مصر أيقظ اهتمام الدول األوربية وخباصة إجنلرتا اليت كانت حترص كل احلرص على بقاء منطقة الشرق األوسط بعيدة عن سيطرة دولة أخرى ملا خيلق هلا من متاعب تعطل معها مصاحلها االقتصادية وعالقاهتا مع اهلند وبذلت بريطانيا جهودها إلخراج الفرنسيني من مصر األمر الذي مت هلا يف سنة م وقد عني الباب العايل بعد خروج الفرنسيني والة على مصر مل يكتب هلم التوفيق يف إدارة البالد. وبدأت األحزاب السياسية املختلفة يف مصر تتطاحن فيما بينها على الزعامة وكانت وقتئذ ثالثة أحزاب: املماليك واأللبانيني واألتراك وكانت إجنلرتا تؤيد احلزب األول بينما كانت فرنسا تعتمد على الثاين أما املصريون فكانوا مرة مع هذا ومرة مع اآلخر ويف ذلك الوقت تسلم يوسف باشا زمام احلكم يف القاهرة باسم 63 السلطان بينما ظل حسني قبطان باشا قائد العمارة العثمانية حاكما لإلسكندرية. وملا كان البد من تنصيب وال على مصر فقد اتفق يوسف باشا وحسني قبطان باشا على مطالبة الباب العايل بتعيني خسرو باشا واليا على مصر فاستجاب الباب العايل لطلبهما وما إن توىل خسرو باشا واليا على مصر حىت حاول القضاء على املماليك وقد أصبحوا حتت زعامة الربديسى واإللفي ولكن حماولته قد فشلت ألن املماليك كانوا أصحاب الكلمة يف الصعيد ويف خالل هذه األحداث كان النزاع على أشده بني اإللفي الشاطر بصيلي عبد اجلليل معالم تاريخ سودان النيل مرجع سابق ص 126. الشاطر بصيلي عبد اجلليل املرجع نفسة ص 127. حممدة شفيقة غربيال بناء الوطن المصري السوداني في القرن التاسع عشر فيكتاب وحدة وادي النيل مرجع سابق ص 84.

52 والربديسي وكان األول مقربا لدى اإلجنليز وكان قد سافر إىل اجنلرتا فلما عاد إىل مصر حاول الربديسي االنفراد بالقاهرة فقام حممد علي بتأليب اجلنود األلبانيني للمطالبة مبرتباهتم. وحتت اإلحلاح والضغط والتهديد غادر القاهرة إىل الصعيد سنة 1804 م وبفرار هذين األمريين خال املناخ حملمد علي وأصبح مستقال عن املماليك ويف غىن عن مساعدهتم فرأى االستعانة باألهايل على حتقيق أمانيه وكان الشعب قد اشتد سخطه وتطلع إىل عهد جديد طابعه النظام واالستقرار ومسته رعاية املصلحة العامة. تنصيب محمد علي واليا على مصر: ووجد الشعب يف حممد علي الصورة املتمثلة يف الذهن فأبدى رغبته يف أن تكون له والية احلكم فصدر فرمان 1805 م بتنصيبه فكان ذلك أول نصر أحرزته احلركة القومية يف العصر احلديث وبدأ حممد علي يف مطاردة املماليك ومتابعة الفارين منهم للوجه البحري والصعيد والقضاء عليهم وعندما نشط يف مطاردهتم امتدوا يف زحفهم إىل السودان حيث دخلت إليه بعض اجلماعات هربا من املصري الذي ينتظرهم 64. وكان هلذه التطورات يف الشمال أصداؤها يف السودان فأخذ زعماؤه يتلمسون الطرق والوسائل للحصول على مساعدة مصر للخالص مما حل هبم من تطاحن قبلي وحروب داخلية. كما حاول املماليك الدخول إىل كردفان وبالد الفور وكانت خشية مصر أن يتعاون املماليك مع أثيوبيا على قيام دولة مملوكية تسيطر على حوض النيل األوسط وتنفذ إىل ساحل البحر األمحر وتنشئ يف هذا اجلزء من 65 وادي النيل مشيخات وزعامات ختضع يف صورة أو أخرى للمماليك. كما تشري وثيقة من حممد علي إىل قائد محلة السودان يستفسر فيها عن وصول بقايا املماليك إىل شندي حيث قام ملكها بقتل بعضهم وفر الباقون إىل كردفان يطلب فيها الباشا من قائد احلملة اإلسراع يف التحرك 66 من سنار ومواصلة محلته عليهم. ولذلك أدرك حممد علي أن وادي النيل بشطريه سياج واحد واملعامل اجلغرافية 64 حممدة شفيقة غربيال املرجع نفسة ص دار الوثائق القومية دفتر معية تركي ترجمة الكاتبة رقم 226 بتاريخ 13 رمضان 1235 ه املوافق 24 يونية 1820 م. 66 دار الوثائق القومية دفتر معية تركي ترجمة الكاتبة رقم 20 بتاريخ 15 حمرم 1235 ه املوافق 2 نوفمرب 1820 م

53 ملصر والسودان تشمل وادي النيل من منبعه إىل مصبه وأن مصر والسودان قطران ال ينفصالن ويكونان وحدة سياسية واقتصادية واحدة تربطهما روابط الدم والتاريخ واللغة والدين واملصاحل املشرتكة لذلك مل يكد يرسي 67 دعائم حكمه حىت عقد العزم على فتح السودان وبسط السيادة املصرية عليها. العالقات المصرية السودانية في عهد محمد علي: يف أيام حكم حممد علي ملصر أخذت مصر توجه جهودها لتحقيق النظام واالستقرار يف السودان وإدخال مقومات احلضارة احلديثة فيه ليكون ذلك أساسا لتنمية ودعم العالقات بني اإلقليمني فأرسلت مصر محلة إىل السودان يف عام 1820 م مصحوبة جبماعة من كبار علماء الدين الذين كانت مهمتهم القيام بإرشاد 68 األهايل وتبصريهم بأهداف احلملة اليت ترمي إىل وضع أسس جديدة إلعادة الطمأنينة واالستقرار يف البالد. يعود تاريخ العالقات املصرية السودانية يف التاريخ احلديث إىل عهد حممد علي باشا عندما غزا السودان 1821 م إذ مث ل ذلك التاريخ بداية السودان احلديث كما ع د بداية مرحلة العالقات الشائكة بني مصر 69 والسودان. وقد استمرت العالقات املصرية السودانية تشكل شاغال من أهم شواغل )مصر النهضة ) يف العصر احلديث عندما أخذت مصر بأسباب النهضة احلديثة خالل القرن التاسع عشر والذي بدأ من عهد حممد علي ومرورا بعهد اخلديوي إمساعيل حيث امتد النفوذ املصري إىل داخل أفريقيا يف السودان ويف أواسط إفريقيا يف مناطق أعايل النيل والبحريات االستوائية املسرت جورج يانج تاريخ مصر من عهد المماليك إلى نهاية حكم اسماعيل تعريب علي أمحد شكري ص 111. على إبراهيم عبده العالقات التاريخية بين مصر والسودان حتى نهاية القرن التاسع عشر اجمللس االعلى للشباب ص مين حسني عبيد السودان ومحيطة االقليمي دراسة يف املشكالت السياسية بغداد 2012 م معهد البحوث والدراسات اإلفريقية العدد 32 ص نسيم مقار مصر والسودان الحديث مركز وثائق وتاريخ مصر املعاصر اهليئة املصرية العامة للكتاب 1993 م ص 8.

54 لقد كانت السياسة املصرية جتاه السودان من بواكري السياسات اخلارجية اليت رمسها حكام مصر خالل هذا 71 العصر فقد اهتم حممد علي بأمر السودان وأعتربها امتدادا ملصر فمنذ تول يه والية مصر يف 1805 م اتسم عهده بانتهاج سياسة داخلية خمتلفة عما سبقها وأخرى خارجية فقد كانت تراود حممد علي أفكار وأمنيات بتكوين امرباطورية واسعة مستغال بذلك ضعف الدولة العثمانية فكان له ذلك عندما كلفه السلطان العثماين بالقضاء على احلركة الوهابية حيث أرسل محالت عسكرية إىل اجلزيرة العربية م حيث قضت 72 على الدولة السعودية األوىل أتبعها حبملة أخرى إىل السودان م مث شرع يف وضع النظام السياسي الذي ارتآه صاحلا والذي كان يهدف من ورائه إىل "نقل مصر من جمرد إيالة عثمانية بسيطة إىل باشوية وراثية سواء كانت منفصلة عن كيان الدولة العثمانية أم داخلة يف نطاق اإلمرباطورية العثمانية اذا كان االستقالل واالنفصال متعذرا". لقد اهنارت سلطة الفونج اإلسالمية أمام اجليش الرتكي املسلح بعتاد ناري يف عام 1821 م كان ذلك الغزو ميثل أول انتهاك حلرمة البالد وفرض حكم أجنيب عليها منذ أماد بعيدة فالسودان بأرضه الشاسعة وصحاريه الكبرية وغاباته الوعرة كان حمصنا حتصينا طبيعيا ضد تلك املخاطر. أما الفتح الرتكي املصري فقد توغل إىل قلب البالد وظل حيكمها ستني عاما ورغم جناحه يف كسر شوكة املعارضة فإهنا مل متت وظلت تعرب عن نفسها بأشكال خمتلفة مما شحذ فيها اإلحساس الوطين وأيقظ روح البطولة واالعتزاز بالنفس ياسر أبو حسن العالقات السودانية المصرية في ظل المتغيرات المحلية مرجع سابق ص أمساعيل أمحد باغي حممد شاكر تاريخ العالم االسالمي والحديث والمعاصر اجلزء الثاين دار املريخ للنشر الرياض 199 م 72 ص يوسف فضل حسن لمحات من تطور العالقات المصرية السودانية منظور تاريخي مرجع سابق ص 95.

55 وقد اقتضت كثري من العوامل فتح السودان وإدخاله يف إطار ذلك النظام السياسي الذي شرع حممد علي يف وضعه ملصر وضم جنوب وادي النيل إىل مشاله يف وحدة سياسية واحدة ومن بني تلك العوامل الكثرية 74 مطالبة عدد من زعماء السودان بإنشاء حكومة قوية بالسودان. ومن الدوافع األخرى لفتح السودان إمكان جتنيد السودانيني يف اجليش املصري النظامي ملا اشتهر به اجلنود السودانيون من الصرب والشجاعة والطاعة للرؤساء وهناك الكثري من الوثائق اليت تدل على اهتمام حممد علي باشا مبسألة احلصول على الرقيق الالزمني للتجنيد كعامل مساعد يف تكوين جيش نظامي قوي. ففي أمر من حممد علي إىل مأمور سنار وأسوان أن وايل جدة قد اشتكى من موت السودانيني وهو يف الطريق الربي حىت الميوتوا. ويف مكاتبة أخرى من حممد علي إىل الكتخدا بك بشأن إرسال زجني وألف رأس بقر إىل احلملة وطلب ضرورة فرز هؤالء الزنوج واختيار الصاحلني االقوياء لتجنيدهم يف اجليش والباقي من النساء واألطفال فيباعون اذا مل تكن هناك أعمال تقتضي استخدامهم 76 فيها كان حممد علي يرمي إىل توسيع م لك مصر من اجلنوب واكتشاف منابع النيل وحتديد الروابط االقتصادية بني مصر والسودان وتوسيع نطاق املعامالت 77 التجارية بينهما. باإلضافة إىل املماليك الذين فروا جنوبا جتاه السودان. كذلك رغبة حممد على يف العمل على حتسني أوضاع السودان فقد استاء من تدين أحوال السودانيني خالل عهد دولة الفونج ) م( وقد طلب أهل السودان من حممد علي توفري األمن 74 عبد الفتاح عبد الصمد العالقات المصرية السودانية في ظل االتفاق الثنائى م اهليئة املصرية العامة 1993 م ص دار الوثائق القومية دفتر 9 معية تركي وثيقة رقم 88 بتاريخ 27 حمرم 1235 ه املوافق 3 نوفمرب 1820 م. 76 دار الوثائق القومية دفتر معية تركي وثيقة رقم 647 بتاريخ 14 ذي القعدة 1236 ه املوافق 13 اغسطس Mandur A Lmahdl A short History of the Sudan London; oxford university 1963 p53.

56 فاستجاب لرغبة أهايل السودان حيث قرر أن يضع حدا بالقوة أمال يف ختليص السودانيني من تلك املصاعب واملآسى ويتم توحيدهم مع إخواهنم املصريني يف دولة قوية كذلك هناك روابط طبيعية وحيوية وقومية وسياسية 78 أراد تدعيمها وكذلك روابط الدين والدم. وترى الباحثة أن حممد علي عز عليه أن يظل استثمار هذه املوارد الطبيعية مهمال وأال يفيد السودانيون أنفسهم من تلك الثروات العظيمة والكنوز الدفينة ومن مث اشتدت به الرغبة يف إحياء التجارة بني مصر والسودان وكان ذلك من العوامل اليت أقنعته بفتح السودان ورغم أنه من املعلوم أن احلصول على الرقيق كان من أهم دوافع الفتح إال أن حممد علي كان يريد يف الواقع أن ي دخل شيئا من النظام على جتارة كان من املستحيل عليه أن خيلع جذورها بعد أن تأصلت يف البالد منذ أزمان بعيدة. حيث طلب حممد علي من السلطان العثماين حممود الثاين أن يأذن له يف فتح السودان باعتبار السلطان العثماين صاحب السيادة ليس على والية السودان فحسب بل على احلبشة ايضا وقد وافق السلطان العثماين على طلب حممد علي حيث أعطاه املوافقة بأن يفتح من أقاليم السودان ما يشاء بشرط أن حيدث 79 هذا باسم السلطان العثماين باعتباره صاحب السيادة الشرعية على مصر نفسها. وقد متكنت قوات حممد علي بقيادة ابنه إمساعيلكامل من إدخال أقاليم النوبة وسنار وكردفان يف حوزة مصر وبدأ هذا التاريخ تأسيس الوحدة السياسية احلديثة لوادي النيل فكانت هذه أول حماولة يف العصور احلديثة للتوغل يف القارة اإلفريقية وتنظيم شؤوهنا 80. وبعد أن مت حملمد علي فتح السودان أصدر السلطان العثماين فرمان عام 1822 م بتولية إمساعيل كامل بن حممد علي كأول حاكم أو حاكمدار على السودان ولكن هذا الفرمان مل ينفذ كاجراء مباشر بل صدر تقليد احلكم إلمساعيل بن حممد علي مباشرة ومنذ ذلك احلني مل يصدر أي فرمان من الباب العايل لتعيني حممد بشري جنوب السودان دراسة السباب الصراع ترمجة اسعد حليم القاهرة اهليئة العامة للتإلىف والنشر 1971 م ص حممد فؤاد شكرى مصر والسودان مرجع سابق ص 8. عبد الفتاح عبد الصمد العالقات المصرية السودانية في ظل االتفاق الثنائى م مرجع سابق ص 12.

57 احلكمداريني يف السودان طول فرتة حكم حممد علي واستمر هذا اإلجراء سار يا يف عهد خلفائه وسبب ذلك أنه يف حال إصدار السلطان العثماين فرمان بتولية إمساعيل كامل 1822 م ألصبحت فرمانات التعيني ملن سيخلفوه البد وأن تصدر من الباب العايل إال أن صدور التعيني من جانب الوالة يف مصر معناه أن خصائص السيادة على السودان قد أصبحت عند هؤالء الوالة فكانت تلك هي البداية للوحدة السياسية بني مصر والسودان فلم يرض حممد علي أن تكون الوحدة السياسية متوقفة على إرادة الباب العايل إن شاء أبقى على تلك الوحدة وإن شاء رفضها لذلك أراد حممد علي أن تستند تلك الوحدة على سند دويل قائم على حق واقعي خاصة بعد 81 توتر العالقات بني مصر )حممد علي (وتركيا )السلطان حممود الثاين( واليت أدت إىل نشوب حرب الشام األوىل م والثانية 1839 م وتدخلت فيه الدول األوربية إلهناء النزاع املصري العثماين فأصبح الواقع إما أن يستقل حممد علي حبكم مصر وإما أن تظل الدولة العثمانية على قاعدة إنشاء احلكم الوراثي فيها لذلك قرر حممد علي أن ال تضيع جهوده ولكنه مل يعتمد على بيان حقوقه يف السودان غري تلك املعتمدة من الباب العايل على حق الفتح وهو احلق الذي كان مصدقا عليه يف حتديد العالقات يف تلك الفرتة فمنذ ان اصبحت مصر والسودان كيانا واحدا اعترب حممد علي األراضي السودانية 82 واألراضي املصرية وطنا واحدا. وهذه هي احلجج اليت اعتمدت عليها مصر يف جنوب الوادي عندما شرعت بعض الدول يف وضع تسوية للمسالة املصرية يف م وأخذت الدول بوجهات النظر هذه مجيعا إال أن الدولة العثمانية بدأت تبحث من جديد عن إضعاف الدولة املصرية من خالل اختالق أزمة التنظيمات العثمانية اخلريية * عبد اهلل عبد الرازق إبراهيم وشوقي اجلمل تاريخ مصر والسودان ص 180. حممد فؤاد شكري مصر والسودان مرجع سابق ص *التنظيمات العثمانية اخلريية هي جمموعة من القوانني واألنشطة اليت سنت أو صدرت على القواعد اليت تقررت يف خط شريفكلخانة الصادر يف 3 نوفمرب 1939 م وكان من هذه القوانني ما يتعلق بإعطاء الضمانات لتامني الشعوب اخلاضعة لإلمرباطورية وكذلك ما تعلق باألنظمة االدارية على اساس تدعيم السلطة املركزية يف القسطنطينية.

58 وهي أزمة أثارهتا تركيا حىت يتم إلغاء االمتيازات اليت حصلت عليها مصر يف تسوية م والعودة هبذه البالد إىل الوالية العادية كإحدى املقاطعات البسيطة التابعة للدولة العثمانية إال أن القائمني على احلكم 84 يف مصر استطاعوا اجتياز أزمة التنظيمات بسالم واحملافظة على الوضع الذيكان ملصر مبقتضى التسوية. ولقد كان للتسوية اليت وضعت للمسألة املصرية آثار سلبية وأخرى إجيابية على السياسة اليت اتبعت يف ذلك احلني يف السودان وقد متثلت اآلثار السلبية يف أهنا كانت بالغة األثر على كل من مصر والسودان ألمد بعيد فبمقتضى هذه التسوية أصاب وضع مصر يف السودان شيء من اخللخلة ساعد عليه ضعف القوة العسكرية املصرية اليت كانت السند األول ملصر يف مواجهة الدولة العثمانية وغريها فصار يسري يف السودان مبقتضى هذه التسوية ما ت سنه الدولة العثمانية من قوانني ومعاهدات ومن بينها االمتيازات األجنبية كما بات متعذرا مبقتضاها أيضا إجراء أي تعديل أو تغيري على الوضع الذي حددته الفرمانات للسودان من غري موافقة الدول وكذلك تدخ ل النفوذ األجنيب جعل من الصعب التفرغ لشؤون السودان إال بالقدر الذي يفرضه االحتفاظ 85 بالوحدة بني البلدين. أما اآلثار اإلجيابية فقد غدت تأكيدا رمسيا للجانب الفعلي للسيادة اليت مارستها يف السودان فقد كان مبعثها االحتفاظ بالوحدة بني البلدين وكان اهلدف الذي وضعته التسوية ملا جيب أن تتجه السياسة املصرية لتحقيق السيادة يف السودان فرمست التسوية خطوط الطريق الذي جيب أن تسري فيه السياسة املصرية لتحقيق هذا اهلدف وبوفاة حممد علي باشا يف عام 1848 م تكون قد انطوت صفحة هامة من صفحات مصر 86 احلديثة حيث أعقبه عدد من األحفاد واألبناء إال أهنم أقل عزمية وصالبة منه. 84 عبد الرمحن الرافعي مصر والسودان في أوائل عهد االحتالل تاريخ مصر القومي من م الطبعة الثالثة 1966 م الدار القومية للطباعة والنشر القاهرة ص عبد الفتاح عبد الصمد العالقات المصرية السودانية في ظل االتفاق الثنائي م مرجع سابق ص 13. املعتصم أمحدعلي األمني السودان في صحيفة األهرام القاهرية دراسة حالة للعالقات السودانية المصرية م مرجع سابق ص 23.

59 ومنذ توىل عباس باشا والية مصر 1849 م شرع السلطان العثماين يف تنفيد خطته بأن حيول مصر أليالة ال ختتلف يف شيء عن أياالت الدولة العثمانية وذلك ألن مصر حصلت على تأكيد يف تسوية م ملباشرة سيادهتا الفعلية يف السودان حيث أصبحت حمل نظر السلطان العثماين الذيكان يتوق إىل التشفي من حممد علي ومن مصر فرأى أن حيرم مصر من تلك السيادة وينقلها إليه وكانت أزمة التنظيمات العثمانية املشهورة هي ذروة حماوالت السلطنة العثمانية لبلوغ مأرهبا غري أن عباس باشا استطاع مبساعدة بريطانيا أن جيتاز تلك األزمة حني مت االتفاق يف إبريل 1852 م على تطبيق التنظيمات اخلريية العثمانية يف مصر معدلة مبا يكفل للوايل االحتفاظ بسيادته الداخلية الكاملة. 87 ويف عهده بدأت تظهر آثار التسوية اليت و ضعت للمسألة املصرية فبدأ التدخل األجنيب يف مصر نتيجة لتلك الوصاية الدولية اليت أتت هبا التسوية مث إنه بعد هذا بدأ التنافس حيتدم بني إجنلرتا وفرنسا على االستئثار بالنفود األعلى يف مصر وكانت فرنسا يف السنوات األخرية من حكم حممد علي قد صارت صاحبة نفوذ كبري يف مصر وقد حذر عباس من استمرار النفوذ الفرنسي وأن تتحول الباشوية املصرية إىل جمرد بالد خاضعة 88 للحماية الفرنسية ومل تغفل فرنسا عن ذلك فبدأت من جانبها تتصيد له وسنحت هلا الفرصة عندما بدأ األجانب يفدون إىل مصر يف عهد سعيد باشا الذي خلف عباسا األول 1854 م حيث كانت من عيوبه االستدانة وحسن الظن باألوربيني ففي عهده أخذ األجانب يبسطون هيمنتهم على مرافق البالد االقتصادية وصار للقناصل نفوذ حمسوس يف قصر احلكم بيد أن التاريخ يذكر لسعيد باشا بعض احملاسن وعلى رأسها حق متلك األراضي الزراعية ألول مرة للمواطنني وختفيف الضرائب ومن أهم القرارات اليت اختذها واليت سيكون هلا شأن كبري يف تاريخ مصر السياسي مساحه حبفر قناة السويس عبد الفتاح عبد الصمد العالقات المصرية السودانية في ظل االتفاق الثنائي م مرجع سابق ص 14. حممد فؤاد شكري مصر والسودان مرجع سابق ص 58. خريطة احلدود املصرية السودانية أيام اخلديوي إمساعيل أنظر املالحق ص 247.

60 تولية الخديوي إسماعيل الحكم في مصر: وبوفاة سعيد باشا 1863 م صعد سدة احلكم اخلديوي إمساعيل الذي حدث يف عهده تطورات عديدة حيث اكتمل العمل يف قناة السويس وبذلك صارت أهم املمرات املائية يف العامل وحدث يف عهده استدانة 89 واسعة من الدول األوربية مما كب ل مصر فعليا بالديون اخلارجية ويف 1876 م استطاعت اخلديوية إدخال اإلصالح القضائي الذي أوجد احملاكم املختلطة يف مصر وكان إصالحا حقق عدة مبادئ جديدة يف تاريخ القضاء املصرى ولقد حصلت مصر بفضل االتفاق على مكانة ممتازة يف تقدير الدول اليت نزلت ملصر مبقتضى هذا االتفاق ويف احلقيقة كانت تلك املزايا اليستهان هبا ولكن مع ذلك كله فإنه سرعان ما تسبب إنشاء احملاكم املختلطة بإضعاف اخلديوية املصرية. ويف السودان أضعف سقوط اخلديوية يف مصر حكمداريه 90. أما السودان فقد بدأ يعاين من التدخل األجنيب حيث بدأ األجانب يفدون إىل السودان بكثرة زائدة يف وقت مبكر على دخوهلم إىل مصر وذلك لعدة أسباب منها ما هو متعلق مبوقف حكومة القاهرة من األجانب الذين يلقون تشجيعا على اجملئ إىل مصر بعد انقضاء عهد حممد علي األمن أواسط م.لقد كان التدخل األجنيب يف السودان ومقره اخلرطوم أكثر خطورة فقد اختذ لنفسه مكانا غري املطالبة بالتعويضات املالية اجلسيمة وهو مؤازرة جتارة العاج لزيادة األرباح الوفرية منها مث مساندة جتار الرقيق واالنغماس فيها فتكو ن ما يسمى بالزرائب أو احملطات املسلحة واغتصب جتار الرقيق السلطة تدرجييا من حكومة اخلرطوم يف أماكن شاسعة من السودان حىت إنه مل يعد باقيا للحكومة أي نفوذ خارج اخلرطوم واجلهات القريبة منهم وأصبح السودان يف هناية هذا العهد مهددا بالضياع متاما من الباشويه املصرية حيث ظهرت االدعاءات برغبة الباشوية يف التخلي عن السودان 1857 م والتفريط يف الوحدة السياسية بني البلدين بدال من احللول ملشاكله إال أن حكومة القاهرة قد عنيت باإلدارة املصرية يف السودان فقد عنيت باختيار احلكمداريني من املعتصم امحدعلى االمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية مرجع سابق ص 25. أمني سعيد تاريخ مصر السياسي من الحملة الفرنسية 1798 مإلى دار احياء الكتب العربية 1959 م ص 57.

61 بني األكفاء الذين امتازوا باجلد وحسن تصريف األمور واالستماع لشكايات األهايل واشتهر أكثرهم باألمانة* فقد استطاعوا رد األعداء على احلدود الشرقية وأيدوا سلطان احلكومة ونشروا األمن يف ربوع 91 السودان كما قاموا بإصالح وتعمري األراضي. ومنذ ذلك الوقت حقق املصريون للسودان وحدته القومية بعد أن كان سلطنات متفرقة اشتدت بينها احلروب الداخلية وتطاح ن زعماؤها على السلطة كما أن املصريني نشروا يف أحناء السودان لواء احلضارة والعمران وأسسوا فيه حكومة منظمة كان هلا الفضل الكبري يف بسط رواق األمن والطمأنينة ومل ينظر املصريون 92 إىل السودان كمستعمرة لالستغالل بل نظروا إليه كجزء ال يتجزأ من مصر خدم املصريون السودان من نواحي كثرية فقد وحدوا بقعة جغرافية واسعة تضم قبائل متباينة يف اللون واجلنس واللغة والدين والعادات وأدخلوا إىل السودان احلضارة احلديثة ونشروا العلم واملعرفة ورفعوا املستوى الصحي واالجتماعي وأوجدوا عهدا مستقرا وكذلك محى املصريون السودان مدة من الزمن من أن تصبح مستعمرة أوربية وأخروا حدوث ذلك قرناكامال ووسع املصريون حدود السودان اتساعا كبريا واعرتفت بريطانيا يف 1877 م بسيادة مصر على مجيع الساحل اإلفريقي الشرقي وكانت هذه بداية النهاية فقد ثارت احلرب مع احلبشة واشتعلت بنريان الفتنة يف السودان وخسرت مصر وخسر العرب إفريقية الوسطى بتخطيط من الدول االستعمارية )بريطانيا وفرنسا وايطاليا واملانيا ) 93 حيث تقامسوا املنطقة واحتلت القوات الربيطانية مصر 1882 وصحب احلكم املصري 94 يف هذه البالد انتقال املدنية املصرية احلديثة إليها إذ حرصت احلكومة املصرية على النهوض بأحواهلا فقد حممد فؤاد شكري مصر والسودان مرجع سابق ص * االواحدا :عبد اللطيف باشا م كثرت ضده شكاوى الناس يف احتكار جتارة النيل االبيض لنفسه. على أبراهيم عبده العالقات التاريخية بين مصر والسودان حتى نهاية القرن التاسع عشر مرجع سابق ص 71. أمساعيل أمحد باغي حممد شاكر تاريخ العالم االسالمي والحديث والمعاصر مرجع سابق ص 54. نسيم مقار مصر والسودان الحديث مرجع سابق ص 8.

62 أقام احلكم املصري املدن اجلديدة على الطراز احلديث مثل اخلرطوم اليت اختذت عاصمة للبالد عام 1830 م 95 وقد جعلوا هلا هذا املوقع ألمهيته حيث يلتقي النيالن األزرق واالبيض. كذلك ادخلت مصر إىل السودان فن الطباعة فأرسلت إليه مطبعة حجر صغرية مل يعرف على وجه التحديد 96 موعد وصوهلا للسودان وقد اسهمت هذه املطبعة يف نشر العلم والثقافة. كما استطاعوا افتتاح بعض أقاليم السودان اليت خرجت عن طاعة احلضرة الفخمية اخلديوية بالوسائل احلربية واملائية باالحتاد بني حكوميت جاللة ملكة اإلجنليز واجلانب العايل اخلديوي وقد أصبح من الضروري وضع نظام خمصوص ألجل إدارة األقاليم حيث صدر االتفاق بينهما. واستقرت أقدام املصريني يف السودان وأنشأوا حكما استمر حىت ثورة املهدي 1883 م مث حل حمله احلكم الثنائي 1899 م. الحركة المهدية تأسست احلركة املهدية على يد حممد بن عبد اهلل والذي أشتهر منذ صغرة بالتعبد والتقوى والزهد ونشر أفكاره على مريديه 97. وقد ظهرت الثورة يف السودان سنة 1881 م تلبية لدعوة حممد أمحد املشهور باملهدي وقد ألغى املهدي سلطة زعماء العشائر والقيادات ليكون أغلب الشعب حتت رعاية املهدي الدينية الذي كان حكمه على 95 رأفت غنيمي الشيخ مصر والسودان في العالقات الدولية ص نوال عبد العزيز مهدى راضي رياح الشمال دراسة في العالقات المصرية السودانية في التاريخ الحديث والعاصر املطبعة التجارية احلديثة 1985 م ص 18. أمحد فؤاد القاضي العالقات السودانية االثيرية منذ عام 1993 م رسالة مقدمة للحصول على درجة دكتوراه الفلسفة يف 97 الدراسات اإلفريقية من قسم السياسة واالقتصاد معهد البحوث والدراسات االفريقية جامعة القاهرة 2008 م ص 62.

63 األساس األوتوقراطي ومجع قيادات القبائل يف شكل جيش جماهد بغري متييز بينهم وكانت أسباب املهدي هذا 98 األسلوب أن املهدية بدأتكحركة دينية حبتة ال تفريق فيها بني قبيلة وأخرى وال فرد وال آخر. من هذه األسباب احلكم الرتكي املتسلط واملآسي اليت حتملها السودانيون خالل احلكم املصري وعندما أعلن حممد أمحد املهدى دعوته جتمع حوله السودانيون منطلقني من الدعوة اإلسالمية ومن كراهيتهم 99 الالحمدودة للحكم الظامل. ومما ساعد على جناح الثورة املهدية رغبة االجنليز يف إخراج مصر من السودان وحوض النيل وإخالئه توطئة 100 إلعادة احتالل املنطقة احمليطة به بتخطيط إجنليزي جديد واختذ املهدي من الدعوة جلهاد الرتك شعارا لتوحيد املسلمني يف كافة أحناء العامل اإلسالمي وعندما اشتعلت الثورة املهدية ارتكز موقفه هذا إىل الروابط التارخيية العميقة اجلذور اليت كانت تربط السودان مبصر منذ أقدم العصور وقد جتمع العامل الديين مع العامل السياسي فقد أعلن بعد أن اصبحت السودان تابعة له أنه مصمم على فتح مصر ومل يكن املهدي املصري 101 معرتضا على احلكم املصري للسودان بل كان هدفة هو حترير الشعب السوداين من البطش الرتكي وكانت الظروف احمليطة باإلعالن عن املهدية مواتية فقد حقد الشعب املصري على حكم توفيق الذي كان يعتمد 102 على الربيطانيني أكثر مما يعتمد على الشعب املصري مما أدى إىل قيام الثورة العرابية فكان احلكم الذي ثار ضده املهدي يف السودان هو نفس احلكم الذي ثار عليه عرايب عام 1881 م ولعل التوافق الزمين مل يكن 98 يواقم رزق مرقص تطور نظام االدارة في السودان في عهد الحكم الثنائي األول م اهليئة املصرية العامة للكتاب 1984 م ص حسن أمحد إبراهيم العالقات السودانية المصرية بين الحاضر والمستقبل جامعة القاهرة كلية االقتصاد والعلوم القاهرة 1990 ص زكي البحريي مشكلة جنوب السودان بين الميراث التاريخي والتطورات السياسية م ركائز املعرفة للدراسات والبحوث القاهرة اخلرطوم 2010 م ص مكي سبيكة السودان والثورة المهدية جامعة اخلرطوم للنشر 1878 م ص حسن أمحد إبراهيم العالقات السودانية المصرية بين الحاضر والمستقبل مرجع سابق ص 51

64 جمرد صدفة ومل يكن السودانيون بعيدين عن األحداث اليت وقعت إبان ثورة عرايب فقد كانت مشاركتهم فيها 103 إجيابية. ومن ناحية أخرى فإن الثورة املهديةكانت ترى أن حترير السودان وتأمني ثورته وتثبيت دعائم احلكم ماكان ليتم لو بقيت مصر حتت احلكم األجنيب إدراكا منها بأن خضوع مصر حلكم أجنيب سيكون عامل هتديد مستمر للثورة السودانية والنظام الذي أقامته ومبعىن آخر فإن أمن السودان من أمن مصر ومل يكن الوطنيون 104 املصريون بعيدين عن الثورة املهدية فقد شاركوا فيها بفكرهم وقلمهم. وتطورت األحداث تطورا أدى إىل اهتمام احلكومة املصرية بأحوال مصر ذاهتا أكثر من اهتمامها بالسودان مما أدى إىل انتشار الثورة املهدية يف كل أجزاء السودان بسبب ضياع هيبة احلكومة من جراء فشلها املتوايل حيث اهنزمت الثورة العرابية يف موقعة التل الكبري 1882 م وهكذا أصبحت مصر حتت التحكم السياسي والعسكري لربيطانيا ومن مث مل تعد أمور مصر وأقدارها يف أيديها أما السودان فقد أصبحت األحوال من سيئة إىل أسوء بالنسبة ملصر فقد انتشرت ألوية الثورة يف شرق السودان 1883 م وانتصرت القوات السودانية يف عدة جوالت ضد القوات املصرية وتوصلت بريطانيا إىل نتيجة تفضي إىل ضرورة ختلي 105 مصر عن السودان وإجالء احلاميات املصرية على أن تبقى على احلدود فقط. وكان لقرار اإلخالء الذي اختذه رئيس وزراء مصر نوبار باشا صدى وردود أفعال عميقة لدى املصريني الذين بدا هلم األمر كما لوكان مبثابة هزمية كبرية أو كارثة. ويصف املؤرخ املصري الكبري عبد الرمحن الرافعي ذلك القرار بقوله: "يف احلق أن إخالء السودان كان أمرا منكرا وعمال خطريا يف ذاته وعواقبه فهو أشد ضربة أصيبت هبا مصر بعد االحتالل اإلجنليزي بل يكاد يعدل االحتالل يف خطورته ومضار ه ألن االنسحاب من السودان معناه زكي البحريي مشكلة جنوب السودان بين الميراث التاريخي والتطورات السياسية م مرجع سابق ص 39. ص 18. حممد عمر بشري تجربة التكامل بين السودان ومصر )الجذور التاريخية والواقع المعاصرلتجربة التكامل( جملة السياسة الدولية 105 Holt p.h;themahdism in the sudan , London, p150..

65 ضياع االمرباطورية اليت ضحت مصر يف سبيل تأسيسها بعشرات األلوف من ابنائها وماليني اجلنيهات من أمواهلا وجهود عشرات السنني من تارخيها وهبذا القرار ختلت احلكومة عن دولة مرتامية األطراف وتركتها لقمة 106 سائغة للفوضى )الثورة املهدية(. وعندما أدرك اإلجنليز واحلكومة املصرية مدى خطورة احلركة املهدية وهتديدها حلدود مصر اجلنوبية عمدوا إىل تشويه احلقائق املتعلقة بالدعوة املهدية فقاموا بتحريف منشورات وتشويه مضامينها فاجته املهدي للفرنسيني يف مصر كي ينشر مناشري 107 املهدية احلقيقية حىت يعلم أهل مصر حقيقة الدعوة املهدية. وقد كتب اخلليفة املهدي مرتني إىل خديوي مصر توفيق داعيا له ومنذرا ومهددا فإن مل يستجب لداعي اهلل ويقبل الدعوة املهدية وينخرط يف سلكها فسوف يواجه اجلهاد وبعد أن أرسل املهدي هتديدا خلديوي مصر وأهلها قام بتكوين محلة لكى يتسىن له طرد اإلجنليز من مصر والسودان 108. وحبلول شهر اغسطس 1884 م أصبح السودان بأسره يف أيدي أنصار املهدي ومل تبق إال اخلرطوم حتت إمرة اجلنرال غردون الذي سلمت إليه مهمة وضع الرتتيبات الضرورية إلجالء القوات املصرية عن السودان. ويف يناير 1885 م مت فتح اخلرطوم على يد القوات املهدية وأصبح ذلك انتصارا للمهدية كامال ومن مث انتهى عهد احلكم الرتكي املصري. وبفتح اخلرطوم بدأت املرحلة الثانية وهي مرحلة تأسيس الدولة السودانية 106 حممد حسن داود مصر والسودان أوراق من ملف العالقة) م( مؤسسة دار الشعب 1992 م ص Holt p.h;themahdism in the sudan p Hill.R A Piographical Dictionary of The Anglo-Egyptian Sudan, Oxford. London 1939 p174.

66 109 وكانت هناك تفسريات كثرية قال البعض إن ثورة املهدي يف حقيقتها أول حرب حترير يف تاريخ السودان 110 ضد احلكم العثماين املصري. وبعد فتح السودان بدأت بريطانيا باستغالل الظروف اجلديدة يف كال البلدين لتحقيق أهداف السياسة الربيطانية فبدأت يف كل مناسبة تذكر السودانيني بفرتة احلكم الرتكي اليت سبقت املهدية ومالقوه من ظلم 111 وما يتمتعون به اآلن من عدل على يد اإلجنليز واحلقيقة أن بريطانيا مل تشارك مصر يف حكم السودان بل انفردت باألمر كله. وبعد وفاة حممد أمحد املهدى وقعت مهمة تأسيس الدولة السودانية على عاتق اخلليفة عبد اهلل يف وقت أرهقت فيها احلروب الثورية البالد وزلزلت اقتصاديا ومع ذلك فقد اجتهت املهدية إىل االهتمام باحلرب على خمتلف اجلبهات ومن بينها مصر إذ أنه ويف خضم األمواج املتالطمة اليت ترزخ حتتها الدولة املهدية حاول اخلليفة عبداهلل غزو مصر عندما أرسل جيشا بقيادة عبد الرمحن النجومي ولكن هذه احملاولة باءت بالفشل الذريع إذ أنه تلقى هزمية يف موقعة توشكى 1889 م ووقد جاءت هذه اهلزمية اليت م ين هبا جيش املهدية فرصة ساحنة للقوات املصرية والربيطانية ألخذ زمام املبادرة باختاذ موقف اهلجوم بدال من الدفاع وخاصة على 112 شواطئ البحر االمحر. وهكذا فإن اهلزمية يف هذه املعركة أحلق بالدولة املهدية الفوضى واالضطراب اليت عمت خمتلف أرجاء السودان كانت إيذانا للقوات املصرية الرتكية وإشارة هلا بالزحف واهلجوم على السودان عندها حاول اخلليفة عبد اهلل تدعيم سلطانه عن طريق جهاز إداري بالغ الدقة يعتمد على املركزية يف احلكم وتقوية قبضته الفردية على 109 حسن أمحد إبراهيم العالقات السودانية المصرية بين الحاضر والمستقبل مرجع سابق ص 52 حمسن حممد مصر والسودان االنفصال بالوثائق السرية البريطانية واالمريكية دار الشروق القاهرة الطبعة االوىل 1994 م 110 ص حممد فؤاد شكري مصر والسودان مرجع سابق ص حسن امحد العالقات السودانية المصرية بين الحاضر والمستقبل مرجع سابق ص. 58

67 اجلهازين اإلداري والعسكري ولكن كل ذلك مل جي د أمام الثورات الداخلية على حكم اخلليفة عبد اهلل حيث ثارت قبائل اجلنوب 1890 م وأخذت بوادر التمرد تظهر يف شىت األقاليم وهذا ما يعرب بصورة واضحة عن الضعف الذي أصاب الدولة املهدية األمر الذي دفع املصريني إىل إعادة احتالل السودان بصحبة بريطانيا 1896 م ومت هلا ذلك م مث إن الثورة املهدية انصرف جل مهها إىل احلرب على خمتلف اجلبهات وبالذات مع كل من مصر واحلبشة وهو األمر الذي صرف جهدها عن إقامة حكم مركزي قوي بديل للحكم الرتكي املصري وهكذا يتضح أن الثورة املهدية قامت كثورة وطنية شارك فيها كل مشال السودان ألجل التحرر من االحتالل الرتكي املصري وإجهاض االدعاء املصري القائل باحلق القانوين والتارخيي ملصر يف السودان بتسديد عدد من الضربات إىل اجليش املصري حىت اضطر إىل اجلالء عن السودان ومل 1885 م يقف السودانيون عند ذلك احلد بل سارعوا إىل حماولة غزو مصر 1889 م األمر الذي تتجلى معه نظرة املهدية جتاه مصر. هذا على صعيد املهدية أما على الصعيد املصري فإنه من الصحيح أيضا أن العرابيني قد وقفوا من هذه الثورة موقفا معاديا واشتبكوا معها يف معارك عسكرية كثرية باعتبارها حركة مترد ضد النظام الشرعي يتعني القضاء عليه باعتبار حقوق مصر القانونية والتارخيية يف السودان هذا فضال عن أن هذه الثورة قد قامت وتصاعدت يف ظل ظروف خضعت مصر فيها لالحتالل الربيطاين منذ 14 سبتمرب 1882 م بعد هزمية عرايب يف التل الكبري 114 بشكل اقعد اجليش املصري عن مواجهة االحتالل. ويف هناية هذه الفرتة ظلت العالقة بني مصر والسودان فاترة بل عدائية وهرب سالطني باشا وهو منساوي عمل يف احلكم الرتكي واعتنق اإلسالم بعد ما شهد انتصار املهدية واهنيار احلكم الرتكي وظل مالزما للخليفة عبد اهلل وعند هروبه إىل مصر محل أسرار الدولة املهدية العسكرية وشكل بداية االنتقام من الثورة املهدية واليت انتهت بغزو السودان مرة أخرى وكانت هناية الدولة املهدية بدخول اجليش املصري إىل السودان 1898 م حسن امحد ابراهيم املرجع نفسة ص 31. حسن امحد ابراهيم العالقات السودانية المصرية بين الحاضر والمستقبل مرجع سابق ص 31.

68 وإبان حكم املهدي للسودان ) م( فشلت الدولة املهدية يف توحيد الشمال واجلنوب ولكنها استطاعت أن توحد الشمال والشرق والغرب وظل اجلنوب حرا حىت الغزو االجنليزي املصري 115. بإنتهاء عهد املهدية دخلت العالقات املصرية السودانية طور جديد. فكيف تقبل الشعب السوداين الوضع خالل احلكم اجلديد المبحث الثالث العالقات المصرية السودانية ))الحكم الثنائي ((: سقطت حكومة املهدية عام 1899 م إثر سقوط العاصمة أم درمان بعد معركة "أم درمان" ويف 19 يناير 1899 م وق ع بطرس غايل اتفاقية اإلدارة الثنائية )أي املشرتكة بني بريطانيا ومصر( وقد كتب أصول االتفاقية كرمر وهدفها مصلحة بريطانيا فصار السودان هبا بريطانيا حكما وإدارة ووقعها بطرس غايل وهو ال حيمل حق االعرتاض المجلة وال تفصيال وقوام االتفاقية اثنتا عشرة مادة مل تشر واحدة فيها إىل سيادة السودان وملن 116 تؤول عبد العزيز املهنا السودان وسط اللهب دراسة صحفية ميدانية لموقف الحكومة السودانية من المشكالت الداخلية واالزمات السياسية م الطبعة األوىل جامعة القاهرة املكتبة املركزية القاهرة 1994 م ص 93. أمحد دياب العالقات المصرية السودانية م مركز وثائق تاريخ مصر املعاصر مصر النهضة مطابع اهليئة املصرية العامة للكتاب 1977 ص 16.

69 وقد عارضت احلركة الوطنية املصرية اتفاقية احلكم الثنائي باعتبارها انتقاصا للسيادة املصرية على السودان فقد نظم احلزب الوطين بقيادة مصطفى كامل محلة قومية يف جريدته اللواء ضد االتفاقية ووصفها بعدم الشرعية ملنافاهتا للدستور املصري الذي يشري إىل أن 117 السودان جزء ال يتجزأ من مصر. وقد كانت الظروف اليت كانت قائمة وقت فرض اتفاقية احلكم الثنائي يف السودان على مصر أن مصر مل تكن متلك أن تعقد معاهدات سياسية حسب فرمانات الدولة العلية خلديوي مصر فكانت السيادة العثمانية منبسطة على السودان )إذ مل تتنازل عنها تركيا إال بعد عقد معاهدة لوزان 1923 م ) فلم يكن ممكنا أن تتعاقد مصر مع إجنلرتا يف اتفاقية سنة 1899 م على السيادة ومل تكن مصر متلك السيادة على السودان إذ كانت السيادة عثمانية على مصر والسودان ولذلك ينتفي مبدأ السيادة. ومل تكن مصر متلك حق التعاقد على إدارهتا يف السودان وإن كان ذلك احلق ممنوحا هلا مبقتضى الفرمانات العثمانية إال أن هذا احلق هو امتياز ال تستطيع مصر التنازل عنه ألي شخص أو دولة أخرى وكذلك كانت إجنلرتا تدير شؤون مصر إدارة فعلية وإن كانت إدارة ال سند هلا من القانون وملا كان ملصر امتياز إدارة السودان فقد كان من الطبيعي أن من يدير مصر يدير 118 السودان تبعا لذلك. فاالتفاق الثنائي مل يتعرض ملشكلة السيادة تعرضا مباشرا فإنه حوى فقرات ذات عالقة مباشرة مبوضوع السيادة غري أن هذه الفقراتكانت متناقضة يف مدلوهلا حول السيادة ففي حني يقر بعضها السيادة العثمانية املصرية على السودان والقائمة منذ أوائل القرن التاسع عشر فإن غريها من الفقرات يؤكد ظهور سيادة جديدة 119 على السودان لكل من بريطانيا ومصر نابعة من حق الفتح يونان لبيب رزق السودان في عهد الحكم الثنائي األول القاهرة مرجع سابق ص ص أمحد دياب العالقات المصرية السودانية م مرجع سابق ص 17 صالح الدين حافظ متويل موقف ثورة 23 يوليو 1952 م من المسألة السودانية حتى االستقالل م رسالة دكتوراه الفلسفة يف الدراسات اإلفريقية قسم التاريخ القاهرة 1994 ص 35.

70 وكان احلكم الثنائي شركة غربية السيادة والسلطة فيه كانت لربيطانيا والوظائف العليا من احلاكم العام والسكرتريين اإلداري واملايل والقضائي ومديري املديريات ومفتشي املراكز ورؤساء املصاحل كلها للربيطانيني وبقى املصريون يف وظائف املآمري والوظائف الدنيا وترتب على هذا الوضع اهلرمي أن املآمري املصريني كانوا يف موقف املواجهة مع مصاحل املواطنني السودانيني من ناحية وحتقيق غايات سياسة احلكومة الربيطانية من ناحية أخرى ومع ذلك فقد كانوا وحبكم وظائفهم يقومون بتقدير ومجع الضرائب وبقيادة اجملموعات العسكرية ولقد أدى ذلك باإلضافة لرتاكمات سابقة إىل إحساس بالكراهية جتاه مصر وكانت بريطانيا حريصة على متزيق مشاعر 120 التعاطف اليت تظهر بني مصر والسودان مماكانت متليه وحتركه عاطفة الدين. ومنذ أن وقعت مصر اتفاقية احلكم الثنائي خبصوص إدارة السودان عام 1899 م سعت السياسة الربيطانية بكل قوهتا إىل فصل القطرين عن بعضهما حيث وقعت اتفاقية تعديل ختوم مصر والسودان لزيادة اهلوة بني 121 القطرين فحني مت إخضاع السودان ووقعت اتفاقية احلكم الثنائي لتقييم إدارة بريطانية فعليا وثنائية إمسيا بادرت السياسة الربيطانية يف استغالل الصورة البغيضة هبدف فصم العالقات التارخيية وبالرغم من أن بريطانيا قد فتحت السودان باسم خديوي مصر ورفعت شعار علم مصر احملتلة جبانب العلم الربيطاين إال أهنا صورت أهدافها بالنسبة للسودانيني بأهنا كانت من أجل ختليص السودانيني من حكم املصريني ويف إطار هذه السياسة أقامت املؤسسات التعليمية واالقتصادية هبدف تقليل االعتماد على مصر وتقليل نفوذ تأثريها على السودانيني 122. ولكي ينفرد اإلجنليز باحلكم يف السودان بدأوا بتضخيم وجتسيم مساوئ احلكم الرتكي والتذكري هبا يف كل مناسبة وكان البد من انشاء املؤسسات اليت تستند إليها هذه الدعاية وحتبط كل حماولة لقيام أي صلة مادية بركات موسى احلوايت قراءة جديدة في العالقات المصرية السودانية مرجع سابق ص 66. عمر حممد الطيب األمن القومي لوادي النيل وانعكاساته في المجال العسكري مرجع سابق ص 85. اتفاقية تعديل التخوم بني مصر والسودان عام 1899 م أنظر املالحق ص حممد عمر بشري تجربة التكامل بين السودان ومصر مرجع سابق ص 18.

71 أو ثقافية بني البلدين لذلك أسست حكومة السودان مصلحة للمخابرات يف القاهرة يف 1908 م وعينت هلا مسئوال عرف بوكيل حكومة السودان يف مصر وكانت مهمة هذه الوكالة رصد النشاط املعادي لإلدارة 123 الربيطانية يفكل من مصر والسودان. فكانت السياسة االستعمارية الربيطانية يف عهد احلكم الثنائي وخاصة بعد خروج اجليش املصري من السودان تقوم على نشر الروح القبلية بني أحناء البالد فلم تكتف اإلدارة اإلجنليزية يف السودان باالعرتاف بالقبيلة رمسيا وإثباهتا يف املستندات واألوراق الرمسية بل اشرتطت كتابة اسم القبيلة يف الشهادات املدرسية ودفاتر املواليد وسجالت احملاكم كما كانت تلقن النعرة القبلية يف املناهج الدراسية واتبعت اإلدارة الربيطانية سياسات تقوم على تشجيع اللغات واللهجات احمللية واستبعاد اللغة العربية ويكون التعليم يف املدارس االبتدائية باللغات احمللية ويف كل املستويات األخرى باللغة اإلجنليزية. وكذلك عمل االستعمار على تعميق اهلوية العربية واهلوية اإلفريقية للقبائل والدول الواقعة على الساحل اإلفريقي أي احلزام الفاصل بني دول مشال إفريقيا ودول إفريقيا جنوب الصحراء. 124 نوفمرب سنة ويف م أعلنت بريطانيا احلماية على مصر وامتدت احلماية إىل السودان تبعا ملصر وقد تنازلت تركيا عن سيادهتا على مصر والسودان اعتبارا من هذا التاريخ ونتيجة هلذا الوضع عملت حكومة السودان على تدريب السودانيني ليحلوا حمل املصريني يف الوظائف الصغرى وكان التفاقية احلكم الثنائي بني بريطانيا ومصر الفضل يف إعطاء السودان شخصيته الدولية املنفصلة عن مصر وذلك لضمان أن احلقوق 125 الدولية اليت كبلت هبا مصر ال متتد إىل السودان فتعوق السيطرة الربيطانية عليه ويف السودان عام 1917 م تقدم )بوهتام كارتر(السكرتري اإلداري باقرتاحات استهدفت بالدرجة األوىل التقليل من سلطات املآمري املصريني يف املراكز اليت خضعت هلم كما اقرتح أيضا منح سلطات القاضي من الدرجة الثالثة للشيوخ 123 ابراهيم احلارثو الرباط الثقافي بين مصر والسودان ص رحاب عبد الرمحن الشريف إشكالية بناء األمة في السودان ) م( مرجع سابق ص 16. صالح الدين حافظ متويل موقف ثورة 23 يوليو 1952 ممن المسألة السودانية حتى االستقالل مرجع سابق ص 3.

72 واألعيان كما طالب خبضوع هذه احملاكم مباشرة للمفتش الربيطاين بدال من املأمور املصري كما اقرتح انشاء جمالس استشارية حملية األمر الذي جيعل للمفتشني الربيطانيني صلة مباشرة بالشعب السوداين ويقلل من 126 تدخل املآمري املصرينيكوسطاء. فقد أصبحت بعد عقد االتفاقية دولة مستقلة متاما عن مصر من الناحية العملية خاضعة حلكم اإلداريني الربيطانيني مبساعدة املوظفني املصريني ومعىن هذا أن بريطانيا أصبحت الشريك الغالب املسيطر يف ظل احلكم 127 الثنائي بل هي السيد. ثورة 1919 م وتأثيرها على اوضاع السودان: تطورت احلركة الوطنية يف مصر إىل درجة عربت فيها الشعب املصري عن ذاته يف شكل ثورة شاملة عام 1919 م بقيادة سعد زغلول هزت الوجود الربيطاين بعنف حيث صرح سعد زغلول يف الربملان املصري "إنين بالنيابة عن الشعب املصري مجيعه أصرح بأن األمة املصرية لن تتنازل عن السودان ما حييت وما عاشت...إنه ال ميكننا مطلقا أن نتنازل عن السودان ال ألنه مستعمرة بل ألنه جزء منكياننا بل ألنه منبع حياتنا 128 بل ألنه ال ميكن ملصر أن تعيش بدون السودان أصال. ولقد توقعت السلطات الربيطانية أن تنتشر عدوى ثورة 1919 م يف السودان خاصة وأن ملصر جيشا يعمل فيه كما أنه كان هناك عدد ال يستهان به من 126 جعفر م.ع.خبيت اإلدارة البريطانية والحركة الوطنية السودانية مرجع سابق ص هنلة عبد العظيم إبراهيم عبد النيب القضية السودانية م رسالة ماجستري مقدمة لقسم الدراسات اإلفريقية 127 القاهرة 1990 م ص أمحد فارس التكامل مع السودان في الفكر السياسي المصري مرجع سابق ص 65. صورة سعد زغلول أنظر املالحق ص 241.

73 129 املوظفني املصريني يف اإلدارات املختلفة. وقد برز بوضوح مدى تأثري هذا الوضع اجلديد مبصر على وضع السودان حيث ارتفعت األصوات بالسودان تدعوا للجهاد متأثرة مبا حيدث يف مصر.وكالعادة فإن 132 األحداث يف مصر أو السودان هلا آثارها السلبية أو اإلجيابية يف البلدين ولذلك عملت على تغيري ساستها والعمل على سياسة الفصل بني جنوب السودان ومشاله. وكانت يف سياستها هذه هتدف لعزل اجلنوب عن املؤثرات اإلسالمية ألبعد حد ممكن لذلك عملت على أن يكون املوظفون يف اجلنوب من أبناء املديريات اجلنوبية وإذا دعت الضرورة القصوى فمن املصريني األقباط وجعلت العطلة االسبوعية يوم األحد وحبثت 133 فصل مصر عن السودان لذلك اشتدت الرقابة علي املصريني يف السودان واستخدمت العنف والشدة ملنع املظاهرات اليت قام هبا السودانيون يف بور سودان وعطربة وغريها من مدن السودان تأييدا للحركة الوطنية يف مصر والسودان وقد جاءت فكرة نادي اخلرجيني بالسودان من وحي فكرة نادي املدارس العليا مبصر والذي كان من ركائز احلركة الوطنية املصرية ومن هذا النادي السوداين نشأت فكرة مؤمتر اخلرجيني الذي يعترب بداية احلياة احلزبية احلقيقية واليت تبلورت يف األربعينات وقادت احلركات السياسية اليت انتهت باستقالل 134 السودان. ولقد شهدت األعوام من م منو الوعى السياسي بالسودان كنتيجة ملا جرى بعد ثورة 1919 م فقد صارت مسألة وحدة وادي النيل مبصره وسودانه جزء ا ال يتجزأ من برنامج كثري من األحزاب 129 زكى البحريي السودان تحت الحكم االنجليزي المصري دراسة في عالقات وادي النيل م الطبعة االوىل مكتبة مدبويل القاهرة 2009 م ص أمحد خري كفاح جيل مرجع سابق ص عمر بشري تاريخ الحركة الوطنية في السودان ص 90 وحمجوب صاحل الثقافة السودانية يف نصف قرن ص بركات موسي احلواتى قراءة جديدة في العالقات المصرية السودانية مرجع سابق ص 68 حممود شاكر السودان منشورات العصر احلديث 1972 م ص 80. شوقي عطا اهلل اجلمل العالقات التاريخية بين مصر والسودان في القرن العشرين معهد البحوث والدراسات اإلفريقية جامعة القاهرة ص 127.

74 السياسية املصرية وبرزت قضية السودان بصورة جديدة فمصر تصر على االستقالل التام واخلالص من السيطرة األجنبية لوادي النيل مشاله وجنوبه 135. ويف عام 1921 م تأسست مجعية االحتاد السوداين وكان شعارها ))السودان للسودانيني فاملصريون أوىل باملعروف(( وقد استمدت اجلمعية هذا الشعار من مقال قد نشر جبريدة التاميز اإلجنليزية وكان ينادي مببدأ 136 السودان للسودانيني ويطالب بريطانيا بأن تتبىن هذا املبدأ وتعمل له. وقد بعث عبيد احلاج األمني رئيس اجلمعية برسالة إىل األمري عمر طولسون نشرت يف جريدة األهرام أعلن فيها أن الوطنيني السودانيني مؤيدون للشعب املصري ومعارضون النفصال مصر والسودان حتت أية 137 ظروف. وقد اجته الشعب السوداين إىل جمال السياسة وذلك بفضل مجعية اللواء األبيض وهي مجعية خارجة على النطاق القبلي معتمدة على أسس سياسية ولكنها مل تكن متطلعة إىل أهداف اجتماعية حيث تنادي 138 بالوحدة مع مصر فقد جذبت أنظار السودانيني هلذا اجملال. وبالرغم من أن عضوية هذه اجلمعية اقتصرت على السودانيني إال أهنا ضمت أعضاء سريني من املصريني فهم الذين ألقوا بالفكرة يف أذهان السودانيني وقد متثلت قوة اجلمعية ضباط اجليش والكتبة والعديد من العمال 139 والتجار والقضاة والطالب وقويت اجلمعية واتسعت فصار هلا فروع وقد شرعت اإلدارة الربيطانية يف اختاذ 140 اإلجراءات للقضاء على مجعية اللواء األبيض الصادق املهدي أضواء على تاريخ السودان مرجع سابق ص 13 مكي شبيكة السودان عبر القرون مرجع سابق ص مبارك بابكر الربح ثورة 1924 السودانية ص 58 وحسن جنيلة مالمح المجتمع السوداني ص Mekki E. T. Shibeika: The Independent Sudan, London, p عبد احلمن الرافعي في اعقاب الثورة المصرية ج 1 ص حممد عبد الرحيم الصراع المسلح على الوحدة في السودان ص 17.

75 مل تكن مؤامرة االستعمار الربيطاين ضد الوجود املصري يف السودان موجهة ضد الشعب املصري فقط ولكنها 141 كانت موجهة أيضا ضد الشعب السوداين. ويف فرباير 1922 م أصدرت بريطانيا تصرحيا تعرتف فيه باستقالل مصر بشروط وهي ضمان مواصالت اإلمرباطورية الربيطانية يف مصر والدفاع عن مصر ضد أي اعتداء أو التدخل يف شؤوهنا ومحاية املصاحل 142 األجنبية يف مصر ومحاية األقليات والسودان. وهذه املسائل األربعة هي اليت دارت حوهلا املفاوضات مع مليز وكريزون حيث استب قت مجيع آثار احلماية ومل ترفع منها غري االسم وتكون بذلك قد استبدلت محاية سافرة لالحتالل حبماية مقنعة وقد حاولت بريطانيا يف املفاوضات املتتالية احلصول على رضا مصر عن مركز بريطانيا اخلاص واالعرتاف مبصاحلها اإلمرباطورية فقد كانت املفاوضات يف نظر بريطانيا هي صلح على االستقالل ومساومة فيه سواء كان ذلك طوعا أو كرها وعندما نالت مصر استقالهلا اإلمسي عام أصبحت قضية السودان بصورة جديدة فمصر تريد االحتفاظ مبسألة السودان مع بريطانيا حيث شك لت قضية السودان عائقا أمام تواصل مصر يف مفاوضاهتا مع بريطانيا وعندما أدركت بريطانيا أن قضية السودان ستكون مصدر قلق هلا انتهزت حادثة اغتيال السري يل 144 ستاك حاكم السودان غري أن املصريني ذهبوا إىل تفسري احلادث على أنه من تدبري اإلجنليز من أجل إحكام قبضتهم على مصر وإقصائها عن السودان وإخراج اجليش املصري من السودان غري أن الربيطانيني اعتربوا احلادث نتيجة لشعور العداء املتنامي ضدهم. ويف السودان كان استقبال الضباط املصريني والسودانيني امحد محروش مصر والسودانكفاح مشتر دار اهلالل 1970 م ص Parciamentary debates- House of Commens fifth series. Vol 151,1889.p صالح الدين حافظ متويل موقف ثورة 23 يوليو 1952 ممن المسألة السودانية حتى االستقالل مرجع سابق ص مىن حسني عبيد السودان وحميطة االقليمي دراسة في المشكالت السياسية مرجع سابق ص 25

76 ألمر سحب اجليش املصري من السودان مصحوبا باستياء شديد إىل احلد الذي دفع بعضهم للدعوة إىل 145 ضرورة مقاومته. وأستمر اإلجنليز يف تنفيذ خطتهم حىت أصبح حجم الوحدات والكتائب العامة باجليش املصري من املصريني والسودانيني إىل جانب الضباط اإلجنليز يف سنة 1924 م وهو الوقت الذي رحلت فيه اجليش املصري البحتة عن السودان كاآليت: القوة مصريون سودانيون ضباط ضباط اجملموع ضباط مصريون إجنليز سودانيون م ويتبني لنا من اجلدول السابق أن قوة اجليش املصري يف السودان ككل هي من مجيع الرتب كان 9486 مقدار القوات املصرية البحتة منها 3351 مقابل من السودانيني أي بنسبة واحد للمصريني وثالثة للسودانيني مع وجود ضباط إجنليز. على أن إصرار إجنلرتا على بقاء قبضتها على السودان رغم التغريات اليت فرضتها الظروف العاملية بعد احلرب العاملية األوىل باإلضافة إىل ما طرأ على اجملتمع السوداين من تغيري أدى لثورة عنيفة يف السودان يف عام 1924 م بالرغم من ضعف الفعالية اليت كانت تعمل فيها هذه املؤسسات إال أهنا استطاعت أن خترج جيال جديدا من الوطنيني السودانيني وكان قوام هذه الثورة من املثقفني السودانيني وكانت دعوهتم إىل االستقالل التام للسودان ومقاومة إجراءات اإلجنليز اليت ترمى إىل تشديد قبضتهم على السودان وإقامة املشروعات. وميكن أن جنمل العوامل اليت أدت للثورة فيما يأيت: حممد حسن داود مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص 14. شوقي عطا اهلل اجلمل العالقات التاريخية بين مصر والسودان في القرن العشرين مرجع سابق ص 133.

77 1 انتشار التعليم ونشوء طبقة مثقفة يف السودان وقد أسفرت حركة الثقافة يف السودان عن إنشاء ناد خاص للمثقفني السودانيني )نادي اخلرجيني ) بأم درمان وقد ساهم هذا النادي يف توحيد الصفوة من املثقفني السودانيني فأخذوا يلعبون دورا واضحا يف توجيه التيارات السياسية يف بالدهم وانتزعوا قيادة احلركات الشعبية من يد الزعماء القبليني واملدنيني خاصة بعد أن جنحت السلطة الربيطانية يف كسب بعضهم إىل صفوفها. 2 احلرب العاملية األوىل وما قدمته الشعوب من تضحيات فيها وما أعلنته الدول املتحاربة أثناء احلرب من حق الشعوب يف تقرير مصريها ولذلك كان طبيعيا أن يتطلع الوطنيون السودانيون بعد احلرب لنيل حقوقهم كسائر 147 الشعوب. 3 انتقال أثار ثورة 1919 م يف مصر إىل السودان ومناداة املصريني باستقالل مصر والسودان. 4 مشروع اجلزيرة: فقد نظر كثري من املثقفني السودانيني للمشروع وما ارتبط به من إنشاء خزان سنار ومن قوانني خاصة مبلكية األرض يف اجلزيرة على أنه مشروع قصد به خدمة املصاحل االقتصادية الربيطانية فحسب. 5 تولية احلكم يف مصر لوزارة وطنية يف عام 1924 م وافتتاح أول برملان مصري وما أثري فيه من مناقشات حول سياسة احلكومة اإلجنليزية يف السودان. فقد كان لذلك أثره يف إثارة احلركة الوطنية ولعل ذلك يتضح من الربقيات اليت أرسلها أعضاء مجعية اللواء األبيض السودانية للربملان املصري باإلضافة ملرور هذه الثورة مبراحل منها اجلمعيات السرية ومجعية االحتاد السوداين ومجعية اللواء األبيض. وقد كان النصف الثاين من عام 1924 م فرتة حامسة يف تاريخ مصر والسودان ففي السودان تعددت املظاهرات والصدمات بني الوطنيني السودانيني والسلطة احلاكمة يف السودان وحتولت املظاهرات إىل اصطدام 148 مسلح اشرتكت فيه وحدات عسكرية سودانية أما صدى أحداث السودان عند الشعب املصري فقد امتألت القاهرة واألقاليم يف مصر مبظاهرات التأييد للسودانيني الثوار لالحتجاج على استبداد املستعمرين االجنليز وذلك بعد قيام احلركة الوطنية اليت فجرها السودانيون وقد ألقى سعد زغلول كلمة جلموع املتظاهرين 147 شوقي عطا اهلل اجلمل املرجع نفسة ص شوقي عطا اهلل اجلمل مرجع سابق ص

78 قال فيها: "أحيي فيكم هذا الشعور اجلميل وتلك العواطف الكرمية وإين هبذا املظهر االحتادي أسعى جهدي يف حترير مصر والسودان مادام هذا االحتاد قائما بيننا فالبد من أن حنفظ أوطاننا من كل غاصب والبد من 149 أن نصل إىل حتقيق استقاللنا يف مصر والسودان إن مل يكن اليوم فغد ا". ولقد شارك مصريون كثريون يف اجليش ويف التعليم يف محاية هذه العالقات وبقائها حية متجددة وانعكس هذا يف اجلمعيات الوطنية اليت نشأت بعد احلرب العاملية األوىل وخاصة يف مجعييت االحتاد واللواء األبيض اليت قادها علي عبد اللطيف وأشرتك فيها وتعاون معه فيها الضباط واملدنيون املصريون والسودانيون. ولعل مجعية اللواء األبيض هي التنظيم األول الذي شارك فيه السودانيون واملصريون جنبا إىل جنب بغرض حتقيق هدف سياسي واحد هو جالء احلكم األجنيب من كل من مصر والسودان أما شعار وحدة وادي النيل الذي نادى به الوطنيون فقد كان يهدف إىل حتقيق اجلالء أوال مث قيام رابطة بني مصر والسودان ثانيا. ولقد تبنت احلركة الوطنية ممثلة يف مؤمتر اخلرجيني ومن بعده األحزاب االحتادية اليت نشأت قبيل احلرب العاملية الثانية 150 هذا الشعار. وقد فشلت السياسة الربيطانية رغم ذلك يف التأثر والتأثري املتواصلني كما يظهر يف التشابه بني فكرة نادي اخلرجيني يف السودان الذي تأسس 1918 م وفكرة نادي املدارس العليا الذي ظهر يف مصر قبل احلرب العاملية األوىل وكذلك ارتباط ثوريت 1919 م يف مصر وثورة 1924 م يف السودان ويف ظهور مجعية اللواء األبيض يف عامي السودان واليت اشرتك فيها الشعبان جنبا إىل جنب مث كان الكفاح املشرتك والدعوة لوحدة وادي النيل بني م وقيام األحزاب السودانية اليت اهتمت بالقضية الوطنية أمحد دياب العالقات المصرية السودانية م مرجع سابق ص 185. حممد عمر بشري تجربة التكامل بين السودان ومصر مرجع سابق ص 19. طارق البشرى الحركة السياسية في مصر م مراجعة وتقدمي جدير دار الشروق الطبعة الثانية 1983 م ص

79 وقد ترتب على االحتالل الربيطاين املصري للسودان توقيع اتفاقية مياه النيل يف عام 1929 م تلك االتفاقية اليت أعطت مصر نصيب األسد على حساب السودان ووضعت أسسا رقابية ملياه النيل تسهم فيها مصر 152 بإقامة نقاط مراقبة على طول جمرى هنر النيل حيث مت إنشاء الري املصري على هذا االساس. معاهدة 1936 م والمسألة السودانية وتأثيرها على العالقات المصرية السودانية: نتيجة للتغريات الذي طرأت على الساحة الدولية يف منتصف الثالثينات حيث شهد العامل أحداثا جساما مهدت ملتغريات سياسية هامة لعل من أبرزها حركة املؤمتر اهلندي بزعامة املهامتا غاندي اليت مت فيها إشهار سالح العصيان املدين يف مواجهة املستعمر. كما تأججت نار احلرب األهلية يف إسبانيا بني قوى التقدم والرجعية وعايشت تركيا ثورهتا احلديثة على يد مصطفي كمال أتاتورك. ويف قلب أوربا كانت احلركة النازية يف أوج عنفواهنا بينما قاد موسوليين حركته يف إيطاليا. ويف الوقت الذي كان فيه هتلر يعد العدة لتصفية حساباته مع جريانه األوربيني والثأر ألملانيا من اهلزمية اليت تكبدهتا يف احلرب العاملية األوىل ) م( ولتحريرها من القيود اليت فرضت عليها سعى موسوليين لتحقيق أحالمه يف إقامة امرباطورية له يف إفريقيا 153 وحوض البحر األبيض املتوسط حيث قام بغزو احلبشة حتت مرأى ومسمع من عصبة األمم. وبعقد معاهدة 1936 م فرضت على مصر خمالفة غري قصرية تستند إىل نقطة عسكرية وقصد اإلجنليز منها إىل تصحيح مركزهم يف مصر وجعل االحتالل مشروعا فبعد 1919 م كان الوجود الربيطاين يف مصر يعتمد على تصريح 2 فرباير 1922 م وهو تصريح من جانب واحد مل تقبله مصر وإنكان قد روعي يف العمل الرمسي 152 أدم حممد أمحد عبد اهلل العالقات السودانية المصرية "منظور األمن القومي والمصالح االستراتيجية" مرجع سابق ص 69. االتفاقية الربيطانية املصرية حول استغالل مياه النيل يف عام 1929 م أنظر املالحق ص حممد حسن داود مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص 14.

80 والعمل السياسي دائما وكان جهد السياسة الربيطانية أن تستبدل هبذا التصريح أساسا أخر يتيح هلا وضعا أكثر شرعية وضعا معرتفا به رمسيا يف مصر. وقد وجد هذا األساس مبعاهدة 1936 م فقبلت بريطانيا هبذه املعاهدة فيما يتصل حبماية مواصالهتا 154 اإلمرباطورية وبأوضاع األجانب وماكانت تدعيه لنفسها من حق يف محاية األقليات يف مصر وقد اضطرت مصر إىل قبول هذه املعاهدة وهي مل تقبلها على أهنا حتقق استقالهلا بل قبلتها حتت ضغط 155 الظروف وتوخيا ملا يلحقها من أذى لو أن املفاوضات قد انقطعت فقد كانت من ضمن دوافع احلكومة املصرية لعقد املعاهدة هو اخلطر اإليطايل املتوقع على مياه النيل فكان مصدر قلق لدى الرأي العام املصري خاصة لو استطاعت إيطاليا هتديد املصاحل املصرية يف "حبرية تانا" وأيضا كان من بني األسباب الداخلية يف مصر طبيعة تشكيل وفد املفاوضات املصري فاملفاوضات السابقة لعام 1936 م كانت تغلب عليها الصبغة احلزبية فكان يتوالها حزب واحد بينماكانت مفاوضات 1936 م تغلب عليها السمة القومية. وهبذه املعاهدة اسرتدت مصر)احلقوق (اليت نزعت منها يف السودان إثر مقتل سري يل استاك يف 1924 م كحق إعادة جنودها مرة أخرى إىل السودان أسوة باجلنود الربيطانيني وحق تعيني موظفيها وترقيتهم يف السودان كالربيطانيني يف الوظائف اليت اليتوفر هلا سودانيون أكفاء كما أصبحت هجرة املصريني للسودان خالية من القيود باستثناء قيود الصحة والنظام العام ومل يعد هنالك متييز يف السودان بني الرعايا الربيطانيني والرعايا املصريني يف شؤون التجارة واهلجرة وامللكية وإن كانت معاهدة 1936 م قد نصت على )حتديد غرض اإلدارة يف السودان بأنة رفاهية السودانيني( فإن خري تعليق على هذا جنده يف افتتاحية جريدة الفجر يف عددها الصادر يف السادس عشر من أغسطس 1937 م ومنها 156 : طارق البشري الحركة السياسية في مصر م مرجع سابق ص صالح الدين حافظ متويل موقف ثورة 23 يوليو 1952 م من المسألة السودانية حتى االستقالل مرجع سابق ص 134. حممد حسن داود مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص 21.

81 ))لنسلم جدال حبسن نية الشريكني )بريطانيا ومصر( وبأهنما يعمالن لرفاهيتنا وإسعادنا وأهنما حياربان الفقر واجلهل والعصبية القبلية فكيف يتسىن للحكومة اليت متثلهما أن تعرف مطالب أبناء البالد وآرائهم واجتاه أفكارهم إن أربعني عاما قد انقضت من عمر هذه البالد حتت احلكم املائل وهي فرتة التعد شيئا من أعمار األمم إال أهنا كبرية اذا قيست باخلطوات اليت خيطوها العامل فالتقدم الذي نلناه فيها ضئيل ال يكاد يذكر بل حنن مازلنا يف ذيل القافلة(( وبالنسبة للسودانيني فكانت مصدر قلق وخيبة أمل إذ هي أقرت من جانب الوضع القائم يف السودان واملتمثل يف احلكم الثنائي واإلدارة اإلجنليزية وأنكرت من جانب أخر على السودانيني حقهم يف التعبري عن أمانيهم الوطنية وإبداء الرأي يف مصريهم ومستقبلهم متعللة بقصورهم أي السودانيني وعدم أهليتهم. وقد علق السيد إمساعيل األزهري على معاهدة 1936 م "قد كان هلا يف نفوس السودانيني صدى غري محيد 157 فهم مل يؤخذ رأيهم يف األمر ومل يعبأ هبم" وقد كانت هناك بعض العوامل اليت شجعت على الوصول إىل اتفاق بشأنه بني بريطانيا ومصر وأمهها: تأثر األوضاع االقتصادية يف السودان نتيجة خروج املصريني منه عام 1924 م فقد كان للوجود املصري )اجليش املصري والعدد الكبري من املواطنني( أثره على الرواج االقتصادي هناك( كما أختلت امليزانية اختالال خطريا. كذلك مطالبة بعض املسؤولني يف السودان بعودة العالقات مع مصر باعتبار أن وجود املصريني سيساهم يف تطوير ورخاء السودان. يضاف إىل ذلك جناح بريطانيا عن طريق رجاهلا يف السودان يف تنفيذ خمططها إلضعاف املؤامرات والعالقات املصرية مع بعض السودانيني وذلك عن طريق زيادة فرص التعليم للسودانيني وسودنة 158 اإلدارة بإحالل السودانيني مكان املصريني باستثناء الربيطانيني حممد حسن داود مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص 21. حممد هباء الدين الغمري الحركة المهدية وانعكاساتها على العالقات المصرية السودانية مرجع سابق ص 128.

82 إال أن تلك املعاهدة أخفقت يف إجياد تسوية للمسألة السودانية فبقيت مسألة السيادة على السودان مل 159 حتسم يف املعاهدة ومازالت حمل نظر فاملصريون يعتربوهنا هلم واإلجنليز يعتربوهنا هلم. وكان من أهم نتائج هذه املعاهدة أهنا انتقصت من استقالل مصر وسيادهتا انتقاصا خطريا فهي تفرض على تبعية دائمة سياسية وعسكرية. وقد وضعت هذه املعاهدة ملواجهة ظروف معينة فهي حتصن مصر ضد هجوم إيطاليا يف حرب كانت منتظرة وكذلك انتهت التحفظات األربعة اليت جاء هبا تصريح 28 فرباير 1922 م ووضعت حدا 160 للعقوبات املفروضة على مصر فعادت القوات املصرية املسلحة إىل السودان أما بالنسبة للسودانيني فقد نبهت اتفاقية 1936 م الوطنيني السودانيني بكافة قطاعاهتم إىل ضرورة توحيد جهودهم واالعتماد على أنفسهم لتحقيق أماين بالدهم الوطنية.وقد عرب السياسي السوداين املخضرم أمني النوم عن ذلك بقوله: ))شكرا ملعاهدة 1936 م فقد أيقظتنا من نوم عميق(( 161. وكذلك ظهور السودانيني كطرف مؤثر على السودان يف النزاع الربيطاين املصري حيث دبت يف السودان روح جديدة أعقبها بعث وطين جديد 162 حيث أدركت النخبة املثقفة يف السودان السيما بعد عزهلا عن مفاوضات 1936 م ضرورة قيام تنظيم يتحدث بأسم السودانيني يف 1938 م. وأدى ذلك إىل مولد فكرة مؤمتر اخلرجيني العام واليت وصفها األستاذ أمحد خري يف كتابة )كفاح جيل( بأهنا )كانت دعوة للنضال الوطين هتدف إلقامة احلرية بني جمموعة من البشر جثم على صدورهم وخنق أنفاسهم وتصرف يف أقدارهم استعمار أجنيب هدفها اخلالص من االستعمار األجنيب( مىن حسني ومحيطة االقليمي دراسة في المشكالت السياسية مرجع سابق ص صالح الدين حافظ متويل موقف ثورة 23 يوليو 1952 م من المسألة السودانية حتى االستقالل مرجع سابق ص 11. ص 46. مصطفى خليل تجربة التكامل بين جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان مجهورية مصر العربية اهليئة العامة لالستعالمات 162 نوال عبد العزيز مهدي راضي رياح الشمال دراسة في العالقات المصرية السودانية مرجع سابق ص حممد حسن داود مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص 23.

83 حيث نتج مؤمتر اخلرجيني عام 1938 م الذي مل يسلم من االنقسام وكان البد من ذلك بسبب وقوع السودان حتت إدارة حكم ثنائي مصري بريطاين. عندها انقسمت احلركة الوطنية السودانية إىل قسمني رئيسني تبىن القسم األول مطلب االحتاد مع مصر ضد املستعمر الربيطاين وبرز منه حزب األمة السوداين الذي كان متشددا يف رفضه ملزاعم مصر بالسيادة على السودان 164. وقد حاول قيادة النضال الوطين لتحقيق استقالل البالد غري أن موقف مصر استمر يطالب بضرورة االعرتاف 165 بوحدة وادي النيل حتت التاج املصري وعندما أعلنت احلرب العاملية الثانية سنوات من 1939 م بعد معاهدة 1936 م وإرسال االستعمار لبعض فرق اجليش السوداين إىل دول إفريقية حملاربة اجليوش الفاشية. أما قوات اجليش املصري فإهنا مل تتحرك خارج احلدود ومل تشرتك يف املعارك سوى بالدفاع املضاد للطائرات ومحاية 166 املواقع واملنشآت احليوية. وجاءت هناية احلرب العاملية الثانية 1945 م فرصة ألن تطالب الشعوب املظلومة حبقوقها وتتطلع لتحقيق حريتها وقد اجتمعت هيئة املؤمتر العام للخرجيني يف إبريل 1945 م وحددت مطالب األمة السودانية يف قيام حكومة سودانية دميقراطية يف احتاد مع مصر على أن اإلدارة الربيطانية يف السودان استغلت اخلالف بني السودانيني للقضاء على احلركة اجلديدة اليت تطالب بانسحاب الربيطانيني من السودان فيقول السكرتري اإلداري الربيطاين بالسودان: "إننا النسمح لعمل مخسني عاما أن يهدمه بعض مثريي الفنت 167 الذين يثريون بعض األهايل من البسطاء". وقد شهدت هذه الفرتة يف السودان قيام عدد من األحزاب منها حزب االحتاديني وحزب األحرار وحزب وحدة وادي النيل وحزب األمة وحزب القوميني وقد شعرت احلكومة املصرية من جانبها أيضا بأن األمر يتطلب إعادة النظر يف معاهدة 1936 م حيث أرسل احلزب االخري يف سبتمرب 1945 م مذكرة إىل مؤمتر وزراء مىن حسني عبيد السودان ومحيطة االقليمي دراسة في المشكالت السياسية مرجع سابق ص مصطفى خليل تجربة التكامل بين جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان مرجع سابق ص 47. أمحد محروش مصر والسودانكفاح مشتر مرجع سابق ص 42. حممود عبيد التكامل المصري السوداني اجمللس االعلى للشباب والرياضة القاهرة ص 147

84 خارجية الدول األربع الكربى املنتصرة يف احلرب )الواليات االمريكية وروسيا وبريطانيا وفرنسا( املنعقدة يف لندن تطالب بإعادة النظر يف معاهدة م لتحقيق جالء اجلنود الربيطانيني عن مصر والسودان. وقد شهدت الفرتة من م سلسلة من املفاوضات بني مصر وبريطانيا وقد أدى فشل تلك املفاوضات إىل قرار مصر برفع النزاع مع بريطانيا إىل جملس األمن الدويل 1947 م وقد تناول جملس األمن القضية يف جلسات امتدت من أغسطس 1947 م إىل سبتمرب من نفس السنة دون أن تصل إىل قرار عادل 169 حيقق مطالب شعب وادي النيل يف مصر والسودان. هكذا شهدت العالقات املصرية السودانية بني عامي 1950 م 1951 م حراكا سياسيا مميزا بعد أن أعلن مصطفى النحاس رئيس الوزراء املصري يف خطاب العرش الذي ألقاه يف السادس من يناير 1950 م ويف إشارة متهد إلجراء املفاوضات مع بريطانيا أن وزارته ال تفرت يف بذل أصدق اجلهود وأمضاها ليتم اجلالء العاجل عن أرض الوادي بشطريه وتصان وحدته حتت التاج املصري من كل عبث واعتداء إللغاء املعاهدات اليت كانت 170 مكبلة للبلد ويف اكتوبر 1951 م أعلن النحاس باشا على الربملان املصري مشروع قانون إلغاء معاهدة 1936 م وملحقاهتا وإهناء العمل باتفاقية 1899 م بشأن إدارة السودان. كما طالب بتعديل الدستور وجعل لقب امللك )ملك مصر والسودان( بدال من مصر وحدها كما صدر مرسوم يكون مبقتضاه وضع دستور للسودان تضعه مجعية تأسيسية متثل شعب السودان وتضع أيضا قانون االنتخابات. ووافق الشعب املصري على الدستور واصدره امللك فاروق عام م وتقرر أن تكون مصر والسودان دولة واحدة ويف 168 حممود عبيد املرجع نفسة ص شوقي عطا اهلل اجلمل العالقات التاريخية بين مصر والسودان في القرن العشرين مرجع سابق ص أبو بكر حسن حممد باشا العالقات السودانية المصرية بين عامي 1950 م 1951 م معهد البحوث والدراسات االفريقية القاهرة ص توفيق حممد جاب اهلل التحوالت السياسية في السودان) م( وانعكاساتها على العالقات المصرية السودانية املكتبة املركزية جامعة القاهرة 2010 م رسالة دكتوراة منشورة ص 15.

85 نوفمرب 1951 م أعلن وزير خارجية مصر أمام اجلمعية العامة لألمم املتحدة بباريس إن مصر حتديا منها لربيطانيا تقبل أن تسحب موظفيها وقواهتا املسلحة من السودان بشرط أن تفعل بريطانيا نفس الشي وذلك من أجل متكني السودانيني من اإلعراب حبرية مشيئتهم يف استفتاء ي هيأ له اجلو الصاحل واإلدارة الالزمة مبعاونة األمم املتحدة للسودانيني وكانت اجتهادات السياسة املصرية إزاء قضية السودان قد ق بلت وهي حق السودان يف تقرير مصريه بشرط أن يكون حرا يف ذاته غري خاضع ألي احتالل سواء أكان هذا االحتالل بريطانيا أم مصريا وقدكان هذا املوقف هو آخر االجتهادات املصرية قبل ثورة 23 يوليو م إزاء السودان. وأعلن رئيس وزراء بريطانيا معارضته لإلجراء الذي اختذته احلكومة املصرية من جانب واحد وأن بريطانيا متمسكة حبقوقها اليت كفلتها املعاهدة كما أكد مسؤولية احلاكم العام للسودان يف مواصلة حكم السودان وقد أدى هذا إىل صدام بني القوتني وإىل تضحيات ضخمة كما حدث يف مذحبة اإلمساعيلية يف 25 حني خاض رجال الشرطة املصريني معركة غري متكافئة مع القوات الربيطانية وعجل هذا بقيام ثورة يناير 23 يوليو 1952 م. وأثار حريق القاهرة يف 26 يناير 1952 م أعمال الشغب اليت تلته فقام امللك بإقالة النحاس باشا وتعاقبت على مصر خالل األشهر القليلة التالية عدة حكومات ودعت حكومة جنيب اهلاليل باشا زعماء أحزاب األمة واجلبهة االستقاللية إىل احلضور للقاهرة هبدف إجراء حمادثات وبدأت احملادثات يف مايو م واتضح فيها موقف مصر الذي يرتكز على النقاط التالية : 1 قبول السودان للتاج املصري على أساس رمزي مؤقتا 2 تعهدت مصر بإقرار أي دستور يضعه السودانيون على أن يؤجل البت يف أمر السيادة على السودان حىت حيسم عن طريق استفتاء عام حول الرغبة يف االستقالل أو االحتاد مع مصر. عبد العظيم رمضان أكذوبة االستعمار المصري للسودان رؤية تاريخية اهليئة املصرية العامة للكتاب 1988 م ص شوقي عطا اهلل اجلمل العالقات التاريخية بين مصر والسودان في القرن العشرين مرجع سابق ص 149

86 3 حتدد مصر موعدا لنيل السودان احلكم الذايت وإجراء استفتاء وفقا إلرادة السودانيني وتوافق يف الوقت نفسه على إجراء تغيري يف الوضع القائم. ورفض السيد عبد اهلل الفاضل ابن أخ السيد عبد الرمحن املهدي الذي كان يرأس الوفد املقرتحات املصرية واليت كانت إليقاع الوفد يف شراكها بالقبول بالسيادة املصرية وقد أغضبت املقرتحات املصرية بدورها السيد عبد الرمحن املهدي راعي حزب األمة وزعيم األنصار. فكانت اخلطوة املصرية املفاجئة بإلغاء اتفاقية احلكم الثنائي قد جعلت األحزاب السودانية يف شغل من أمرها واستغرقت يف التباحث حول مكان السيادة على السودان... فبعضهم يقول بأن يكون هليئة األمم املتحدة اختاذ القرار والبعض اآلخر ينادي بأن ميارس السودان حق تقرير املصري فورا فيما ذهب آخرون للقول باستمرار احلال على ما كان عليه. ويف هذه األثناء 174 يستويل العسكريون على السلطة مبصر يف يوليو 1952 م. ترى هل أحدثت حركة يوليو انقالبا حقيقيا يف الرؤية املصرية للعالقة بالسودان وهل مت إسدال الستار على الدعاوى التارخيية بالسيادة. 174 شوقي عطا اهلل اجلمل العالقات التاريخية بين مصر والسودان في القرن العشرين مرجع سابق ص 149.

87 الفصل الثاني :العالقات المصرية السودانية في العهد الناصري المبحث األول: العالقات المصرية السودانية األولى 1956 م 1958 م. المبحث الثاني: العالقات المصرية السودانية 1958 م 1968 م. المبحث الثالث: العالقات المصرية السودانية م.

88 الفصل الثاني العالقات المصرية السودانية في العهد الناصري التمهيد يف هذا الفصل سيتم تناول تطور املراحل اليت مرت هبا العالقات املصرية السودانية عرب التاريخ املشرتك بني اجلانبني مع توضيح اجلوانب اإلجيابية واجلوانب السلبية يف العالقات ورصد العوامل املؤثرة يف السياسة اخلارجية لوادي النيل وطبيعة العالقة بينه وبني حميطه اإلقليمي والدويل وتأثري األطراف اخلارجية على جممل العالقات باإلضافة إىل العوامل السياسية الداخلية املؤثرة يف العالقات الثنائية وهل اجلانب السوداين أم املصري هو الذي يتحمل العبء لتدهور يف العالقات يف فرتات من تاريخ البلدين ليعطي لنا الفصل رحلة تارخيية عرب الزمن تؤكد على استمرار العالقات وعمقها يف اجلذور وكيف أن مصر هي امتداد للعمق اإلفريقي وعليه يقوم الفصل بتحليل تارخيي وسياسي للعالقات بني اجلانبني.

89 المبحث األول العالقات المصرية السودانية األولى 1952 م 1956 م يف صبيحة يوم 23 يوليو 1952 م استمع السودانيون إىل إذاعة القاهرة حيث أعلن أنور السادات أن 175 اجليش استلم السلطة يف مصر وقد أيدهتا معظم فصائل احلركة الوطنية السودانية وكان جانب من هذا 176 التأييد حيمل يف طي اته البعد العاطفي حبكم رئاسة حممد جنيب وهو من أصول سودانية فقد كان له تأثري شخصي حبكم ص الته األسرية بالسودان كما أنه أقام فرتة يف السودان مكنته من الوقوف على طبيعة مشاعر السودانيني. هذا األمر الذي مل يتيسر لغريه من رجال السياسة املصريني الذين سبقوه 177 من قادة ثورة يوليو لكن حممد جنيب كان على دراية تامة باملسألة السودانية وتطوراهتا وكان الساسة املصريون يدركون متاما أن قضية السودان كانت دائما حجر عثرة فبعد أن استتبت األمور يف مصر كان على الثورة مواجهة املشكالت اليت ورثتها من 178 العهد السابق مع بريطانيا وهي مشكلة اجلالء ومشكلة السودان وكان على الثورة أن جتد هلا حال فكانت األولوية إجياد حل ملشكلة السودان قبل أي مشكلة أخرى بعد ما وصل الوضع إىل حد متدهور حممد سعيد حممد احلسن عبد الناصر والسودان الطبعة االوىل 1992 م اخلرطوم ص 38. بركات موسي احلوايت قراءة جديدة في العالقات السودانية مرجع سابق ص Sir Gawain Bell Shadow on the Sudan, London, p.p حممد هباء الدين الغمري الحركة المهدية وانعكاساتها على العالقات المصرية السودانية القاهرة 1994 م ص 187.

90 179 وبعد أن تأزمت العالقات بني مصر وبريطانيا بسببها. حيث رأى رجال الثورة أن حل مسألة السودانكفيل 180 حبل مشكلة جالء الربيطانيني عن مصر. إن ثورة 23 يوليو مل ت سقط شعار وحدة وادي النيل الذي كان سائدا يف أوساط الساسة املصريني وبعض دعاة الوحدة السودانيني ولكنها أعطت األولوية ملعاجلة القضايا الداخلية يف مصر من احتالل وفساد سياسي وإداري وأن املناداة حبق السودانيني يف تقرير مصريهم والذي كان بندا ثابتا يف كافة املفاوضات املصرية الربيطانية ما هو إال ذريعة استغلتها بريطانيا لكسب ود السودانيني وإرجاء جالء قواهتا عن مصر وأن على ثورة 23 يوليو أن تقطع خط الرجعة على بريطانيا وتعمل على حل املسألة السودانية باملوافقة على حق السودانيني يف تقرير مصريهم بأنفسهم حىت تتفرغ بعد ذلك ملواجهة بريطانيا وإرغامها على اجلالء عن 181 مصر. وقد عمل جنيب عند توليه األمر يف مصر على إجياد حل للمسألة السودانية ومتكن من أن ينال تقدير العناصر االستقاللية السودانية بتنازله عن دعاوى السيادة املصرية على السودان ومبوافقته على إعطاء 182 السودانيني حق تقرير املصري كامال حىت وإن عىن ذلك استقالل السودان عن مصر. كان هذا املوقف من اللواء جنيب حول املسألة السودانية خيتلف متاما عما ظلت تنادي به سائر القوى السياسية املصرية باستثناء احلركة املصرية للتحرر الوطين واليت رمبا كانت الوحيدة اليت تبن ت تطبيق مبدأ تقرير املصري صالح الدين حافظ متويل موقف ثورة 23 يوليو 1952 م من المسألة السودانية حتى االستقالل مرجع سابق ص 44. شوقي عطاء اهلل اجلمل تاريخ سودان النيل ج 1 القاهرة مكتبة االجنلو املصرية 1969 م ص 347. عبد الوهاب أمحد عبد الرمحن مصر والسيادة على السودان )هناية حقبة تارخيية( الشارقة 2003 ص 224. صور حممد جنيب وعبدالناصر أنظر املالحق ص حممد حسن داود مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص 37.

91 يقول هنري كوربيل: "إن احلركة املصرية للتحرر الوطين قد تبنت مبدأ النضال املشرتك ضد العدو املشرتك الذي جيمع بني املصريني والسودانيني من أجل حتقيق االستقالل الوطين على أن يكون للسودانيني حق تقرير املصري بالوحدة مع مصر أو االستقالل التام وقامت احلركة بالتطبيق العملي ملبدأ حق تقرير املصري فتم فصل القسم السوداين عن احلركة ليكو ن احلركة السودانية للتحرر الوطين )حستو(اليت كانت نواة احلزب الشيوعي السوداين وكان املوقف من السودان أول سباحة ضد التيار العام للحركة السياسية املصرية فقد كانت مجيع 183 القوى السياسية يف مصر تطالب بوحدة وادي النيل حتت التاج املصري". وقد كان اقرتاب موعد االنتخابات السودانية وتعهد حكومة السودان مبنح السودان احلكم الذايت ومساندة بريطانيا حلكومة السودان يف ذلك سببا يف اجتاه حكومة الثورة يف مصر حلل مشكله السودان قبل مشكله 184 اجلالء وعليه فقدكان الطريق واضحا أمام جملس الثورة عند مناقشة مسألة السودان يف اجتماعه الذي عقد يف أغسطس 1952 م إذ رفض اجمللس اخليار االول الذي كان مطروحا آنذاك واملتمثل يف مواصلة السياسة السابقة باالعرتاض السليب ملشروع الدستور الذي اراد احلاكم العام تطبيقه يف شهر نوفمرب 1952 م والذي 185 مبوجبه مينح السودان احلكم الذايت. وفضل الدستور املقرتح حبيث يكفل أكرب قسط ممكن من السلطات للشعب السوداين وحكومته خالل فرتة االنتقال بدال عن احلاكم العام ومعاونيه وخروج اإلجنليز من السودان يف أقرب فرصة ممكنة واالعرتاف حبق 186 الشعب السوداين يف تقرير مصريه مبحض اختياره يف أقرب وقت ممكن على أنه كان على مصر قبل ذلك القيام خبطوة أوىل ضرورية هي توحيد كلمة السودانيني مبختلف أحزاهبم. 183 حممد حسن داود مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص Marlowe. John.op.cit. p متام مهام متام السياسة المصرية تجاه السودان اهليئة املصرية العامة للكتاب القاهرة 1999 م ص 881. متام مهام متام املرجع نفسة ص 881.

92 كما قرر جملس قيادة الثورة االتصال باألحزاب السودانية ملعرفة و جهة نظرها يف التعديالت اليت تزمع مصر إدخاهلا على مشروع دستور احلكم الذايت واستشارهتا وكسب تأييدها للموقف املصري اجلديد خالل 187 املفاوضات املرتقبة مع احلكومة الربيطانية فقد دعا اللواء حممد جنيب زعماء األحزاب السودانية إىل القاهرة يف أكتوبر 1952 م إلجراء 188 مباحثات ومت عقد اتفاق بني احلكومة املصرية ووفد االستقالليني السودانيني ورحبت مصر بديباجة االتفاق مبمارسة أهايل السودان احلكم الذايت التام وأن يقرروا مصريهم بأنفسهم. وأعقب ذلك االتفاق الرمسي ويف نفس اليوم اتفاق ودي أي غري رمسي يوم 29 أكتوبر 1952 م عرف 189 باسم "اتفاقية اجلنتلمان" وكان اهلدف منه صيانة االتفاق بني االستقالليني واحلكومة املصرية واحلفاظ على األجواء اإلجيابية اليت سادت بني اجلانبني آنذاك واحتواء ما يعكر صفو العالقات املستقبلية بني البلدين حول املسائل املتعلقة مبياه النيل واملشروعات اليت ستقام عليه ومساعدة مصر للسودان يف احلصول على نصيب من املعونة اليت تدخل يف نطاق برنامج النقطة الرابعة األمريكية والتمثيل يف املؤمترات الدولية وكيفيه إنفاق األموال واملساعدات املصرية يف السودان 190. وكانت أوىل مؤشرات خمالفة هذه االتفاقية توحيد األحزاب االحتادية يف حزب واحد يف القاهرة حيث كانت هذه األحزاب خمتلفة يف آرائها 191 واألحزاب االحتادية تشكلت من مجاعة حتالف بني املثقفني 187 فدوي عبد الرمحن علي طه كيف نال السودان استقالل دراسة تارخيية التفاقية 12 فرباير 1953 م شركة اخلرطوم للطباعة والنشر والتوزيع اخلرطوم 1997 م ص عبد العظيم رمضان اكذوبة االستعمار المصري للسودان مرجع سابق ص 136. حمسن حممد حمسن مصر والسودان االنفصال دار الشروق بريوت 1994 م ص 70. فيصل عبد الرمحن علي طه الحركة السياسية في السودان والصراع المصري البريطاني دار االمني القاهرة 1998 م ص املعتصم أمحد علي االمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية دراسة حالة للعالقات السودانية المصرية م منشورات جامعة افريقيا العاملية السودان 2009 م ص

93 واخلرجيني وبني طائفة احلتمية ذات الوالء السياسي ملصر ولقد كانت تلك التحالفات سببا للشد واجلذب بني قطبيه طوال فرتة التاريخ السياسي للسودان مما يدل على أن التحالف كان اضطراريا أملته ظروف املرحلة. وكان احلزب الوطين االحتادي يهدف إىل االحتاد مع مصر والنضال ضد املستعمر حول االستقالل حتت 192 شعار السودان للسودانيني خالفا ملا دعا له االحتاديون باالستقالل والوحدة مع مصر فقد آمن االحتاديون بوحدة السودان مع مصر حتت تاج واحد وقيام حكومة دميقراطية حرة يف احتاد مع مصر على نظام الدمنيوم* إال أنه ومع اإلصرار املصري على التوحيد مت دمج هذه التيارات يف حزب واحد أطلق عليه الوطين االحتادي 193 ومت اختيار السيد إمساعيل األزهري ليكون رئيسا له وحممد نور الدين نائبا ونص دستور احلزب على جالء 194 اإلجنليز وقيام احتاد مع مصر بعد تقرير املصري. ويذكر املؤرخون أن من عيوب هذا احلزب اجلديد أنه مل يكن له برنامج واضح سوى وحدة وادي النيل ومل يكن له دستور أو مبادئ مكتوبة أو أهداف حمددة أو خطوط عملية للوصول للوحدة لذلك و لد وهو حيمل 195 ضعفا بداخله. وقد استقطب حممد جنيب إىل جانبه األحزاب االستقاللية السودانية واليت كانت جتد نفسها فيما مضي من وقت يف موقع أقرب إىل السلطات الربيطانية كرد فعل للمحاوالت املصرية الرامية 196 لفرض سيادهتا على 197 السودان رحاب عبد الرمحن الشريف إشكالية بناء االمة في السودان م حبث مقدم لنيل درجة دكتوراه الفلسفة يف العلوم السياسيةكلية االقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة القاهرة 2009 م ص 127/. 128 *وهو نظام يعين ان يشرتك البلدان يف رأس الدولة والدفاع والسياسة اخلارجية ويديركل بلد شؤونه الداخلية. املعتصم أمحد علي االمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية دراسة حالة للعالقات السودانية المصرية مرجع سابق ص 76. عبد العظيم رمضان أكذوبة االستعمار المصري للسودان مرجع سابق ص 136. املعتصم أمحد علي االمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية مرجع سابق ص 77. عبد العظيم رمضان أكذوبة االستعمار المصري للسودان مرجع سابق ص 136.

94 وقد رأت حكومة الثورة أن تنتهج سياسة جديدة تفضح أساليب إجنلرتا وأغراضها يف السودان فقدمت حكومة الثورة للحكومة الربيطانية يف 2 نوفمرب 1952 م بناء على االتفاقيات اليت متت مع األحزاب السودانية 198 مذكرة للحكومة الربيطانية ربطت فيها ربطا وثيقا بني احلكم الذايت وحق تقرير املصري. والشك أن هذا النهج اجلديد قد حرم بريطانيا من الدور الذي تذرعت به دائما الستمرار سيطرهتا على السودان أال وهو زعمها بأن ذلك ضروري حلماية السودان من املطامع املصرية وإعداده للحكم الذايت وال ننسى أن الواليات املتحدة اليت حاولت استقطاب مجال عبد الناصر وزمالئه وتقبل تأييدهم حلماية مصاحلها احليوية يف مصر والشرق األوسط فقد حتينت دورا مساعدا يف حث بريطانيا للوصول إىل اتفاق مع مصر حول مسألة السودان وهكذا فقد تضافرت هذه العوامل مجيعا لعقد معاهدة فرباير بني مصر وبريطانيا اليت منحت 199 السودانيني احلكم الذايت وحق تقرير املصري حيث بدأت املباحثات الرمسية يف 20 نوفمرب 1952 م بني مصر وبريطانيا واستغرقت حوايل شهرين وانتهت إىل عقد اتفاقية 12 فرباير 1953 م املشهورة بني البلدين حول احلكم الذايت وتقرير املصري للسودان وكان الوفد املصري برئاسة حممد جنيب والربيطاين برئاسة السري ستيفنسون Ralph Stevenson ونصت االتفاقية على حق الشعب السوداين يف تقرير مصريه بعد انتهاء فرتة انتقالية مدهتا ثالث سنوات ومن بني ما نصت عليه االتفاقية: 200. حق الشعب السوداين يف تقرير مصريه. تعطى فرتة انتقال يتوفر للسودانيني فيها احلكم الذايت الكامل وهذه الفرتة تكون كتمهيد ألهناء اإلدارة.1.2 الثنائية عبد العظيم رمضان أكذوبة االستعمار المصري للسودان مرجع سابق ص حسن أمحد إبراهيم رؤية سودانية للعالقات التاريخية المصرية السودانية املكتبة املركزية جامعة القاهرة 2008 م ص 50. عبد الوهاب امحد عبد الرمحن مصر والسيادة على السودان مرجع سابق ص 28.

95 السودانيني من اثنني من تشكل مخاسية جلنة مبعاونة سلطاته االنتقال فرتة إبان العام احلاكم ميارس.3 وعضو مصري وعضو من امللكة املتحدة وعضو باكستاين. 4. االحتفاظ بالسودان كإقليم واحد. اململكة من مصري وعضو وعضو السودانيني من ثالثة أعضاء سبعة من لالنتخابات جلنة تشكيل.5 املتحدة وعضو من الواليات املتحدة األمريكية وعضو هندي تكون له رئاسة اللجنة. تشكيل جلنة للسودان من عضو مصري وعضو من اململكة املتحدة وثالثة أعضاء سودانيني وعضو.6 أو أكثر من جلنة اخلدمات العامة. املصري تقرير يف للشروع التدابري اختاذ يف رغبته عن السوداين الربملان يعرب عندما االنتقال فرتة تنتهي.7 وحينئذ جيب أن تنسحب القوات العسكرية املصرية والربيطانية من السودان وتنتخب مجعية تأسيسية 8. حتديد مهمة اجلمعية التأسيسية. احلكومتني احرتام منهما كل وتقوم السودان مبستقبل يتعلق فيما التأسيسية اجلمعية لقرار املتعاقدتني.9 باختاذ مجيع اإلجراءات لالزمة لتنفيذ هذا 201 القرار. 10 وهذه الفرتة تكون كتمهيد ألهناء اإلدارة الثنائية ومتهد للسودانيني لكي خيتاروا يف جو من احلرية رغبتهم يف االنضمام إىل مصر أو االستقالل التام حبيث تنسحب القوات العسكرية الربيطانية واملصرية من السودان قبل إجراء انتخابات اجلمعية التأسيسية. يقول لطفي عبد القادر: "قام حممد جنيب بتوقيع اتفاقية السودان هبدف ترغيب السودان لالنضمام إىل مصر 202 واالستقالل عن بريطانيا".ويقول الدكتور ماهر لقد ربطت بريطانيا الدخول مع مصر يف مفاوضات اجلالء مبسألة السودان حيث أختذت من عدم حل هذه املسألة ذريعة لتأخري اجلالء عن مصر ولكن مصر أضاعت الفرصة على بريطانيا وقررت حكومة ثورة يوليو 1952 م هجرة السياسات التقليدية للحكومات السابقة عبد العظيم رمضان أكذوبة االستعمار المصري للسودان مرجع سابق ص 39. حممد جنيب كنت رئيسا لمصر مرجع سابق ص 287

96 وفتحت أبواب القاهرة كي يعرب السودانيني يف العاصمة املصرية حق تقرير املصري والذي مت بالفعل مبوجب أتفاقية فرباير م. أما سري جيمس روبرتسون فقد اعتقد أن اللواء جنيب كان قد رتب أمره مع السياسيني السودانيني ولقد مثل ما قام به اللواء جنيب يف حينه تغيريا كثريا يف املوقف املصري جتاه السودان إال أن ذلك سرعان ما كان حمل شك وريبة حني ألقى اللواء جنيب يف السادس عشر من فرباير خطابا أعرب فيه عن أمله يف أن خيتار السودانيون عند تقرير املصري االحتاد مع مصر وبالرغم أنه أضاف قائال:" بأهنم حىت لو اختاروا االستقالل فإن 204 ذلك ال يعين انضمامهم إىل رابطة الشعوب الربيطانية ". وقد قدمت الصحافة املصرية تلك االتفاقية باعتبارها انتصارا للثورة على اإلجنليز كما فرحت 205 األحزاب السودانية وابتهجت بتلك االتفاقية اليت منحتهم احلكم الذايت وحق تقرير املصري وحبلول عام 1953 م كانت مجيع األحزاب السودانية مستعدة لتوقيع اتفاقية تؤيد تقرير مصري السودانيني كخطوة أوىل حنو 206 االستقالل واعترب يوم التوقيع عليها يوم عيد ويوم عطله رمسية يف السودان ووصفت الواليات املتحدة األمريكية االتفاقية بأهنا ذات أمهية عظيمة "إذ أهنت مشكلة لطاملا ظلت مصدرا لتعقيد العالقات بني بريطانيا 207 ومصر خالل سنوات طويله". مقابلة مع الدكتور ماهر عطية أستاذ التاريخ احلديث واملعاصر معهد البحوث والدراسات األفريقية جامعة القاهرة م حممد حسن داود مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص 40. حممد جنيب كنت رئيسا لمصر مرجع سابق ص مجال حممد صلع االزمة السياسية في السودان معهد البحوث والدراسات االفريقية جامعة القاهرة العدد 3 فرباير ص. 207 حممد جنيب كنت رئيسا لمصر مرجع سابق ص 287.

97 من نوفمرب يفو م بدأت االنتخابات الربملانية يف السودان لتنتهي يف اخلامس منه بفوز جبهة احلزب 208 الوطين االحتادي بأغلبية وقد دشنت اتفاقية السودان هذه شرعية سياسية جديدة للعالقات بني مصر 209 والسودان يف إطار دويل هي الشرعية املؤسسة قانونيا على التخلي املصري عن السيادة يف السودان وقد كان يف السودان آنذاك حزبان رئيسيان: احلزب الوطين االحتادي الذي ينادي باالرتباط مع مصر وحزب 210 األمة الذي ينادي باالستقالل حيث كانت هذه االنتخابات الختيار احلكومة االنتقالية اليت سوف حتكم السودان ملدة ثالثة سنوات حكما ذاتيا ويتم من خالهلا سودنة اإلدارة والشرطة وقوة الدفاع السودانية وغري ذلك من الوظائف احلكومية ومتهد للسودانيني لكي خيتاروا يف جو من احلرية رغبتهم يف االنضمام إىل مصر أو االستقالل التام وكانت نتيجة هذه االنتخابات فوزا كاسحا للتيار الوحدوي بقيادة السيد إمساعيل األزهري وقد جاء يف تقارير اإلجنليز حول هذا املوضوع ما يلي: "أتت هذه االنتخابات إىل السلطة باحلزب الوطين االحتادي وهو جتمع غري مستقر لعناصر يفضلون االندماج السياسي الفوري مع مصر ويرغبون يف منع عودة السلطة املؤقتة إىل أسرة املهدي". وقد اعترب اإلجنليز فوز االحتاديني خيبة هلا ألهنا أفسدت كثريا من املخططات اليت كانت ترى أن فوز هذا 211 احلزب جبماهريه الواسعةكفيل بفصل مصر عن السودان. ومل يرض حزب األمة بنتيجة االنتخابات ورأى أن فوز االحتاديني سببه التدخل املصري خاصة وأن هذه الفرتة قد شهدت نشاطا ملحوظا من جانب مصر يف السودان إذ نشطت الدعاية املصرية يف السودان ملساندة 212 االحتاديني وكانت فرتة خصبة ومواتية للدعاية املصرية حممد حسن داود مصر والسودان اوراق من ملف العالقة) م( مكتبة الشعب القاهرة 1992 ص 40. أماين الطويل العالقات المصرية السودانية جذور المشكالت وتحديات المصالح مرجع سابق ص 83. حممد حسن داود مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص املعتصم أمحد علي االمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية دراسة حالة للعالقات السودانية المصرية مرجع سابق ص.76

98 مث أصدر بيانا يف 30 نوفمرب 1953 م جاء فيه "أن حزب األمة مل يقبل نتيجة هذه االنتخابات بسبب التزوير والتضليل والتدخل املصري ولذلك فإن حزب األمة يعلن للشعب السوداين وللعامل أمجع عدم اعرتافه بنتيجة 213 االنتخابات" ومت تشكيل أول حكومة وطنية برئاسة األزهري. ويف فرباير يقدم اللواء حممد جنيب استقالته كاختبار لقوته الشعبية يف مواجهة أعضاء قيادة الثورة اآلخرين إذ كانت كل األجهزة احلساسة بعيدة عن قبضته كقيادة اجليش والداخلية ووزارة اإلرشاد وهيئة التحرير وكان اللواء جنيب حيس أيضا أن الذين حييطون به من الضباط إمنا هم مزروعون حوله يبلغون أخباره وحتركاته وتفجرت ردود فعل عنيفة الستقالة جنيب كان أبرز ها اجتماع ضباط سالح الفرسان ملمارسة ضغوط على اجمللس إلعادة جنيب واحلياة الدميقراطية. وقد كان مما أثاره الضباط خوفهم من تأثري إقالة جنيب على اتفاقية السودان والتطورات السياسية فيه وهو ما ذهب إليه ابن السيد حممد نور الدين الزعيم السوداين والضابط بسالح الفرسان حني قال: "إن الشعب السوداين عاطفي عزل حممد جنيب سيؤدي إىل انتصار حزب األمة" وجرت ردود فعل خمتلفة يف مدن عديدة ويف اخلرطوم تظاهر الوحدويون هاتفني "ال وحدة بال جنيب" وقد كان حممد جنيب قد أصبح رمزا 214 للوحدة لدى قطاع من السودانيني بسبب شخصيته وعالقته بالسودان واليت سبقت اإلشارة إليها. ويف أول مارس 1954 م مت افتتاح الربملان السوداين غري أن اخلرطوم يف ذلك الوقت أصبحت مسرحا ألعمال عنف دامية ويعتقد سري غوين Gawain بل الوكيل الدائم لوزارة اخلارجية الربيطانية آنذاك أن األزهري ارتكب خطأين مها توجيه الدعوة للواء جنيب وإعالن أول مارس عطله عامة فعقب إعالن نتائج 212 ص ابراهيم نصرالدين االندماج الوطني في افريقيا والخيار السوداني جامعة البحوث والدراسات االفريقية جامعة القاهرة 1983 م أدم حممد امحد عبد اهلل العالقات السودانية المصرية منظور االمن القومي والمصالح االستراتيجية مرجع سابق ص 87. حممد حسن داود مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص

99 االنتخابات مباشرة كان حزب األمة قد أصدر بيانا عنيفا هاجم فيه مصر وجلنة االنتخابات اليت وصفها بالعجز وأعلن رفضه لنتيجة االنتخابات اليت وصفها بالفساد. ولشعور الشعب السوداين باملرارة فقد انتهزوا مناسبة افتتاح الربملان حلشد مؤيديهم وانصارهم للتعبري عن رفضهم للنفود املصري املتزايد ومهما تباينت اآلراء حول حوادث مارس فإنه ال يسعنا يف النهاية سوى األخذ بقرار احملكمة العليا اليت نظرت يف األمر والذي ورد فيه "أن الصراع الذي أدى إىل خسائر جسيمة يف األرواح واألجسام مل يثبت أنه كان مدبرا بل كان نتيجة لسلسلة من احلوادث املؤسفة اليت بلغت ذروهتا عند ميدان 215 كتشنر حني انطلقت عوامل الفوضى تلقائيا. 11 يناير ويف 1955 م أهنت اللجنة السودانية املشك لة مهام ها بناء على االتفاق السابق ويف نوفمرب 1955 م غادرت قوات الدولتني السودان هنائيا ديسمرب ويف 1955 م اجتمع جملس النواب وأقر الربملان السوداين الدستور وأصبح نافذا من أول يناير 1956 م وقد أجاز أربعة مقرتحاتكانت على النحو التايل: 1 قيام حكومة فيدرالية للمديريات اجلنوبية. 2 إعالن استقالل السودان ومطالبة دوليت احلكم الذايت باالعرتاف به. 3 قيام رأس دولة سوداين من مخسة أعضاء لتمارس سلطات رأس الدولة مبوجب أحكام دستور مؤقت يقره 217 الربملان احلايل. 4 قيام مجعية تأسيسية منتخبة لوضع وإقرار الدستور الدائم للبالد وقانون انتخابات الربملان املقبل حممد حسن داود مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص 46. شوقي عطا اهلل اجلمل العالقات التاريخية بين مصر والسودان في القرن العشرين مرجع سابق ص 149. شوقي اجلمل الدور االفريقي لثورة 23 يوليو 1952 م سلسلة مصر النهضة عدد 50 اهليئة املصرية العامة للكتاب القاهرة م ص 200.

100 ويف ذلك الوقت قام عبد الناصر بتوثيق الصالت الثقافية بني البلدين فأنشأت جامعة القاهرة فرع اخلرطوم مبقتضى اتفاقية ثنائية عقدت يف عام 1955 م بني حكومة السودان واحلكومة املصرية ورحبت احلكومة السودانية بصفة خاصة بإنشاء فرع اخلرطوم جلامعة القاهرة حيث متت املوافقة عليه رمسيا يف أكتوبر 1955 م وكان ذلك الفرع تيسريا للراغبني من السودانيني إلكمال دراستهم اجلامعية يف اآلداب والتجارة واحلقوق والعلوم 218 وقد حتملت مصر الكثري لتؤدي هذه الكليات عملها على خري وجه. وتكفلت جامعة القاهرة بكافة نفقات التعليم وجهزت املباين وأعد ت أعضاء هيئة التدريس واإلداريني وعينت نائبا لرئيس اجلامعة إلدارة الفرع واستوعب الفرع اجلديد 286 طالبا يف كليات التجارة واآلداب واحلقوق والدرجات املمنوحة يف الفرع للطالب هي شهادات جامعة القاهرة والدراسة مسائية ويعترب تأسيس 219 فرع جلامعة القاهرة باخلرطوم مزيدا من املسامهة اليت قدمتها مصر لتطوير التعليم يف السودان. ويف أول يناير 1956 م عقد جملس الشيوخ والنواب جلسة مشرتكة تال فيها السيد األزهري رئيس الوزراء خطابني أحدمها من الرئيس مجال عبد الناصر واآلخر من مسرت لويد Loyd وزير الدولة الربيطاين حول اعرتاف الدولتني باستقالل السودان وتال األزهري اإلعالن الذي أصدرته احلكومة املصرية وهو يقول "استجابة للقرار الذي اختذه الربملان السوداين يف 22 من ديسمرب 1955 م والذي أعلن أن السودان سيصبح 220 دولة مستقلةكاملة السيادة وطلب فيه من دوليت احلكم الثنائي أن تعرتفا هبذا اإلعالن". أستقالل السودان: وبادرت حكومة الثورة إىل االعرتاف باستقالل السودان وأرسلت مندوهبا عبد الفتاح حسن وزير شئون 1955 السودان إلعالن هذا االعرتاف وقد ظل يف العاصمة السودانية من 20 ديسمرب حىت 4 يناير شوقي اجلمل املرجع نفسة ص حممد عمر بشري تطور التعليم في السودان ) م( ترمجة هنري رياض واخرون دار الثقافة بريوت 1970 م ص املعتصم أمحد علي االمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية مرجع سابق ص 83.

101 وقد ملس خالل تلك الفرتة تغري شامال من جانب رجال األحزاب السياسية السودانية وأن عوامل الشك والريبة قد زالت من النفوس وعرب رجال األحزاب السودانية عن شكرهم العميق ملوقف القادة املصرية اليت جعلت استقالهلم استقالال حقيقيا وفوتت الفرص على بريطانيا وكان السفري املصري حممود سيف اليزل هو أول سفري معتمدا يف السودان وأعلنت مصر على الفور اعرتافها بالسودان دولة مستقلة ذات سيادة حيث نشرت الصحف وثيقة االعرتاف املصري وخطاب مجال عبد الناصر الرئيس املصري إلمساعيل األزهري رئيس الوزراء السوداين بالتهنئة 223 باالستقالل كما اعرتفت إجنلرتا بالوضع اجلديد ويف 19 يناير 1956 م أصبح السودان املستقل عضوا يف جامعة الدول العربية ويف نوفمربأصبح عضوا يف هيئة االمم املتحدة وأعلن استقالل السودان دون استفتاء أو تقرير املصري ودون ارتباط مبعاهدة أو أحالف أو إقامة لقواعد أجنبية وشكل أول جملس سيادة سوداين لرئاسة الدولة. ويالحظ أن هذه االتفاقية قد أدت إىل جالء القوات الربيطانية عن السودان قبل أن جتلو هنائيا عن مصر ذاهتا يف يوم 18 يونيو 1956 م وهكذاكان السودان أول دولة عربية أفريقية تستقل يف القرن التاسع عشر بعد 225 ثورة املهدي وأول دولة عربية أفريقية جتلو عنها قوات االحتالل أيضا مقابلة مع الدكتور ماهر عطية مرجع سابق. حممود عبيد التكامل المصري السوداني مرجع سابق ص 150. ص 159. الفاتح الشيخ يوسف العالقات السودانية المصرية ) م( جامعة الجزيرة السودان 1008 م مرجع سابق عبد العزيز املهنأ السودان وسط اللهب دراسة صحفية ميدانية ملوقف احلكومة السودانية من املشكالت الداخلية واالزمات السياسية م الطبعة االوىل جامعة القاهرة املكتبة املركزية القاهرة 1994 م ص 94. أمحد محروش مصر والسودانكفاح مشتر مؤسسة دار اهلالل القاهرة 1970 م ص 86.

102 وبذلك أصبح السودان دولة ذات سيادة األمر الذي فرض على مصر وألول مرة انتهاج أسلوب جديد للتعامل معه يوازن بني االلتزام باملواثيق واالتفاقيات واألعراف الدولية الداعية الحرتام سيادة الدول وعدم االعتداء عليها والتدخل يف شئوهنا الداخلية ويف نفس الوقت انتهاج اسلوب حيافظ على مصاحلها احليوية 226 واالسرتاتيجية. وباستقالل السودان تبخرت أحالم الوحدة اليت راودت الساسة العسكريني املصريني وانتهى شعار وحدة مصر والسودان ووحدة وادي النيل مبعناه السياسي وتأكد التمايز بني الوطنية والدولة املصرية من ناحية 227 والوطنية والدولة السودانية من ناحية أخرى. إن استقالل السودان وضع العالقات املصرية السودانية يف مرحله جديدة تقوم على املساواة بني دولتني مستقلتني متكافئتني وانتقلت التبعية والظرفية وحل حملها التفاعل من خالل املصاحل املشرتكة كما دخلت الفكرة الوحدوية اليت وضعت جذورها وحدة وادي النيل يف تيار الوحدة املصرية يف تدعيمه بفكرها وممارساهتا ونتيجة هلذه الرؤيا اجلديدة وللتناقضات اليت خلفته اختذت العالقات أشكاال متعددة من املصاحلة واملهادنة حينا واملواجهة حينا أخر وات ضح أن اجملاالت الرئيسية اليت تتفاعل وتتناقض فيها مصاحل البلدين هي: 228 مياه النيل احلدود العالقات االقتصادية العالقات الثقافية العالقات مع الدول األخرى. أن استقالل السودان وقيام مجهورية مستقلة ذات سيادة على أراضيه هو احلل األمثل ملا يهيئه ذلك 229 من قيام عالقات طبيعية سلمية بني شطري الوادي من منطلق الن دي ة يف العالقات كذلك أقام عالقات أدم حممد أمحد العالقات السودانية المصرية من منظور االمن القومي م رسالة مقدمة للحصول على درجة 226 الدكتوراه يف العلوم السياسية كلية الدراسات العليا قسم العلوم السياسية جامعة أم درمان االسالمية اكتوبر 2002 م ص أسامة الغزايل حرب العالقات المصرية السودانية بين الماضي والحاضر والمستقبل مركز البحوث والدراسات السياسية كلية الدراسات االقتصادية جامعة اخلرطوم 1990 ص حممد عمر بشري تجربة التكامل بين السودان ومصر مرجع سابق ص 30. حممد هباء الدين الغمري الحركة المهدية وانعكاساتها على العالقات المصرية السودانية مرجع سابق ص 205.

103 طيبة مع الدول العربية والدول األفريقية وقد حدد امساعيل األزهري رئيس حكومة ما بعد االستقالل أهداف سياسة السودان اخلارجية جتاه العامل العريب قائال: )إن صلتنا باجلامعة العربية ستقوم على أساس رابطة الدم اليت تربطنا بشعوهبا منذ القدم لتوطيد أركان اإللفة والود والتعاون الصادق بيننا(. وصول جمال عبد الناصر للحكم في مصر: ويف هذه األجواء وصل مجال عبد الناصر للحكم يف مصر وقد تبع سياسة مناوئة لربيطانيا وفرنسا."مجال عبد الناصر جسني 15 يناير 1918 م سبتمرب 1970 م هو ثاين رؤساء مصر تويل السلطة من سنة 1956 م إيل وفاتة سنة 1970 م وهو أحد قادة ثورة 23 يوليو 1952 م اليت أطاحت بامللك فاروق أخر حاكم من أسرة حممد علي واليت شغل منصب نائب رئيس الوزراء يف حكومتها اجلديدة وصل مجال عبد الناصر إيل احلكم عن طربق وضع حممد جنيب حتت اإلقامة اجلربية وذلك بعد تنامي اخلالفات بني جنيب وبني جملس قيادة الثورة وتويل رئاسة الوزراء مث رئاسة اجلمهورية باستفتاء شعيب يوم 24 يونيو 1956 م". وكامتداد هلذه العالقات السودانية العربية فقد اوفدت احلكومة السودانية يف 1956 حممد أمحد حمجوب حلضور اجتماع جملس اجلامعة العربية اخلاص بتأميم قناة السويس وأكد عبد اهلل خليل رئيس احلكومة اليت تلت حكومة األزهري موقف السودان من القضايا العربية ومدى اهتمامه بالشأن العريب حيث أكد أن روابط 230 السودان بالدول العربية على وجه العموم ومصر على وجه اخلصوص روابط قوية ومتينة وستظلكذلك. وبذلك استطاعت ثورة 23 يوليو أن ختطو اخلطوة األوىل حنو حترير السودان من دنس االستعمار وأن تقود شعب السودان إىل االستقالل وأصبح السودان م عرب ا لثورة 23 يوليو إىل القارة األفريقية ومدخال لتنمية وتقوية العالقات بني مصر وأفريقيا ويف الوقت نفسه أصبحت مصر جسرا يعرب السودان فوقه إىل الدول العربية. أمحد حممد الصادق الكاروري العالقات السودانية االمريكية في الفترة ما بعد الحرب الباردة م الطبعة 230 االوىل اخلرطوم دار جامعة اخلرطوم 2006 م ص 128.

104 وبدأت تتوطد العالقات املصرية السودانية وأبرم االثنان اتفاقية مالية ألول مرة 1957 م قبيل صك العملة السودانية ح ددت فيها األسس اليت مت مبوجبها التبادل االقتصادي والتجاري بني البلدين ويف عام 1958 م 231 است بدلت العملة املصرية بالسودان بعملة سودانية جديدة. ويقول الدكتور ماهر عطية أنه خالل فرتة التحوالت السياسية يف السودان من وهي الفرتة اليت أطلق عليها دميقراطية ما بعد االستقالل واليت أدت إىل فتور ومجود يف العالقات بني البلدين وقد وصفها البعض بأهنا فجوة مفتعله وان كانت بريطانيا وراء تلك الفجوة وجتلي ذلك يف موقف إمساعيل األزهري الذي عمق اخلالفات يف ذلك الوقت بني البلدين ورفض االعرتاف باالتفاقيات واملعاهدات اليت وقعت يف عهد اإلدارة الثنائية واليت وقعتها اإلدارة نيابة عن السودان وأكد أن السودان ليس طرفا يف هذه االتفاقيات. وكانت مسألة مياه النيل على رأس املشاكل بني البلدين ويرجع البعض أن موقف األزهري من مصر العتقاده أن مصر وراء سقوط حكومته حيث لعبت دورا يف إحداث االنشقاق داخل احلزب الوطين االحتادي من ناحية وجبهة املعارضة السودانية من ناحية أخرى انتهج 1956 ويف ظل وزارة عبد اهلل خليل االئتالفية اليت شكلت يف 5 يوليو ظلت حىت نوفمرب السيد عبد اهلل خليل سياسة مناوئة ملصر متخذا سياسة مع أمريكا والغرب متمشيا مع سياسة نوري السعيد يف العراق فقام عقب توليه الوزارة بإلغاء زيارته ملصر واستقبل مبعوث الرئيسي األمريكي أيزهناور وجرى تنسيق بني عبد اهلل خليل واملبعوث األمريكي وكانت توجهات عبد اهلل خليل افريقية وليست عربية. ووعد بقيام جبهة الدول اإلفريقية وزيارة نوري السعيد يف العراق واتبع سياسة معادية مع املعسكر الشرقي ومغايرة لسياسة مصر وطالب بإلغاء اتفاقية النيل املوقعة يف وقاطع أنشطة الدول الشرقية. كمال سليمان حممد سليمان العالقات المصرية السودانية ونظرة مستقبلية أكادميية ناصر العسكرية العليا القاهرة 1987 م 231 ص مقابلة مع الدكتور ماهر عطية مرجع سابق.

105 وهكذا شهدت الفرتة م بعض التحوالت السياسية اليت تركت أثارها على العالقات املصرية السودانية على مستوى األنظمة الرئيسية يف البلدين وأدت إىل إحداث نوع من الفتور واجلمود وهذه االزمات أثرت سلبا يف تطور العالقات بني البلدين بينما جنحت القيادات السياسية يف البلدين باحتواء بعض األزمات عرب تغليب مصاحل القومية العربية ومن خالل اعتماد درجة عالية من التنسيق والتعاون يف العالقات الثنائية لكن هذا التباين يف التعامل مع األزمات اليت واجهت العالقات بني البلدين مل خيل من هاجس ظلل هذه العالقات يتمثل بوجود تدخل مصري يف السودان. فاحلكومة املصرية بدأت تستخدم املال للتأثري السياسي ويرجع ذلك لعدد من األسباب منها ميل حزب األمة إىل الغرب وموافقته على املعونة االمريكية للسودان ومل يقتصر على التمويل املايل بل تضاعفت خماوف احلكومة املصرية مع إقدام حكومة حزب األمة على إعادة املوظفني االجنليز الذين رحلوا عن السودان يف الفرتة 233 االنتقالية ومن اسباب عدم الثقة أيضا بني اجلانبني املصري والسوداين استمرار اعتماد الساسة السودانيني على التمويل اخلارجي ألنشطتهم احلزبية ويعد ذلك لسببني اثنني: األول يتعلق بتأثري الصراع الذي كان حمتما بني مصر وبريطانيا على حكم السودان والذي كان املال هو أحد أدواته السبب الثاين ضعف هياكل االقتصاد السوداين وعجز األحزاب عن متويل انشطتها احلزبية والسعي للتمويل من أي جهة ممكنة واستخدام 234 ذلك كورقة ضغط على مصر وكان تباين العوامل املؤثرة يف صناعة القرار يف كل من القاهرة واخلرطوم مؤثرا يف تفاعالت العالقة الثنائية بشكل كبري ذلك أن طبيعة النظام السياسي املصري اجتهت حنو الشمولية حتت مظلة نظام رئاسي وكاريزمية مجال عبد الناصر يف وقت كان النظام السياسي السوداين برملانيا يعتمد على 235 تعددية حزبية مل تستطع أن حتقق اإلمجاع السياسي يف القضايا الوطنية طوال فرتة االستقالل ارشيف اخلارجية املصرية ارشيف الدول السودان )حمفظة رقم 1269 /قدمي/ملف رقم 361/2 /ج ارشيف اخلارجية املصرية ارشيف الدول السودان )حمفظة رقم 14 /ملف رقم 3/81/744 ج 2.سري للغاية. توفيق حممد جاب اهلل التحوالت السياسية في السودان م وانعكاساتها على العالقات المصرية السودانية مرجع سابق ص 18.

106 يضاف إىل ذلك أن مصر انشغلت بالصراع العريب الصهيوين وقادت تيارات القومية العربية اليت اعتربت أداهتا الرئيسية ضد االستعمار بينما انشغل السودان مبشكلة اجلنوب مبا تفرضه من توازنات إقليمية يف النطاق اإلفريقي وضغوط دولة بريطانيا والواليات املتحدة األمريكية وبذلك يهتم هذا املبحث برصد التطورات السياسية بني البلدين يف ضوء العوامل املؤثرة يف السياسة اخلارجية لوادي النيل وطبيعة العالقة بينه وبني حميطه اإلقليمي والدويل باإلضافة إىل العوامل السياسية الداخلية املؤثرة يف العالقات الثنائية. المبحث الثاني العالقات المصرية السودانية الديمقراطية األولى م: 1 العوامل الخارجية: الريب أن مصر كانت حمور السياسة اإلقليمية يف كل من الشرق األوسط وإفريقيا لذا كان مقدرا للدولة السودانية الوليدة أن تتأثر بسياستها الداخلية واإلقليمية عربية كانت أو إفريقية حبيث نستطيع القول بأن هذه السياسات باتت عامل ضغط شديد على احلكومة السودانية بل وحىت على عالقاهتا 236 مع بريطانيا مروة أمني حممد مصطفي العالقات السودانية البريطانية من 1969 م إلى حبث مقدم لنيل درجة املاجستري يف 236 الدراسات االفريقية من قسم التاريخ )التاريخ احلديث واملعاصر( معهد البحوث والدراسات االفريقية جامعة القاهرة 2006 م ص 116.

107 وقد شكل مشروع مصر يف التحرر الوطين والتنمية االقتصادية وعدم االحنياز أسبابا وجيهة للصراع مع الكتلة الغربية مبحطاته العديدة من تأميم قناة السويس والعدوان الثالثي على مصر وصوال إىل عدوان يونيو 1967 م وميكن القول أن هذه احملطات كانت مؤثرة يف العالقات املصرية السودانية وذلك مع األخذ باالعتبار سعي الغرب التقليدي إىل مناوأة مصر يف السودان يف وقت تفاعلت اجلماهري السودانية مع مشروع 237 مصر النهضوي يف املنطقة. إذ أنه على الرغم من قوة املد املصري يف هذه املرحلة فقد حرصت بريطانيا على أن تتدخل يف قضايا العالقات املصرية السودانية بشكل الفت للنظر من ناحية وتشجيع العناصر املوالية هلا ملقاومة النفوذ املصري طوال عامني بعد حصول السودان على االستقالل من ناحية أخرى. والراصد ملالمح السياسة املصرية اخلارجية يف تلك الفرتة يالحظ مناصرهتا حلركات التحرر الوطين للخالص من االستعمار بكافة صوره من جهة وإعالن سياسة احلياد اإلجيايب واالبتعاد عن سياسة األحالف من جهة 238 ثانية. وقد رصدت القاهرة املوقف السياسي يف وادي النيل يف هناية اخلمسينات بالقول: إن السودان يثري اهتمام الدول الكربى يف العامل بسبب موقعه اجلغرايف كباب إىل إفريقيا من جهة وإىل املستعمرات من جهة ثانية فاملعسكر الشرقي يريد السودان مركزا أماميا ورأس جسر للتوغل يف وسط أفريقيا لإلطالل منه على حدود املستعمرات اإلجنليزية والفرنسية والبلجيكية واملعسكر الغريب يريد السودان منطقة نفوذ وخيشى من تغلغل املعسكر الشرقي فيه. وسياسة السودان اخلارجية منذ االستقالل ال تتمتع بالثبات فهو اليزال يتأرجح بني الشرق والغرب ويعلن من وقت آلخر أنه حيادي وإن كانت أوضاعه االقتصادية واجتاهات حكامه الفعلية من املوقفني تشري إىل 237 أرشيف اخلارجية املصري محفظة رقم 1269 قديم )رقم 7/367/2( سري جدا. 238 مروة أمني حممد مصطفي العالقات السودانية البريطانية من 1956 إلى 1969 م مرجع سابق ص 116.

108 239 توجههم حنو الغرب" أن ختوف بريطانيا من وقوع السودان يف براثن املعسكر الشرقي جعل حمددات سياستها جتاه السودان ال تنزلق حنو اإلسهام يف توتر العالقات بني مصر والسودان حيث رأت أن وجود عالقات سيئة بني مصر والسودان من شأنه خلق موقع فريد من مواقع االضطرابات يف الشرق األوسط كما أنه يعطي مصر فرصا إضافية الحتواء السودان بالكامل مبا يسهم بتوطيد عالقاهتا باالحتاد السوفيايت "فال جيب 240 تصدير األفكار السوفيتية من مصر إىل السودان". فقد استحوذ السودان على اهتمام القوى الغربية والصهاينة هبدف إبقائه بعيدا عن الصراع العريب الصهيوين 241 وبعيدا عن الدول العربية وعلى األخص مصر. أ االنضمام إلى الجامعة العربية: حدد إمساعيل األزهري رئيس حكومة ما بعد االستقالل أهداف سياسة السودان اخلارجية جتاه العامل العريب قائال " إن صلتنا باجلامعة العربية ستقوم على أساس رابطة الدم اليت تربطنا بشعوهبا منذ القدم وسيكون هدفنا توثيق الروابط بيننا وبني حكومات وشعوب اجلامعة العربية والعمل املتصل لتوطيد أركان اإللفة والود والتعاون الصادق بيننا. وكامتداد هلذه العالقات السودانية العربية فقد أوفدت احلكومة السودانية يف العام 1956 م حممد أمحد حمجوب حلضور اجتماع جملس اجلامعة العربية اخلاص بتأميم قناة السويس وأكد عبد اهلل خليل رئيس احلكومة اليت تلت حكومة االزهري موقف السودان من القضايا العربية ومدى اهتمامه بالشأن 239 أرشيف اخلارجية املصري محفظة رقم 1269 قديم )رقم 7/367/2( سري جدا. 240 F.o 371/ Telegram no October حممد عبد املؤمن الغين السودان وحرب يونيو 1967 م معهد البحوث والدراسات االفريقية بالتعاون مع املؤمتر الوطين السوداين القاهرة 2009 م ص 447.

109 ج 3 العريب حيث أكد أن روابط السودان بالدول العربية على وجه العموم ومصر على وجه اخلصوص روابط قوية 242 ومتينة وستظلكذلك. وقد شكلت قضية حسم السودان هلويته يف أعقاب االستقالل أمرا غاية يف األمهية باعتبارها من احملد دات املهمة يف توجهاته وعالقاته اخلارجية من هنا حازت مسألة انضمام السودان إىل اجلامعة العربية رفضا بريطانيا تبلور يف أن هذا االنضمام حيرمه من هوية إفريقية وجدهتا بريطانيا مناسبة له كما اعترب أن املادة 67 من الدستور االنتقايل السوداين حت ول دون متكني إمساعيل األزهري رئيس الوزراء من الوفاء بتعهداته لعبد 243 الناصر بانضمام السودان إىل اجلامعة العربية باإلضافة إىل وجود معارضة جنوبية الجتاهات األزهري حيث 244 اعترب اجلنوبيون أنفسهم أفارقة ال عالقة هلم بالعرب ومن هذا املنطلق رفضوا مقاطعة الصهاينة ايضا. ويف املقابل قاوم عبد الناصر هذه االجتاهات الربيطانية بإبالغ األزهري أنه مبجرد وصول طلب السودان لالنضمام إىل جامعة الدول العربية فإن مصر ستطلب عقد دورة طارئة للجامعة لرتحب بانضمام السودان إليها من جانب أخر كان حلزب األمة حتفظات جتاه انضمام السودان إىل اجلامعة العربية اليت "لن 245 ختدم غرضا بل تسري وفق رغبات مصر". فقد قام وزير خارجية مصر يف اجتماع جملس اجلامعة العربية الذي عقد 19 يناير 1956 م بالرتحيب بقوله: )إن مصر ترحب كل الرتحيب بانضمام السودان احلبيب لعضوية اجلامعة فكلما زادت اإلخوة يف هذه اجلامعة 242 أمحد حممد حممد الصادق الكاروري العالقات السودانية االمريكية في الفترة ما بعد الحرب الباردة مرجع سابق ص F.o371/ From Philip G.D Adams to H.B Shepherd African 244 ارشيف اخلارجية املصرية ارشيف الدول السودان )حمفظة رقم 12 /ملف رقم 2/86/744(. Department 5 January 1956,p ارشيف اخلارجية املصرية ارشيف الدول السودان )حمفظة رقم 13 /ملف 81/744/ 12( سري جدا.

110 وزاد التآخي بني أعضائها زدنا بطبيعة احلال قوة على قوة وأن السودان قادم إىل هذه اجلامعة حبماسة 246 وشباب(. ب تأميم قناة السويس والعدوان الثالثي: مل يتسن ملصر احلصول على متويل دويل ملشروع ثورة يوليو االسرتاتيجي وهو بناء السد العايل وطبقا هلذه احلالة أخت ذ قرار تأميم قناة السويس فحظيت خطوة عبد الناصر بتأميم القناة على دعم سوداين حىت يف حزب األمة حيث أصدر وزير اخلارجية السوداين حممد أمحد حمجوب بيانا بتاريخ 31 يوليو 1956 م يؤيد احلق السيادي ملصر بتأميم قناة السويس وكان هذا البيان خطوة الحقة لتحرك مصري بدعوة عبد الرمحن املهدي لزيارة مصر يف يونيو م عن طريق السيد على املريغين وذلك يف حماولة لتأمني العمق االسرتاتيجي املصري يف وقت بدأت القاهرة ختطط لتأميم قناة السويس بعد رحيل أخر فصائل القوات الربيطانية يف يونيو م. ويف هذا السياق مت توقيع ميثاق تآخي بني مصر وحزب األمة يف منتصف يونيو 1956 م يف حماولة لتأسيس 249 عالقات إجيابية بني احلزب ومصر وأمثر هذا امليثاق بإعالن عبد الرمحن املهدي تأييده لعبد الناصر يف تأميم قناة السويس وقامت القاهرة بتوظيف مرحلة العالقات اجليدة مع املهدي من خالل متديد تأمني عمقها االسرتاتيجي حىت أثيوبيا وجنحت يف إبرام اتفاقية الكتلة األفريقية مع أثيوبيا مبواجهة التحديات الغربية خبلق 246 جريدة األهرام خطاب وزير الخارجية المصري في مجلس الجامعة العربية 19 يناير 1956 م العدد )52(. صور مجال عبد الناصر وإمساعيل االزهري ص telegram NO.10/7.6 june F.o371/ حممد حسنني هيكل ملفات السويس حرب الثالثين سنة مركز االهرام للرتمجة والنشر القاهرة 1986 م ص EL-Bagir.Ahmad Abdullah the Sudan in Anglo-Egyptian Relation University of Exeter,1992, p19.

111 مشروع احلزام اإلفريقي وذلك بعد جهود سياسية قام هبا عبد الرمحن املهدي يف هذا اجملال إال أن هذه اجلهود 250 مل تسفر عن جناح حقيقي بعد الصدام الكبري بني مصر والغرب. ولكن الوفاق مع حزب األمة مل يستمر طويال وذلك أن تعر ض مصر للعدوان الثالثي أفرز اختالفات يف تقدير املوقف السياسي إزاء الدول املعتدية بني مصر عبد الناصر وحكومة السودان اليت يشارك هبا حزب 251 األمة صاحب العالقات التقليدية بالربيطانيني الذي فتح أيضا قنوات اتصال مالية مع فرنسا قبيل العدوان وقد كان هناك قنوات تنسيق سرية بني عبد اهلل خليل رئيس الوزراء والسفارة الربيطانية يف اخلرطوم جتعل من مسألة دعم مصر مسألة صورية تستجيب فقط للضغوط الشعبية حيث كتب السفري الربيطاين يف اخلرطوم تشامبان اندروز Chopman Andrews إىل حكومته بعد لقاء مع خليل" أنه طاملا بقي يف السلطة خليل ميكننا أن نثق بأن احلكومة السودانية لن تقدم لعبد الناصر غري الشعارات 252. " ميكن القول أن املوقف املصري سعى إىل تأمني حدوده اجلنوبية يف وقت العدوان والسعي إىل مساندة قوية على املستوى السياسي من السودان لكن االخري مل يقدم الدعم املطلوب بقطع العالقات مع الدول املعتدية أسوة بباقي الدول العربية وعقد اجتماع بني السفري املصري ورئيس الوزراء السوداين عبد اهلل خليل 5 نوفمرب 1956 م طالب فيه السفري مبنع الطائرات الربيطانية والفرنسية من اهلبوط يف املطارات السودانية وكذلك عدم السماح بدخول سفنها إىل املوانئ وأشار السفري املصري يف اجتماعه مع خليل إىل ضرورة ابالغ سفراء هذه 250 جريدة االهرام املصري 1956/10/22 م. 251 ارشيف اخلارجية املصرية ارشيف الدول السودان )حمفظة رقم 13 /افادة 717/0101(. 252 F.o371/ Received in A archives 10316/4 21 September 1956.

112 253 الدول مبوقف السودان وبالفعل عقد اعضاء الربملان جلسة طارئة وطالبوا بقطع العالقات مع 254 بريطانيا.حيث قرر فيها: 1 منع الطائرات احلربية الفرنسية من استخدام مطارات السودان. 2 فتح باب التطوع إىل مصر. 3 فتح مركز التجنيد يف كل مدن السودان الكربى. 4 وضع القوات السودانية يف حاله االستعداد القصوى. 5 وضع مجيع امكانات السودان االقتصادية حتت تصرف مصر. 6 إعالن التعبئة الداخلية. 7 تقدمي تسهيالت للصحف السودانية إلرسال مندوبني للقاهرة واجلبهة لتغطية أنباء احلرب أوال بأول. ويف خضم هذه األحداث أخذت وزارة اخلارجية برئاسة السيد حممد أمحد حمجوب يف إدانة االعتداءات احلربية على مصر وقد أعقب ذلك سفر وفد من الوزارة برئاسة الوزير إىل نيويورك ملخاطبة اجلمعية العامة لألمم املتحدة وأجهزة اإلعالم الدويل والتوضيح بأن هذا العدوان ينتهك كافة مبادئ األمم املتحدة والقانون 255 الدويل. وقد أعلنت حكومة السودان رمسيا يف بيان أصدره جملس الوزراء السوداين استنكارها للعدوان على مصر 256 وقد أذيعت هذه القرارات على الفور من اإلذاعة املسموعة كما شاهد السودان خروج طوفان من 253 ارشيف اخلارجية املصرية ارشيف الدول السودان )حمفظة رقم 13 افادة 689/102( سري جدا 254 نوال عبد العزيز راضي رياح الشمال دراسة في العالقات المصرية السودانية في التاريخ الحديث والمعاصر جامعة القاهرة اخلرطوم املطبعة التجارية احلديثة 1985 م ص ص املعتصم أمحد علي االمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية دراسة حالة للعالقات السودانية المصرية مرجع سابق ص 83. حممد سعيد حممد احلسن عبد الناصر والسودان لندن 1992 م ص 312.

113 257 مظاهرات صاخبة يف اخلرطوم مؤيدة ملصر وعبد الناصر ومعادية لربيطانيا كما شهد السودان أول مرة 258 خالل معركة السويس ظاهرة جديدة هي خروج املظاهرات النسائية وتربعن يف السودان حب ليهن لصاحل املعركة من جانبه نفذ حزب األمة وعوده للربيطانيني بأن يكون دعمه ملصر صوريا إذ رفض عبد الرمحن املهدي اإلقدام على قطع عالقات السودان بربيطانيا أسوة بباقي الدول العربية واستند موقفة إىل اعتبارات تتعلق مبخاوفه من إقدام بريطانيا على احتالل جنوب السودان. وأن املهدي أكد بأن االتصاالت مع اإلجنليز قد أوضحت أن بريطانيا سوف ال تكون راضية إذا أقدم السودانيون على قطع العالقات معها. لذاكان احلزب من منهجه أنه ال يريد العداء مع بريطانيا بل يسعي لصداقة متينة السيما وأن دائرة املهدي ومصاحلها االقتصادية عدم قطع العالقات لذلك مل يكن من السهل على حزب األمة أن يقطع أصدقائه القدامى أو أصدقائه 259 الفرنسيني. واعتربت مصر أن حزب األمة خاهنا يف اصعب مواقفها يف وقت كانت لدوائر صناعة القرار املصري مشروع كامل ضد الغرب يف املنطقة وتقود مشروعا ثوريا متلك إرادة سياسية إلقراره ولعل أهم نقاط هذا احلصاد املر هي شكوى عبد اهلل خليل ضد السفري املصري يف اجتماعه مع عبد الناصر 1956 م بشان املوقف من مسألة إغالق قناة السويس يف أعقاب العدوان الثالثي واقرتاح عبد الناصر لعقد لقاءات دورية بني رئيسي احلكومتني يف وادي حلفا لتجاوز مثل هذه اخلالفات إال أن عبد اهلل خليل قال أنه حيتاج إىل التشاور مع زمالئه يف هذا 260 األمر مث ما لبث أن كشف تفاصيل اجتماعه بعبد الناصر إىل السفري الربيطاين يف اخلرطوم ونفى السفري املصري اهتامات عبد اهلل املرتبطة بتقدمي مساعدات مالية للصحف قائال "اننا ال ننفي طلبنا للجرائد هبدف 257 توفيق حممد جاب اهلل التحوالت السياسية في السودان م مرجع سابق ص امحد سليمان الطبقة العاملة والكفاح المصري السوداني المشتر دار اجلماهري السودان 1956 م ص مروة أمني حممد مصطفي العالقات السودانية البريطانية من 1956 إلى 1969 م مرجع سابق ص F.o3371/ Telegram No 758, 22 December 1956.

114 القضاء على النفوذ الربيطاين لكننا الندفع األموال ألحد ألن هذه السياسات التحررية للصحف املوالية للقومية العربية أكسبتها رواجا فوزعت صحيفة الرأي العام الف نسخة بعد أنكانت توزع عشرة االف نسخة. وقد كان من أهم نقاط هذا االجتماع مسألة إغالق قناة السويس حيث أعتربها خليل أهنا سكني على رقبة السودان لكن تقدير خليل أن عبد الناصر مل يكن مهتما مبسألة فتح القناة وذلك العتبارات تتعلق بأن املسألة أصبحت يف يد االمم املتحدة حيث توقع عبد الناصر تدهورا عاما يف العالقات بني مصر والغرب وذلك وفق 262 تقديرات ترصد سعي الدول الغربية وعلى رأسها الواليات املتحدة إىل فرض رقابة دولية على قناة السويس وتبلور املوقف السوداين الرمسي مبسألة القناة رغبة أن تكون االمم املتحدة هي املسيطرة على تشغيل قناة 263 السويس وذلك بغض النظر عن السيادة اإلقليمية أو نظام اإليرادات. ج مبدا أيزنهاور وموقف الغرب منها: كانت السودان قد انشغلت بالصراعات السياسية واليت متثلت يف خالفات بني األحزاب وسقوط احلكومات كما اشتدت األزمة االقتصادية واليت كادت أن تؤدي إىل اهنيار يف اقتصاديات البالد ومما ساعد على اشتداد األزمة االقتصادية ق لة حمصول القطن يف ذلك العام والذي ترتب عليه قلة رصيد البالد من العمالت االجنبية وبالتايل انعدام السلع الضرورية اليت كانت تستورد من اخلارج مما أدى إىل سخط عام بني مجاهري الشعب السوداين اليتكانت تتطلع إىل التغيري حىت ولو عن طريق القوة. 261 ارشيف اخلارجية املصرية ارشيف الدول السودان )حمفظة رقم 13 /افادة 694/0102(. صور عبد الناصر يؤمم قناة السويس 26 يوليو 1956 م أنظر املالحق ص ارشيف اخلارجية املصرية ارشيف الدول السودان )حمفظة رقم 1/7/246 /ج 2 ( 263 F.o 371/ Received Archives No December 1956.

115 هذه األزمة السياسية وما ترتب عليها من أزمات اقتصادية مل يكن منشؤها أسباب داخلية حبتة وإمنا كانت ترجع إىل أسباب خارجية أيضا ويقصد هبذا اخلطر اخلارجي حتديدا اخلطر األمريكي واملصري فقد ذكر رئيس 264 جملس النواب األسبق حممد صاحل الشنقيطي أن األزمة السياسية بدأت باملعونة األمريكية. فقد قررت الواليات املتحدة األمريكية ملء الفراغ الناجم عن أفول اإلمرباطورية الربيطانية وانسحاب نفوذها يف مناطق خمتلفة من العامل وذلك ملواجهة نفوذ االحتاد السوفييت يف بلدان العامل الثالث ومن هنا قدمت الواليات املتحدة يف يناير 1957 م مبدأ أيزهناور لدول العامل فعقد اجتماع جلنة وزارية حضره ريتشارد نيكسون مدير املشروع األمريكي وأوضح رتشارد أن املشروع ذو شقني: حريب ضد الشيوعيني واقتصادي هدفه مساعدة 265 السودان. إذنكان ي ع د بتقدمي معونات اقتصادية للعامل الثالث مقابل االبتعاد عن خطر الشيوعية ومتثلت إىل Richardاخلطوة Nixon األوىل يف هذا السياق بزيارة لنائب الرئيس األمريكي ريتشارد نيكسون السودان 13 مارس 1957 م حيث عقد مؤمترا صحفياكشف فيه عن سبب اهتمام بالده بالسودان مشريا إىل موقعها االسرتاتيجي الذي يشكل جسرا بني مشال إفريقيا ووسطها "وهو املؤدي إىل تلك األراضي العظيمة 266 هبذه القارة الواسعة بكل ما حتمل من إمكانات للمستقبل. حظي مبدأ أيزهناور ومسألة املعونة األمريكية جبدل سياسي واسع يف السودان بني احلكومة واملعارضة أسفرت عن استقطاب حاد بني قوى اليمني املمثلة حبزب األمة من جانب وباقي القوى السياسية السودانية من جانب آخر إذ ارتفع ستار املسرح السياسي عن معركة شرسة انتهت بتسليم حزب األمة السلطة إىل اجليش وذلك مبزاعم تدخل مصري مرتقب يهدف إىل إعالن احتاد مع السودان ينطلق من الربملان السوداين. انطلقت هذه املعركة مع قبول حزب األمة خطاب أيزهناور الرامي إىل فرض سيطرة على دول العامل ومحايتها من الشيوعية ذلك أن حزب األمة وعبد اهلل خليل دعما بشدة الطرح االمريكي إىل حد ي بل غ عبد اهلل خليل EL-Bagir Ahmad Abdullah; op.cit p أمحد حممد حممد الصادق الكاروري العالقات السودانية االمريكية في الفترة ما بعد الحرب الباردة مرجع سابق ص EL-Bagir Ahmad Abdullah. op.cit op.98.

116 جملس وزارته يف يناير 1957 م أن الواليات املتحدة االمريكية على استعداد لتزويد اجليش بأحدث األسلحة كما أهنا مستعدة إلنشاء سالح جوي سوداين يعتد به يف أفريقيا ويساند اثيوبيا ويكون سندا للسياسات 267 االمريكية والربيطانية. كما أعلنت احلكومة االئتالفية يف منتصف يونيو 1958 م أهنا تنوي قبول املعونة االمريكية فتصاعد رفض القوى املعارضة هلذا االجتاه حيث عقد احلزب االحتادي واجلبهة املناهضة لالستعمار وحزب األحرار اجتماعا حضرة املزارعون والطلبة وأعضاء النقابات املهنية وذلك إلعالن رفضهم ملوقف احلكومة ودعا املشاركون يف االجتماع إىل اجلهاد ضد املستعمرين اجلدد ونبذ مبدأ أيزهناور والشروط االستعمارية املصاحبة كما قرر اجملتمعون حماولة إقناع حزب الشعب املتحالف مع حزب األمة يف الربملان بفض هذا التحالف وإعالن ميثاق وطين معهم. كما تبلور املوقف إزاء مصر فيما أعلنته اجلبهة املعادية لالستعمار أن املقياس الوحيد للحكم على وطنية أي حكومة يف املنطقة وعدائها لالستعمار هو موقفها من 268 مصر ومن رئيسها.. مل تنعكس هذه الضغوط الشعبية على موقف املريغين حيث ساهم بتمرير املوافقة على الشق االقتصادي من املعونة األمريكية من الربملان السوداين بأغلبية ومترير اتفاقية املعونة يف الربملان مل مينع القوى الوطنية من إعالن إضراب عام 7 يوليو 1958 م الذي أدخل حكومة عبد اهلل خليل يف نفق األزمة بشقيها السياسي واالقتصادي حيث أمسكت أزمة اقتصادية خانقة باحلكومة السودانية مع تراجع مبيعات القطن اليت زاد من حدهتا عدم قدرة خليل على مقاومة الضغوط االمريكية ورفضه لعرض روسي باستبدال األقطان السودانية 269 مبنتجات سوفيتية ارشيف اخلارجية املصرية ارشيف الدول السودان )حمفظة رقم 13 /افادة 33/299(. حممد سليمان اليسار السوداني في عشرة أعوام ) م( مكتبة الفجر السودان 1971 م ص ارشيف اخلارجية املصرية ارشيف الدول السودان )حمفظة رقم 14 /ملف رقم 81/744 /ج 2 سري للغاية(.

117 مل جيد خليل خمرجا من هذه اآلزمة إال بالتضخيم واملبالغة يف الدور املصري يف السودان والقول بوجود ختطيط مصري إلعالن احتاد مع السودان انطالقا من الربملان موظ فا يف ذلك أزمة البلدين حول مسألة حاليب كما أقدمت صحيفتا حزب األمة النيل واألمة على اهتام مصر بأهنا وراء حتركات املعارضني 270 السودانيني ضد احلكومة واحلملة ضد املعونة األمريكية وراءها أياد مصرية. السياسات السودانية المصرية في المجال االفريقي: أرتبط العامل العريب بأفريقيا بروابط روحية وفكرية وثقافية وتارخيية وجغرافية وسياسية منذ آماد بعيدة وتعزز 271 هذه الروابط مجيعها يف وقتنا املعاصر مصاحل مشرتكة بني العرب واألفارقة. مصر والسودان دولتان إفريقيتان حيث ميثالن مع دول عربية أخرى اجلزء اإلفريقي من الوطن العريب ومها مبثابة املدخل العريب ألفريقيا السوداء كما أهنما ميثالن معرب إفريقيا للوطن العريب وجسرا يربط احلضارة العربية واإلسالمية باحلضارة األفريقية ويربط الب ل دان مصر والسودان بإفريقيا مصاحل حيوية يف خمتلف اجملاالت ومن مث فقد انضم البلدان مبكرا إىل منظمة الوحدة األفريقية تلك املنظمة اليت أسهمت إسهاما كبري ا يف صياغة مصاحل 272 دول القارة وتوحيدها يف مواجهة املستعمر ودعم حركات التحرر الوطين األفريقية. فمن املعروف أن دول أفريقيا غري العربية متثل ظهر الوطن العريب فهي تواجه شبة اجلزيرة العربية على طول الساحل الشرقي ألفريقيا ومتتد على طول احلدود اجلنوبية للدول العربية األفريقية وهذا يعطي هذه الدول مركزا اسرتاتيجيا خطريا إذا كانت على عداء مع الدول العربية أو متكن أحد أعداء القضايا العربية والثورة العربية أن 273 يتخذها مناطق هجوم أو وثوب ضد الوطن العريب. 270 حاج موسي التجربة الديمقراطية وتطور نظم الحكم في السودان ص ص مشعان بن حممد الدعيج التغلغل االلكيان الصهيونيي في القارة االفريقية ومدي تأثير التعاون العربي االفريقي جملة البحوث والدراسات العربية العددان 18/ م ص ادم حممد أمحد عبد اهلل العالقات السودانية المصرية" منظور االمن القومي والمصالح االستراتيجية" مرجع سابق ص 53. حمبات إمام الشرايب الوجود االلكيان الصهيونيي والعربي في أفريقيا دراسة اقتصادية سياسية املكتبة االفريقية القاهرة ص 14.

118 ولقد اختذت العالقات العربية األفريقية شكلها احلديث يف عقد اخلمسينات وقد جتسد ذلك يف إطار التنسيق والتضامن من أجل مقاومة االستعمار والتخلص من االحتالل والكفاح من أجل احلرية واالستقالل كما جتسد أيضا يف الدعم السياسي حلركات االستقالل يف أفريقيا داخل أروقة األمم املتحدة وحركة عدم 274 االحنياز. تزامن الدور املصري يف أفريقيا مع قدم الدولة املصرية وتواصل بشكل متقطع أو متفاوت يف القوة حىت وقتنا الراهن وكان دور مصر ينحسر أو يتقلص على اجلانب األفريقي بفعل العامل األجنيب حيث قامت القوى األجنبية على مر التاريخ مبهمة تقليص هذا الدور فكان أخرها االستعمار األوريب الذي أجهز على دور مصر يف القارة وقلصه إىل أدىن حد ميكن تصوره. لكن احلكومات املصرية حرصت على أن تستأنف مصر دورها املتميز على الساحة األفريقية وأن تضطلع مبسئوليات تتناسب مع روابط مصر الطبيعية بقارتنا األفريقية واملبنية على اعتبارات جغرافية ومصاحل وروابط 275 عديدة يأيت هنر النيل على رأسها. ولذلك بدأ االهتمام العريب بأفريقيا منذ هناية اخلمسينات وذلك عندما أعطى الرئيس املصري مجال عبد 276 الناصر اهتماماكبريا حلركات التحرر بعامة ويف أفريقيا بصفة خاصة. لقد بنت مصر دورها وتأثريها يف أفريقيا يف العصر احلديث وخباصة منذ يوليو 1952 م على أساس العداء لالستعمار والعنصرية ودعم حركات التحرر الوطين يف أفريقيا من أجل استقالل للقارة تنعم فيه باستثمار 145( يوليو سامية بيربس نحو تنشيط التعاون العربي االفريقي مجلة السياسة الدولية السنة السابعة والثالثون العدد) م ص حممود أبو العينني التقرير االستراتيجي االفريقي م معهد البحوث والدراسات االفريقية جامعة القاهرة سبتمرب 2002 ص 235. أمساعيل سرور شلش العالقات العربية االفريقية المعاصرة في ظل الوجود االلكيان الصهيونيي في القارة االفريقية شؤون 276 عربية العدد 32 أكتوبر 1983 م ص 55.

119 مواردها وإحداث تنمية مستقله خلدمة شعوهبا ووضع أساس عملي لقيام تعاون مصري عريب أفريقي يف إطار 277 املصاحل املشرتكة. لقد كان عبد الناصر الرئيس املصري الذي عمل يف اخلمسينات يف أفريقيا جلعل القادة األفارقة يف أفريقيا واملنفى يشعرون بالقضية الفلسطينية وقد مسح للقادة يف املنفى بإنشاء مكاتب يف القاهرة وكانت اإلذاعات من القاهرة باللغات األفريقية تدين الغرب وتدين الصهاينة بقوة أيضا وبرزت القضية الفلسطينية فيها بوضوح. وقد وجهت هذه اإلذاعات اهتماما خاصا للمسلمني يف أفريقيا يف حماولة إلدراج التضامن األفريقي اإلسالمي مع فلسطني ضد الصهاينة وطاملا البلدان األفريقية ال حتكم نفسها فإن إمكانيات ناصر يف العمل يف أفريقيا 278 كانت حمدودة ومقيدة وكان النفوذ الفعلي ملصر يف أفريقيا يف حده األدىن. أما السودان فقد وقفت مع الدول األفريقية وعملت على تقوية عالقتها هبم لقناعتها بأن حركتهم حركة ثورية تقف ضد االستعمار بنوعيه القدمي واحلديث وكذلك إمياهنا بضرورة إيصال الثقافة العربية عرب السودان إىل عمق أفريقيا 279 وملا نالت غالبية بلدان أفريقيا استقالهلا كثفت مصر نشاطها ضد الكيان الصهيوين هبدف دفع الدول اجلديدة إىل تبين اخلط العريب من مسائل الشرق األوسط مبا فيها القضية الفلسطينية وكانت نشاطات مصر خالل الستينات يف أفريقيا إقامة بعثات دبلوماسية يف البلدان اليت حتوز استقالهلا وأرسال اخلرباء من معلمني 280 وقادة دينيني وتعاون اقتصادي وتقين وكان اهلدف الرئيسي ضرب املوقف الصهيوين يف القارة. 277 حممد فائق مصر والعرب وأفريقيا...إلى أين دار املستقبل العريب العدد االول أكتوبر 1986 ص Arye Oded, The P.L.O.IN Africa, The Centre For Political Research, Ministry of Foreign Affairs, Jerusalem, Israel.1991,p6. ادم حممد أمحد عبد اهلل العالقات السودانية المصرية "منظور االمن القومي والمصالح االستراتيجية" مرجع سابق ص Arye oded. op.cit. p6. 279

120 والتنسيق يف السياسات األفريقية لكل من مصر والسودان مسة تارخيية وملمح هام من مالمح عالقتهما منذ القدم وترتبط مالحمه احلديثة يف التبلور بقيام ثورة 23 يوليو يف مصر وحصول السودان على استقالله. وقد ساعد عليه وحدة املنطلقات الفكرية للحركة الوطنية يف البلدين وتبنيهم مبادئ واحدة يف سياستهما اخلارجية متثلت بااللتزام مببادئ احلياد اإلجيايب وعدم االحنياز ومناصرة ثورات التحرر الوطين وهو ما انطبع بالذات وبشكل واضح على القارة األفريقية اليت شهدت أوج كفاحها وقمة انتصاراهتا الوطنية يف تلك الفرتة واليت تشمل أؤخر اخلمسينات وأول الستينات. ومن ناحية أخرى ضرورة قومية تفرض اعتبارات جغرافية واقتصادية وأمنية تتمثل أوضح صورها يف اشرتاكهما يف استمداد احلياة من مياه النيل وضرورة تنسيق االنتفاع هبا سواء فيما بينهما أو بينهما من ناحية وبني باقي الدول األفريقية اليت ينبع منها ومير هبا ذلك النهر وما يفرضه ذلك من ضرورة ضمان أمن تلك املنطقة بأسرها ومحايتها من التدخل أو السيطرة األجنبية وكذلك من الصراعات الداخلية وعدم االستقرار. كذلك يفرض هذا التنسيق األمهية االسرتاتيجية للبحر االمحر لكل منهما باعتباره املنفذ البحري الوحيد للسودان والطريق الرئيسي لقناة السويس بالنسبة ملصر وكذلك بالنظر ألمهيته القصوى بالنسبة للصهاينة وما 281 ينتج عن ذلك من صراع حوله ظهر جليا فيما تعانيه سواحله األفريقية من صراعات واضطرابات وتدخل. ولذلك ميكن القول أن إدراك مصر والسودان ألمهية التنسيق يف اجملال األفريقي كان مبكرا وسابقا لغريه وميتد كم ا إىل ما بعد االستقالل مباشرة وقد متثل ذلك واضحا يف عديد من املناسبات منها مساندة الثورة اجلزائرية منذ قيامها ومساعدة نيجرييا على مقاومة احلركة االنفصالية واستضافة وتدعيم حركات التحرير 281 أمل الشاذيل السياسات السودانية المصرية في المجال االفريقي مرجع سابق ص 61.

121 املسلحة يف دول أفريقيا اخلاضعة لالستعمار مث جهود الدولتني يف إقامة وتدعيم منظمة الوحدة األفريقية ومواصلة 282 العمل املنظم داخلها من أجل وحدة القارة. ولقد أسهمت الدول العربية األفريقية كذلك يف تسوية بعض املنازعات الدولية األفريقية فقد قامت مصر بدور الوسيط يف عديد من النزاعات األفريقية كالنزاع بني أثيوبيا والصومال والنزاع بني كينيا والصومال وغانا وغينيا وأثيوبيا والسودان كذلك قام السودان بدور للتسوية السلمية للمنازعات بني أثيوبيا والصومال وكينيا عام 1964 م وتوصلت اجلهود السودانية مع زامبيا من إيقاف التوتر بني األطراف املتنازعة وعلى اجلانب اآلخر فإن أهم القضايا العربية البارزة على السطح يف تلك الفرتة كانت قضية فلسطني واليت كانت تتحاشاها الدول األفريقية وتثري كثريا من التحفظات ضد إدراجها يف جدول أعمال املنظمة باعتبارها قضية عربية وليست أفريقية ولعل الرئيس مجال عبد الناصر أراد احلديث عن النزاع العريب الصهيوين بصورة حذرة دون إشعال احلساسيات األفريقية فقال يف خطابة أمام املؤمتر التأسيسي ملنظمة الوحدة األفريقية بأديس أبابا يف مايو 1963 م: "إن اجلمهورية العربية املتحدة أتت إىل هنا بقلب مفتوح وعقل مفتوح وتقدير للمسئولية مفعم 283 بالنية الصادقة وهي مستعدة أن تتحمل إىلكل احلدود مسؤولياهتا التارخيية جتاه قارتنا األفريقية..". ولقد برز وأكد الرئيس مجال عبد الناصر التصور العريب للنزاع العريب الصهيوين أمام املنظمة األفريقية يف أول مؤمتر لرؤساء الدول واحلكومات األفريقية يف القاهرة م حيث ورد يفكلمته أمام املؤمتر : " هناك أيضا قضية تشغل بالنا.. نعتربها قضية مصري.. نعين هبا هذا اجلزء من الوطن العريب الذي اقتطع منه لتقوم عليه بالعدوان قاعدة لالستعمار يف الصهاينة..ال نريدكم يف هذا االمر أن تأخذوا املوضوع كما طرحنا عليكم لكننا نريدكم أن تولوه املزيد من توفيقكم ومن حبثكم األمني". رءوف عباس حامد العرب في أفريقيا الجذور التاريخية والواقع المعاصر كلية اآلداب والعلوم جامعة القاهرة دار الثقافة 282 العربية 1987 م ص رءوف عباس حامد العرب في أفريقيا الجذور التاريخية والواقع المعاصر مرجع سابق ص أماين الطويل العالقات المصرية السودانية جذور المشكالت وتحديات المصالح مرجع سابق ص 135.

122 تأثير االداء المصري في السودان: تعرض مسار العالقات املصرية السودانية بعد عام 1956 م إىل جمموعة من األزمات اليت أثر بعضها سلبا يف تطور العالقات بني البلدين بينما جنحت القيادات السياسية يف البلدين باحتواء بعض األزمات عرب تغليب مصاحل القومية العربية ومن خالل اعتماد درجة عالية من التنسيق والتعاون يف العالقات الثنائية لكن هذا التباين يف التعامل مع األزمات اليت واجهت العالقات بني البلدين مل خيل من هاجس ظلل هذه العالقات 285 ويتمثل بوجود تدخل مصري يف السودان ولعله اهلاجس املمتد حىت اللحظة الراهنة. إن إعالن استقالل السودان يف يناير 1956 م أدى إىل وجود أزمة ثقة يف العالقات املصرية السودانية وحدث حتول تدرجيي من اجلانب املصري إذ بدأ املصريون يستخدمون املال للتأثري السياسي ويرجع ذلك لعدد من األسباب منها ميل حزب األمة إىل الغرب وموافقته على املعونة األمريكية للسودان حيث ثبت لدى املصرين وجود قنوات متويل مايل بني بريطانيا وعبد الرمحن املهدي فعلى سبيل املثال ال احلصر رصد السفري املصري 286 حتويل مبلغ نصف مليون جنية اسرتليين من بنك باركليز ومحلت أمساء مستعارة. ومل يقتصر األمر على التمويل املايل بل تضاعفت خماوف احلكومة املصرية مع إقدام حكومة حزب األمة على إعادة املوظفني اإلجنليز الذين رحلوا عن السودان يف الفرتة االنتقالية مبوجب اجراءات السودنة باإلضافة إىل إعادة تعيني املستشار املايل الربيطاين للحكومة السودانية وميكن القول أن خماوف مصر من حزب األمة تضاعفت مع سعي حزب األمة إىل تنصيب عبد الرمحن املهدي ملكا على السودان وتورط جنله صديق املهدي يف عالقات مع الصهاينة يف وأوردت املصادر املصرية عن وجود تقارير عن اجتماعات سرية جيريها حزب األمة مع الكيان الصهيوين مل حيدد امسه إلقراض حزب األمة مليون جنيه. ومن أسباب عدم الثقة بني اجلانبني املصري والسوداين استمرار اعتماد الساسة السودانيني على التمويل اخلارجي ألنشطتهم احلزبية ويعد ذلك لسببني: األول يتعلق بتأثري الصراع الذيكان حمتدما بني مصر وبريطانيا أماين الطويل املرجع نفسة ص 135. ارشيف اخلارجية املصرية ارشيف الدول السودان )حمفظة رقم 1269 قدمي /ملف رقم 361/2 /ج 1 (.

123 على حكم السودان والذي كان املال هو أحد أدواته والسبب الثاين ضعف هياكل االقتصاد السوداين وعجز األحزاب عن متويل أنشطتها احلزبية والسعي للتمويل من أي جهة ممكنة واستخدام ذلك كورقة ضغط 287 على مصر. أيضا من أسباب عدم الثقة عجز اإلدارة املصرية عن تأمني املصاحل السياسية ملصر يف ظل االنقسامات السودانية فقد انشغل السودانيون يف صراعاهتم احلزبية عن حتديد أولوياهتم االسرتاتيجية سواء مع مصر أو الدول األخرى واخلارجية املصرية كانت ترى أن السودان قد بىن عالقة مع مصر على قاعدة االنتفاع ال على أساس تبادل املنافع وإن املشاعر اليت تبدوا يف التصرحيات السياسية ال عالقة هلا بالواقع باإلضافة إىل أن "املساعدات التقليدية اليت تقدمها مصر للسودان ال تقدر حق قدرها وتفسر تفسريا خاطئا بأهنا تستهدف 288 غرضا". هذا هو املشهد من م صراعات داخلية وخارجية فقد وصلت إىل السفري املصري حممود سيف منشورات هتديد ووصلت آخرين كذلك باملعىن نفسه وشرعت صحف حزب األمة مبهامجة مجال عبد الناصر واهتامه بتدبري مؤامرات يف السودان تستهدف اغتيال األنصار وإمامهم عبد الرمحن املهدي وجنله الصديق مث تلقى املستشار يف السفارة املصرية أمرا من اخلارجية السودانية مبغادرة السودان باعتباره شخصا غري مرغوب فيه 289 كما أهت م امللحق العسكري بتدبري املؤامرات واالن بتدبري انقالب عسكري ضد احلكم. السياسات المصرية في عهد عبود م : ارشيف اخلارجية املصرية ارشيف الدول السودان )حمفظة رقم 14 /ملف رقم 8/744 /ج 2 /( سري للغاية. ارشيف اخلارجية املصرية ارشيف الدول السودان )حمفظة رقم 14 املرجع نفسه. 289 يوسف كرم اهلل عبد الصمد تطور الحركة السياسية السودانية م رسالة ماجستري غري منشورة معهد البحوث والدراسات العربية القاهرة 1995 م ص

124 حتول نظام احلكم يف السودان إىل العسكر وتوىل الفريق إبراهيم عبود السلطة يف اخلرطوم يف 17 نوفمرب 1958 م وال غرابة إن اهتم خصوم حزب األمة عبد اهلل خليل بأنه كان على علم باالنقالب بل إنه مت بتدبري منه وبرروا عملية نقل السلطة اليت جلأ إليها األنصار بتدهور مركزهم بسبب سياسة العداء اليت أعلنوها ضد مصر من جانب آخر وذلك قبل أن تكون للقوى الوطنية املعارضة حلزب األمة سياسته املوالية لقوى االستعمار يف هذه املرحلة كلمت ها يف التغيري. إذ كانت تطالب بوجوب سلوك سياسة مناوئة لالستعمار اإلجنليزي واألمريكي يف السياسة اخلارجية جلمهورية السودان إىل جانب صياغة برنامج اقتصادي واضح مبين على حترير السودان من احتكار السوق االستعمارية األمر الذي كان له مردوده لدى اجلماهري الساخطة على املعونة األمريكية وقد بلغ الشغب للنظام االقطاعي وممثلية من قادة حزب األمة حدا بعيدا بسبب تردي األوضاع السياسية واالقتصادية حىت أعترب اهنيار حكومة خليل بداية لفتح الطريق لتصفية الطبقة اإلقطاعيةالسودانية وبالتايل تصفيه اجلبهة الداخلية 290 اليت يعتمد عليها االستعمار األجنيب. فعندما جنح اجليش يف اإلطاحة حبكومة عبد اهلل خليل قام النظام اجلديد حبل الربملان وتعطيل الدستور وحل االحزاب السياسية ومجيع املؤسسات الدميقراطية األخرى وأوقف إصدار الصحف وشكل جملسا للقوات املسلحة آلت إليه مجيع السلطات الدستورية وتوىل اللواء إبراهيم عبود املسؤولية عن مجيع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية باإلضافة إىل توليه منصب القائد األعلى للقوات املسلحة وبرر العسكريون انقالهبم هذا بأنه حدث اضطرارا بسبب تفشي الفساد والفوضى االقتصادية وعدم االستقرار يف 291 البالد. ولقد أكد النظام اجلديد أنه سيعمل على ازاله اجلفوة مع مصر. 290 ص 5. يونان لبيب رزق قيام وسقوط المهدية في السودان المعاصر جملة السياسة الدولية السنة السادسة العدد 1970 م 121 مجال حممد السيد ضلع األزمة السياسية في السودان بين طموح السياسات وواقع الممارسات معهد البحوث والدراسات 291 االفريقية جامعة القاهرة فرباير 2010 م ص 16.

125 فقد أعلن يف البيان األول: )أما شقيقتنا اجلمهورية العربية املتحدة فسنعمل جاهدين لتحسني العالقة وحل 292 مجيع املشاكل املعلقة وإزالة اجلفوة اليت كانت تسود بني البلدين الشقيقني( وبذلك ردت القاهرة باالعرتاف بنظام احلكم اجلديد يف السودان. وقد حدد الفريق عبود يف تصريح له 12/9/ 1958 م إىل الصحفي اهلندي بركاش جندرا prakash gandraمراسل صحيفة نيودهلي عن مدي رغبته يف حتسني العالقات مع مصر وحل القضايا املعلقة بني البلدين )إنين متفائل كثريا بإمكانية التواصل إىل اتفاق ودي مع مصر حول أية قضية ومعضله قائمة ومن ضمنها مياه النيل وعلينا أن حتديد رغبتنا بالتوصل إىل اتفاق من خالل مناقشة احتماالت غري صحيحة وأنين سوف ال اتردد للحظة واحدة ملقابلة الرئيس مجال عبد الناصر اذا ما اقتضت الضرورة متاما حلل املعضالت القائمة بني البلدين. كذلك أكد اللواء أمحد عبد الوهاب وزير داخلية السودان يف ذلك الوقت هذا التوجه بقوله "إن السودان حيمل مشاعر طيبة جتاه اجلمهورية العربية املتحدة وسيعمل بكل إمكاناته حلل القضايا 293 القائمة بني البلدين وذلك لتحقيق حسن النية املتبادلة". وقد رحبت مصر هبذا التحول من قبل احلكومة العسكرية يف السودان وأعلنت اعرتافها على الفور هبذا النظام اجلديد يف السودان وطلب اللواء حممود سيف سفري مصر يف اخلرطوم لقاء عاجال مع الفريق عبود حيث سل م إليه رسالة من الرئيس مجال عبد الناصر بتأييد مصر للنظام اجلديد واستعدادها لتقدمي أية مساعدات يطلبها السودان وإهنا مستعدة للنظر يف املسائل املعلقة بني البلدين وقد أكد هذا املضمون الرئيس مجال عبد الناصر يف خطابه الذي ألقاه يف املؤمتر التعاوين سنة 1958 م واألسباب اليت دعت مصر لسرعة 294 االعرتاف بنظام احلكم العسكري يف السودان حيثكنا قد أيدنا هذه الثورة لعدة أسباب : بشري حممد سعيد الزعيم االزهري وعصره الدار الحديثة للطباعة السودان 1990 م ص وليد حممد سعيد االعظمي السودان في الوثائق البريطانية )انقالب عبود( بغداد 1991 م ص /11 / نص خطاب الرئيس جمال عبد الناصر يف مؤمتر التعاون يف 26 نوفمرب سنة 1958 م جريدة االخبار القاهرية يف 1958 م ص 1 2.

126 )حنن نعلم أن اجليش السوداين هو جيش وطين كلنا نعرف من هو قائد الثورة ونعرف أنه رجل وطين صميم وإذا كان قام بثورة فللسودان وملصلحة السودان ومن اجل احملافظة على بقاء السودان خارج مناطق النفوذ اليت كان بدأ يتسرب إليها يف أشكال خمتلفة لكننا نعرف الضباط وباقي الضباط يف السودان ونعرف أهنم رجال وطنيون ال يهدفون إال خدمة وطنهم هلذا أعلنا أننا نؤيد ونساعد الثورة الوطنية يف السودان وشكرناهم على إشارهتم إىل أن اخلالف بني بلدينا خالف مفتعل وعلى إشارهتم بأهنم سيعملون بالتضامن مع الدول العربية واجلمهورية العربية املتحدة وأن حكومة السودان أعلنت البارحة أهنا فتحت باب االسترياد من مصر والذي كان موقوفا من قبل وهبذا فعال كما قال قائد الثورة الفريق عبود اجلفوة املفتعلة لتحل بكلمة سهلة وأزالوا الوضع املفتعل فأصدرنا اليوم قرارا بإعادة فتح االسترياد مع السودان. جيب أن نكون على حذر وعلى بينة من دسائس االستعمار الذي يريد إحداث الوقيعة بيننا وبني مجيع الدول العربية إنه يتطلع إىل خصام بني مصر والسودان ويقف ويشاهد مبتهجا وسيحاول االستعمار أن يتبع سياسة التفرقة ببسط نفوذه يف هذه 295 املنطقة(. وقد اختلفت اآلراء حول الدوافع اليت أملت على مصر االعرتاف بالنظام اجلديد يف السودان وأيضا الدوافع وراء رسالة عبد الناصر إىل الفريق عبود ويرى البعض يف هذا الصدد أن هذا االعرتاف جاء من منطلق أن مصر ال تتدخل يف شئون السودان الداخلية فهذا شأن سوداين حبت كما أن مصر تضع مصاحلها ومصاحل السودان يف كفة واحدة وإهنا من هذا املنطلق تتعامل مع السودان وأن اعرتافها بالنظام اجلديد قد أملته هذه االعتبارات بينما يرى البعض اآلخر أن عبد الناصر قد ضاق ذرعا حبكومة عبد اهلل خليل اليت تعمدت عدم الوصول إىل اتفاق بشأن مياه النيل وبالتايل تأخر تنفيذ مشروعه الكبري يف إقامة السد العايل وبالتايل فض ل 296 التعامل مع العسكر للوصول إىل حلول عاجلة للقضايا املعلقة كمياه النيل والتجارة والسد العايل نص خطاب الرئيس جمال عبد الناصر مرجع سابق ص 1 2. حممد سعيد حممد عبد الناصر والسودان مرجع سابق ص

127 إن العالقة بني مصر والسودان يف عهد عبود انقسمت إىل فرتتني: األوىل حرصت فيها مصر على مترير اتفاق املياه وضمان ترحيل سكان حلفا لبناء السد العايل أما الفرتة الثانية فحاولت مصر فيها ضم السودان إىل معسكر قوى التحرر الوطين يف أفريقيا عرب حماولة توصيل دعم مصر إىل الكونغو عرب االراضي السودانية وأثارت هذه احملاولة مقاومة من عبود بدعم غريب وكان عبد الناصر قد بعث برسالة شفوية إىل عبود يعلن 297 فيهاكامل استعداده "لعمل أي شيء لتنمية الروابط بيننا حكومة وشعبا". أما عن أسباب تقرب حكومة الفريق عبود العسكرية إىل مصر فريى البعض أن ذلك يرجع إىل مدى ختوف الفريق عبود من توعد حزب األمة له وحماولة تأمني جانب عبد اهلل خليل وذلك بالتقرب إىل مصر وكسب تأييدها ضد حزب األمة مستغال يف ذلك عدم الوفاق بني مصر وحزب األمة ذلك بعد ان أستأثر 298 باحلكم ونفذ اتفاقه ووعده مع عبد اهلل خليل بتسليم سلطة احلكم بعد أحداث عملية نقل السلطة. وعلى اجلانب اآلخر فقد روجت الدعاية الغربية يف ذلك الوقت أن هذا التحول يف نظام احلكم قد قام ملنع التقارب بني اجلمهورية العربية املتحدة والسودان قياسا على ما أشيع من قبل فتح الربملان من أن هناك حتالف بني حزيب الشعب الدميقراطي بزعامة علي عبد الرمحن األمني واحلزب االحتادي بزعامة إمساعيل األزهري ومباركة ورعاية مجال عبد الناصر لكن الفريق إبراهيم عبود أكد يف حديث له بعد توليه السلطة بأنه ليس جريدة االهرام 1958/11/23 م. مصطفيكمال عبد العزيز تاج الدين مصر في البرلمان السوداني ) م( السودان 1989 م ص Niblock, Tim; CLOSS and Power in Sudan the Dynamics of Sudanese politics , U.S.A, 1958, p.231.

128 معقوال أن تتم ثورة يف بلد جملرد تقارب بني اجلمهورية العر بية املتحدة والسودان خصوصا أن هناك رغبة كبرية 299 من أفراد الشعب السوداين حلل املشاكل مع اجلمهورية العربية املتحدة. ومتيزت املرحلة األوىل من حكم عبود هبدوء نسيب يف العالقات املصرية السودانية حيث اعترب مجال عبد الناصر أن انقالب عبود ثورة متمثال يف جتربته الشخصية ووصف رئيس اجمللس العسكري السوداين بأنه وطين من هنا جرى فتح باب االسترياد والتصدير بني البلدين بعد أن كان مغلقا وبدأ التطرق إىل أعقد املشكالت بني البلدين: مياه النيل وأعلن وزير الري السوداين أمحد عبد اهلل حامد تقيد بالده باتفاقية النيل لعام 1929 م وتقدم مبشروع إىل جملس الوزراء هبذا الصدد. أوجبت املصاحل السياسية واالقتصادية للدول يف مصر ضرورة مراقبة األوضاع يف السودان فقد ظل الرئيس مجال عبد الناصر يتابع هذه األوضاع واضعا يف حسبان السياسة املصرية الدور الربيطاين واألمريكي يف السودان بعد حتويل سلطة احلكم من حزب األمة إىل اجليش وقد كان تركيز الرئيس مجال عبد الناصر على ضرورة مراقبة املوقف األمريكي الربيطاين بشكل خاص حيث كان موقفها يسبب عقبة يف حماولة حتقيق حلم عبد الناصر يف بناء السد العايل وذلك بإتباع االيت: 1 حماولة منع البنك الدويل من متويل مشروع السد العايل وهذا ما حدث بالفعل. 2 حماولة جذب السودان إليهما وعدم التقارب بينه وبني مصر بل والعمل على بث اخلالفات اليت من شأهنا وضع العراقيل يف حماولة الوصول إىل اتفاق بشأن مياه النيل وإمكانية تسوية األمور النامجة بني البلدين من 300 جراء بناء السد العايل. لذلك مل تكن عني عبد الناصر على اخلرطوم فحسب بل أيضا على السودان حيث أن السد العايل يعين اتفاقية اقتسام مياه النيل بني السودان ومصر كما أن الوصول إىل االتفاقية يعين وجود نظام غري معاد ملصر يف السودان لذلك كرس عبد الناصر جهودا عديدة الستمالة حكام السودان العسكريني وبالفعل هتيأت 300 حمجوب عمر باشريي معالم تاريخ السودان الدار السودانية اخلرطوم 2000 ص 150.

129 إمكانيات مشجعة أما عبد الناصر حني قاد الضابطان )عبد الرحيم حممد خري شنان وحمي الدين عبد اهلل( انقالهبما اجلريء يف 3/ 4/ 1959 م وهو االنقالب الذي انتهى بطرد اللواء حممد عبد الوهاب رجل األنصار 301 القوي يف اجمللس األعلى. ومل يقف األمر عند حد العسكريني ملقاومة عبود إمنا امتد للمدنيني فقبل هناية عام 1959 م تقدم الصديق املهدي زعيم األنصار خبطاب لعبود يطالبه فيه بإهناء مهمة احلكم العسكري كما تقدم إمساعيل االزهري خبطاب مماثل لكن احلكومة مل تلتفت ملطلبهما األمر الذي دفع هذين السياسيني للتعاون سرا مع احلزب الشيوعي وشكلوا اجلبهة الوطنية يف أول عام 1960 م وظلت جبهة أحزاب املعارضة تتالحق مطالبتهم لعبود 302 الذي مل جيد غري أسلوب االعتقاالتكحل لتنامي املعارضة. لكن مهما كان من أمر الغليان السياسي يف السودان يف تلك الفرتة إال أن تدفق القروض األجنبية أدى إىل قيام مشاريع عديدة زراعية وصناعية وحصلت الواليات املتحدة وبريطانيا على امتيازات الستخراج البرتول وتطوير اخلطط لوضع االقتصاد على أسس أرحب كما عادت مبيعات القطن السوداين إىل سابق وضعها 303 وتبعها طرق تسويق جديدة عادت باخلري على السودان. لقد حظيت باهتمام خاص ولعل من املهم إثبات أن مصر والسودان يعتربان أكرب املستهلكني ملياه النيل وأن الدارسات العلمية اثبتت مبا ال يدع جماال للشك أن السودان وليس أثيوبيا هو األكثر اسرتاتيجية يف دول حوض النيل واألكثر تأثريا يف مسالة تدفق املياه مشاال كما أن السودان بالنظر لتنوعه املناخي ال يعتمد بصورة أساسية على مياه النيل باملقارنة مع مصر حيث أن مصر تعتمد على مياه النيل يف ري أراضيها الزراعية بنسبة حمجوب عمر باشريي املرجع نفسة ص 150. زكي البحريي الحركة الديمقراطية في السودان ) م( مرجع سابق ص F.o.37, Nots for a Meeting with the Sudan Foreign Minister.

130 %100 يف حني أن السودان يعتمد عليه بنسبة %15 وان كليهما يعتربان أكرب دولتني تعتمدان على النيل 304 يف الري باملقارنة بدول حوض النيل. لذلك أوجبت هذه األمهية لنهر النيل يف البلدين ضرورة انتهاج سياسة مائية تقوم على مبدأ التعاون واملصلحة املشرتكة حبكم أهنما دولتا مصب من ناحية ويف إطار السياسة املائية حلوض النيل وخاصة بعد أن صارت دول املنبع تطالب بنصيب حمدود من مياه النيل للري الزراعي واإلنتاج الكهربائي مما يوجب على البلدين إىل جانب تعاوهنما املائي ضرورة االستجابة العادلة ملطالب دول املنبع وكل دول حوض النيل لديها مصادر املياه البديلة األخرى ولكنها يف توافر مياه النيل العذبة تتفاوت من حيث البدائل املائية دولة 305 املصب. ومصر هي األقل حظا من حيث البدائل للنيل كما أن حظ السودان وسط بني دول املنابع ودول املصب وهذه احلقائق ضمن جمموعة عوامل أخرى تفسر درجة االعتماد على النيل وتفسر أيضا مدى استغناء دول املنابع عن مياه النيل من فرط ما لديها من مصادر مياه بديلة وإن كانت بعض الكثافة السكانية قد ازدادت يف اآلونة األخرية وضرب اجلفاف بعض مناطقها فباتت تبحث عن مياه النيل كمصدر لري أراضيها مما أوجب مطالبتها حبصص يف مياه النيل. لذلك تباينت مصاحل وأهداف دول حوض النيل ما بني متسك طرفني هي مصر والسودان حبقوقها التارخيية يف مياه النيل واليت أقرهتا اتفاقية املياه سنة 1929 م ومت تدعيمها وتنقيحها سنة 1959 م من ناحية كما سيأيت توضيحه وأهداف ومصاحل الدول األخرى وعلى رأسها أثيوبيا اليت تطالب بنصيبها يف مياه النيل وخباصة أن %85 من منابع النيل تقع يف أراضيها من ناحية أخرى حيث متثل كمية املياه املتدفقة إىل مصر والسودان حوايل مليار م التقرير االسرتاتيجي العريب مركز الدراسات االستراتيجية باهرا مع القاهرة 1987 م ص 238. مغاوري علي هاشم االبعاد السياسية واالقتصادية والقانونية الزمة المياه السياسة الدولية العدد 104 أبريل 1991 م ص 150. ياسر علي هاشم االبعاد السياسية واالقتصادية والقانونية الزمة المياه السياسة الدولية العدد 104 أبريل 1991 م ص 150.

131 وملا كانت مصر طبقا هلذه املعطيات يف حاجة إىل اسرتاتيجية مائية طويلة األمد نظرا ألن مشاكلها مستعصية ومواردها املائية حمدودة وهنر النيل هو املورد الرئيسي وباقي املوارد حمدودة كما وأن حصتها من مياه النيل ثابتة وتقدر حبوايل 55 5 مليار مرت مكعب طبقا التفاقية تقسيم املياه سنة 1959 م وهذه احلصة متثل حوايل %من موارد مصر املائية كانت اتفاقية مياه النيل لعام 1929 م هي العقبة الرئيسية يف سبيل الوصول إىل صيغة جديدة لتقسيم مياه النيل بعد استقالل السودان وقد اهنارت بسبب هذه االتفاقية كل 308 اجلوالت واملفاوضات اليت متت يف عهد حكومات األحزاب السياسية يف السودان باإلضافة إىل تدخل الدول اخلارجية مثل بريطانيا اليت حاولت أن تنصب نفسها كطرف رئيسي مع السودان قبل اتفاقية سنة 1959 م عن طريق عبود باعتبار أن بريطانيا يف هذه الفرتة كانت مسئولة مسئولية مباشرة عن إدارة عدد من املستعمرات اجملاورة للسودان فارتدت قميص الدفاع عنها للتأثري على أي موقف مضاد ملصاحلها. وملاكانت السياسة السودانية بعد انقالب عبود قد اجتهت حنو التعاون مع الكتلتني الغربية والشرقية على حد سواء مبا يالءم املصاحل السودانية فال غرابة إن مت توقيع اتفاق بني السودان وشركة إجنلس إليكرتيك اإلجنليزية وشركة سيمنز األملانية لتنفيذ مشروع كهربة خزان سنار ويف الوقت نفسه جرت حمادثات مع السوفييت حلصول على قرض لتمويل مشروع خزان الروصريص الذي قدمت شركة ألكسندر جيب الربيطاين بيانات فنية 309 وخرائط من قبل الوزارة السودانية السابقة )حكومة عبد اهلل خليل(. ويف الواقع أن هذه اخلطوات من جانب اخلرطوم تناقض متاما اتفاقية 1929 م اليت اشرتطت عدم قيام السودان بأي مشروع يقصد منه االنتفاع أو زيادة استغالل مياه النيل قبل االتفاق على ذلك مع مصر ومثة حممود أبو زيد مياه النيل وصور التعاون الحالي مع دول الحوض وأفاق المستقبل جملة النيل العدد 81 القاهرة 2003 م ص فيصل عبد الرمحن طه عقبات في مسيرة العالقات السودانية المصرية جريدة اخلليج يف 1985/6/2 م. حمفظة 1269 ملف 17/367/2 ح 4 قيد 175/2/59/1 من رائد امللحق العسكري بالنيابة حممود سليم إىل سفري مصر باخلرطوم يف 1959/3/26 م.

132 دالالت على أن االحتاد السوفييت أراد االقرتاب أكثر مع السودان فمستشار السفارة السوفيتية باخلرطوم أوصى السفارة املصرية انتهاز فرصة التعديل اجلديد يف اجمللس األعلى للسودان للدخول يف مفاوضات حول مياه النيل فالسوفييت يرون أنه طاملا كانت عالقات اجلمهورية العربية املتحدة بالسودان عالقة حسنة فإن الفائدة تعود أيضا على االحتاد السوفييت ولكن احلكومة السودانية رفضت السماح ألية دولة أجنبية التدخل يف 310 مفاوضات مياه النيل ألن املفاوضات جتري بني دولتني مستقلتني. وتصورت حكومة عبود أن الفرصة مواتية للضغط على اجلمهورية العربية املتحدة من أجل تسوية خاصة ملياه النيل وذلك يف ظل نشوء خالفات سياسية بني اجلمهورية العربية املتحدة والعراق واالحتاد السوفييت الذي كان يناصر األخرية فبالتايل ميكن للسودان ممارسة الضغط على املفاوض الرمسي للجمهورية العربية املتحدة أما بريطانيا فقد أوصت كال من السودان واجلمهورية العربية املتحدة بعقد اتفاقية فيما بينهما وإن مل تكن طرفا 311 فيها. وبالرغم من أن الواليات املتحدة األمريكية سامهت يف ازدياد أزمة مياه النيل بعدم الوصول إىل اتفاق بني البلدين من قبل إال أهنا وافقت على اتفاقية مياه النيل سنة 1959 م بني مصر والسودان ويرى البعض أن مجال عبد الناصر كان يعرف أن الواليات املتحدة لن توافق على اتفاقية مياه النيل بني مصر والسودان إال اذا كانت حتت رعايتها لذلك أستغل الرئيس مجال عبد الناصر النزاع الذي حدث بينه وبني االحتاد السوفييت سنة 1959 م وسحب الطلبة املثقفني املصريني الدراسني يف االحتاد السوفييت سنة 1959 م وطلب من الواليات 310 حسن علي حممد أمحد دراسة تاريخية لسياسة مصر المائية ) م( رسالة دكتوراه غري منشورة معهد البحوث والدراسات االفريقية جامعة القاهرة 2000 ع ص F.O.37,From(J.M. Edes)Foreign officeto p.r Forsyth Thompson colonial office,2 October, 1961.

133 املتحدة استضافتهم وتقدمي منح هلم. ووافقت الواليات املتحدة على الطلب خالل أربع وعشرين ساعة و تدخل الرئيس األمريكي شخصيا لدى اجلامعات لتذليل العقبات القانونية واإلدارية وهلذا أستغل الرئيس مجال عبد الناصر فرصة وجود عالقات طيبة بني مصر والواليات املتحدة األمريكية وقام مبخاطبة الفريق عبود إلجراء مفاوضات مياه النيل بعد أن حي د دور الواليات املتحدة يف األزمة بالتأثري اإلجيايب واملوافقة على االتفاقية بدال من التأثري السليب واالعرتاض على االتفاقية وعدم تفعيل خصم الواليات املتحدة يف القيام بأي دور يف 312 االتفاقية سلبا أو أجيابا ونعين به االحتاد السوفييت. ورغم أن مصر قد حافظت على عالقات طيبة مع حكومة الفريق عبود إال أنه أدى إىل عزلة السودان وعدم قدرته على مواكبة السياسة التقدمية اليت كان ينتهجها الرئيس عبد الناصر بل كان نظام الفريق عبود جيد نفسة يف كثري من األوقات داخل الفلك الغريب ويف موقف املعارض واملعادي للسياسة اليت اتبعها عبد الناصر وعلى سبيل املثال ال احلصر جند أنه بينما كان عبد الناصر يدعم الثورة من أجل االستقالل يف اجلزائر جند اللواء طلعت فريد يقول يف مؤمتر صحفي يف فرباير 1959 م: "المعىن ألن هتاجم صحافتنا فرنسا...فكما تقتل فرنسا اجلزائريني فإن اجلزائريني يقتلون الفرنسيني". 313 كما قامت حكومة الفريق عبود مبنع الطائرات العربية من النزول يف بور تسودان يف طريقها ملساعدة الثورة اليمنية يف الوقت الذي فتحت فيه امليناء لقطع األسطول الربيطاين ومسحت للطائرات الربيطانية بالتزود بالوقود والتموين وهي يف طريقها لضرب الثوار يف اليمن. ورفضت أيضا مرور القوات املصرية إىل الكونغو ملساعدة باتريس لوممبا كما رفضت امداده باألغذية 314 ورفضت أيضا السماح حبق الطريان فوق مساء السودان أو اهلبوط يف أرضه لشحنات األسلحة السوفيتية عبد العظيم رمضان الوثائق السرية لثورة يوليو اهليئة املصرية العامة للكتاب ج 1 القاهرة 1977 م ص 22. حممد حسن دواد مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص حممد حسن دواد املرجع نفسة ص 65.

134 حو يت أتفاقية مياه النيل عام 1959 م اليت منحت مبوجبها اجلمهورية العربية املتحدة إقامة السد العايل أتضح للسودانيني بعد التوقيع على االتفاقية أن مفاوضات مياه النيل االخرية مل تنب على حسب املعلومات الفنية املتاحة كما مل تقم على االسرتاتيجية السياسية واالقتصادية اليت كان يعول عليها املفاوض السوداين ولكنها يف الواقع كانت قرارا سياسيا اسرتضائيا قصد به إبعاد مصر عن أي حماوله لتحريك عسكري سياسي ضد السودان" 315. ورأت مصر أن الوقت مالئم إلهناء عقد مياه النيل واحلصول على موافقة السودان إلنشاء السد العايل وبذلك فقد التقت مصاحل الدولتني وتوحدت النوايا ودون أن ينظر اجلانب السوداين يف أسباب اخلالف السابق سارع إىل التوقيع على اتفاقية مياه النيل 1959 م وقد وجدت االتفاقية معارضة يف االوساط السودانية من ناحية انقسام املياه ومن ناحية ترحيل أهايل حلفا وبعد العديد من املشاورات مت التوقيع على اتفاقية مياه النيل يف 8 نوفمرب م جاء فيها : 1 أن السودان حصل على حنو ثلثي املياه اليت يوفرها السد العايل. 2 أن مصر قد دفعت تعويضات حلكومة السودان عن االضرار اليت حلقت مبمتلكاهتا. 3 أن مصر قد استغنت عن التخزين يف جبل األولياء وتركته للسودان دون مقابل أن مصر حتملت التكلفة املالية لبناء السد العايلكامال. كما أكدت االتفاقية على التزام مصر مبشورة السودان يف حالة القيام بعمل ما على منطقة النيل الواقعة ضمن األراضي السودانية وضرورة احلصول على موافقة مصر املسبقة يف حالة قيام السودان بأية أعمال على 318 النهر فضال عن إشراف مصر على النيل االزرق عايدة العلي سري الدين السودان والنيل منشورات دار االفاق اجلديدة بريوت 1998 م ص وزارة االعالم العالقات المالية بين دول حوض النيل القاهرة اهليئة العامة لالستعالمات دراسات دولية معاصرة )رقم 107( نوفمرب 1997 م ص ص اتفاق االنتفاع الكامل مبياه النيل بني مصر والسودان عام 1959 م أنظر املالحق) 1 ( ص )263(. حممد سعيد حممد احلسن عبد الناصر والسودان مرجع سابق ص

135 إن اتفاقية مياه النيل اتفاقية غريبة وقعت يف ظروف استثنائية )حكم عسكري( بعد فشل املفاوضات يف ظل حكم دميقراطي منتخب وهي متاماكاتفاقية احلكم الثنائي مل حيدد هلا أجل تنتهي أو تراجع فيه ومع ذلك مل 319 ختلق تلك االتفاقية مشكله حقيقية بني البلدين. وقد منحت هذه االتفاقية اجلمهورية العربية املتحدة احلق يف إقامة السد العايل وجاء فيها )ألن النيل يف حاجة إىل مشروعات لضبطه ضبطا كامال ولزيادة إيراده لالنتفاع التام مبياهه لصاحل مجهورية السودان واجلمهورية العربية املتحدة ونظرا ألن هذه األعمال حتتاج يف إنشائها وإدارهتا إىل اتفاق وتعاون كاملني بني اجلمهوريتني لتنظيم اإلفادة منها واستخدام مياه النيل ومطالبها احلاضرة واملستقبلية وأن تنشئ اجلمهورية 320 املتحدة خزان السد العايل عند اسوان *كأول حلقة من سلسلة مشروعات التخزين املستمر يف النيل كما تعهدت حكومة السودان بأن تتخذ إجراءات ترحيل سكان حلفاء وغريها من السكان السودانيني قبل 1963 م مين حسني عبيد السودان ومحيطة االقليمي مرجع سابق ص االمني عبد اللطيف العالقات السودانية المصرية ورؤية مستقبلية ام درمان السودان 2006 م ص 164. )*( يعد هذا املشروع من أكرب وأهم املشروعات اخلاصة بالتخزين والري وتوليد الكهرباء وليس له نظري او شبيه يف املنشآت املوجودة يف الوقت احلاضر علي جمري هنر النيل وقد أستهدف بناء السد تطبيق سياسة التخزين ألعوام متتالية لتعويض إيراد السنوات الضعيفة والقضاء علي الذبذبة املفاجئة إليراد النيل الطبيعي كلة يف السنة حبوايل 5 مليار مرت مكعب ع بدا العمل يف بناء السد العايل يف يناير 1960 م وانتهى يف 1970 م وأفتتح رمسيا يف يناير 1971 م وهو صرح يبلغ عرضة عند قاعدته 980 مرت ويبلغ ارتفاعه 196 وشكلت خلف السد حبرية ناصر الصناعية مبسطح قدرة 6500 كم 2 مربع وتقسم املياه املخزونة يف حبرية السد) حبرية ناصر( بني مصر والسودان حيث حتصل مصر علي 5 7 مليار م 3 سنويا بينما حتصل السودان علي 5 14 مليار مرت 3 سنويا كما تنتج حمطة توليد الكهرباء طاقة كهربائية تقدر حبوايل 10 ملياركيلووات/ساعة ملزيد من التفاصيل أنظر عالء الدين احلديدي السياسة اخلارجية املصرية جتاه مياه النيل جملة السياسة الدولية العدد ص 123.

136 هذا وقد حررت هذه االتفاقية بالقاهرة ومت التصديق عليها يف 8 نوفمرب سنة 1959 م ووقعها زكريا حمي 321 الدين عن اجلمهورية العربية املتحدة وطلعت فريد عن مجهورية السودان وإىل جانب اتفاقية مياه النيل مت 322 توقيع ثالث اتفاقيات أخرى بني البلدينكانتكما يلي : 1 اتفاق تنظيم املصاحل املائية املشرتكة يف مياه النيل وتعويضات حلفا والسلفة املائية اليت قدرها االتفاق للجمهورية العربية املتحدة. 2 اتفاق التجارة والدفع وحتديد حجم االسترياد والعمل على رفعه بني البلدين. 3 اتفاق تنظيم اجلمارك بني البلدين وإعفاء بعض السلع املنتجة يف اجلمهوريتني من الرسوم اجلمركية ورسوم الرتانزيت على النحو الذي نصت عليه االتفاقية. وبعد توقيع االتفاقية 1959 م أعلنت احلكومة األثيوبية عن عدم اعرتافها باتفاقية مياه النيل بني مصر والسودان حبجة أن هذه االتفاقية غري عادلة وأعلنت أن القانون الدويل ال يقبل كلمة احلقوق املكتسبة وأن احلقوق الثابتة لدولة ما مشرتكة يف هنر دويل وأعلنت أن مصر والسودان مل تأخذ رأي احلكومة األثيوبية اليت أعلنت تنصلها صراحة من اتفاقية سنة 1959 م كما أرسلت أثيوبيا احتجاجا على بناء السد العايل الذي اختذ قرار بنائه بدون إجراء مشاورات كبرية مع أثيوبيا واملعروف أن اثيوبيا مرتبطة باملشروعات األمريكية عن 323 طريق املعونات الفنية. لكنه يف الوقت الذي مت فيه توقيع االتفاقية أعلن أيضا جملس الوزراء قبوله املعونة األمريكية ببيان شرح فيه املوقف االقتصادي السوداين وحاجته إىل 120 مليون جنية على مدي مخس سنوات ملشروعات التعمري وقام عبد الناصر بزيارة السودان يف نوفمرب 1960 م تلبية لدعوة الفريق عبود الذي كان يرمي إىل توطيد دعائم 321 طاهرحممد الجمهورية العربية المتحدة في عامي 1960/59 م أدارة الشئون املعنوية للقوات املسلحة القاهرة 1960 م ص يوسف جنم نهر النيل واالمن القومي المصري جملة السياسة الدولية العدد ص 51. حسن علي حممد امحد دراسة تاريخية لسياسة مصر المائية مرجع سابق ص

137 حكمه بعد فرتة من االهتزاز وذلك باستضافة البطل القومي للعرب يف السودان واستقبلت اخلرطوم وسائر املدن اليت قام الرئيس املصري بزيارهتا يف خمتلف أرجاء السودان الضيف استقباال حارا وكان موضع التكرمي واالحرتام أينما حل على املستويني الرمسي والشعيب وقد أقام له زعيما الطائفتني الدينيتني )اخلتمية واألنصار( استقباال طيبا 324 رغم أن الشعب مل يكن خيفي ضيقه بالوضع العسكري القائم وهو ما عرب عنه بوسائل خمتلفة كإضرابات الطالب السيما طالب جامعة اخلرطوم والنشاط املعادي للنقابات العمالية خاصة نقابة عمال السكة احلديد واألحزاب واحتادات الزارعيني ليس فقط للمواقف اليت اختذها احلكم العسكري وأدت إىل عزلة السودان بل ولالهنيار االقتصادي الم ريع 325. إن التناقض يف التوجهات اخلارجية لكل من مصر والسودان ومواالة عبود للغرب سرعان ما انعكس بالسلب على العالقات الثنائية وخباصة بعد أن حتفظت مصر على مد يد العون العسكري لنظام عبود ضد حزب سانو اجلنويب وذلك حفاظا على عالقات مصر األفريقية فشهدت العالقات املصرية السودانية تدهورا مذهال مع مطلع عام م طبقا للتقديرات االمريكية وبدأ عبود خيتلق املشاكل فبدأ يلوح مبسالة الديون املصرية للسودان والبالغة 13 مليون جنيه اسرتليين كما عمد اجمللس العسكري إىل إحراج مصر حيث أعلن يف 29 يونيو 1964 م عن اتفاقية التبادل التجاري بني مصر والسودان اليت تنقضي يف اليوم التايل وأن السودان 327 لن ميدد صالحيتها إال اذا قدمت مصر تأكيدات م رضية بدفع مديونيتها. إن اتفاقية 1959 م مازال السودان يعاين من تبعاهتا املالية حىت اليوم فهي اتفاقية ليست حلماية أمن السودان بقدر ما هي حلماية أمن أماين الطويل العالقات المصرية السودانية جذور المشكالت وتحديات المصالح املركز العريب لألحباث والدراسات السياسية قطر 2012 م ص 173. حممد حسن دواد مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص F.O371/ Received in Archives No 3150/5 14 September بشري حممد سعيد الزعيم االزهري وعصره مرجع سابق ص

138 328 مصر من اجلنوب على كل حال لقد ضاق الشعب السوداين بأساليب القمع الديكتاتورية للمجلس العسكري ومستوى البطش والتعايل اليت متت ممارستها على الشعب السوداين باإلضافة إىل فشل نظام عبود 329 يف تلبية تطلعات مجاهري الشعب االقتصادية واالجتماعية. ومع تصاعد منو قوي لألحزاب الرئيسية والقوى اجلديدة ويف مقدمتها الشيوعيون واإلخوان املسلمون باإلضافة إىل تصاعد احلركة االحتجاجية ضد نظام عبود بعد فشل سياساته القمعية يف جنوب السودان أسفرت عن استقرار رصاصة يف صدر الطالب امحد القرشي جبامعة اخلرطوم وهي الرصاصة اليت اهنت نظام عبود كله حني انطلقت الثورة الشعبية يف أرجاء اخلرطوم ضد احلكم العسكري لتعم كل السودان للمطالبة بعودة الدميقراطيه 330. وتكونت جبهة عريضة للمعارضة ضمت األحزاب واهليئات السياسية السودانية 331 استمرت يف املقاومة ومل هتدا االحتجاجات الشعبية إال مع سقوط حكومة عبود يف أكتوبر 1964 م واالنتقال إىل حكومة انتقالية وإجراء أول انتخابات عامة يف موعد أقصاه مارس 1965 م كما تضمن امليثاق 332 املتفق عليه تضييق احلكم العسكري وإطالق احلريات العامة. ومل جتد حكومة عبود أي دعم وسند من مصر واليت أدركت شعبية الثورة ومل تشأ أن تغامر بالوقوف مع نظام يفتقر إىل القاعدة الشعبية إضافة إىل أن النظام قد نفذ ملصر كل ما أرادت من السودان وليس من 333 املتوقع منه أن يعطي أكثر من ذلك فقد أعطت حكومة عبودكل ما ملكت وما مل متلك ملصر االمني عبد اللطيف العالقات السودانية المصرية ورؤية مستقبلية الطبعة االوىل جامعة ام درمان االهلية السودان 2006 م 68. بشري حممد سعيد الزعيم االزهري وعصره مرجع سابق ص بشري حممد سعيد املرجع نفسة ص أدم حممد أمحد عبد اهلل العالقات السودانية المصرية" منظور االمن القومي والمصالح االستراتيجية" مرجع سابق ص أماين الطويل العالقات المصرية السودانية جذور المشكالت وتحديات المصالح املركز العريب لألحباث والدراسات السياسية قطر 2012 م ص أدم حممد أمحد عبد اهلل العالقات السودانية المصرية" منظور االمن القومي والمصالح االستراتيجية" مرجع سابق ص 91.

139 ومما سبق ميكن ان نستخلص بعض احملاور الرئيسية اليت حددت اطار العالقات املصرية السودانية يف عهد الفريق إبراهيم عبود يف السودان وناصر يف مصر واليت تقوم على احلفاظ على املصاحل املائية املصرية يف السودان ومصر معا وقد جتسد هذا احملور يف إمكانية عقد اتفاق االنتفاع الكامل ملياه النيل بني احلكومتني املصرية والسودانية يف نوفمرب 1959 م كما سبق واوضحنا وبغض النظر عن االعرتاضات السودانية على االتفاقية فيالحظ أن االتفاقية املذكورة كانت أول اتفاقية تعقد بعد ثالثني عاما من اتفاقية مياه النيل السابقة عليها 1929 م. ويرى الكتاب والسياسيون أن نظام احلكم العسكري األول يف السودان ) م( والذي اختلفت فيه اآلراء وتعددت فقد رأى الكثري من الذين عايشوا فرتة هذا النظام أهنا من الفرتات التارخيية اليت اتسمت باالستقرار واالنتعاش االقتصادي وحتقيق اإلجنازات الكربى وأن احلكم العسكري الذي جاء 1958 م قد 334 حل اشكالية الصراع السياسي والتكالب على السلطة أو التكالب على املصاحل املادية املباشرة. 334 زكي البحريي الحركة الديمقراطية في السودان ) م( دار هنضة الشرق اخلرطوم 1996 م ص 226.

140 المبحث الثالث العالقات المصرية السودانية في الديمقراطية الثانية يف منتصف الستينات من القرن العشرين شهدت السودان نضجا سياسيا بظهور قوى اجتماعية ممثلة يف الطبقة الوسطى من املهنيني والتجار حيث اسقطت حكومة الفريق ابراهيم عبود إثر ثورة شعبية يف اكتوبر م وكانت هذه الثورة متثل تأكيدا جديدا لعبد الناصر على وعي ونضوج الشعب السوداين وأنه منفرد خبصائصه ولذلك كان شديد احلرص على اإلبقاء على مكانته معه وعلى معرفة ما يريده ويتطلع 336 إليه. وقد اتسمت ثورة اكتوبر بالقوة والصرامة والصمود والتصميم على مواجهة السلطة العسكرية احلاكمة األمر الذي لفت أجهزة االعالم العاملية واليت تابعت احداث الثورة بتفاصيلها فقد ذكرت بعض الصحف الفرنسية "أن الشعب السوداين 337 قد أعاد للتاريخ الثورة الفرنسية واقتحام الباستيل". وقد كانت الثورة مفاجأة ملصر إذ مل تضع هلا أي حساب فعجزت عن مساندة ودعم وإنقاذ حكومة عبود عن السقوط رغم العالقات احلميمة اليت كانت تربط بني البلدين والدليل على غفلة مصر أن إعالمها عجز عن معرفة هوية هذه الثورة وطبيعتها وتوجهاهتا وأخطأت يف تفسري دوافعها وأهدافها فحاولت تصوير ثورة أكتوبر وكأهنا متت بدعم ومساندة مصر ومن مث فهي موالية للحكومة املصرية حيث ذهب بعض الكتاب إىل أن هذه الثورة هي امتداد طبيعي لثورة 23 يوليو املصرية ومتجاوبة مع أهداف القومية العربية حممد سعيد حممد احلسن عبد الناصر والسودان مرجع سابق ص 76 حممد سعيد حممد احلسن املرجع نفسة ص 76. املعتصم أمحد علي االمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية دراسة حالة للعالقات السودانية المصرية مرجع سابق ص 83

141 من جانب أخر تناولت جريدة األهرام القاهرية أخبار الثورة السودانية بصورة تفتقر إىل املصداقية حيث ذكرت أن الشعب السوداين خالل وأثناء ثورة أكتوبر كانت حتمل صورة عبد الناصر وهتتف بامسه واحلقيقة أن الذين فعلوا ذلك هم شرائح حمدودة من الطالب الناصريني والقوميني العرب جبامعة القاهرة فرع اخلرطوم. تلك كانت حماوالت مصرية رمسية وغري رمسية الحتواء الثورة السودانية أو على األقل ختفيف حدة التوتر اليت قد يسود عالقات البلدين بسبب الدعم والسند املصري حلكومة عبود. وقد أثار املوقف املصري دهشة الشعب السوداين فمن جانب جتاهل تام ملساندة ثورة 1964 م يعتز هبا السودان رغم وقوف اإلعالم العاملي كله جبانب تلك الثورة وبطوالت الشعب السوداين من جانب آخر سعي االعالم املصري إىل احتواء الثورة 338 السودانية وتصويرها وكأهنا تابعة ملصر. وبعودة احلكم الدميقراطي مرة أخرى يف 1965 م واجهت البلدان صعوبات نابعة من اختالف أنظمة احلكم حيث ساد يف مصر نظام احلزب الواحد وهو االحتاد االشرتاكي كما سادت النظرية االشرتاكية يف االقتصاد من تأميم وسيادة القطاع العام وبريوقراطية املكتب ومركزية التخطيط بينما ساد يف السودان النظام الدميقراطي بآرائه املتعددة ونظامه الرأمسايل وسيادة القطاع اخلاص. وكانت أول أزمة تواجه البلدين يف ظل النظام الدميقراطي اجلديد يف السودان يف 1965 م النقد املكثف يف الصحافة السودانية العتقال وتعذيب قادة اإلخوان املسلمني وتنفيذ أحكام اإلعدام فيهم فيما بعد وقد قاد محله التنديد هذه جبهة امليثاق اإلسالمي وعديد من املثقفني املستقلني وحبكم اخللفية الدينية لألحزاب احلاكمة يف السودان فقد وجدت نفسها تلقائيا متعاطفة مع حركة االخوان املسلمني املصرية واستمر الوضع إىل العدوان على مصر 1967 م 339. املعتصم أمحد علي االمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية دراسة حالة للعالقات السودانية المصرية سابق مرجع 338 ص املعتصم أمحد علي االمني املرجع نفسة ص 83.

142 باإلضافة إىل ظهور حسن الرتايب أستاذ القانون العائد من باريس الذي قاد مجاعة االخوان املسلمني فيما مسي جببهة امليثاق إىل أن أسس تنظيم ه اإلسالمي اخلاص وبدأ يظهر أجواء لتصاحل سياسي أث ر على تأليف احلكومة االنتقالية يف كل التيارات السياسية الفاعلة يف الساحة السودانية. لكن مع منح األغلبية ملمثلي هيئة النقابات واهليئات كان املطلوب هلذه احلكومة رئيس وزراء حمايد ومن هنا وقع االختيار على سر اخلتم اخلليفة على رأس حكومة تضم أغلبية هليئة النقابات واهليئات ممثلة مبثابة وزراء باإلضافة إىل مخسة ممثلني عن األحزاب السياسية وكان هناك وزيران من اجلنوبيني. وبدال من العمل املشرتك باجتاه الوصول إىل دستور جديد للبالد بدأت خالفات هذه القوى العديدة تطل برأسها بعد ظهور معسكرين 340 داخل جملس الوزراء مها جبهة األحزاب وجبهة اهليئات املمثلة لتحالف اليسار والقوى احلديثة. متيزت هذه الفرتة بصراع سياسي وطبقي بني فريقني األول القوى التقدمية اليتكانت تسعى إىل السيطرة على وسائل اإلنتاج )تأميم مزارع القطن( وتنحية القوى التقليدية عن املؤسسة التشريعية من خالل ختصيص 50 يف املائة )للعمال والفالحني( فضال عن إعطاء املرأة حقوقها السياسية ويف مقدمتها حق التصويت أما الفريق الثاين فاألحزاب التقليدية واإلخوان وهي قوى ميينية حمافظة تسعى إىل احلفاظ على ممتلكاهتا االقتصادية كما حيول خطاهبا األيدلوجي الذي يعتمد على شرعية سياسية مستندة إىل اإلسالم من دون االحنياز إىل مضامني 341 تقدمية مثل حترير املرأة. وكانت نتيجة االنتخابات اليت جرت يف الشمال فقط نظرا إىل االضطرابات يف اجلنوب عن فوز حزب األمة ب 76 مقعدا والوطن االحتادي ب 54 مقعدا وجبهة امليثاق االسالمي خبمسة مقاعد وحتالف اليسار 11 مقعدا وهذا املشهد أوضح هزمية القوى احلديثة يف معركتها مع القوي التقليدية يف فرتة مل تكن لدى 342 القاهرة سياسة حمددة جتاه السودان أماين الطويل العالقات المصرية السودانية جذور المشكالت وتحديات المصالح مرجع سابق ص 186. حممد حسن دواد مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص 105. حممد حسن دواد املرجع نفسة ص 105.

143 ويف ذلك الوقت ثارت مجاهري السودان بسبب مقالني أوردهتما الصحف املصرية كان أحدمها للكاتب الصحفي/حممد حسنني هيكل رئيس حترير جريدة األهرام يف ذلك الوقت والثاين كتبه/ موسى صربي وأرسله إىل اخلرطوم وقد أدخل عليه بعض من احملررين كلمات تقول بأن اجلماهري يف السودان كانت هتتف ملصر 343 ومجال عبد الناصر يف حماولة لتصوير الثورة على أهنا من صنع مصر فكان مقاله حتت عنوان "االحداث" حيث هامجت جمموعة من املتظاهرين فجأة سفارة اجلمهورية العربية املتحدة يف اخلرطوم ومزقت العلم املصري. لكن مصر الدولة ومصر الثورة رأت أن املسألة ال تتعدى االنفعال اجلماهريي املشروع وأعلن الرئيس مجال عبد الناصر أنه يعترب االمر وكأنه مل يكن وطلب من سفري مصر يف السودان عدم حتميل املوقف أكثر مما حيتمل حيث أصدر إليه األوامر التالية: عدم تقدمي أي احتجاج مصري لدى السودان يف هذا الشأن ورفع 344 العلم املصري على السفارة املصرية هبدوء. بالرغم من اختالف وجهات النظر السودانية حول موقف مصر من ثورة 1964 م املستند على أقوال الصحافة املصرية إال أن الصالت السياسية قد تتوطد بني البلدين فمنذ أن أصبح األزهري رئيسا رحب بالتعاون السياسي مع مصر حيث بىن تعاونه هذا على السمات واخلصائص اليت رآها يف عبد الناصر حيث قال االزهري عنه: " أنه واضح يف رؤيته مباشر يف قوله وتعامله وأنه يؤمن بأمهية العالقات املصرية السودانية 345 للشعبيني وملصاحلهما املشرتكة وأنهكان يف ذلك صادقا إىل أقصى مدى". وعلى اجلانب اآلخر وجهت احلكومة املصرية الدعوة إىل رئيس الوزراء السوداين سر اخلتم خليفة حلضور احتفاالت السد العايل يف مطلع يناير سنة 1965 م حيث حضر إىل القاهرة وبصحبة حممد أمحد حمجوب وزير اخلارجية وأمحد سليمان وزير الزراعة واستقبل عبد الناصر الوفد السوداين وعلى حد قول سر اخلتم حممد سعيد حممد احلسن عبد الناصر والسودان مرجع سابق ص أمحد محروش ثورة 23 يوليو عبد الناصر والعرب املؤسسة العربية للدراسات والنشر القاهرة 1984 م ص 352. توفيق حممد جاب اهلل التحوالت السياسية في السودان م وانعكاساتها على العالقات المصرية السودانية مرجع سابق ص 163.

144 خليفة كان عبد الناصر راغبا يف معرفة كل التفاصيل املتعلقة بثورة أكتوبر وكذلك االتفاق الذي مت بني 346 القيادات السياسية والقيادة العامة للجيش السوداين وجبهة امليثاق الوطين. وسعت مصر إىل ترك املشكالت املطروحة على الساحة الثنائية ومن ذلك تسوية مسالة العالقات التجارية والديون املصرية فعقدت اتفاقية جتارية جديدة تتيح تبادال سلعيا وهي االتفاقية اليت اجته امليزان 5 التجاري فيها لصاحل السودان حىت عام 1973 م وتنص على الدفع النقدي إذا جتاوز حد املديونية ماليني 347 دوالر. وعلى الصعيد اخلارجي قامت احلكومة االنتقالية بانتهاج سياسة خارجية راديكالية حيث أعلنت وقوفها إىل جانب القوى املوالية للناصرية يف اليمن وأكدت اهتمامها بالدول األفريقية عن طريق دعم الثورة األريتريية والكونغولية األمر الذي أسهم يف دعم أثيوبيا والكونغو حلركة التمرد يف جنوب السودان لكن هذه التطورات تأثرت باألزمة احملتدمة يف مصر بني عبد الناصر واإلخوان املسلمني حيث قاد إخوان السودان محلة إعالمية ضد 348 مصر. أما القضايا العربية فقد سلكت معها خطا منحازا فقد شاركت احلكومة الدميقراطية اجلديدة يف وضع ميثاق التضامن العريب الذي مت التوقيع عليه يف اململكة املغربية يف 1965 م والذي تركزت بنوده يف حتقيق تضامن 349 القضايا اإلقليمية والدولية وكذلك ناصر السودان قضية العرب األوىل قضية فلسطني. 346 حممد سعيد حممد احلسن عبد الناصر والسودان مرجع سابق ص عمر املبارك التجارة بين مصر والسودان ندوة العالقات املصرية السودانية بني املاضي واحلاضر واملستقبل كلية االقتصاد والعلوم السياسية القاهرة 1990 م ص حسن مكي حسن حركة االخوان المسلمين في السودان م دار الفكر للطباعة والنشر اخلرطوم 1970 م أمحد حممد حممد الصادق الكاروري العالقات السودانية االمريكية في الفترة ما بعد الحرب الباردة مرجع سابق ص 131.

145 ومع هناية 1965 م انعكس املشهد السياسي السوداين على العالقات الثنائية بشكل حاد ذلك أن التنسيق الذي مت بقيادة جبهة امليثاق مع حزب األمة واالحتادي حلل احلزب الشيوعي أسفر عن خماوف مصرية جديدة إزاء حزب األمة مضافا إليه اإلرث التارخيي وذلك يف ضوء اخلالفات بني نظام احلكم يف مصر ومجاعة اإلخوان املسلمني كما أضاف الصراع الداخلي يف حزب األمة بني اإلمام اهلادي املهدي وحممد أمحد حمجوب من جانب والصادق املهدي من جانب آخر عامال إضافيا ألسباب توتر العالقات بني مصر و 350 الصادق املهدي وبدأت اهتامات باجلملة ضد عبد الناصر بأنه يقوم هبذه احلملة إكراما لالحتاد السوفييت. ويف ظل وزارة الصادق املهدي 1966 م انتهجت سياسته سياسة مناوئة ملصر ومؤيدة للواليات املتحدة األمريكية ساعية إىل التباعد عن مصر وسياستها العربية املتحررة وكان من أسباب اجلفوة بني البلدين يف زمن الصادق املهدي قيام احلكومة السودانية بالعمل اإلجيايب يف منطقة حاليب حيث قامت بإنشاء نقطة شرطة ومت رفع العلم السوداين هناك يف 1966 م وقد أوضح أن مرحلة استقالل السودان خلقت نوعا من اجلفاء بني 351 حزب األمة ومصر.. موقف السودان من الصراع العربي الصهيوني: ومع تويل حممد أمحد حمجوب مقاليد احلكومة السودانية يف مايو 1967 م بائتالف جديد مع احلزب االحتادي قفزت العالقات املصرية السودانية استجابة لتحديات الصراع العريب الصهيوين 1967 م حيث حدثت خالل تلك الفرتة تطورات أخرى على الساحة العربية سامهت يف حتسن العالقات بني البلدين متثلت تلك التطورات يف تزايد حدة الصراع العريب الصهيوين حممد هباء الدين الغمري الحركة المهدية وانعكاساتها على العالقات المصرية السودانية مرجع سابق ص 208. أمحد رمضان عبد اللطيف أوضاع السودان خالل وزارة الصادق المهدي االولي م معهد البحوث والدراسات االفريقية قسم التاريخ جامعة القاهرة 2009 م ص 89.

146 وقد أعلن السودان حكومة وشعبا وقوفه جبانب مصر منذ اللحظة األوىل ومت إعالن التعبئة العامة يف مجيع 352 أحناء القطر استعدادا للحرب حيث أعلن رئيس الوزراء احلرب على الكيان الصهيوين. وكذلك قامت السودان بقطع عالقاهتا مع الواليات املتحدة األمريكية لدورها يف هذا العدوان واعتبار السودان يف حالة حرب وكذلك دورها يف عقد مؤمتر القمة العريب باخلرطوم يف نفس العام لتقدمي املساندة والدعم املايل وقيامها 353 بدور الوسيط يف إزالة اخلالفات بني مصر والسعودية فيما يتعلق مبشكله اليمن حني طلب عبد الناصر من األمني العام لألمم املتحدة سحب قوات الطوارئ الدولية من خط اهلدنة مع الصهاينة أرسلت احلكومة 354 السودانية وفدا يرأسه وزير الداخلية حسن عوض اهلل للتنسيق مع القاهرة يف املتطلبات اليت حتتاجها فقد أدى السودان على املستوى الشعيب واحلكومي دورا هاما يف قضية الصراع العريب الصهيوين جتاوز التعاطف ووضع السودان يف قلب 355 الصراع ماديا ومعنويا. وقد حرصت مصر على أن يبقى السودان عمقا اسرتاتيجيا ملصر وهو األمر الذي بدا بشكل واضح بعد حرب يونيو 1967 م وقد تأكدت هذه احلقيقة أكثر بنقل بعض قوات اجليش املصري وخباصة من الطريان إىل السودان لتكون بعيدة عن متناول القصف اجلوي الصهيوين ويرى البعض أن قبول السودان قوات مصرية على أراضيها يف ذلك الوقت هو تضحية كبرية إذ أن السودان كان بذلك قد أصبح طرفا يف احلرب وهدفا مباشرا للتدخل الصهيوين من أجل ضرب القوات املصرية يف السودان وقد تدخلت الصهاينة يف السودان بالفعل ولكن ليس لصرب القوات املصرية العسكرية يف أراضيه وإمنا هبدف مساعدة حركة التمرد يف اجلنوب أدم حممد امحد عبد اهلل العالقات السودانية المصرية من منظور االمن القومي مرجع سابق ص 101. حممد هباء الدين الغمري الحركة المهدية وانعكاساتها على العالقات المصرية السودانية مرجع سابق ص 208 حممد سعيد حممد احلسن عبد الناصر والسودان مرجع سابق ص 79. حممد عبد املؤمن حممد عبد الغين السودان وحرب يونيو 1967 م معهد البحوث والدراسات االفريقية بالتعاون مع املؤمتر الوطين السوداين القاهرة 2009 م ص 447.

147 هبدف فصل جنوبه عن مشاله ومل جتد القيادة املصرية أفضل من األراضي السودانية ليتم نقل بعض املعاهد 356 واألفرع العسكرية إليها هتي ئا للمعركة الفاصلة مع الكيان الصهيوين. لقد أسفرت هزمية يونيو 1967 م عن اختاذ جملس الوزراء السوداين قرارا بقطع العالقات مع بريطانيا والواليات املتحدة األمريكية يف أعقاب اهتامات عبد الناصر هلما بالقيام مبساعدة الصهاينة كما قدم حمجوب بيانا أمام اجلمعية التأسيسية أكد فيه التزام حكومة السودان باحلرب املعلنة ضد الصهاينة وتلبية احتياجات احلكومة املصرية على الفور وكذلك اغالق املطارات أمام طائرات الواليات املتحدة وبريطانيا وسفنها مع قطع 357 العالقات مع أي دولة تساعد الكيان الصهيوين. يف ظل حاجة مصر إىل إعادة تسليح قواهتا بعد يونيو 1967 م جلأ عبد الناصر إىل إمساعيل األزهري حيث طلب منه باتصال هاتفي االتصال بامللوك والرؤساء العرب لتمويل االحتياجات املصرية من السالح واستجاب االزهري للطلب املصري على الفور إذ اتصل بالسعودية والكويت مث توجه إىل القاهرة اليت وصلها قبل الرئيس اجلزائري هواري بومدين وحبثت هذه االجتماعات يف القاهرة مسألة عربية يف اخلرطوم لتقدمي الدعم العريب إىل مصر بعد اهلزمية. وكذلك دورها يف عقد مؤمتر القمة العريب باخلرطوم الذي عقد يف أغسطس 1967 م حيث أعلنت ال تفاوض وال اعرتاف وال صلح مع الكيان الصهيوين كما استطاعت القمة استخالص أموال مقدرة ملساعدة دول املواجهة مثل سوريا واألردن ومصر على الصمود ويذكر أنه بعد هذه القمة وبعد التضامن العريب وافق االحتاد السوفييت على مد مصر بالسالح بشروط ميسرة وقد ساعدت هذه املساعدات العسكرية فعليا حىت أن اجليش املصري 358 استطاع أن يستعيد قواه بعد سنوات قليلة. 356 يونان لبيب رزق ثورة 23 يوليو والسودان مقال منشور ضمن ندوة ثورة 23 يوليو والعامل العريب اهليئة املصرية العامة للكتاب 1993 م ص F. o371/1090/2 From Khartoum Embassy to Foreign office, 8June, املعتصم امحد علي االمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية مرجع سابق ص 88.

148 وقد اشتمل أيضا على تنسيق اجلهود العربية إلزالة آثار العدوان بالعمل العسكري واالقتصادي والسياسي ودراسة جوانب الضعف العربية اليت أدت إىل اهلزمية وتصفية القواعد العسكرية يف البالد العربية كما دعوا 359 السودان إىل إعادة ضخ البرتول ملعاونة دول املواجهة )مصر وسوريا واالردن( على الصمود وكذلك قيامها 360 بدور الوسيط يف إزالة اخلالفات بني مصر والسعودية فيما يتعلق مبشكلة اليمن وذكر عبد الناصر يف اخلرطوم أغسطس 1967 م "إنين عندما وصلت عاصمتكم اجمليدة رأيت شعب السودان البطل يف الطرق حىت وصلت ملقر املؤمتر وكان الشعب كله ينادي بالتصميم على القتال والنضال والوقوف حىت النصر إن هذا الشعب مل ينهزم وقد عرب عن إرادة أمة" وبعد مؤمتر القمة انشغلت مصر بأعداد جيشها وبقيت العالقات املشرتكة على نفس وتريهتا وميكن القول: إن القمة العربية يف اخلرطوم من احملطات املهمة يف تاريخ العالقات املصرية السودانية إذ أهنا استجابت للتحدي املطروح على األمة العربية بأداء قومي عريب أعاد وحدة الصف والتضامن وأكد أمهية دور السودان العريب وهو ما ساعد عليه انتماءات حمجوب السياسية وقربه من عبد 361 الناصر من ناحية ودعم الشارع السوداين بعد االستقالل لقضايا التحرر الوطين من ناحية أخرى. وبعد مؤمتر القمة العريب الذي عقد يف اخلرطوم 1967 م انشغلت مصر بإعداد جيشها ملعركة أخرى فاصلة كما ارتفعت شعارات ال صوت يعلو على صوت املعركة لذلك بقيت العالقات املشرتكة يف حاهلا إال أن احنياز السيد إمساعيل األزهري للتيار الديين الذي مثلته جبهة امليثاق االسالمي وازدياد نشاط هذا التيار بشكل واسع يف السودان يف أعقاب هزمية 1967 م اليت عجلت بفناء املشروع الناصري وإبعاد ممثلي احلزب الشيوعي السوداين من الربملان وحل احلزب فيما بعد شكل قلقا متزايدا للحكومة املصرية وذلك لعدة أسباب من أمهها حممد سعيد حممد احلسن عبد الناصر والسودان مرجع سابق ص حممد هباء الدين الغمري الحركة المهدية وانعكاساتها على العالقات المصرية السودانية مرجع سابق ص 208. بركات موسي احلوايت قراءة جديدة في العالقات السودانية المصرية مرجع سابق ص 235. املعتصم امحد علي االمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية مرجع سابق ص 88.

149 1 أن جبهة امليثاق اإلسالمي تعترب احلزب املوازي حلركة اإلخوان املسلمني يف مصر. 2 بعد هزمية 1967 م أصبح النموذج الذي جيد تعاطفا وتأييدا مستمرا هو حركة التيار الديين. 3 أغلق عبد الناصر كافة طرق املصاحلة مع هذا التيار يف أعقاب اإلعدامات املتتالية والتعذيب والسجن لقادته. 4 كان عبد الناصر يعتمد يف التسليح بشكل أساسي على االحتاد السوفييت وكان يريد أن يثبتكفاءته وأمهيته يف املنطقة من خالل حتجيم التيار الذي إذا ما هنض كان كفيال بأن يقضي على األحزاب الشيوعية واالشرتاكية يف املنطقة. 5 أراد عبد الناصر أن يثبت أيضا للغرب أمهيته من خالل حماربته هلذا التيار والتوصل فيما بعد إىل اتفاقية ما 363 مع الكيان الصهيوين وقدكانت مبادرة روجرز* واملوافقة عليها مؤشرا مبكرا لذلك. لقد كانت هزمية يونيو 1967 م اهلزمية االم من بني كل اهلزائم اليت تعرض هلا العرب يف القرن العشرين واليت 364 مازال العرب حيملون أعباءها الثقال ومل يتخلصوا بعد من أثارها املضنية. ويقول الدكتور ماهر عطية عن العدوان: عندما جاء عدوان 1967 على مصر مبؤامرة أمريكية لتطويق عبد الناصر وهنجه العريب الرافض لقيام أحالف من أي نوع من الغرب ومهامجته حللف بغداد وجلأت مصر إىل املعسكر الشرقي وحصلت صفقة األسلحة التشيكية فأدى ذلك ملزيد من التباعد بني مصر والواليات املتحدة السيما بعد تأميم قناة السويس 1956 وبناء السد العايل بعد أن سحبت أمريكا متويلها له. 363 املعتصم امحد علي االمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية مرجع سابق ص 88. *مبادرة روجرز " يف 9 ديسمرب 1969 م" قدمتها الواليات املتحدة األمريكية على لسان وليام روجرز وزير اخلارجبة األمريكي يف عهد ريتشارد نيكسون وقد جاءت لعمل فرتة وقف إطالق النار بني القوات كيان الصهيوين والقوات املصرية. 364 حممد جابر االنصاري الناصرية بمنظور نقدي تجربة فكر عبر نصف قرن بيروت الطبعة االوىل املؤسسة العربية للدراسات والنشر 2002 م ص 151.

150 وحني وقع عدوان 1967 كانت السودان حاضرة ويف مقدمة الصفوف رمسيا وشعبيا حيث أعلنت السودان رفضها للعدوان واندفع الشعب السوداين يف مظاهرات عارمة وتوحدت كل األحزاب السودانية لتقدمي املساعدة ملصر وطالبت بقطع العالقات مع بريطانيا وفرنسا كما نددت الصحف السودانية بالعدوان لقد كان املوقف الشعيب هو املع رب احلقيقي عن طبيعة العالقات املصرية السودانية إن هذا املوقف جعل عبد اهلل خليل يعلن التعبئة العامة ومينع الطائرات الربيطانية والفرنسية من اهلبوط يف مطار اخلرطوم ووضع القوات السودانية يف 365 حالة تأهب قصوى واستنكرت حكومة عبد اهلل خليل ببيان رمسي العدوان. لقد مثلت حرب 1967 م تطورا مهما يف تاريخ التنافس العريب الصهيوين يف إفريقيا حيث نظر األفارقة إىل الكيان الصهيوين باعتبارها قوة احتالل حتتل أراضي دولة إفريقية. صحيح أن موقف منظمة الوحدة األفريقية مل يكن حامسا بدرجةكافية ولكنه أكد على تأييد قرار األمم املتحدة 242 والقاضي بعدم شرعية احتالل الكيان 366 الصهيوين لألراضي العربية. مث كان موقف اخلرطوم االجيايب بالدعوة إىل القمة العربية يف اخلرطوم وقد لعب السيد إمساعيل األزهري رئيس جملس السيادة السوداين والسيد حممد امحد حمجوب رئيس الوزراء دورا كبريا يف تصفية األجواء العربية 367 السيما بني مصر واململكة العربية السعودية. أما السودان يف هذه الفرتة فعاشت مرحله من االضطرابات وعدم استقرارا مع حكومة حمجوب الثانية وعلى ذلك قررت اهليئتان الربملانيتان حلزيب احلكومة حل اجلمعية التأسيسية يف نوفمرب 1967 م والدعوة إىل انتخابات جديدة. يف فرباير 1968 م دشنت االنتخابات سلطة األحزاب التقليدية وحتالفاهتا مع 365 مقابلة مع الدكتور ماهر عطية مرجع سابق. 366 محدي عبد الرمحن الكيان الصهيوني وأفريقيا في عالم متغير من التغلغل إلى الهيمنة سلسلة دراسات مصرية إفريقية كلية االقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة أكتوبر 2001 م ص مقابلة مع الدكتور ماهر عطية مرجع سابق.

151 اجلناح االسالمي ممثال جببهة امليثاق وهكذا أصبحت احلالة السياسية يف السودان تعرب عن أحزاب تقليدية 368 عاجزة عن إقناع اجلماهري ومجاهري متطلعة إىل التغيري. لكل هذه األسباب وغريها كان التوتر يف العالقات املشرتكة سائدا قبيل انقالب مايو 1969 م ورمبا هلذه األسباب اهتمت بعض اجلهات احلكومية املصرية بتدبري انقالب مايو وذلك من خالل عدة مؤشرات منها: 1 أن الذين قادوا هذا االنقالب هم الضباط األحرار أي التنظيم الذي يستمد فكرته من النموذج الناصري بقيادة القوميني العرب متحالفا مع بعض األجنحة الشيوعية. 2 عرف السيد بابكر عوض اهلل بصلتة الوثيقة مبصر وهو الرجل الذي توىل التخطيط هلذا االنقالب وهو الذي أصبح فيما بعد أول رئيس وزراء للحكومة اجلديدة. 3 متت إجازة الدستور اإلسالمي يف الربملان السوداين يف مرحلة القراءة األوىل والثانية لذلك مل يكن غريبا أن تسبق إجازهتا النهائية ضربة إجهاضية من جهات مناوئة. 4 ويف 25 مايو 1969 م وقع انقالب مايو يف 369 السودان بتحالف قومي عريب شيوعي حيث قام هذا التحالف حبل األحزاب. لقد أد ت حرب 1967 م إىل حتسن مؤقت يف العالقات الثنائية مث سرعان ما توترت العالقات بعد انقشاع سحابة احلرب فقد بدأت املكايد احلزبية يف السودان لعبة االئتالفات واالختالفات ومساعي مصر لتقوية االحتاديني على حساب األحزاب األخرى وبدأ احلديث يرتدد مرة أخرى عن دعم مصر لتنظيم الضباط األحرار دون تقدير أو مراعاة ملوقف احلكومة السودانية جبانبها إبان النكسة وقد تأكد الدعم املصري للضباط االحرار باحملاولة االنقالبية حممد هباء الدين الغمري نظام الحكم في السودان في الفترة من م وأثرة علي العالقات المصرية السودانية رسالة دكتوراه غري منشورةكلية جتارة االمساعلية قسم القانون والسياسة جامعة قناة السويس 1993 ص 176. املعتصم امحد علي االمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية مرجع سابق ص 89.

152 وقد ساعدت ظروف كثرية على التمهيد النقالب مايو الذي أطاح بالنظام احلزيب وقد كان دور مصر يف تلك الظروف واضحا إذ مل تكن احلكومة احلزبية ترضى هبا وحتقق مصاحلها رغم موقفها جبانبها يف حرب يونيو 1967 م. وتتمثل أبرز الظروف يف: التطاحن الحزبي والصراع حول السلطة والذي أدي إىل نسف االستقرار بالبالد أبرز مثال لذلك أنه يف الفرتة من أكتوبر 1964 م مايو 1969 م مت تشكيل مخس حكومات أي مبتوسط حكومة كل أحد عشرة شهرا. وقد أدى ذلك إىل فوضى أغضبت الشعب السوداين من الدميقراطية الليربالية فقد انشغلت األحزاب بالصراع حول السلطة وجتاهلت مهوم املواطن املعيشية يف ظل أزمة اقتصادية طاحنة متر هبا البالد بلغت ذروهتا يف عامي 1968 مو 1969 م. وقرار األحزاب القاضي بإقصاء الحزب الشيوعي السوداين من املسرح السياسي وطرد نوابه من الربملان فقد دفع هذا القرار احلزب الشيوعي إىل اتباع طريق آخر للسلطة أقرب من طريق املنازلة الدميقراطية وهو طريق االنقالب. وحرب يونيو 1967 م وما خلفت من وعي قومي وإحياء ملعاين النضال العريب وجتاوز اإلطار القطري الضيق إىل التفاعل مع قضايا األمة ضد العدو املشرتك فربزت بذلك التنظيمات اليت متجد القومية العربية وبطوالهتا املتجسدة يف شخص قائدها عبد الناصر وقد تأثر السودان بذلك أيضا فربزت تنظيمات على ذات املنوال أمهها التنظيمات الناصرية كما ازداد نشاط تنظيم الضباط االحرار والذي يضم طليعة ثورية من الضباط 370 املواليني ملصر. التحسن الذي طرأ على عالقات الحزب الشيوعي بمصر بعد صفقة األسلحة التشيكية وتقرب عبد الناصر من املعسكر االشرتاكي وابتعاده بالتايل عن املعسكر الرأمسايل وقد صادف هذا التحسن طرد نواب 370 أدم حممد امحد عبد اهلل العالقات السودانية المصرية من منظور االمن القومي مرجع سابق ص 97 98

153 احلزب الشيوعي من الربملان بعد تكتل حزيب ضم االحتاديني وحزب األمة وجبهة امليثاق اإلسالمي أما عن مصر فقد صادف تلك الفرتة مشاكل احلكومة املصرية مع اإلخوان املسلمني. محاوله الحكومة السودانية ومساعيها لوضع دستور إسالمي الذي متت إجازته يف الربملان السوداين يف مرحله القراءة الثانية مما ينذر حبكومة إسالمية يف اخلرطوم قد تقوي من شوكة املعارضة اإلسالمية يف مصر ولو معنويا. كل هذه الظروف سامهت يف التمهيد النقالب مايو املدعوم من احلزب الشيوعي السوداين واجملموعات 371 الناصرية والبعثية. العالقات المصرية السودانية إبان ثورة مايو 1969 م. كانت النتيجة احلتمية ملا وصلت إليه األمور يف السودان من ترد يف النواحي السياسية واالقتصادية واإلدارية 372 أن قام صغار ضباط اجليش باالشرتاك مع بعض املدنيني بثورة يف مايو 1969 م 25 حيث نفذ تنظيم الضباط األحرار انقالبا عسكريا ومت تشكيل ما يسمي مبجلس قيادة الثورة الذي ترأسه جعفر النمريي. وقد تذبذبت السياسة السودانية ما بني الشرق والغرب حسب توجهات احلكومة واليت كانت غري ثابتة ففي بداية حكم مايو سيطر الشيوعيون واالشرتاكيون على مقاليد احلكم وسياسة الدولة اخلارجية ولذلك كان اجتاه احلكومة شرقيا. وقد أظهرت هذه احلكومة موقفا مساندا ومؤيدا حلركات التحرر الوطين وخاصة العربية وذلك بسببكراهية النظام احلاكم لألنظمة االستعمارية. وقد جاء يف البيان األول الصادر فجر االنقالب ما يلي: "لقد أظهرت األحزاب أهنا ال تريد أن ترى السودان حيتل املكان الصحيح بني قوى الثورة العربية واألفريقية مرتبطا ارتباطا وثيقا باألمة العربية مساندا 371 أدم حممد امحد عبد اهلل العالقات السودانية المصرية من منظور االمن القومي مرجع سابق ص حممد هباء الدين الغمري الحركة المهدية وانعكاساتها على العالقات المصرية السودانية مرجع سابق ص 209. صور جعفر النمريي أنظر املالحق ص 245.

154 ومؤيدا حلقوق الشعب الفلسطيين السليبة ورفضتها ألهنا عجزت عن مناهضة الدول االستعمارية الواقعة وراء الصهاينة وعلى الوقوف ضد التسلسل الصهيوين يف أفريقيا". وضع السودان نفسه من خالل البيان السابق حلكومة مايو ضمن الدول العربية الثورية املؤمنة بالوحدة العربية الشاملة سبيال حلل القضايا العربية املصريية وحماربة الصهيونية واالستعمار احلديث بشىت صوره. فقد وقفت حكومة مايو منذ قيامها مع القضية الفلسطينية وحدد السودان عالقاته اخلارجية وفقا ملوقف أي دولة من 373 قضية العرب األوىل "فلسطني". وحىت وإن كانت ثورة مايو وليدة ظروف داخلية كما يقول البعض فإهنا مل تكن بعيدة يف أي وقت عن تأثريات ثورة 23 يوليو سواء على املستوى النظري أو التنظيمي فقد اعتربت فرتة مايو أكثر الفرتات ازدهارا يف تاريخ العالقات السودانية املصرية وقد انعكس ذلك على السياسات اليت تبنتها واملمارسات اليت سارت عليها 374 منذ البداية خاصة يف اجملاالت السياسية واالقتصادية ويف العالقات مع البلدان األخرى. والذي يدرس وثائق 25 مايو وممارساهتا يف خمتلف املراحل يدرك مدى التأثر بالتجربة املصرية. ويف جمال العالقات الثنائية مع مصر نقلت الثورة هذه العالقات من منطلق الوحدة املبهمة والتبعية عند بعض اجلماعات والعداء ملصر عند مجاعات أخرى إىل منطلق جديد هو منطلق التعاون الذي تفرضه احلقائق 375 املوضوعية يف كال البلدين وظروف املنطقة وجتارهبا يف الوحدة والظروف الدولية. واستمرارا لتدعيم العالقات 1969 كانت مصر أول من أيد ثورة 25 مايو يف السودان عام وقال عنها عبد الناصر أهنا عوضا عن هزمية يونيو 1967 وعطاء جديد لألمة العربية وحينما مت توقيع اتفاق طرابلس ( ميثاق طرابلس( بني مصر وليبيا 376 والسودان بارك الشعب السوداين هذا امليثاق ما عدا احلزب الشيوعي أمحد حممد حممد الصادق الكاروري العالقات السودانية االمريكية في فترة ما بعد الحرب الباردة مرجع سابق ص 131. حممد حسن دواد مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص 120. حممد عمر بشري الجذور التاريخية والواقع المعاصر لتجربة التكامل جملة السياسة الدولية مرجع سابق ص 21. مقابلة مع الدكتور ماهر عطية مرجع سابق.

155 وعلى الرغم من الظروف املوضوعية اليت حكمت التغيري إال أن مصر قدمت دعما غري حمدود حلكم منريي 377 خاصة مع بداية الثورة ويف خالل الفرتة اليت عاشها الزعيم مجال عبد الناصر ومن أبرز مظاهر هذا الدعم : 1 الرحالت الدورية اليت كان يقوم هبا الرئيس منريي للقاهرة خاصة وأن ثورة مايو قامت يف اعقاب اجلو العام 378 الذيكان سائدا يف الدول العربية مبا فيها األفريقية حيث شهدت م تقاربا سودانيا مصريا عفويا وطبيعيا فقد جاء يف أعقاب حرب يونيو عشرات ومئات الشباب املصريني وأيضا من الكتاب 379 والصحفيني الذين اصاهبم اإلحباط الشديد يف أعقاب وقوع اهلزمية إثر نكسة يونيو 1967 م وقد استغل منريي هذه الفرصة بأفضل الصور املمكنة وعلى أساس أن الشعب السوداين كغريه من الشعوب العربية ال ميكن أن يتجاوب إال مع احلكم الوطين واعتبار القوات املسلحة يف مثل تلك الظروف طليعة هذا احلكم. 2 قيام عبد الناصر بتقدمي املعونات للسودان رغم ظروف النكسة. 3 تركيز النمريي على البعد العريب يف ممارسته السياسية بعد أن كان الرتكيز يتجه إىل عالقات السودان مع دول اجلوار وحيركه اإلطار االفريقي. 4 التأييد السياسي الذي حصل عليه من مصر والذي وصف بأن مصر والسودان يف خندق واحد حيث اعرتفت القاهرة كأول عاصمة عربية بالنظام اجلديد وكان موقف النظام اجلديد حتركه ثقافة النخبة السياسية اليت رأت يف مصر تأكيدا لتوجهاهتا ولذلك عملت على االندفاع حنو الفكر القومي العريب من املنظور 380 الناصري ويف سبيل ذلك تبىن النمريي املبدأ الناصري الصاحل منه وغري الصاحل وسعى إىل استبدال التعددية 377 حممد هباء الدين الغمري نظام الحكم في السودان في الفترة م وأثرها على العالقات المصرية السودانية مرجع سابق ص تيم تبوك صراع السلطة والثروة في السودان منذ االستقالل وحتى االنتفاضة مرجع سابق ص 233. حممد سعيد حممد احلسن عبد الناصر والسودان مرجع سابق ص 102. الوليد سيد حممد علي بشري مدركات النخبة السودانية والعالقات السودانية والمصرية م مكتبة مدبويل ص 81.80

156 احلزبية بنظام احلزب الواحد احلاكم )االحتاد االشرتاكي( حيث أنشئ االحتاد االشرتاكي السوداين على غرار االحتاد االشرتاكي املصري لالقرتاب من التكامل والوحدة فالتنظيم واحد واالرتباط التارخيي واحلضاري والشعيب 381 واحد وتقوية العالقات مع الكتلة الشرقية االشرتاكية خاصة يف جماالت التنمية وتقوية العالقات مع الدول 382 العربية )التقدمية (إىل حد الوحدة النظرية. وأعقبه باملصادرة والتأميم لعدد من الشركات اخلاصة واألجنبية والبنوك يف مايو 1970 )يف الذكري األوىل لثورة مايو( باعتبار أن املصائب االقتصادية واملالية اليت كانت تواجهها السودان إمنا ترجع لالنتهاج احلكومات السابقة خطط تنمية رأمسالية تعتمد على النفوذ اخلارجي أخذا يف االعتبار جتربة مصر يف بداية الستينات حول التأميم بالرغم من اختالف الظروف بني الدولتني واألسباب احلقيقية اليت دفعت عبد الناصر إىل 383 التأميم. ومل يكن توجه منريي إىل املبادئ الناصرية والتحول إىل نظام احلزب الواحد عن قناعة هبذا النظام أو دراسة النظم السياسية املعاصرة ولكن اعتقادا منه أن مثل هذا التوجه الناصري سيعطي نظام حكمه الشرعية اليت حتقق له االستمرار يف حكم السودان وذلك كما هو احلال يف معظم االنقالبات العسكرية اليت يف العامل 384 الثالث األفريقية. وقد شهدت فرتة الرئيس منريي عالقات سودانية مصرية أوثق من ذي قبل وقد مت تدعيم هذه األسس وتطويرها حيث قام نظام النمريي باختاذ عدد من اخلطوات لتوفري احلماية الداخلية عن طريق حماولة تصفية حممد حسن دواد مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص حممد هباء الدين الغمري الحركة المهدية وانعكاساتها على العالقات المصرية السودانية مرجع سابق ص تيم تبوك صراع السلطة والثروة في السودان منذ االستقالل وحتى االنتفاضة مرجع سابق ص 233. حممد هباء الدين الغمري الحركة المهدية وانعكاساتها على العالقات المصرية السودانية مرجع سابق ص 210.

157 نفوذ األحزاب التقليدية سواء عن طريق حرماهنا من أسسها املادية عرب مصادرة ممتلكاهتا أو عن طريق 385 استخدام القوة املسلحة ضدها. وقد متيزت هذه الفرتة من تاريخ العالقات بني البلدين بأهنا أكثر الفرتات ازدهارا إذ مل جتد القاهرة أي عناء يف احتواء حكومة السودان اليت ساندهتا للوصول إىل السلطة وقد زاد من تقارب النظامني عدة عوامل أمهها التوجه االشرتاكي للنظامني ومعاداهتما املطلقة لالستعمار والقوى اإلمربيالية والصهيونية العاملية ووقوفهما جبانب القومية العربية وحركات التحرر الوطين األفريقية. وقد أكدت ثورة مايو يف بياهنا األول ذلك املنحىن الثوري املقرب من مصر كما أكد النمريي ذلك يف تصرحيات صحفية حيث قال: "...سنعمل على تقوية عالقات السودان مع الشقيقة مصر قلعة النضال العريب األفريقي ضد اإلمربيالية والصهيونية العاملية..". كما برز التوجه األيدلوجي يف البيان املشرتك الصادر عن املباحثات الثنائية بالقاهرة يف يوليو 1969 م إذ جاء فيه"...إن تقارب منهج البلدين الثوري والسياسي حافظ على إحداث مزيد من منو هذه العالقات..". وقد شهدت السياسة اخلارجية تغيريا جذريا كان له ارتباط بالتغري الذي حدث يف السياسة االقتصادية فعندما بدأ النظام يف انتهاج سياسة تنمية موجهة حنو االكتفاء الذايت والتوزيع العادل للثروة فإن األمر استدعى تقوية العالقات مع دول اجلوار واألقطار الشيوعية اليت ميكن أن تقف إىل جوار النظام وتسانده إلبعاده عن دوائر النفوذ والتبعية للعامل الغريب من الناحية االقتصادية. ورغم الرتحيب الذي حظي به النظام من الكتلة الشرقية إال أن السودان كان مهتما بالقاهرة يف املقام األول وكذلك بليبيا بعد سقوط النظام امللكي فيها. ويف أعقاب زيارة وفد سوداين للقاهرة يف 30 يوليو 1969 م أعلن عن تشكيل جلنة اقتصادية مشرتكة للنظر يف تطوير التعاون االقتصادي بني البلدين ومت التوصل 385 حممد حسن دواد مصر والسودان أوراق من ملف العالقة مرجع سابق ص أدم حممد امحد عبد اهلل العالقات السودانية المصرية من منظور االمن القومي مرجع سابق ص 107

158 إىل اتفاق تكامل اقتصادي يف 2 سبتمرب من نفس العام نص على التدرج يف رفع القيود اجلمركية وحرية تنقل األفراد ورأس املال. وإزاء هذا التقارب السوداين إىل مصر يف الفرتة األخرية من حكم عبد الناصر فقد اقرتح القذايف انضمام ليبيا ألتفاق التكامل االقتصادي بني مصر والسودان وبدأ التعاون يتخذ شكال سياسيا ففي 28 ديسمرب 1969 م مت التوقيع على ميثاق طرابلس بني مصر والسودان وليبيا مشل إىل جانب التعاون االقتصادي جماالت الدفاع 387 والسياسة اخلارجية كما مت االتفاق على حتمية الوحدة وضرورة التحرك يف سبيل حتقيقها. وضع السودان نفسه من خالل البيان حكومته ضمن الدول العربية الثورية املؤمنة بالوحدة العربية الشاملة سبيال حلل القضايا العربية وحماربة الصهيونية واالستعمار احلديث بشىت صوره فقد وقفت حكومة مايو منذ قيامها مع القضية الفلسطينية وحدد السودان عالقاته اخلارجية وفقا ملوقف أي دولة من قضية العرب األوىل فلسطني 388. وبعد شهور قالئل من هذا االنقالب يف يناير 1970 م زار عبد الناصر السودان للمشاركة يف احتفاالت البالد بالذكرى الرابعة ألعياد االستقالل وقد خاطب الشعب السوداين يف إستاد اخلرطوم مشيدا بثورة مايو 389 مؤكدا االجتاه الثوري األيدلوجى الذي جيمع البلدين قائال: "حنن قبل ثورة مايو كنا نواجه العدو على قناة السويس ونقول لقد قارب السودان أن يسقط يف قبضة االستعمار ومل متض أيام قليلة حىت أعلن قادة السودان ثورة 25 مايو لقد استطاعت القوات املسلحة يف السودان أن تقوم بدورها وخترج لتحمي شعب 390 السودان فأين اآلن االستعمار وأعوان االستعمار". وقال أيضا يف خطابه "إنكم مع إخوتكم يف مصر تيم تبوك صراع السلطة والثروة في السودان منذ االستقالل وحتى االنتفاضة مرجع سابق ص 233. أمحد حممد حممد الصادق الكاروري العالقات السودانية االمريكية فترة ما بعد الحرب الباردة مرجع سابق ص حلمي شعراوي ثورة يوليو وافريقيا مع إشارة خاصة للعالقات املصرية السودانية القاهرة مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية 2001 م ص املعتصم امحد علي االمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية مرجع سابق ص 89.

159 اجليش جيش واحد والشعب شعب واحد وهذا هو املعىن الكبري الذي يعرب عن وحدة وادي النيل عن وحدة مصر والسودان وأن الوحدة اليت كانت يف املاضي واليت كانوا ينادون هبا يف املاضي كانت وحدة بني اإلقطاع وال ميكن ألي شعب بأي حال من األحوال أن يقبل وحدة بني إقطاع إهنا يف هذه األحوال عمل توسعي أما الوحدة اليت ننادي هبا اليوم فهي وحدة األحرار وبرز التنسيق الثالثي السوداين املصري اللييب ومن مث فقد لعبت املصاحل الفكرية واأليدولوجية املشرتكة دورا بارزا يف توطيد عالقات البلدين خالل تلك الفرتة اليت اعقبت انقالب مايو وعمل السودان جبانب ليبيا ومصر يف سبيل خدمة تلك املصاحل فكان السودان ضمن دول املواجهة مشاركا بفاعلية يف اجتماعاهتا وملتزما بقراراهتا وقد كانت أبرز تلك القرارات آنذاك قرار مقاطعة املصاحل الغربية. ومن جانب آخر وقفت مصر جبانب السودان يف أحداث اجلزيرة أبا وود نوباوى الدامية يف مارس 1970 م وقد كانت ثورة األنصار ضد التوجه االشرتاكي الشيوعي لنظام مايو األمر الذي يناقض توجه مصر وليبيا معا فكان الدعم والسند املصري اللييب حلكوميت مايو من أجل ضرب معاقل الرجعية وأذيال االستعمار حسب 391 تصرحيات عبد الناصر نفسه. ويف سبتمرب 1970 م انفجرت أزمة دامية يف األردن بني قوات املقاومة الفلسطينية والقوات األردنية وقطع عبد الناصر فرتة االستشفاء الضرورية له آنذاك وعاد إىل القاهرة وجاء اللواء منريي من السودان والعقيد معمر القذايف من ليبيا حيث وجه ثالثتهم رسالتني أحدامها إىل امللك حسني واألخرى إىل ياسر عرفات وكلفوا الفريق حممد صادق حبملها إليهما. وكان اهلدف من محل الرسالتني هو وقف االشتباكات فورا وبغري ابطاء بني اجلانبني وتوقف اطالق النار ولكن سرعان ما جتدد مرة أخرى وبعنف واقرتحت تونس عقد مؤمتر قمة عريب عاجل يف القاهرة وسرعان ما جاء امللوك والرؤساء إىل القاهرة وقد اقلقهم تردي االوضاع والصدام الدامي بني القوات العربية يف األردن 391 أدم حممد أمحد عبد اهلل العالقات السودانية المصرية من منظور االمن القومي مرجع سابق ص 108

160 وعقد أول اجتماع يوم 22 سبتمرب 1970 م واوفد الرؤساء العرب إىل عمان وفدا برئاسة اللواء جعفر منريي مرتني واستطاع الوفد برئاسة منريي يف املرة الثانية احضار ياسر عرفات معه مساء يوم 27 سبتمرب ومت التوصل إىل اتفاق بإهناء العمليات العسكرية من قبل اجلانبني ووقع االتفاق امللك حسني وياسر عرفات وامللوك والرؤساء الذين اشرتكوا يف القمة العربية الطارئة ومنح هذا الدور الذي قام به اللواء جعفر يف األردن أي الوصول إىل عمان وسط معارك ضاربة واللقاء بامللك حسني وإحضار ياسر عرفات شعبية جديدة يف 392 السودان ويف العامل العريب. وقد سجل عبد الناصر آخر زيارة له للسودان حلضور أعياد مايو جبانب القذايف يف عام 1970 م واستمرت تلك احلماسة وذلك االندفاع حىت وفاة عبد الناصر 28 سبتمرب م وقد شارك السودان حكومة وشعبا مصر أحزاهنا بفقد عبد الناصر والذي بوفاته انطوت صفحة مهمة من صفحات العالقات 394 السودانية املصرية لعبت شخصية عبد الناصر الدور الرئيسي فيها. لقد كان عبد الناصر يهتم بقضايا السياسة اخلارجية أكثر من اهتمامه بقضايا السياسة الداخلية املصرية فالنظام العقيدي الناصري العام كان نظاما مركبا ومتعدد املستويات مبعىن أنه يتعامل مع عديد من القضايا الداخلية )التنمية الثورة االجتماعية الدستور...اخل( والقضايا اخلارجية )الوحدة العربية والصراع العريب الصهيوين والعامل الثالث...اخل( مستخدما مستويات متفاوتة وإن كانت مرتابطة من حيث العقائد 395 واالسرتاتيجيات. 392 حممد سعيد حممد احلسن عبد الناصر والسودان مرجع سابق ص 132. الوليد سيد حممد علي بشري مدركات النخبة السودانية والعالقات السودانية والمصرية م مرجع سابق 393 ص أدم حممد أمحد عبد اهلل العالقات السودانية المصرية من منظور االمن القومي مرجع سابق ص 108 مركز دراسات الوحدة العربية مصر والعروبة وثورة يوليو بريوت الطبعة االوىل نوفمرب 1982 م ص 175.

161 396. وبوفاة الرئيس مجال عبد الناصر يف سبتمرب 1970 م دخلت العالقات طورا جديدا بني البلدين حني جاء الرئيس حممد أنور السادات وهو يضمر يف نفسه تغيري سياسات عبد الناصر واالجتاه حنو املعسكر الرأمساىل لقد كان لتباين العوامل املؤثرة يف صناعة القرار يف كل من القاهرة واخلرطوم أثرا أيضا يف تفاعالت العالقة الثنائية بشكل كبري وذلك أن طبيعة النظام السياسي املصري اجتهت حنو الشمولية حتت مظلة نظام رئاسي وشخصية عبدالناصر يف وقت كان النظام السياسي السوداين برملانيا يعتمد على تعددية حزبية مل تستطع أن حتقق اإلمجاع السياسي يف القضايا الوطنية طوال فرتة االستقالل ورمبا حىت اللحظة الراهنة يضاف إىل ذلك أن مصر انشغلت بالصراع العريب الصهيوين وقادت تيار القومية العربية الذي اعتربته أداهتا الرئيسية ضد االستعمار بينما انشغل السودان مبشكلة اجلنوب مبا تفرضه من توازنات إقليمية يف النطاق األفريقي وضغوط دولية من بريطانيا والواليات املتحدة األمريكية اللتني حافظ السودان على قنوات اتصال ساخنة معها مقارنة بالقاهرة. وبطبيعة احلال ال تلغي هذه التباينات مساحة املشرتك يف عالقة البلدين خصوصا فيما يتعلق بقضايا وادي 397 النيل والقضايا العربية إمجاال. وترى الباحثة أن منريي قد تأثر بدرجة كبرية بشخصية الزعيم الراحل عبد الناصر فالظروف االجتماعية لنشأهتما تكاد تقرتب من بعضها فكالمها جاء من أسرة متوسطة احلال وشعرا أن احلكم االستعماري لبلديهما قد أدى للعديد من املشاكل فاالستعمار أينما وجد فإنه ميارس ضغوطه على الشعوب املستعمرة 398 ويستغل ثرواهتا ويفرق بني املواطنني ويؤلب القوى الوطنية على بعضها. 396 املعتصم امحد علي االمني السودان في صحيفة االهرام القاهرية مرجع سابق ص أماين الطويل العالقات المصرية السودانية جذور المشكالت وتحديات المصالح مرجع سابق حممد فوزي مرجع سابق. ص 45.

162 كما وأن اخنراط عبد الناصر يف تنظيم الضباط األحرار احتذى به منريي يف انضمامه للتنظيم السوداين للضباط األحرار وعندما تقلد السلطة أخذ عن مصر التنظيم السياسي الوحيد )االحتاد االشرتاكي( وطبقة داخل اجملتمع السوداين. ويقول جعفر النمريي" أنشأت االحتاد االشرتاكي السوداين على غرار االحتاد االشرتاكي املصري لالقرتاب من التكامل والوحدة فالتنظيم واحد واالرتباط التارخيي واحلضاري والشعيب واحد وعلى الرغم من أن الفرتة اليت عاشها مجال عبد الناصر خالل فرتة حكم منريي مل تكن طويلة إال أن الواقع يشري إىل أن شخصية عبد الناصر الكاريزمية قد أثرت بصورة مباشرة يف منريي وتوجهاته السياسية الداخلية واخلارجية طوال مدة حكمه. على أن احملصلة الطبيعية هلذا النضال الطويل لشعيب مصر والسودان تبلورت يف إدراك الشعبني أن االرتباط بينهما أمر فرضته الطبيعة واملصاحل املشرتكة فالتحرير ال يتحقق يف الشمال إال اذا كانت جذوره سليمة يف اجلنوب والتقدم والنهضة ومواجهة املشكالت السياسية واالقتصادية ال تتم إال إذا تضافرت اجلهود اخلالصة بني سكان الوادي من الشمال إىل اجلنوب فالتحديات اليت تواجهها شعوب وادي النيل يف الشمال واجلنوب ال تقوى على مواجهتها الكيانات الصغرية أو اجملزأة اليت فرق بينها االستعمار وفرض عليها أوضاعا تتعارض مع حكم التاريخ واحلقائق الطبيعية واملشاعر الوجدانية وتتضامن مع املصاحل احلقيقية للجماهري فكان حتما أن حيطم شعب وادي النيل هذه القيود ويرفع تلك احلواجز وأن يواصل اجلهاد على طريق الوحدة بال توقف 399 وال تردد ولذاكانت اجلهود املبذولة موجهة لتحقيق التكامل والرتابط بني مصر والسودان. ويرى الدكتور ماهر عطية املتخصص يف الدراسات األفريقية أن املد الثوري والرباط املقدس الذي يربط مصر بالسودان وخاصة يف عهد مجال عبد الناصر رباطا أبديا حتكمه طبيعة العالقات بني البلدين وهي عالقات مميزة عرب عصور التاريخ وان واجهت هذه العالقات بعض العراقيل ولكنها مل تضعف أمال الشعبني فال مشكلة 399 شوقي عطا اهلل اجلمل العالقات التاريخية بين مصر والسودان في القرن العشرين مرجع سابق ص 150.

163 النيل وال مشاكل حاليب وشالتني فرقت البلدين والشعبني إن هناك عالقة خاصة ربطت بني مصر والسودان 400 يف عهد عبد الناصر أعرتف هبا العامل الغريب والعريب واإلسالمي واإلفريقي. والرسم البياني التالي يوضح تذبذب العالقات بين البلدين خالل عصر عبد الناصر. 400 مقابلة مع الدكتور ماهر عطية مرجع سابق.

164 المصدر: من إعداد الباحثة بناء على املعلومات السابقة الفصل الثالث: المشاكل التي واجهت العالقات المصرية السودانية المبحث األول: مشكلة الحدود بين مصر والسودان ومشكلة حاليب. المبحث الثاني: مشكلة جنوب السودان. المبحث الثالث: األدوار االستعمارية في جنوب السودان.

165 الفصل الثالث المشاكل التي واجهت العالقات المصرية السودانية التمهيد إن العالقات املصرية السودانية مل خترج من نفق الوضع املتأزم طوال تارخيها فقدمت لنا منوذجا فريدا من املد واجلزر يف حركة دائرية تأىب أن تتقدم إىل األمام وهذا الفصل يتتبع بالدراسة والتحليل هذه العالقة بالتأكيد مصر والسودان العتبارات متعلقة بالتاريخ واجلغرافيا وثوابت األمن القومي واملصاحل املشرتكة لكل منهما قطرا النموذج ألي تكامل عريب يضع باعتباره حتقيق طفرة اقتصادية لصاحل رفاهية أبناء اجملتمعني وتقدمهم ويكون أحد أركان النظام العريب وعلى الرغم من هذه الغايات األساسية مل تستطع كل من مصر والسودان التوافق حول حالة من االستقرار يف العالقات الثنائية وال التوافق لصفة الثبات على الرغم من تعدد احملاوالت. يهتم هذا الفصل بدراسة مشكالت العالقات املصرية السودانية ممثلة مبلفات املصاحل بني البلدين ومتطلبات األمن القومي لكل منهما جتاه األخرى فالعالقات املصرية السودانية على الرغم من مظاهرها اخلارجية من أكثر عالقات الدول اجملاورة تعقيدا إذ من املعتاد أن تتميز عالقات الدول املتجاورة بقدر من التعقيد ولكن ما مييز عالقات مصر والسودان من مشكالت جيعل األمر حيتاج إىل كثري من التأمل والتحليل وإىل أحكام وتقديرات جديدة باستمرار فهذه العالقات مثقلة بعبء تاريخ ليس كله إجيابيا مما أنتج عقدا تارخيية يفضل اجلانب املصري تسميتها باحلساسيات وعجز املصريون والسودانيون عن التعامل مع تارخيهم املشرتككمصدر فقط للدروس والعرب املاضية واملفيدة يف تشكيل مستقبل أفضل.

166 فاجلانبان يصران على محل أخطاء التاريخ على ظهورهم واستدعائها يف التعامل مع احلاضر وحتديد املستقبل لذلك اتسمت العالقات باهلشاشة وال تصمد أمام أي خالفات تصادف املسرية املشرتكة بني البلدين إذ ميكن حلد ث شديد التفاهة أن يرتك أثارا خطرية يف العالقات وهذا يعىن أن النتيجة ليست حمصلة السبب املباشر ولكن التاريخ والعقد املاضية هي اليت حتدد النتيجة. لقد أغلقت املصاحل االستعمارية كل الطرق اليت تقضي على التعاون بني تلك الدول بزرع الشقاق وفقدان الثقة بني تلك األطراف حىت بعد زوال تلك السيطرة البغيضة وذلك من خالل مؤلفات هؤالء املستعمرين اليت الزال مؤرخونا يعتمدوهنا مصدرا وهي ان فكرة االستعمار األوريب أصال تقوم على أساس أن مصر كانت شريكا يف استعمار السودان يف ك ال الفرتتني وأطلق على فرتة احلكم اإلجنليزي يف السودان اسم احلكم املصري إن العالقة بني مصر والسودان ظلت تتمدد وفقا للمصاحل املبنية علي ذلك اإلرث البغيض مع العلم بأن مصر نفسها كانت مستعمرة يف كال الفرتتني فكيف تكون شريكا ملستعمرها 401. وتعد العالقات التارخيية اليت تطورت بني مصر والسودان تكريسا لوحدة اهلدف واملصري املشرتك وخدمة املصاحل بني الدولتني اليت هي حقائق ثابتة ينبغي تثبيتها وتأكيدها وهذه الروابط التارخيية بني مصر والسودان لن تتم مبعزل عن مواجهة خمتلف العراقيل والتحديات اليت تكونت منذ فرتة طويلة عبد الغفار حممد علي مستقبل العالقات المصرية السودانية مؤمتر ثورة 25 يناير ومستقبل عالقات مصر بدول حوض النيل جامعة الزعيم األزهري السودان ص مشسة بشناقة عراقيل وتحديات العالقات المصرية السودانية معهد البحوث والدارسات األفريقية القاهرة 2009 م ص 589.

167 المبحث األول مشكلة الحدود بين مصر والسودان تعترب احلدود املصرية السودانية من أقدم احلدود اليت ظهرت يف العامل فمنذ مصر الفرعونية كانت احلدود اجلنوبية هلا تقف عند الشالالت واجلداول يف اجلزء اجلنويب منها وىف بعض األحيان كان النفوذ املصري يتوسع جنوبا يف بالد كوش وقد ميتد إىل ما وراء ذلك. وكانت احلدود يف تلك الفرتة تعرف باسم التخوم ألهنا 403 مل تكن خطا واضحا ولكنها منطقة حدودية بني قوتني تسيطركل منهما على منطقة معينة. بالرغم من أن تاريخ جزء كبري من أراضي السودان احلالية ميكن الرجوع به إىل عهد اململكة الوسطى إال أن حدود السودان احلالية متت تسويتها بصفة أساسية بعد قيام نظام احلكم االجنليزي املصري يف م ولقد ظل تاريخ السودان على مدى العصور مرتبطا أو متصال بشكل أو بأخر مع تاريخ مصر فقد بدأ اهتمام مصر باجلنوب يف العصر احلديث بعد تويل حممد علي السلطة يف عام 1805 وتوسعت يف اجلنوب لكشف منابع النيل وكانت رحالته يف عام 1822 وتأسيس مدينة اخلرطوم بداية مرحلة من اهتمام وايل مصر جبنوب وادي النيل وظلت هذه السياسة تتوسع تدرجييا وتنتقل من إقليم آلخر حىت جنح إمساعيل باشا يف تأسيس إمرباطورية كربى يف قلب أفريقيا وسيطر على أوغندة كما توسع شرقا حىت وصل إىل مقديشو بالصومال وكان هذا التوسع املصري من العوامل اليت أزعجت بريطانيا اليت رمست سياستها من أوائل القرن السعيد إبراهيم البدوي السودان دراسة في العالقات المكانية الطبعة األوىل القاهرة إبريل 2012 م ص 65. البخاري عبد اهلل اجلفلي نزاع الحدود بين السودان ومصر مركز البحوث والدراسات السياسية جامعة اخلرطوم الطبعة األوىل ع 1990 م ص 489.

168 التاسع عشر على التوسع يف أعايل النيل ومنع أية دولة من االقرتاب من هذه املناطق حىت يتسىن هلا مد خط السكك احلديدية من مشال القارة إىل جنوهبا فيما أطلق علية خط حديد 405 الكيب_ القاهرة. مل يكن للسودان قبل فتحه يف عهد حممد علي مقومات الدولة احلديثة حيث أن تلك املنطقة كانت تضم عددا من املمالك املتحاربة واملنقسمة على نفسها إىل أن ض مت إىل األراضي املصرية حيث أصبح السودان مبلحقاته األفريقية اليت تسيطر عليها القوات املصرية ي كون مع مصر دولة كربى حتت حكم أسرة حممد على خالل الفرتة من 1820 م إىل 1880 م وحىت قيام الدولة املهدية 1881 م واليت أعقبها صدور القرار الربيطاين عام 1884 م بإخالء السودان من اجليوش املصرية وبعد االحتالل الربيطاين ملصر عام 1882 م أعادت القوات الربيطانية واملصرية فتح السودان عام 1898 م ومت توقيع اتفاقية احلكم الثنائي سنة 1899 م حيث تضمنت تعيني احلدود الشمالية للسودان مع مصر واليت مل تكن حمددة خالل فرتة حكم أسرة حممد علي املمتدة من عام 1820 م وحىت عام م. ولقد ظلت هذه احلدود بني مصر والسودان هادئة لفرتة طويلة من الزمن ولكن يف بعض األحيان كانت تظهر على سطح العالقات بني البلدين مظاهر التوتر بشأن هذه احلدود ولكنها سرعان ما هتدأ بعد أن تزول األسباب احلقيقية الدافعة هلذا التوتر وغالبا ما كانت ألسباب داخلية بعيدة عن احلدود وقد ظهر هذا جليا يف فرتة ما بعد استقالل السودان م على وجه اخلصوص. أصل وتطور المشكلة: 405 عبد اهلل عبد الرازق إبراهيم الجذور التاريخية للحدود السياسية إعمال ندوة مثلث حاليب رؤية تنموية متكاملة معهد البحوث والدراسات األفريقية جامعة القاهرة 1998 ص السعيد إبراهيم البدوي السودان دراسة في العالقات المكانية مرجع سابق ص 65. السعيد إبراهيم البدوي املرجع نفسة ص 65.

169 قبل االستعمار الربيطاين مل يكن هناك فاصل بني مصر والسودان إال بعد ما حدد اتفاق 19 يناير م بني مصر وبريطانيا احلدود السياسية بني مصر والسودان خبط عرض 22 حبيث أصبح احلد السياسي بني البلدين وعلى أساس هذا االتفاق مت حتديد خط مستقيم يتبع خطا فلكيا ومهيا ويقطع طبيعيا وبشريا بني الشمال واجلنوب وكان إبرام هذا االتفاق على أن يطلق لفظ السودان يف هذا الوفاق على مجيع 409 األراضي الكائنة جنويب الدرجة الثانية والعشرين من خطوط العرض وهي : أوال: األراضي اليت مل ختلها قط القوات املصرية منذ عام ثانيا: األراضي اليت كانت حتت حكم احلكومة املصرية قبل ثورة السودان األخرية وفقدت منها وقتها مث افتتحتها اآلن حكومة جاللة امللك واحلكومة املصرية باالحتاد. ثالثا: األراضي اليت قد تفتحها باالحتاد احلكومتان املذكورتان وبعد شهرين من توقيع االتفاق أي يف مارس مت استثناء سواكن اليت مل تدخلها القوات املصرية قط إبان الثورة املهدية من اخلضوع لإلدارة الثنائية. وقد أصدر وزير الداخلية املصري بني عامي 1902 م 1907 م قرارات إدارية بوضع بعض املناطق حتت اإلدارة السودانية دون أن يؤثر ذلك على سيادة مصر عليها حيث اختذت هذه القرارات تسهيالت للخدمة 410 اإلدارية بالنسبة للقبائل اليت تعيش يف مناطق احلدود وبالتايل خضعت منطقة حاليب وبعض املناطق مشال خط عرض 22 درجة مشاال منذ ذلك احلني لإلدارة السودانية وليس للسيادة السودانية واجلدير بالذكر أن السودان كان يقع آنذاك حتت احلكم املصري وقد أقر الدستور املؤقت الذي صدر عام 1953 م يف السودان هذا الوضع أمحد محروش كفاح مشتر مرجع سابق ص 236. مسري املنقباوي التطور المركزي الدولي للسودان القاهرة 1985 ص حممود متويل وحممد ابو العال الجغرافيا السياسية القاهرة د.ت ص

170 411 وهكذا يمكن أن نحدد مالمح الخط بين مصر والسودان على النحو التالي : 22 أوال: أن خط احلدود عبارة عن خط فلكي ومهي أي خط عرض درجة مشاال وميتد من الغرب عند التقاء احلدود املصرية الليبية السودانية يف منطقة جبل العوينات أي عند تقاطع خط عرض 22 درجة مشاال مع خط طول 25 درجة شرقا مث يسري باستقامة كاملة يف اجتاه الشرق حىت يصل إىل ساحل البحر األمحر أي عند تقاطع خط العرض املذكور مع خط طول 66,55 درجة شرقا وال يستثىن من هذا اخلط إال لسان وادي حلفا حيث ميتد خط احلدود إىل الشمال بنحو 25 كيلو مرتا علي جانيب النيل وحىت يصل إىل قرية ادندان املصرية وذلك حىت ال حترم حلفا من امتدادها الزراعي مشاال يف مصر. ثانيا: يالحظ على هذا اخلط واألراضي اليت متر على جانبيه أنه مير بثالث مناطق رئيسية هي مرتفعات جبلية ومنطقة وادي النيل اليت امتدت يف األراضي املصرية لكنها انغمرت مبياه السد العايل واملنطقة الواقعة غرب النيل وحىت احلدود الليبية عند جبل العوينات وهي مناطق نادرة السكان. ثالثا: أن هذا اخلط ميتد إىل مسافة 1280 كيلو مرتا ويبعد عن القاهرة حنو 917 كيلو مرتا واملالحظ هلذا اخلط ال يالحظ أي اختالف يف املعطيات اجلغرافية واألنثروغرافية عند انتقاله عرب هذه احلدود وحيث ال توجد أية 412 اختالفات تذكر يف مظاهر السطح أو يف معامل السكان. رابعا : أن العرف يف ختطيط احلدود يعتمد على وضع عالمات وأسالك شائكة لكن مع احلدود اليت تسري مع خطوط الطول والعرض فيكتفي باالتفاقيات أو عن طريق اللجوء إىل التحكيم والقضاء الدويل مع تسجيل احلدود على خرائط معتمدة. خامسا : يعترب هذا اخلط احلدودي بني مصر والبلدان أقدم احلدود الربية حيث أن خط حدود مصر الشرقية قد مت مبوجب معاهدة 1906 بني مصر وبريطانيا والدولة العثمانية وحدود مصر مع ليبيا مل حتد إال يف عام حممود متويل وحممد ابو العال الجغرافيا السياسية مرجع سابق ص مجال محدان شخصية مصر دراسة في عبقرية المكان القاهرة 1987 ص 490

171 حسب االتفاق الربيطاين االيطايل ويصل اخلط بني مصر والسودان إىل حوايل %49,3 من أمجايل أمجايل حدود مصر ولكن متيزت حدود مصر مع السودان مبا تسمية بالتعديالت ذات الصبغة اإلدارية واليت أدخلت بعد ذلك عقب توقيع اتفاقية احلكم الثنائي ولعل أسباب إدخال تعديالت على حدود مصر اجلنوبية تكمن يف الرغبة حنو مجع القبائل الرعوية اليت تعيش علي جانيب اخلط حتت نظام إداري واحد بقدر اإلمكان وحيث أن القبائل املوجودة واملنتشرة علي جانيب احلدود يف املنطقة الواقعة شرق النيل تنقسم إىل جمموعتني أساسيتني مها جمموعة القبائل البشارية وجمموعة قبائل العبابدة ونظرا الن اجلزء األكرب من قبائل البشارية تعيش على اجلانب السوداين يف حني أن اجلانب األكرب من العبابدة تعيش على اجلانب املصري وقد تقرر توحيد إدارة شئون البشارية املصرية مع مجاعتهم يف 414 السودان مقابل توحيد إدارة العبابدة مع بقيتهم يف مصر. وواقع األمر أن بريطانيا وقد فرضت سيطرهتا على املناطق مشايل وجنويب اخلط بعد فرض احلكم الثنائي وحاولت اقتطاع أي جزء من مصر وضمه إىل السودان فضال عن رغبة بريطانيا يف االستفادة من ثروات اإلقليم مشال اخلط وأخذت تضغط على احلكومة املصرية لفرض هذه احلدود اإلدارية ومن املعروف أن كل اتفاقيات احلدود اخلاصة بالسودان كان الذي يوقع عليها من جانب حكومة لندن ممثل بريطانيا يف القاهرة 1936 سواء كان معتمدا مثل اللورد كرومر عام 1899 أو مندوبا ساميا مثل السري مايلز المسون عام أو 415 سفريا مثل رالف ستيفنسون إذا التعديالت اليت أجريت على خط احلدود تنقسم إىل شقني: يتضمن الشق األول :تعديل مارس 1899 يوليو وتعديل إما الشق الثاني من التعديالت: فيشمل التعديل يف 4 نوفمرب 1902 والذي نص على إخضاع املنطقة الواقعة يف الركن اجلنويب الشرقي ملصر املتامخة للبحر األمحر واليت مجال محدان شخصية مصر دراسة في عبقرية المكان مرجع سابق ص 490 عبد اهلل عبد الرازق إبراهيم الجذور التاريخية للحدود السياسية مرجع سابق ص 141. عبد اهلل عبد الرازق إبراهيم املرجع نفسة ص 141.

172 عرفت مبثلث أو قطاع حاليب لإلدارة السودانية حىت تتوحد قبائل البشارية مشال اخلط وجنوبه وأيضا قرار وزير الداخلية يف نفس التاريخ بشان منطقة أخرى تقع إىل اجلنوب من خط عرض 22 درجة مشاال وتعرف مبثلث جبل بارتازوجا وميثل منطقة صحراوية جافة وتنحصر بني النهر وخط مستقيم ميتد من جبل بارتازوجا يف اجلنوب إىل بلدة كوريكو الواقعة علي هنر النيل إىل الشمال من خط العرض إخضاع قبائل العبابدة السودانية لإلدارة املصرية. والغرض األساسي هو بعد استقالل السودان عام 1956 م وانتهاء اإلدارة الثنائية رأت مصر إرجاء حبث املسائل املعلقة بينهما إىل فرص أخرى مواتية بعد أن يستقر الوضع السياسي يف السودان وهتدأ الظروف اليت صاحبت عملية االستقالل بانعكاساهتا على عالقات البلدين إال أن احلكومة السودانية دأبت على اختاذ إجراءات تعين سعيها إىل نقل هذه املناطق من سيطرهتا اإلدارية إىل سيادهتا السياسية اإلقليمية رغم الوضع املستقر عليه ورغم تنبيه مصر 417 املستمر هلا يف ذلك. موقفكل من السودان ومصر تجاه مشكلة الحدود: وتتمثل وجهات النظر القانونية للبلدين وأسانيد كل منهما يف القضية بالتايل: وجهة النظر السودانية: تشمل أسانيد السودان يف إهناء سيادته على املناطق املتنازع عليها فيما يلي: أن اتفاقية سنة 1899 م املوقعة بني مصر وبريطانيا اليت حددت حدود البلدين ال تلزم السودان باعتباره مل يكن طرفا فيها. 416 امحد الرشيدي الحدود الجنوبية لمصر مركز الدراسات السياسية كلية االقتصاد جامعة القاهرة 1993 ص حسام سويلم وفاروق عبد السالم حول مشكلة الحدود بين مصر والسودان مركز البحوث والدراسات السياسية كلية االقتصاد والعلوم السياسية جامعة اخلرطوم الطبعة األوىل 1990 م ص

173 أن القرارات الوزارية اليت صدرت عن وزير الداخلية املصري عامي 1902 م 1907 م قد عدلت اتفاقية عام 1899 م. أن احلدود اإلدارية هي يف واقع األمر ذات األمهية األوىل يف حتديد درجة ما هو إال حتديد عام للحدود. حدود الدولتني وأن خط عرض أنه باستثناء تعديالت بسيطة فإن هذه احلدود ظلت على ما هي عليه منذ قرارات سنة 1907 م م أن احلدود احلالية للسودان واليت ظلت حتت إدارة حكومة السودان املستمرة قد تؤيد نفس االتفاقية املصرية االجنليزية اليت عقدت يف فرباير عام 1953 م ودستور فرتة االنتقال اليت أعقبتها والذي نص على أن أرض السودان ت ضم هلا األراضي اليت كانت تعرف باسم السودان املصري االجنليزي قبل العمل هبذا الدستور. أنه وقت االنتخابات املصرية مبا يف ذلك استفتاء عام 1956 م قامت رئاسة اجلمهورية باستبعاد هذه املناطق على أساس أهنا من السودان يف الوقت الذي أدخلت هذه املناطق يف انتخابات السودان مبا 419 يف ذلك انتخابات احلكم الذايت اليت أجريت حتت إشراف جلنة دوليةكانت مصر ممثلة فيها. أن رئيس وزراء السودان قد أوضح لدوليت احلكم الثنائي يوم استقالل السودان يف أول يناير 1956 م أن السودان حيتفظ حبقه يف عدم التقيد بأي معاهدة أو اتفاقية أبرمت نيابة عنه قبل االستقالل إال إذا صدقت عليها حكومة السودان بعد االستقالل. وجهة النظر المصرية: تتمثل وجهة النظر املصرية فيما يلي: حسام سويلم وفاروق عبد السالم حول مشكلة الحدود بين مصر والسودان مرجع سابق ص حسام سويلم وفاروق عبد السالم املرجع نفسة ص 462

174 أن احلدود السياسية بني البلدين قد رمستها اتفاقية عام 1899 م وهي اتفاقية دولية واجبة االحرتام على السودان وال يغري من الوضع ذلك التصريح الذي أصدرته حكومته يف مستهل االستقالل "بعدم تقيدها مبعاهدات سابقة إلبرامها على استقالله إال إذا أقرها " فهو تصريح من جانب واحد وغري ملزم دوليا. أن هذا احلد هو خط بني احلكومتني. 22 درجة وأن أي تعديل يف هذه احلدود جيب أن يتم باتفاق دويل صريح أن الذي مت عام 1899 م بالنسبة للتنظيم اإلداري لبعض املناطق املتنازع عليها ال يزيد عن جمرد قرار أصدره وزير الداخلية وهو ال ميلك أن يتحدث عن احلكومة املصرية يف الشئون الدولية أو أن يقيد احلكومة املصرية يف شاهنا وإمنا قصد هبذا القرار أن يكون تنظيما إداريا صرفا. أن ابلغ دليل على ذلك ما مسى باتفاق سنة 1902 م وهو أيضا قرار من وزير الداخلية يتحدث عن مناطق عربان السودان ومصر ويعىن بوضع ترتيبات تنظيم عملية اإلشراف اإلداري من الدولتني. الرأي السوداين بأنه أكتسب السيادة على هذه املناطق مبباشرة سيادته عليها منذ 86 سنة مرفوض ألنه مل يكن يتمتع بسيادة فعلية قبل استقالله يف أول يناير 1956 م وكانت السيادة من قبل 420 احلكومة املصرية وينوب عنها يف اإلدارة حكومة السودان الثنائية باالشرتاك مع بريطانيا. المشكلة الثانية: أزمة حاليب: 420 حسام سويلم وفاروق عبد السالم مرجع سابق ص 465.

175 تشغل منطقة " مثلث حاليب" موقعا اسرتاتيجيا هاما بالنسبة للدولة املصرية فهي متثل بوابة مصر اجلنوبية مع شرق السودان ومدخال طبيعيا إىل اجلنوب كما متتد املنطقة على ساحل البحر األمحر- قبالة اململكة العربية السعودية وإقليم احلجاز-كما توضح اخلريطة التالية. وتتميز املنطقة بأهنا منطقة صحراوية جافة نادرة املطر ويؤدي اجلفاف وندرة املطر إىل خلو السطح من النبات مما يؤدي بدوره إىل شدة احلرارة وزيادهتا بالنهار وفقداهنا السريع بالليل وتتميز بتواجد العديد من احليوانات الربية املصرية ومنها أنواع نادرة مثل املاعز اجلبلي والغزال املصري والعقارب الشارية وتتميز املنطقة بالتنوع 421 الشديد يف حمتواها الصخري وتراكيبها اجليولوجية وثرواهتا املعدنية. وقد ظل الوضع اإلداري هلذه املنطقة املصرية ال ميثل مشكلة ملصر ناهيك عن السودان يف ظل الوضع اخلاص والعالقات اخلاصة اليت كانت تربط بني البلدين وتطلعاهتما للوحدة غري أن هذا الوضع صار مشكلة تطل برأسها بني احلني واألخر لتعكر صفو العالقات املتميزة أو لتزيد يف أحيان أخرى من معدل التدهور يف العالقات. وقد ساعد على بروز املشكلة إىل حيز التأثري يف جمرى العالقات املصرية السودانية عدة عوامل كانت بدايتها استقالل السودان عام 1956 وتغري أسس العالقة بني البلدين فضال عن تنامي نزعات غري ودية لبعض حكومات السودان إزاء مصر وارتباطاهتا الدولية غري النزيهة األمر الذي جعل لبعض األطراف اخلارجية دور يف إثارة النزاع حول حاليب بني السودان ومصر خاصة يف فرتات فتور العالقات أو تدهورها إىل احلد 422 الذي أصبح اخلالف بني البلدين حول حاليب ميثل " ترمومرتا" للعالقات املصرية السودانية بوجه عام. 421 شيم حامد عبد احلميد اجلرف مشكلة الحدود الجنوبية الشرقية لمصر دراسة قانونية دولية رسالة ماجستري يف القانون الدويل كلية احلقوق جامعة القاهرة 2008 ص 4. موقع منطقة حاليب أنظر املالحق ص وزارة اخلارجية املصرية محفظة رقم 14 تقرير 11 بعنوان الموقف السياسي في السودان حىت 1957/4/1.

176 فقد أم لت اخلارجية املصرية وإدارة الشئون األفريقية بصفة خاصة يف مارس 1957 م يف أن تعود حاليب إىل 423 مصر مبا فيها معادن ومبن عليها من مواطنني والؤهم ملصر ومما أسهم يف إثارة األزمة ما تردد عن شائعات حول إنشاء قاعدة أمريكية يف منطقة حاليب املصرية أو جنوهبا ليكون للواليات املتحدة بذلك ثالث قواعد متحكمة) الظهران- مصوع- حاليب( وتكهنت إدارة الشئون األفريقية باخلارجية املصرية بأن حكومة السودان متشيا مع الرأي العام قد تلجأ إىل القول بأن إنشاء مطار يف هذه املنطقة هو ألغراض البحث والتنقيب وأهنا أمنا قصدت بذلك حتقيق مصلحة السودان االقتصادية على غرار ما فعلته اململكة العربية السعودية حني قبلت إنشاء قاعدة الظهران وتأجريها للواليات املتحدة األمريكية لذلك رأت إدارة الشئون األفريقية املصرية ضرورة دراسة مسألة احلدود بني مصر والسودان حىت ال تقام على ارض مصرية قاعدة أمريكية وحىت ال تدفع 424 مصر تعويضا عند إنشاء السد العايل على ارض مصرية بوصفها غري مصرية. وقد نشأ مثلث حاليب موضع النزاع مبقتضى قرار وزير الداخلية املصري الصادر 1902/11/4 أي بعد ما يقرب من أربع سنوات على اتفاقية احلكم الثنائي طبقا هلذا القرار مت وضع املنطقة الواقعة يف الركن اجلنويب الشرقي ملصر واحملاذية لساحل البحر األمحر واملثلث الذي يشكل منطقة حاليب يبلغ وفق التحديد حنو 18 2 إلف كم ويقدر عدد سكانه عام بنحو نسمة ينتمون إىل قبائل البشارين والعبابدة وأعداد قليلة من قبائل اخرى والبشاريون يشملون أغلبية السكان يف اإلقليم )%70( وهم ينتمون 425 عرقيا إىل الكتلة البشاريه اليت تضرب يف مناطق شرق السودان ومن هنر عطرية حىت احلدود املصرية وهم بدورهم جزء من مجاعات البجة اليت تسكن يف مناطق متتد من جنوب مصر حىت اريرتيا وتعمل قبائل البشاريه مروة أمني حممد مصطفي العالقات السودانية البريطانية من م مرجع سابق 128. وزارة اخلارجية املصرية محفظة رقم 14 تقرير 11 بعنوان الموقف السياسي في السودان مرجع سابق. يوسف ابو قرون لمحات عن حياة وعادات قبائل السودان الكبرى اخلرطوم 1969 ص ص

177 بالصيد والرعي كذلك جتارة اإلبل كما يعمل بعضهم يف مناطق الذهب بوادي العالقي ورغم فقرهم عموما 426 فقدكانوا ايسر حاال نسبيا من غريهم وخاصة قبائل العبابده. إن املالبسات اليت أحاطت بعملية تقرير املصري يف السودان وما صاحبها من هجمات إعالمية متبادلة بني البلدين وما أسفرت عنه من تصميم السودان على اختيار بند االستقالل وختلي االحتاديني عن مبدأهم الرئيسي وهو االحتاد مع مصر كل هذه األوضاع اجلديدة سامهت يف تبديد أحالم الوحدة "وحدة وادي النيل" ووضعت كل بلد على طريق خمتلف. والواقع أن حكومة الثورة املصرية مع هذا سلمت بنتائج الوضع اجلديد ألنه سواء االحتاد مع مصر أو االستقالل كالمها يؤدي إىل إخراج بريطانيا وكان هذا اهلدف 427 مبثابة اهلدف الرئيسي للثورة املصرية يف ذلك الوقت. وقامت حكومة الثورة يف مصر جبهد كبري من أجل إتاحة الفرصة كاملة للشعب السوداين لكي يقرر مصريه وحرصت مصر على أن تتضمن وثيقة االستقالل استمرار حكومة السودان يف احرتام املعاهدات اليت عقدت يف ظل دوليت اإلدارة الثنائية ويف ذلك الوقت اشتكى مدير شركة التعدين بعد زيارته إىل منطقة علبة يف األراضي املصرية التابعة إداريا لإلدارة السودانية إذ قال بأن األهايل رفضوا تداول العملة املصرية مما يسبب حرجا إزاء التزامات الشركة هذا على الرغم من أن العملة املعدنية الفضية املصرية هي اليت يقبلوهنا السيما وإهنا ال تزال متداولة يف السودان وأهنم اضطروا إىل التعاقد مع مائة وثالثني عامال مصريا تالفيا ملتاعب تداول 428 العملة. 426 John Boll, The Geography and Geology of South Eastern Egypt, Cairo, pp حممد حممد امحد كرار األحزاب السودانية والتجربة الديمقراطية دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع اخلرطوم 1986 ص سعيد سيد أمام العالقات الدولية بين مصر والسودان 1964 رسالة دكتوراه غري منشورة كلية التجارة جامعة القاهرة 1967 ص 315.

178 29 ويف مطلع عام 1958 م ويف ذروة املعركة االنتخابية تلقت احلكومة السودانية يف يناير مذكرة من احلكومة املصرية حلكومة عبد اهلل خليل يف السودان تفيد وتطالب بتسليم منطقيت حلفا وحاليب إىل اإلدارة املصرية وقد أرسلت احلكومة املصرية مذكرة إىل احلكومة السودانية بعد صدور قانون تقسيم الدوائر االنتخابية السودانية وأبانت املذكرة املصرية أن التقسيم يف هذه املنطقة يشمل أراض تقع حتت السيادة املصرية وإن هذا 429 اإلجراء يعترب اعتداء على السيادة املصرية. إال أن احلكومة السودانية مل ترد على هذه املذكرة فأرسلت احلكومة املصرية مذكرة أخرى تؤكد فيها على حقوق مصر يف مثلث حاليب وت علم السودان بأن احلكومة املصرية مبوجب سلطاهتا السيادية ستشرع يف دعوة السكان املصريني حباليب للمشاركة يف االستفتاء على قيام اجلمهورية العربية املتحدة وعلى رئاسة اجلمهورية اجلديدة ومن هنا احتد ت األزمة بني البلدين ومت تبادل االهتامات والتهديدات ووصل األمر إىل حد حتريك السودان لقواته جتاه املنطقة حيث أكد وزير خارجية السودان حممد أمحد حمجوب حينما جاء يف زيارة 430 سريعة للقاهرة هبذا اخلصوص وسأله الرئيس عبد الناصر عن مدى صحة حتريك القوات السودانية فقال : "نعم قواتنا حتمل تعليمات أكيدة بإطالق النار على كل من جياوز احلدود... إننا مصممون على عدم التخلي عن شرب واحد من تلك الصحراء القاحلة الرملية والصخرية السوداء إال بعد إراقة الدم مبقدار 10 مرات وزهنا" وهنا رد زكريا حمي الدين نائب رئيس اجلمهورية الذي حضر اجللسة" إننا مل ننب جيشنا من أجل 431 مقاتلة السودان". 429 معاذ امحد تنقو نزاع الحدود بين السودان ومصر مثلث حاليب ونتوء وادي حلفا في ضوء القانون الدولي دار جامعة اخلرطوم للنشر اخلرطوم 2005 ص حممد امحد حمجوب الديمقراطية في الميزان - تأمالت في السياسات العربية و األفريقية دار جامعه اخلرطوم للنشر اخلرطوم 1989 ص حممد امحد حمجوب الديمقراطية في الميزان مرجع سابق ص

179 ويف تلك األثناء كانت األزمة قد تطورت على حنو سريع فقامت احلكومة املصرية بإرسال جلنة الستفتاء املنطقة وبرفقتها وحدة صغرية من حرس احلدود لتمكينها من القيام بعملها غري أهنا واجهت تعنت السلطات السودانية وأكثر من ذلك قامت حكومة عبد اهلل خليل بتصعيد األزمة بعرض النزاع على املنظمات 432 الدولية. وطلبت السودان من أمني اجلامعة العربية بذل املساعي احلميدة حلل النزاع وعقدت اجلامعة اجتماعا طارئا ملناقشة هذا الوضع كما قام جملس األمن بعقد اجتماع طارئ لبحث األزمة وظل النزاع مدرجا على جدول أعمال جملس األمن حىت عام 1972 حيث طلبت وزارة اخلارجية السودانية شطبه من جدول أعماهلا إال أنه يف بيان األمني العام لألمم املتحدة يف 1986 حول املوضوعات املدرجة يف جدول أعمال اجمللس تبني أن الشكوى ال تزال مدرجة ومما يؤكد ذلك إبالغ السيد عبد السميع زين الدين مدير إدارة السودان 1992 باخلارجية املصرية- جلنة الشؤون اخلارجية مبجلس الشعب املصري يف 24 فرباير أن شكوى السودان مل 433 يتم سحبها وأن السودان يقوم بتجديدها سنويا. على أي حال تبع هذا اإلجراء يف عهد عبد الناصر إرسال احلكومة املصرية جلان االستفتاء بني مصر وسوريا إىل املناطق املتنازع عليها فقامت السلطات السودانية باحتجازهم وحينما أمهلت احلكومة السودانية الرد على هذه املذكرة تقدمت احلكومة املصرية مبذكرة تفيد مبوعد حترك جلان االستفتاء بصحبة شرطة من بوليس احلدود كما أوضحت إن أي ادعاء بأن املناطق مشال خط 22 مشاال ضمن احلدود ليس له سند إذ إن احلدود مبوجب اتفاقية م خط مشاال وقد نص دستور السودان املؤقت على أن حدود السودان 434 املستقل هي حدود السودان اإلجنليزي املصري فيصل عبد الرمحن حاليب وحنيش مقاالت في القانون الدولي العام مركز عبد الكرمي مريغين الثقايف اخلرطوم 2000 ص 78. فيصل عبد الرمحن املرجع نفسة ص 78. الفاتح الشيخ يوسف العالقات السودانية المصرية من م مرجع سابق ص 188.

180 إن الود املفقود بني حزب األمة وقيادته يف ذلك الوقت وبني مصر كانت حبق أهم األسباب يف إشعال األزمة والضجيج الذي صاحبها ولعل حكومة حزب األمة برئاسة عبد اهلل خليل سعت إىل هذا التصعيد جلذب أنظار الشعب السوداين ألزمة خارجية لصرف انتباهه عن األزمات الداخلية اليت برزت يف إعقاب االستقالل كما هدف حزب األمة إىل استخدام األزمة مع مصر كورقة لكسب مزيد من األصوات يف االنتخابات الربملانية السودانية كما كان دور األطراف اخلارجية واضحا وقد زادت املسالة توهجا وزادت العالقات توترا حينما قام بعض الصحفيني من جريدة األيام السودانية بعمل حتقيق ميداين عن املنطقة ابرزوا فيه أخبارا تفيد بأن املصريني احتلوا املنطقة السودانية" منطقة أبو رماد" وأن العلم املصري يرفرف عليها 435. هنا أعلن حزب األمة حالة احلرب والتعبئة املعنوية وحاول إيهام الصحافة العاملية بأن مصر قادمة لغزو السودان كما صدرت أوامر باعتقال اجلنود املصريني الذين كانوا حيرسون صناديق االنتخابات يف وادي حلفا حيث كان قد مت إرسال جلان انتخابية أيضا إىل هذه املنطقة إلثبات أن حوهلا نزاعا وأن مصر ترى أهنا تابعة هلا غري أن الرئيس عبد الناصر قد أمر بسحب اجلنود كما اتفق مع وزير خارجية السودان حممد حمجوب يف القاهرة علي هتدئة األزمة وتأجيلها إىل ما بعد االنتخابات على أن حتل بعد ذلك إما يف إطار املفاوضات 436 املباشرة بني الطرفني أو عن طريق التحكيم. وقد أحرز حزب األمة نصرا مؤزرا يف االنتخابات استفادة من األزمة بل أن احلكومة السودانية قامت بعمل استفزازي يف أعقاب انتهاء األزمة احلدودية حيث احتجزت باخرة نيلية وعوامتني تابعتني ملصر مشال مدينة حلفا مع العلم أن نقطة اجلمارك السودانية تقع يف وادي حلفا ومل يكن هناك رد فعل مصري جتاه 437 احلادث ووردكخرب عادي يف الصحف املصرية حممد حممد امحد كرار األحزاب السودانية والتجربة الديمقراطية مرجع سابق ص حممد حممد امحد كرار املرجع نفسة ص غادة خضر حسني زايد التسوية السياسية للنزاع المصري السوداني بشأن مثلث حاليب رسالة ماجستري غري منشورة كليه 437 االقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة 2000 ص 148.

181 وعلى أي حال فقد استقرت األمور وهدأت املشكلة بني اجلانبني على هذا النحو خاصة بعد أن مت إقصاء حكومة عبد اهلل خليل علي يد اجليش يف انقالب 58/11/17 إذ استلمت حكومة الفريق عبود السلطة يف اخلرطوم وبدأت املياه تعود إىل جماريها يف العالقات املصرية السودانية ويف ظل هذه األجواء الودية مت التوصل إىل االتفاقية املصرية السودانية اخلاصة باالنتفاع مبياه النيل يف 8 نوفمرب ظلت احلالة قائمة على ما هي عليه منذ عام 1958 حىت أوائل التسعينات حىت جتدد النزاع مرة أخرى وظل التواجد املصري مستمرا يف اإلقليم مبظاهره املختلفة الدالة على حقوق السيادة من قبيل إصدار الرتاخيص للشركات واألفراد املصريني وغري املصريني بل والسودانيني للعمل يف جماالت التعدين والتنقيب يف املنطقة والنشاط التعديين املستند إىل تراخيص البحث عن املعادن واستغالل املناجم بالشركات واألفراد املصريني واألجانب )82 ترخيصا وعقودا حىت عام 1980(. وقد أصدرت السلطات السودانية بعض الرتاخيص منذ عام 1958 وعرقلت وحددت نشاط بعض الشركات املصرية عام 1972 كشركة النصر للفوسفات املصرية وهي إحدى الشركات اليت تعترب استمرارا لشركة علبة املصرية للتعدين ( اليت مارست نشاطها يف املنطقة منذ عام 1954( ومع هذا ظلت شركة النصر تعمل حىت مت إيقاف تصدير إنتاجها من املنجنيز 1985 باإلضافة إىل إنشاء معسكرات ونقط مراقبة يف نقطة عام املنطقة ومت اصدر بطاقات متوين لعدد كبري من سكان املنطقة )5000 بطاقة( فضال 439 عن البطاقات الشخصية املصرية. إما اجلانب السوداين فقد دأب علي ممارسة اختصاصات ونشاطات يف اإلقليم تفوق االختصاصات اإلدارية مثل ممارسة العملية االنتخابية يف اإلقليم خاصة االنتخابات اليت جرت يف الفرتة االنتقالية ) ( حيث مل تعرتض عليها مصر رمبا للطبيعة اإلدارية هلذه االنتخابات أو لظروف العالقات بني البلدين حممود ابو العينني أزمة حاليب والعالقات المصرية السودانية رؤية سياسية إعمال ندوة مثلث حاليب رؤية تنموية متكاملة 438 القاهرة 1997 ص حسام سويلم مشكله الحدود بين مصر والسودان مرجع سابق ص 10-9.

182 يف هذه الفرتة احلرجة وإصدار بعض الرتاخيص لشركات سودانية وأجنبية للتنقيب عن البرتول واملعادن كشركة كاليفورنيا عام 74 وشركة تكساس ايسرتن 81 باإلضافة إىل طبع خرائط سودانية جتعل من اخلط اإلداري هو اخلط السياسي ورفع وضع املنطقة يف التنظيم اإلداري احمللي حيث مت حتويل نقطة شرطة حاليب ورفعها إىل 440 مركز شرطة وتعيني رئيس جمللس املدينة أو مساعد حملافظة البحر األمحر السودانية منذ وهكذا يف ظل مرحلة االستقالل فإن بوسع من يتتبع مراحل تطور النزاع املصري السوداين حول حاليب أن يتوصل إىل عدة عوامل حمددة هامها: 1. ينشب النزاع ويتصاعد يف حالة وصول حكومات مناوئة ملصر إىل سدة احلكم يف اخلرطوم أو على األقل ال حتمل ودا وال تسعى لتعاون مع القاهرة تلك هي البداية عادة وغالبا ما تكون اإلجراءات اليت تتخذها احلكومة السودانية هي الشرارة اليت تشغل النزاع وتفجره ولعل أمثلة ذلك: حكومة عبد اهلل خليل وحزب األمة خالل أزمة يستقر النزاع حول احلدود يف حاليب ويهدأ يف فرتات استقرار العالقات بني كال الدولتني وخاصة حينما يكون مثة قدر مشرتك من التفاهم والتعاون بني حكوميت البلدين فنالحظ أن أحدا مل يسمع عن النزاع أثناء حكومة الفريق عبود أثناء حكم وال جعفر منريي يف كل احلاالت تسعى مصر وهي تدير النزاع حول حاليب إىل عدم تدويل النزاع والسيطرة عليه وضبطه يف اإلطار الثنائي حفاظا على خصوصية العالقات بني البلدين من جهة وحتديدا لدور األطراف اخلارجية اليت قد ترى النزاع فرصة إلثارة اخلالفات بني البلدين وإشعاهلا من جهة أخرى. وحاولكل من الطرفني عرض وجهة نظره يف هذا املثلث وهو ما نستعرضه على النحو التايل: 440 حسام سويلم املرجع نفسة ص 10-9.

183 وجهة النظر السودانية: احليازة الفعلية هلذه املناطق منذ اتفاق احلكم الثنائي وتعديالته التالية واعتبار عامل التقادم 441 وحكم املنطقة طوال هذه الفرتةكافيا بأحقية السودان للمنطقة. يرى السودان أن هذه التعديالت قد أقرهتا ووافقت عليها وقبل املصريون باستمرار اإلدارة السودانية هلذه املناطق طوال هذه الفرتة وهو دليل قوي حسب وجهة نظرهم يف أحقيتهم التارخيية يف حاليب وعدم معارضة املصريني هلذا الوضع التارخيي. يرى السودان أن قدسية احلدود مرياث استعماري أقرته الدول األفريقية يف مؤمتر القاهرة 1964 بشأن احلفاظ على احلدود اليت ورثتها الدول األفريقية من العهد االستعماري ومل تتحفظ مصر على حدودها مثلما فعلت املغرب والصومال. يرى السودان أن التعديالت اإلدارية اليت متت بعد اتفاق احلكم الثنائي كان اهلدف منها احلفاظ على وحدة القبائل وعدم تقسيمها وأن هذا الوضع اليزال قائما ومن مث البد من استمرار احلدود بشكلها احلايل وضم حاليب إىل السودان. أما الجانب المصري فله هو اآلخر وجهة نظر تؤيد حقه يف املنطقة وميكن أن نلخصها على الوجه 442 التايل : يرى املصريون أن التعديالت اإلدارية اليت أصدرها وزير الداخلية كانت من اجل التيسري على القبائل اليت تعيش على جانيب احلدود وبالتايل فهي قرارات إدارية عادية صدرت استجابة لرغبات املسئولني احملليني يف املناطق املتنازع عليها ومل يزد أثرها أكثر من ذلك. 441 Jan Brownlie: African Boundaries A Legal and Diplomatic Encyclopaedia, London,1979 pp Jan Brownlie.op.cit. pp

184 يرى املصريون أنه مل حيدث توقيع اتفاق دويل إلضفاء الشرعية الدولية على هذه التعديالت الن اخلطوط الدولية ال تتم إال مبوجب اعرتاف من خالل معاهدات دولية. ترى مصر إهنا مل تتنازل عن سيادهتا على هذه املناطق الن مصر كانت خاضعة للباب العايل الذي منعها من حق التنازل أو البيع أو الرهن ألي جزء من أراضيها إال مبوافقة 443 السلطان ومل حيدث أن تنازلت مصر عن هذه األجزاء. إن ادعاء السودانيني أن حكم السودان هلذه املناطق طوال نصف قرن يعطيه حق السيادة على حاليب ال أساس له من الصحة الن فكرة التقادم مرفوضة من جانب مصر كما أن قيام دولة بإدارة إقليم نيابة عن دولة أخرى تنازلت هلا عنه مبقابل أو بدونه فإن مثل هذه النيابة ال جتيز هلا ادعاء السيادة على هذا اإلقليم مهما طال األمر. إنه على امتداد الفرتة الزمنية كان الوجود املصري أكثر فاعلية وأكثر استفادة من املنطقة حيث توجد شركة استخراج املعادن يف 1954 وظلت حىت أدجمت مع شركة النصر للفوسفات باإلضافة إىل أن مصر كانت تصدر الرتاخيص وتربم العقود من أجل استغالل الثروة املعدنية. بالنسبة لدور األطراف الخارجية خاصة بريطانيا يف مشكلة حاليب حتديدا ظهر بوضوح الدعم الربيطاين للسودان يف أزمة عام 1958 فعقب إرسال مصر ملذكرات للجانب السوداين أعلن متحدث باسم وزارة اخلارجية الربيطانية بإن حكومة السودان علي اتصال باحلكومة الربيطانية بشان النزاع القائم بينها وبني مصر علي مناطق احلدود وقدمت احلكومة الربيطانية نصائح للسودان فيما يتعلق باإلجراءات اليت جيب إتباعها ونصوص ميثاق األمم املتحدة اليت ميكن االستناد إليها لكن املوقف مل يستمر يف األزمات اليت حدثت بعد 443 غادة خضر حسني زايد التسوية السياسية للنزاع المصري السوداني مرجع سابق ص 199.

185 ذلك يف التسعينات حيث مل تقم بأي دور مساند للسودان ويرجع ذلك إىل طبيعة العالقات املصرية 444 الربيطانية يف اخلمسينات إبان حكم مجال عبد الناصر. وميكن القول أن القوى الدولية مبا فيها بريطانيا والواليات املتحدة األمريكية اختذت موقف مناوئ ملصر يف أزمة حاليب 1958 بسبب طبيعة عالقات هذه القوى بالنظام املصري وقتئذ حتت قيادة الرئيس الراحل مجال عبد الناصر وما يرتبط بذلك من سياسته اخلارجية العربية وأيضا مواقفه املعروفة من القوى الغربية خاصة 445 بريطانيا والواليات املتحدة. وواضح أن كل فريق حاول يف ذلك الوقت إثبات حقوقه التارخيية يف منطقته احلدودية وكل فريق يعتقد أنه على صواب أو قاربه بل وحىت يف االجتماعات اليت عقدها الطرفان أكثر من مرة حلل مشكلة حاليب حياول كل فريق أن يدعم موقفه ويرفض التنازل عن هذا املثلث باعتباره أرضا تابعة لسيادته وهو ما يصعد األمور بل ويصل هبا إىل طريق املواجهة العسكرية األمر الذي يعق د املوقف ويزيد من خطورة الوضع على احلدود بني الدولتني يف وقت يتطلب حل القضية يف إطار توخي املصلحة املشرتكة بني بلدين شقيقني يعيشان على ضفاف وادي النيل منذ آالف السنني. وهكذا ظهر يف التاريخ وألول مرة بني مصر والسودان" احلد" كخط فلكي من خطوط العرض الوضعية إمالء أجنبيا ومل يؤخذ فيه رأي مصري وال سوداين ومل يكتفوا بذلك بل أضافوا معه حدا إداريا وألول مرة يف 446 التاريخ يوجد حدان يف منطقة واحدة واملعروف أن سيادة إي دولة ال حيدها إال حد واحد. مشكلة جنوب السودان المبحث الثاني غادة خضر حسني زايد التسوية السياسية للنزاع المصري السوداني مرجع سابق ص فيليب رفله العالقات التاريخية واالقتصادية بين الجمهورية العربية المتحدة وجمهورية السودان القاهرة 1965 ص 155 فيليب رفله العالقات التاريخية واالقتصادية بين الجمهورية العربية المتحدة وجمهورية السودان مرجع سابق ص 155.

186 ميتد جنوب السودان من دائرة عرض 10 مشاال حىت خط دائرة 3,5 مشال الدائرة االستوائية ويضم إقليمني مها إقليم اهلضاب اجلنوبية الغربية واألقاليم االستوائية الشرقية واألقاليم الغربية مث بدأت حدود السودان تأخذ 1914 شكلها يف أواخر 1913 وأوائل عام بعد أن ضم أجزاء من جنوب السودان إىل أوطان املاندي واللوجباري إىل أوغندا بينما ضمت أراضي الباري والالتوكا إىل السودان الن الضفة اليمين لنهر النيل خط العرض مخسة كانت تدار من أوغندا مبركزها يف غندكرو إما احلدود الغربية للسودان مع تشاد وإفريقيا الوسطى فقد جرى ترسيمها باالتفاق بني بريطانيا وفرنسا يف اتفاقية وميتاز اإلقليم اجلنويب بالعديد من الثروات املعدنية الطبيعية كالنحاس والذهب واحلديد وأخريا تبشر احلفائر جبود البرتول يف جنوب السودان ونظرا لتخلف االقتصاد السوداين وصعوبة املواصالت بني الشمال واجلنوب فقد حدث تباين يف الوضع االقتصادي وبينما انطلق السودان الشمايل يف تطوير اقتصادياته الزراعية نسبيا بقي اجلنوب على حاله مما زرع يف نفوس اجلنوبيني احلقد جتاه الشماليني وكان أحد األسباب الرئيسية يف 448 الصراع الدائر بني اجلنوب والشمال. إما بالنسبة للثروة احليوانية فيعتمد السكان يف اإلقليم اجلنويب على حرفة الرعي وتقوم الصناعة يف اجلنوب على الصناعات الصغرية ومعظمها زراعي يف مظهره مثل النسيج والغزل اليدوي ودباغة جلود األغنام واملاعز وصناعة الفخار البدائي ومعظمها صناعات يدوية إما بالنسبة للزراعة فتعترب األراضي يف جنوب السودان من أميز وأجود الراضي خصوبة لكثرة مياه الري حيث روافد هنر النيل واألمطار واأليدي العاملة ويساعد على عدم استفادة السودان من مساحته ض عف وسائل النقل واملواصالت إذ البد من وجود رابط قوي بني املركز 447 حممد عوض حممد السودان سكانه وقبائله القاهرة 1951 ص 62. عبد القادر إمساعيل جنوب السودان صراعات الحرب وصراعات السالم دور األحزاب السياسية مكتبة 448 مدبويل القاهرة 2011 ص 8.

187 والنواة وبني األطراف وإال كانت هذه األطراف عرضة لالختطاف من الدول اجملاورة أو على األقل ضعف 449 اتصال السكان بعضهم ببعض مما خيلق فجوة أو فجوات وهذا ما حدث بالنسبة جلنوب السودان ومشاله. وينقسم اجلنوب السوداين إداريا إىل عشر واليات وهي: أعايل النيل الوحدة مشال حبر الغزال غرب حبر الغزال غرب االستوائية واراب البحريات شرق االستوائية جونقلي حبر اجلبل وتبلغ مساحة هذه الواليات حوايل 700 ألف كيلو مرت مربع أي ما يعادل قرابة ربع مساحة السودان ومن هنا جاءت أمهية املشكلة اليت مثلت شوكة يف خصر احلكومات السودانية املتالحقة وعائقا يف طريق التطور واإلصالح مبختلف 450 جماالته. ويعد اجلزء اجلنويب من السودان مفتاحا إىل القارة اإلفريقية كلها ولذلك سعى االستعمار للسيطرة على السودان وخاصة اجلزء اجلنويب منه وكان له يف ذلك عدة طرق منها الذهاب هناك حبجة الكشف اجلغرايف ومرة حبجة البحث عن املناجم واملعادن وغري ذلك من الطرق واألساليب اليت هتدف يف النهاية إىل السيطرة على السودان ولقد كان "غوردن" احلاكم الربيطاين للمديرية االستوائية الذي جاء خلفا لبيكر أول من جاهر بفصل 451 جنوب السودان عن مشاله وذلك يف مذكرة رمسية بعث هبا إىل اخلديوي إمساعيل يف ذلك الوقت. وكانت أول بذور لنشر التفرقة بني الشمال واجلنوب عند إلغاء جتارة الرقيق أهنم أشاعوا أن العرب هم الذين أوجدوا هذه التجارة وذلك حىت خيلقوا جوا من النفور بني السودانيني من أبناء القبائل يف جنوب السودان وإخواهنم العرب يف الشمال متناسني أن منشأ هذه التجارة ورواجها كان على يد القراصنة األجانب واملستعمرين األوربيني ولقد أراد االستعمار أن يفصل اجلنوب عن الشمال وأن يضم جنوب السودان نيفني حممود امحد شعبان موقف أثيوبيا من مشكله جنوب السودان رسالة ماجستري غري منشورة قسم 449 التاريخ معهد البحوث والدراسات األفريقية جامعة القاهرة 2013 ص 3. هبة مسري احلسيين القيادة السياسية السودانية ومشكله جنوب السودان)دراسة لفترة حكم الرئيس البشير من ( رسالة ماجستري غري منشورة كليه االقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة 2010 ص 37. حممد املعتصم جنوب السودان في مائة عام القاهرة 1972 ص 34.

188 للمستعمرات الربيطانية يف وسط إفريقيا وشرقها وأن يسيطر على وادي النيل من منبعه إىل مصبه وأن يتحكم يف موارده لصاحل االقتصاد الربيطاين ولقد رأت اإلدارة الربيطانية أن تفصل جنوب السودان عن مشاله حىت ال تنقل إليه عدوى االنتفاضات الوطنية وبالتايل تنتقل هذه العدوى إىل املستعمرات الربيطانية يف وسط وشرق 452 إفريقيا. إن مشكلة جنوب السودان من املشاكل املزمنة وهي ترجع لعوامل تارخيية وعرقية وثقافية وقد ساعد على تعميقها قوى أجنبية ولذلك خيطئ من يتصور إن املشكلة وليدة اليوم أو األمس ففي الفرتة اليت سبقت الفتح املصري الرتكي للسودان كانت منطقة اجلنوب يف السودان تعيش يف حالة تسيطر عليها الفوضى واحلروب القبلية إذ كانت القبائل القوية مثل االزائدي والدنكا تسيطر على القبائل الضعيفة وتقهرها. ومع دخول السودان يف ظل احلكم املصري الرتكي منذ عام 1820 م فإن هذه األوضاع سرعان ما انتهت ذلك أن هذا احلكم قد أقام سلطة مركزية يف السودان ككل ألول مرة مع استتباب األمن يف ربوع 453 البالد وقد اتسمت هذه الفرتة بعدة مسات سامهت يف زيادة التوتر والتنافر مع سكان اجلنوب أمهها انتشار جتارة الرقيق الذي كان حمدودا يف البداية مث اتسع نطاقه بعد دخول التجار األوربيني ومساعديهم من العرب إىل إقليم اجلنوب. 454 كما متيزت أيضا ببدء حتركات بعثات التبشري يف مناطق السودان واليت كانت موجهة خصيصا لسكان اجلنوب وغريهم يف األقاليم البعيدة عرقيا عن الوسط والشمال السوداين حيث كان الدين اإلسالمي والثقافة العربية هلما السيادة وهدفت سياسة التبشري هذه إىل حتويل اجلنوب ملوقع رئيسي ملواجهة اإلسالم 452 حممد املعتصم املرجع نفسة ص إبراهيم نصر الدين االندماج الوطني في أفريقية والخيار السوداني معهد البحوث والدارسات األفريقية جامعة القاهرة 1983 م ص 16. عبد امللك عودة مستقبل جنوب السودان بين وحدة الدولة او االنفصال جملة السياسة الدولية العدد 109 القاهرة يوليو ص 192.

189 ونقطة لفتح الطريق إىل وسط وشرق أفريقيا حىت ميكن التمركز داخل القارة ملواجهة املد اإلسالمي القادم عرب 455 احمليط اهلندي ومن سواحل أفريقيا الشرقية إىل وسط أفريقيا. الفرتة ما بني ولكن العوامل األكثر تأثريا جاءت خالل احلكم الثنائي حني خطط حكام السودان من االجنليز يف م خللقكيان جنوب خمتلف عن الشمال إهنا مل تكن يف واقع األمر سوى تركة مثقلة ألقاها عن قصد االستعمار الربيطاين على كاهل الشعب السوداين بعد أن جثم على صدر البالد ما يزيد على نصف قرن خملفا وراءه التخلف واحلرمان وفقدان الثقة. لقد خلق االستعمار هذه املشكلة ورعاها ومازالت القوى اإلمربيالية تغذيها وتنميها لتفتيت وحدة شعب السودان ومتزيقه ومتزيق تراث البالد ولتصعيدها لتجعل 457 منها مشكلة سياسية يف الوقت الذي ال تعدو أن تكون أكثر من مسألة حضارية. الجنوب في السياسة المصرية: لقد سبق وذكرنا أن مصر منذ اللحظة األوىل حتركت لطرد االستعمار من وادي النيل وإعطاء السودان حق تقرير املصري وعندما بدأ حممد جنيب مشاوراته مع األحزاب السودانية الشمالية يف نوفمرب 1952 بالقاهرة يف هذه املشاورات أمهلت مصر ومعها الشماليون السودانيون ممثلي جنوب السودان األمر الذي يلوم فيه مثقفو وخنبة اجلنوب مصر إذ مل تأخذ باالعتبار خماوفهم اليت افضحوا عنها يف مؤمتر جوبا عام 1947 إزاء الشمال ومصر حول عدم احلفاظ على هويته األفريقية واملشكالت الناجتة عن الفروق يف التنمية بني الشمال 458 واجلنوب. 455 عبد امللك عودة املرجع نفسة ص زكي البحريي مشكلة جنوب السودان بين الميراث التاريخي والتطورات السياسية م ركائز املعرفة للدراسات والبحوث القاهرة اخلرطوم 2010 م ص على حسن عبد اهلل الحكم واإلدارة في السودان دار املستقبل العريب الطبعة األوىل القاهرة 1986 م ص ابيل ألبري جنوب السودان التمادي في نقض المواثيق والعهود ترمجة بشري حممد لندن 1992 ص 17.

190 وتأثرت القاهرة بعوامل اجلهل بأحوال اجلنوب بعد عزلة مخسني عاما عن الشمال وكذلك باحنياز اجلنوبيني وراء موقف سياسي يرفض االستقالل وهو املوقف الذي عرب عنه بنيامني لوكي Benjamin يف اجلمعية التشريعية عام 1951 الذي طلب أيضا وصاية بريطانية لتفادي تسليم اجلنوب املتخلف Loki الضعيف إىل هيمنة الشمال القوي املتطور هذا املوقف السياسي تناقض مع املوقف السياسي ملصر يف عهد 459 عبد الناصر املناقض لالستعمار. إن عدم اإلدراك املصري لطبيعة التفاعالت السياسية يف اجلنوب شك ل سببا رئيسيا يف أن جتد بريطانيا موطئ قدم هلا داخل النخبة السياسية اجلنوبية اليت استطاعت توظيفها لصاحل األغراض الربيطانية وقبيل إعالن االستقالل يف أغسطس 1955 م انفجرت حرب جنوب السودان حيث متردت إحدى الكتائب اجلنوبية مث ما لبث أن عم العنف يف اجلنوب وقد أدت األحداث الدموية إىل تغيري القوى الشمالية لوجهة نظرهم جتاه اجلنوب ولذلك وعدوا بوضع موضوع الفيدرالية موضع االعتبار بعد إعالن االستقالل ونتيجة لذلك اإلعالن وافق املمثلون اجلنوبيون يف اجلمعية التأسيسية على إعالن استقالل السودان يف 1 يناير وقتل يف هذه احلوادث العديد من الشماليني وترجع بعض الدراسات إىل أن من أسباب تفجرها عدم توزيع املناصب بصورة عادلة بني أبناء الوطن الواحد أضف إىل ذلك أن االستعمار الربيطاين عمل على تقسيم السودان طوال السنوات اليت مكثها يف السودان وبدأ التمرد عندما قامت إدارة مشروع " أنزار" بفصل 300 عامل جنويب لتعسر األحوال املالية للمشروع مما أدى إىل قيام املظاهرات اليت استغلها االجنليز أحسن استغالل يف حتريك اجلنوبيني وأيضا بسبب الربقية اليت روج هلا أحد الكتبة اجلنوبيني يف جوبا واليت قيل أهنا حتوي أوامر أمري حسن إدريس النظام الفيدرالي واالستقرار السياسي في السودان أحباث ندوة الدميقراطية يف السودان البعد التارخيي والوضع الراهن وأفاق املستقبل مركز الدراسات السودانية القاهرة 1993 ص 438. أمري حسن إدريس النظام الفيدرالي مرجع سابق ص 438.

191 من رئيس الوزراء باخلرطوم لإلداريني العرب الشماليني باجلنوب يطلب فيها منهم" إال يلتفتوا لشكاوي اجلنوبيني 461 الصبيانية". ومهما كانت نتيجة التحقيق الذي اجري خبصوص هذا التمرد والذي ترأسه املسرت Tawfik cartron املولود باهلند فإن الشمال قد جتاهل مشاعر ومصاحل اجلنوب عند االستقالل فقد كان نصيب اجلنوبيني من الوظائف السودانية اثنني فقط من 800 وظيفة ذهبت للشماليني وتطورت أحداث التمرد حيث أعلنت القوات اجلنوبية يف فرقة اجليش السوداين باجلنوب متردها وكان عدد هؤالء اجلنوبيني 1370 جنديا من أفراد الفرقة البالغ عددها 1770 أي أن معظمها من اجلنوبيني ما عدا قادهتا وضباطها الذين كانوا من 261 الشماليني وخالل ذلك الصدام الذي وقع بني اجلنوبيني والشماليني 1955 قتل مواطنا من الشمال و مواطنا جنوبيا ولقد أظهرت التحقيقات ان مسلك البوليس اجلنويبكان سيئا للغاية. وقامت حكومة اخلرطوم بإرسال قوات من الشمال تصدت للتمرد اجلنويب وهرب بعض املتمردين إىل الدول األفريقية اجملاورة وقد متت حماكمة قادة التمرد وحكم على بعضهم بالسجن والبعض األخر باإلعدام وكان من أسباب تأجج حركة التمرد أيضا حماكمة عضو جملس النواب" ايليا كوزي" وتذكر دراسات أخرى أن موظفي الري املصري يف اجلنوب عملوا على أثارة القالقل لإلحياء للزعامات السودانية بأن الوجود املصري يف 463 السودان ضروري لتحقيق األمن وكان أول رد فعل حكومي إزاء مصر بعد التمرد هو االستيالء على عربات الري املصري يف جوبا يوم 20 أغسطس 1955 وصدور أوامر أيضا لألطباء املصريني املوجودين يف اجلنوب باملغادرة والقيام بتفتيش دقيق ملنزل مهندس الري املصري القي القبض على العاملني يف املنزل وأعيد اثنان من 464 أعضاء هيئة التدريس يف اجلامعات السودانية إىل القاهرة زكى البحريي مشكلة جنوب السودان بين التراث التاريخي والتطورات السياسة مرجع سابق ص 100. تقرير لجنة التحقيق اإلداري في حوادث الجنوب مطبعة ماكوركوديل اخلرطوم 1956 ص املعتصم أمحد على األمني السودان في صحيفة األهرام القاهرية مرجع سابق ص 82. نيفني حممود امحد موقف أثيوبيا من مشكلة جنوب السودان مرجع سابق ص 21.

192 علي أي حال كان هذا التمرد السبب يف ظهور مجاعات ذات ميول انفصالية فقد ولد تنظيم سياسي وانفصايل إذ تكونت يف املنفى )اجلمعية املسيحية السودانية( اليت تزعمها جوزيف ادوهو Joseph واألب ساترينوSatrino ووليم دنيقDnic William متخذة من الدين شعارا هلا لكسب Idohou اكرب عدد من أبناء اجلنوب إال أنه مل متض بضعة شهور إال وأعلنت عن جوهرها السياسي فتوقفت عن نشاطها وكونت منظمة جديدة باسم) االحتاد الوطين السوداين األفريقي للمناطق املغلقة( وأعلنت أن هدفها 465 الرئيسي هو تكوين حكومة يف املنفى) اوغندة( تسعى لفصل الشمال عن اجلنوب. إن مشهد الصراع املفتوح يف جنوب السودان بني مصر املتطلعة إىل احلفاظ على مصاحلها احليوية وبريطانيا اليت تسعى إىل الوجود االستخبارايت يف اجلنوب حفاظا على مصاحلها املتبقية يف شرق أفريقيا وممارسة الضغوط علي القاهرة هذه املعادلة اختلفت معطياهتا مع صعود الفريق إبراهيم عبود إىل السلطة يف عام 1958 إذ على الرغم من وجود معلومات لدي القاهرة بتدبري حزب األمة النقالب عسكري إال أن هذا االنقالب قوبل بارتياح من القاهرة فطبقا حلديث علي صربي إىل السفري الكندي جاء قرار القاهرة باالعرتاف الفوري بالنظام اجلديد يف ضوء تقدير سياسي أن سياسة عبود سوف تقوم على املصاحل الوطنية ولن تقوم 466 علي أي دعم خارجي. وقد عمل عبود على إعالن حالة الطوارئ يف أحناء السودان مبا فيه اجلنوب فوقعت حوادث مترد مسلحة أخرى يف املديريات اجلنوبية هاجم فيها املتمردون املدن والقرى فاستخدمت احلكومة سياسة القوة والقمع مما دفع اجلنوبيني إىل اهلرب إىل الكنغو وأوغندا وكينيا وأفريقيا الوسطى ولقد وجد اجلنوبيون تشجيعا من تلك الدول ومن الدول األجنبية كربيطانيا والواليات املتحدة وأملانيا الغربية والفاتيكان وحىت الصهاينة اليت 465 هناد امحد مكرم أزمة التكامل السياسي وانعكاساتها على الحياة السياسية السودانية مرجع سابق ص F.o.371/131718,From High Commissioner For Canada to J.H Washington Head Of African Department, 2 December 1958.

193 أمدهتم بالسالح ومنحتهم فرصة التدريب واتصل اجلنوبيون هبيئات دولية وإقليمية كاألمم املتحدة ومنظمة الوحدة األفريقية 467 للمطالبة بسلطة مستقلة جلنوب السودان. وقد ازدادت منذ عهد عبود التدخالت اخلارجية يف حرب اجلنوب وبدأت احلرب تأخذ إبعادا دولية مما قد يؤثر علي األمن القومي املصري لعل هذا التقدير املصري دفع القاهرة إىل التخلي تدرجييا عن احلفاظ علي قنوات اتصال هلا يف اجلنوب خصوصا بعد عقد اتفاقية املياه عام 1959 كما أصبحت أكثر حتفظا إزاء التدخل يف املسألة اجلنوبية مع دخول أطراف افريقية فيها واسهم يف بلورة هذا املوقف املصري اعتبارات تتعلق بالتوجهات االنفصالية للحركات السياسية اجلنوبية اليت مث لها جوزيف ادوهو كما كانت هناك شبهات بدعم الصهاينة للحركات السياسية اجلنوبية وهي الشبهات اليت تدعمها املعلومات اخلاصة باستعداد الصهاينة 468 والكونغو لالعرتاف بدولة ازانيا االنفصالية بزعامة جوزيف الغو يف حالة قيامها بالسودان. باإلضافة إىل رفض اجلنوبيني دعم مصر يف إعقاب حرب يونيو حيث رفض النائب اجلنويب بونا ملوال Bona Malwal اجتاه رئيس الوزراء حممد امحد حمجوب إلعالن السودان احلرب الصهاينة واعترب ملوال أن هذه احلرب إمنا هي حرب عنصرية. الجنوب في السياسة السودانية: تركت حرب اجلنوب أثارا بالغة على جدار األمن القومي يف السودان يف خمتلف جماالته حيث كان السب الرئيسي يف ختلف البالد وإقعاده عن اللحاق بركب األمم املتقدمة رغم توفر اإلمكانات لذلك فقد أسهمت حرب اجلنوب يف عدم االستقرار السياسي الذي يعاين منه أنظمة احلكم يف السودان منذ االستقالل حيث كان هلذه احلرب دورها الرئيسي يف سقوط احلكومات السودانية املتعاقبة كما أسهمت يف تعثر عملية 467 زكى البحريي مشكله جنوب السودان مرجع سابق ص 101. يونان لبيب رزق الثورة والصراع الحزبي في السودان) ( جملة السياسة الدولية العدد 18 القاهرة ص 75.

194 الوحدة الوطنية واالنصهار القومي حيث احتدم الصراع عنيفا بني التيارات السياسية والعرقية والدينية بصورة مل يسبق هلا مثيل على الصعيد الداخلي. أما على الصعيد اخلارجي فقد أسهمت احلربكثريا يف عرقلة مصاحل السودان اخلارجية وأسهمت يف خلق جو من العداء والتدهور سواء مع املعسكر الشرقي أو الغريب حيث تزعمت الواليات املتحدة احلملة الدولية ضد حكومة السودان باهتامها خبرق حقوق اإلنسان وممارسة العنصرية والتفرقة الدينية والرق واالضطهاد الديين ضد العناصر الزجنية يف اجلنوب وأصبحت فرصة للتداخالت األجنبية يف السودان للنيل من 469 سيادة البالد وأمنه. ويف ضوء ما لعبته سياسات بريطانيا يف الرتكيز على التعليم واللغة إىل جانب الدين كوسائل لفصل اجلنوب عن الشمال جتدر اإلشارة إىل الطابع الديين للمجتمع السوداين خصوصا يف اجلنوب والذي كانت له انعكاسات كبرية على الوضع السياسي يف البالد من ناحية وعلى تطور مشكلة جنوب السودان من ناحية أخرى فقد ظل اخلالف بني اخلتمية واألنصار مسيطرا على احلياة السياسية يف الشمال يف الوقت الذي كان فيه االجتاه الغالب للطائفتني هو أسلمة اجملتمع السوداين وهو ما انعكس سلبا على االهتمام مبطالب اجلنوبيني 470 وخصوصا مع وجود واقع ملموس من االختالف الديين واللغوي. لقد سبق وذكرنا أن العالقات املصرية السودانية يف عهد الفريق عبود متيزت بنوع من االستقرار والتقارب لكن هذه احلالة االجيابية يف العالقات الثنائية على اجلانب السوداين اجلنويب كانت سلبية على اعتبار أن السمة الرئيسية اليت متيز هبا عهد عبود فيما خيص مسألة اجلنوب هي تصاعد القمع احلكومي للجنوب وبطبيعة احلالة فهم املوقف املصري انه داعم لعبود يف هذا االجتاه يف هذا الوقت بدأ اجلنوبيون بتشكيل منظماهتم وأحزاهبم السياسية اليت طالبت بعضها بانفصال اجلنوب عن الشمال. 469 ادم حممد امحد عبد اهلل)سوين( مرجع سابق ص صباح امحد فرج خليل إثر توزيع الموارد االقتصادية علي االستقرار السياسي في السودان رسالة ماجستري غري منشورة قسم العلوم السياسية كلية االقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة 2011 ص 13.

195 ومل خيتلف األمر كثريا مع تويل حكومة عبود احلكم حيث نظرت هي األخرى للغة والدين على أهنما الطريقة املثلى لتحقيق االندماج ولكن البداية كانت من داخل القوات املسلحة وهي مؤسسة تقوم على االنضباط فقد مت فرض سياسات تعريب قوية كما متت أسلمة غري املسلمني يف اجليش من اجلنوبيني وغري العرب وخارج اجليش استمرت احلكومة يف تويل املسئولية يف مدارس اإلرساليات وادجمتها يف منظومة التعليم 471 الوطنية كما مت تطبيق برامج التعريب جبعل اللغة العربية هي اللغة الرمسية. يف ذلك الوقت اعتربت السياسة السودانية أن سياسات الدمج القسري سوف يكون هلا تأثري يف تطويق حماوالت التمرد على احلكومة املركزية من اجلنوب فلجأت إىل حماولة القضاء على الفروقات الثقافية وجلأت احلكومة العسكرية إىل فرض سياسات الدمج والتذويب بالقوة فقامت بتشجيع انتشار الدعوة اإلسالمية يف اجلنوب حيث أنشئت ست مدارس إسالمية لتحفيظ القران الكرمي يف كل من جوبا وكاروك دوار 472 ومريدي وياي وراجا كما فتحت مدرسة إعدادية إسالمية يف جوبا. مع نشر اللغة العربية يف الدواوين احلكومية مت إعفاء اجلنوبيني الذين جيهلوهنا من وظائفهم كما متت ممارسة ضغوط على السالطني واملتعلمني يف اجلنوب ليعتنقوا اإلسالم دينا هلم إضافة إىل نقل املوظفني واملعلمني اجلنوبيني بصورة مجاعية إىل الشمال ألهنم كانوا يشكلون خطرا على األمن بينما جري تقليص جتنيد أبناء اجلنوب يف قوات الشرطة والسجون واحتل وظائف األمن يف اجلنوب مواطنون من الشمال كما مت يف عام اعتبار العطلة األسبوعية يف اجلنوب اجلمعة بدال من األحد يف عام 1961 حرم عقد أي اجتماع ديين خارج الكنائس ويف أعلنت وزارة فرباير الداخلية السودانية عن طرد مجيع املبشرين املسيحيني العاملني يف السودان وكان عددهم حينذاك 617 مبشرا بعد أن اطلع حسن بشري نصر نائب رئيس القوات املسلحة السفريين األمريكي والربيطاين على أنشطة مشبوهة حممد عمر بشري تاريخ الحركة الوطنية في السودان ترمجة هنري رياض بريوت 1987 ص 137 حممد عمر بشري تاريخ الحركة الوطنية في السودان مرجع سابق ص 137. قوادو جوزيف ادهو غدا تشرق الشمس جنوب السودان بين الماضي والحاضر المستقبل القاهرة 1993 ص 26.

196 لقساوسة اإلرساليات وجاء يف بيان وزير الداخلية السوداين املقدم إىل اجمللس العسكري أن املبشرين يقومون 474 أعمال هتدد السيادة السودانية وإهنم جتاوزوا حدود العمل يف إطار الدين. يف خارج السودان أثار هذا القرار موجة من االحتجاجات والسخط لدى الدوائر األجنبية املعادية لوحدة السودان ولكن حكومة السودان مل تلتفت هلذه التهديدات واالحتجاجات. وبعد يومني من إعالن قرار اإلبعاد أعلنت احلكومة عن بعض املشروعات اإلصالحية يف اجلنوب يف مقابل هذه السياسات القمعية حلكومة عبود جلأ اجلنوبيون إىل اهلروب من جنوب السودان إىل الدول اجملاورة ويف طبيعة احلال تشكلت يف املنفى أحزاب سياسية جنوبية كان أمهها )حركة االحتاد القومي األفريقي للمناطق املقفولة( SACD اليت Sano تشكلت عام 1962 ويف عام 1963 غريت امسها ليصبح االحتاد القومي األفريقي السوداين- سانو ولكن االنقسامات بدأت داخل االحتاد وتفجرت الصراعات والنزعات داخلية. وأقام بعض اجلنوبيني يف املنفى إضافة إىل حزب سانو منظمة عسكرية هي منظمة" انيانيا ومعناها ثعبان الكوبرا السام األسود وهذه املنظمة كوهنا اجلنود اجلنوبيون الذين كانوا يتبعون الفرقة العسكرية من اجليش السوداين باالستوائية واليت بدأت بإعالن التمرد 1955 وانضم إليهم بعض من اجلنوبيني املعارضني حلكم 475 إبراهيم عبود وكان هدف منظمة" االنيانيا" إقامة مملكة افريقية تضم جنوب السودان إىل جانب أجزاء من شرق أفريقيا ولقد أصدرت تلك املنظمة بيانا عن نفسها قالت فيه" حنن مقتنعون أن استخدام القوة فقط هو الذي حيدد املصري ومن اليوم وفيما بعد سوف نعمل ونتخذ اجراءاتنا... وحنن ال نريد إحسانا من 476 أحد...". ويف ذلك الوقت مارس املطالبون بانفصال اجلنوب ضغطا عسكريا واسع املدى على احلكومة يف اخلرطوم إذ أقدموا على احتالل مدينة واو لفرتة قصرية يناير 1964 يف أعقاب اإلقدام على أعمال ترويع وإرهاب يف أماين الطويل مرجع سابق العالفات المصرية السودانية جذور المشكالت وتحديات المصالح ص ص حممود شاكر السودان مرجع سابق ص 99. إبراهيم حممد حاج موسي التجربة الديمقراطية وتطور نظم الحكم في السودان مرجع سابق ص 596.

197 اجلنوب من هدم اجلسور وإغالق الطرق وإطالق الرصاص على اجلنود وعلى الشماليني واجلنوبيني املشتبه بتعاوهنم مع احلكومة ويف املقابل قامت احلكومة حبملة عسكرية مضادة على اجلنوبيني اتسمت بالبطش 477 والقمع. مع التطورات الناشئة عن استمرار الصراع بني الشمال واجلنوب واستنزاف خزينة الدولة إىل حد إصابة الوضع االقتصادي بالشلل التام كانت احلكومة السودانية مضطرة إىل تقدمي مبادرة سلمية وهو ما حدث بالفعل فأصدرت احلكومة يف سبتمرب 1964 قرارا بتشكيل جلنة حتقيق لدراسة أسباب اخلالف بني الشمال واجلنوب وذلك رئاسة أمحد حممد يس وحدد قرار تشكيل اللجنة عدد األعضاء بثالث عشر عضوا من الشمال وتسعة عشر عضوا من اجلنوب ورغم أن اختيار اجلنوبيني جتاوز الشماليني يف عضوية اللجنة إال أنه اعتمد على شبه األميني أو األميني كما حرم على اللجنة أن تقدم أي اقرتاح يتعارض مع النظام الدستوري 478 الذي يقر وحدة السودان. وعلى الرغم من التحجيم املسبق لتوجهات اللجنة إال أهنا أثارت جدال واسعا وحوارا علنيا حول سياسات احلكومة انتقل إىل أروقة اجلامعات وساحاهتا وتسبب بقيام مظاهرات ضد سياسات احلكومة 479 القمعية يف الشمال واجلنوب ميكن القول أن النظام العسكري لفريق عبود فشل يف النهاية يف فرض األمر الواقع بل إن هذه السياسات ساعدت على إخراج مشكلة اجلنوب السوداين من إطارها احمللي إىل اإلطار اإلقليمي مث إىل اإلطار العاملي يف احملافل الدولية. باإلضافة إىل أهنا تعد من األسباب املباشرة لثورة اكتوبر 1964 فقد متت مناقشة تلك املشكلة داخل اجمللس املركزي الذي أنشأه احلكم العسكري وانتهت املناقشات بتشكيل جلنة حتقيق مشرتكة يف مشكلة حممد عمر البشري تاريخ الحركة الوطنية مرجع سابق ص 147. أماين الطويل العالفات المصرية السودانية جذور المشكالت وتحديات المصالح مرجع سابق ص 286. امحد رمضان عبد اللطيف أوضاع السودان خالل وزارة الصادق المهدي االولى رسالة ماجستري غري منشورة قسم التاريخ معهد البحوث والدراسات األفريقية 2009 ص 68.

198 480 اجلنوب إال أن احتاد طالب جامعة اخلرطوم انتهزوا تلك الفرصة وعقدوا ندوة لبحث املشكلة فما كان من احلكم العسكري إال أنه منع الندوات وقام باعتقال الطالب وإزاء فتح الشرطة نرياهنا على الطلبة ومقتل 481 أحدهم انفتح الباب أمام العصيان املدين وقامت ثورة أكتوبر لتضع هناية حامسة لنظام عبود. ولقد التزمت حكومة ثورة 1964 بإطالق احلريات العامة وأوجدت مناخا اتسم بالليربالية يف جنوب السودان كما كان يف مشاله وقدمت املساعدات حلركات التحرر يف الكنغو مما أثار حفيظة" تشوميب" الذي شجع ثوار جنوب السودان كنوع من االنتقام وغلت احلكومة يد قوات األمن ومنعتها من استخدام القوة ضد املتمردين ومألت وظائف اجلنوب احلكومية بأهل اجلنوب الذين ظهر أن معظمهم كان من غالة االنفصالية مما دعم حركة التمرد بشكل اكرب فيما بعد حيث أن املتمردين اجلنوبيني أقاموا حكومة يف الغابات وقد احتضنتهم 482 الدول األفريقية اجملاورة وساعدهتم الدول الكربى باألسلحة واألموال. وخالل تلك الفرتة من أعمال العنف أبدى زعماء حزب سانو يف أوغندا االستعداد للعودة إىل السودان بشرط إصدار عفو عام عن مجيع املتمردين يف اخلارج وحتقيق االحتاد الفيدرايل بتشكيل حكومة مركزية تتوىل السياسة اخلارجية والدفاع على أن تتوىل حكومتان منفصلتان بقية السلطات أحدامها للشمال 483 وثانيهما للجنوب لكي يقل دور" التجار الشماليني يف اجلنوب" وذلك يف الواقع نوعا من االعرتاف بان الشمال واجلنوب ورثا عالقات تارخيية سيئة جيب مراعاهتا ورأت الفرص املتكافئة والثقة املتبادلة هي السبيل الوحيد للسودان املوحد. 480 رغدة حممود امحد دور الطرف الثالث في تسوية المنازعات دراسة حالة الدور األمريكي في مشكلة جنوب السودان رسالة ماجستري غري منشورة قسم العلوم السياسية كليه االقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة 2008 ص 54. هناد امحد مكرم مرجع سابق ص 197. حممد عمر البشري جنوب السودان ص ص صالح عبد اللطيف عشرة أيام هزت السودان دار اهلالل القاهرة 1985 ص 602.

199 هو من قبيل املغالطة وأن أنسب األساليب حلل مشكلة اجلنوب هو التفاوض مع اجلنوبيني وبالتايل متيزت الفرتة من وهي فرتة الدميقراطية الثانية باستدعاء اجلوار اإلقليم اإلفريقي والعريب ملتابعة مشكلة اجلنوب إما باالشرتاك يف اهليئات التفاوضية بصفتهم مراقبني كما حدث يف مؤمتر املائدة املستديرة عام 1965 الذي انعقد مبشاركة مصر ودول اجلوار اإلفريقي جلنوب السودان والتدخل لدى األطراف حلثهم علي بذل جهود سلمية كحل سياسي ملشكلة اجلنوب وهو الدور الذي قامت به أوغندا قبيل عقد مؤمتر املائدة املستديرة بإعالن وزير داخليتها عن دعم بالده للجهود الرامية إىل السالم منتقدا القوى اجلنوبية اليت تقف ضد هذا 484 املسعى. ولقد حبث اجلانبان يف هذا املؤمتر اجلنويب والشمايل كل اخليارات مثل حق تقرير املصري والفيدرالية واحلكم احمللي ورفضت القوي الشمالية فكرة حق تقرير املصري واعتربت الفيدرالية خيارا غري عملي لقلة املوارد اإلنسانية والطبيعية وافقوا على احلكم اإلقليمي بينما انقسم اجلنوبيون بني مؤيدين للحكم الذايت ومطالبني 485 للوحدة. كما شهدت هذه الفرتة أيضا انقسامات حادة بني اجلنوبيني حول مستقبل اجلنوب من حيث إمكانية فصله عن الشمال أو احملافظة على وحدة الوطن يف إطار فيدرايل إذ أن نداء السالم الذي أصدره حزب "سانو" وجبهة اجلنوب حلكومة سر اخلتم اخلليفة االنتقالية أسفر عن انشقاق قادة مثل جوزيف اودوهو 1964 الذي دعم فكرة االنفصال مقابل موقف دينق الداعي إىل الفيدرالية ويف 10 أعلن رئيس نوفمرب احلكومة سر اخلتم يف خطاب موجه إىل الشعب أن حكومته تويل اجلنوب اهتماما ودعا إىل السالم والتفاوض 486 الن القوة لن حتل شيئا ص 7. حممد عمر البشري جنوب السودان دراسة ألسباب النزاع ترمجة اسعد حليم القاهرة 1971 ص ص أمري حسن إدريس النظام الفيدرالي مرجع سابق ص هاين رسالن "حق تقرير المصير لجنوب السودان جدلية المسار والتداعيات" كراسات اسرتاتيجية العدد 138 ابريل 2004

200 1965 على أي حال مت االتفاق على عقد مؤمتر يف اخلرطوم يوم 16 مارس وبالفعل انعقد املؤمتر ملدة ثالثة عشر يوما وبوجود ممثلني جلميع األطراف لكن مل يصلوا إىل حل للعالقة الدستورية بني الشمال واجلنوب بعد أن طفحت اخلالفات السياسية بني اجلانبني وعلى الرغم من عدم توصل املؤمتر إىل حل فيما خيص الوصول إىل حسم العالقة الدستورية بني الشمال واجلنوب إال أنه كشف للشماليني عن خماطر تعرض السودان لفصل اجلنوب. ونتيجة لفشل مؤمتر املائدة املستديرة مت تكوين اللجنة اليت عرفت ب" جلنة االثين عشر" ومراعاة ألمهية وخصوصية مشكلة اجلنوب مت تشكيل تلك اللجنة من عدد متساو من الشماليني واجلنوبيني وقد استبعد تقرير اللجنة خياري االنفصال والكونفدرالية وأوصى باألخذ مببدأ احلكم اإلقليمي بعد هناية حكومة سر اخلتم خليفة االنتقالية تشكلت حكومات ائتالفية تارة برئاسة حممد أمحد حمجوب وتارة برئاسة الصادق املهدي ومل تر تلك احلكومات يف مشكلة اجلنوب أكثر مما رأى الفريق عبود وفشلت مجيعها يف حل مشكلة 487 جنوب السودان. فمع تويل حممد امحد حمجوب احلكم أعلن يف جلسة الربملان أن حكومته سوف تتخلى عن أسلوب املالينة وأطلق يد اجليش واألمن يف إعادة النظام والقانون بعد أن شهدت فرتة حكومة سر اخلتم اخلليفة هتدئة أسفرت عن تصاعد منظمة انيانيا وتدهور األمن يف اجلنوب فأسفرت سياسة حمجوب يف اجلنوب عن مذابح حيث قتل أكثر من ألف شخص وأحرق ثالثة أالف كوخ من منازل اجلنوبيني وعندما توىل الصادق املهدي رئاسة الوزراء 1966 حاول أن يهدئ من الفشل العسكري الذي أصيبت به حكومة حمجوب يف اجلنوب حبل 488 مشكلة اجلنوب بالطرق السلمية. لقد أصبحت مشكلة اجلنوب بالنسبة إىل الدول اجملاورة من الثوابت األساسية للسياسة السودانية حىت أنه مت نوع من التعاون بني كل من السودان وأوغندا يف مرحلة من املراحل ضد املتمردين إال أن ذلك هاين رسالن حق تقرير المصير لجنوب السودان جدلية المسار والتداعيات مرجع سابق ص 7. أماين الطويل العالفات المصرية السودانية جذور المشكالت وتحديات المصالح مرجع سابق ص 294.

201 الوضع مل يستمر طويال نتيجة الضغوط اخلارجية اليت تعرضت هلا أوغندا من قبل جملس الكنائس العاملي وبعض الوزراء األوغنديني وبعض الضباط األوغنديني املعروفني بتعاطفهم مع حركة انانيا إما بالنسبة إىل إثيوبيا فقد 489 استمر التوجه السياسي السوداين يف حتسني العالقات من خالل الزيارات الدبلوماسية. فقد قام وزير خارجية إثيوبيا بزيارة السودان يف ديسمرب 1966 ورد وزير خارجية السودان الزيارة يف يناير 1967 إال انه مل يستقبل استقباال جيدا من قبل القوى السياسية السودانية خصوصا من اإلخوان املسلمني والشيوعيني وحزب الشعب الدميقراطي واالشرتاكيني السودانيني حىت أن األمر بلغ حد التظاهر ضد الزيارة ومل يستوعبوا هدفها الرامي إىل أوضاع وحتجيم احلركة السياسية والعسكرية جبنوب السودان مما كان له اثر 490 غري محيد. ميكن القول أن الفوضى السياسية عمت مشاال وجنوبا يف الفرتة بني عامي حيث انعكس الصراع السياسي يف حزب األمة على املناخ السياسي خصوصا مع عقد انتخابات جديدة للجمعية التأسيسية يف عام 1968 طبقا إلحكام الدستور وقرار جملس الوزراء يف فرباير 1968 وهو الصراع الذي وصل إىل تنافس احلزب الواحد يف الدائرة االنتخابية الواحدة أما على الساحة اجلنوبية فإنه على الرغم من إقدام اجلنوبيني مرتني على حماولة لتوحيد فصائلهم يف عامي 1967 و 1969 إال أن هذه اجلهود حتطمت على صخرة 491 الوالءات القبلية. وهلذا مل يكن ممكنا متتع السودان باالستقرار يف ضوء ضغط مشكلة اجلنوب على احلكومة يف اخلرطوم باإلضافة إىل وصول فرتة الدميقراطية الثانية إىل نطاق األزمة املستحكمة فصعد جعفر النمريي إىل السلطة وأعلن أن حكومات األحزاب السياسية خالل إدارهتا لشئون السودان فشلت يف حل مشكلة جنوب السودان عبد القادر إمساعيل جنوب السودان مرجع سابق ص 276. عبد القادر إمساعيل جنوب السودان مرجع سابق ص عبد املاجد أبو حسبو مذكرات عبد الماجد أبو حسبو جانب من تاريخ الحركة الوطنية في السودان اخلرطوم 491 ص 187.

202 وانشغلت باستغالل سلطاهتا لتكوين الثروات على حساب اجلنوب والشمال على السواء وأكد منريي علي أن وحدة البالد جيب بناؤها على أسس موضوعية وأضاف بأن جملس الوزراء قرر بعد اجتماعات عديدة ضرورة 492 قيام احلكم الذايت اإلقليمي جلنوب السودان يف إطار السودان املوحد بعد إعالن العفو العام. بدأت حكومة النمريي العمل مع مشكلة اجلنوب يف موقف عصيب فقد كان عدد الالجئني اجلنوبيني يف البالد اجملاورةكان قد بلغ مداه نتيجة للقنال املستمر وقد قدر عددهم حبوايل 176,900 مهاجر موزعني علي أربع دول جماورة هي وسط افريقيا 22,900 اثيوبيا 20,000 اوغندا 74,000 الكونغو زائري 60,000 وكان غالبيتهم يتمركزون يف ميوكي يف وسط أفريقيا ويف جامبيال يف اثيوبيا ويف انيدي وكيبو يف زائري ويف انبجوا كوليب واجوجو يف أوغندا ونتيجة لذلك رصدت األمم املتحدة ميزانية خاصة مبلغ دوالر إلغاثة الالجئني لتوفري اخلدمات األساسية يف هذه التجمعات وقد جاء بيان 9 يونيو ليعكس مدي إدراك ثورة مايو بقيادة جعفر النمريي لألبعاد احلقيقية للمشكلة واالعرتاف بواقع الفوارق التارخيية واالقتصادية واالجتماعية بني الشمال واجلنوب ويؤكد على أن أزمة اجلنوب هي أزمة حريات سياسية ال ميكن عالجها جذريا إال بروح اشرتاكية قادرة علي تصحيح التناقضات األساسية اليت يعاين منها اجلنوب وفتح الباب أمام الشمال واجلنوب ليسهموا معا يف إدارة شئون السودان وتكمن القيمة الفعلية لبيان 9 يونيو أنه مل يكن جمرد تعهد حكومي ولكنه أ حلق بربنامج تنفيذي مماكان له أبلغ األثر 494 يف نفوس اجلنوبيني من دعم للثقة بينه بني الشمال. وقد مت بالفعل إنشاء وزارة خاصة بشئون اجلنوب ضمن وزارات حكومة السودان توىل إداراهتا " 1971 جوزيف جرانج" Grange Joseph الذي أعدم عقب انقالب هاشم العطا وكان إلعدامه اثر سيئ علي أبناء اجلنوب خاصة بسبب انتمائه للدنكا وهي من اكرب القبائل اجلنوبية فاشتدت حركة الكفاح عبد القادر إمساعيل جنوب السودان مرجع سابق ص 304 عبد القادر إمساعيل جنوب السودان مرجع سابق ص 304. زكى البحريي مشكلة الجنوب مرجع سابق ص 106

203 املسلح كرد فعل لذلك احلدث وقد عملت القوى السياسية املختلفة يف اجلنوب يف الوقت ذاته علي توحيد صفوفها والتغلب على الصراعات واالنقسامات اليت عانت منها لفرتة طويلة وعلى اثر ذلك دعا منريي لعقد مؤمتر جوبا ملناقشة األوضاع السياسية واالقتصادية واالجتماعية يف اجلنوب وقد مت عقد املؤمتر 1971 وأوصى بأن يصبح مكتب شئون اجلنوب وزارة يرأسها وزير وان هتتم احلكومة بقضايا اإلسكان وإعادة اإلعمار كما أوصى املؤمتر جبعل اللغة العربية اللغة القومية يف اجلنوب وأعلن اجلنوب يف املؤمتر عن توجهاته حنو احلصول على حق تقرير املصري فإما أن يظل ضمن سودان موحد أو يستقل. ومل خيتلف احلكم العسكري بقيادة النمريي عن سابقه يف وجود حماوالت لالنقالب على النظام واإلطاحة به فقد شهد عام 1971 انقالبا استطاع النمريي مبساعدة مصر القضاء عليه لتشهد بعده توجهات النمريي تغريا كبريا مبتعدا بذلك عن الشيوعيني الذي أطاح هبم وانفرد باحلكم كما توجه بصورة واضحة حنو الغرب وبنهاية عام 1971 مت عقد لقاء بني املتمردين يف اجلنوب وممثلني عن احلكومة وذلك عقب حماوالت عديدة إلقناع اجلنوبيني بالتفاوض مشلت مشاورات سرية جرت يف لندن بني الطرفني ولقاء أخر 495 مع إمرباطور إثيوبيا هيالسالسي. ورغم الصعوبات اليت واجهت عملية التفاوض واإلعداد هلا خصوصا فيما يتعلق بعدم ثقة اجلنوبيني على اختالف مستوياهتم يف نوايا احلكومة فقد انتهت املفاوضات بعقد مؤمتر أديس ابابا 1972 اليت منحت السودان فرتة من االستقرار مل تستمر طويال 496 وتبع ذلك إصدار قانون احلكم الذايت يف السودان يف مارس 1972 متضمنا لوقف إطالق النار ومسودة لتنظيم احلكم الذايت اإلقليمي وبروتوكالت ختتص بتنظيمات زكى البحريي مشكلة الجنوب مرجع سابق ص 106. زكى البحريي املرجع نفسة ص 106.

204 مؤقتة إلدارة الشئون القضائية والعسكرية والتوطني وإعادة الالجئني وكانت تلك فرصة ذهبية أمام احلكومة 497 املركزية يف عهد منريي إلحلاق اإلقليم اجلنويب برصيفه يف الشمال يف االستقرار والتنمية. وإمجاال فقد أدت سياسات التهميش االقتصادي علي مدار احلكومات السودانية املختلفة إىل توسيع الفجوة اليت خلقها االحتالل الربيطاين بسياساته املماثلة واليت شكلت نقطة انطالق هلذه املشكلة وقد مشلت تلك الفجوة الدخول واملنافع االقتصادية املرتتبة على إدارة املوارد وكذلك اخلدمات العامة وهو ما أسهم بصورة كبرية يف تطور مشكلة جنوب السودان وتزايد حدهتا بالشكل الذي جعلها تنتقل من جمرد املطالبة بتنمية اقتصادية متوازنة ونصيب عادل من املوارد واخلدمات واملنافع إىل دعاوى االنفصال يف ضوء تزايد عدم الثقة من قبل اجلنوبيني جتاه الشماليني ومن مث فقد األمل يف إحداث تغيريات هيكلية يف السياسات االقتصادية 498 للحكومات جتاه اجلنوب. وعند مقارنة األوضاع يف اجلنوب بنظريهتا يف الشمال جند أن متوسط الدخول فيه يقع ضمن احلد األدىن ملتوسط الدخل يف مشال السودان حيث أنه ورغم وجود تفاوت يف الدخل بني الريف واحلضر يف خمتلف أحناء السودان مبا يف ذلك اجلنوب لصاحل احلضر على حساب الريف فإن أفقر سكان السودان يقعون يف اجلنوب حيث يقرتب متوسط الدخل من بداية احلد األدىن حيث يبلغ متوسط الدخل يف اجلنوب 93 جنيها سودانيا فيما يرتاوح متوسط الدخل يف الريف السوداين بدون اجلنوب بني جنيها. هكذا عاىن السودان منذ استقالله 1956 م صراعات سياسية وانقالبات عسكرية وحروبا أهلية يف الشرق والغرب واجلنوب أثرت على استقرار الدولة وعلى مشاريع التنمية يف خمتلف اجملاالت وأعاقته من القيام 497 عبد القادر إمساعيل السيد الشربيين جنوب السودان في ظل اتفاق أديس ابابا 1972 رسالة دكتوراه منشورة معهد البحوث والدراسات األفريقية القاهرة 2000 ص 102. فرج عبد الفتاح االقتصادي السياسي لجنوب السودان ومستقبل التسوية السلمية ندوة مستقبل السودان يف ضوء املتغريات األخرية معهد البحوث والدراسات األفريقية جامعة القاهرة 2002 ص 136. صباح امحد فرج خليل مرجع سابق ص 41.

205 500 بدوره عربيا وأفريقيا ودوليا وال ميكن النظر إىل مشكلة احلرب األهلية املندلعة يف السودان واملستمرة منذ نصف قرن إال باعتبارها انعكاسا لصراع الرؤى واهلويات يف السودان والذي حال دون إمتام عملية االندماج الوطين املعقدة أصال يف أفريقيا. لقد ظلت مشكلة جنوب السودان متثل التحدي األكرب لألنظمة الوطنية املتعاقبة علي احلكم يف السودان إذ كانت التطورات الداخلية بعد االستقالل تشري إىل عدم وجود استقرار سياسي متكامل حيث شهد السودان ستة انقالبات ما بني أنظمة حكم عسكرية وأخرى دميقراطية حيث متيزت فرتاهتا بالتوتر الشديد واالضطرابات وفقدان الثقة بني أبناء الشمال واجلنوب فقد كانت الوظائف اليت يتوالها اجلنوبيون قليلة جدا مقارنة مبا كان يتواله أبناء الشمال 501. وتري الباحثة أن مصر هبويتها العربية واإلسالمية وليس بأدوارها السياسية كانت أحد أسباب الصراع يف اجلنوب السوداين باعتبار أهنا عامل مهم يف متسك السودان الشمايل هبويته العربية واإلسالمية بل ميكن القول إهنا عامل مارس أدوارا للضغط والتأثري بطبيعة دورها القائد لألمة العربية وتبنيها فكرة القومية العربية يف فرتة حكم عبد الناصر وبطبيعة احلال شكلت هذه الضغوط أسبابا للمخاوف اجلنوبية من مصر اليت تدفع يف تقدير اجلنوبيني السودان الشمايل إىل االستعراب ودفن املكون األفريقي من هويته فاملالحظ أنه كلما تقارب الشمال مع مصر ثار اجلنوب. ولقد ظلت مصر على الدوام سندا للسودان يف خمتلف القضايا وكافة احملافل الدولية واإلقليمية ويتجلى هذا املوقف مبا فيه الكفاية من أن مصر هي اليت ربطت جنوب السودان بشماله يف القرن التاسع عشر وبعد 500 خالد حممد هبيج االحتجاجات الشعبية في السودان منذ انفصال الجنوب وموقف النظام منها دار الفكر العريب الطبعة األوىل القاهرة 2014 م ص حسان عبد اهلل علي غالب صدام الحضارات دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق: حالة السودان 1993 م 2006 م مرجع سابق ص 80.

206 االستقالل وبروز قضية جنوب السودان ظلت مصر تدعم وحدة السودان من منطلق اسرتاتيجي باعتبار مصاحلها املرتبطة مبياه النيل واألمن القومي املصري 502 إضافة إىل العالقات االزلية بني البلدين. المبحث الثالث األدوار االستعمارية في جنوب السودان: حرصت السياسة الربيطانية على إشعال روح التباعد ليس فقط بني السودان ومصر بل بإبعاد السودان تدرجييا عن عروبته وامليل به أكثر حنو عالقاته مع الدول األفريقية وكانت تأمل من وراء ذلك إىل تطوير درجة هذا التوجه اجلدير باالعتماد على كيفية تطور عالقات السودان مع حكومات شرق أفريقيا الواقعة حتت اهليمنة 503 الربيطانية. فمنذ توليها سلطة احلكم الثنائي خططت لفصل الشمال عن اجلنوب مع تشجيع رجال اإلرساليات علي نشر املسيحية واحلد من النفوذ اإلسالمي وكان هذا بداية تفرقة يف السياسة التعليمية حىت يصبح اجلنوب حقال خصبا للثقافة األجنبية بينما يظل الشمال بتقاليده اإلسالمية وسياسته التعليمية القاصرة على خترج الكتبة للعمل يف الوظائف اإلدارية. لقد قامت بريطانيا بأول خطوة لوضع اإلدارة يف أيدي اجلنوبيني يف عام 1917 م عندما أنشأت قوة عسكرية حملية باسم القوات االستوائية وكان قد صدر قرار بإنشاء جيش سوداين جنويب يف عام 1910 م وعندما قامت ثورة 1919 م يف مصر وأشتد ساعد احلركة الوطنية وأهلبت هذه الثورة مشاعر السودانيني قامت حممد فاضل العص موقف مصر من قضية جنوب السودان مؤتمر ثورة يناير 2011 م ومستقبل عالقات مصر بدول حوض النيل معهد البحوث والدارسات األفريقية القاهرة ص مروة أمني حممد مصطفي العالقات السودانية البريطانية من 1956 م 1969 م مرجع سابق ص 248.

207 بريطانيا بانتهاج خط سياسي جديد جتاه اجلنوب وطبقت نظام احلكم غري املباشر والذي كان اللورد لوجارد قد جنح يف تطبيقه يف مناطق أخرى من القارة خاصة يف مشال نيجرييا وهو النظام الذي يعتمد علي القدرة الوطنية واشرتاك احلكام احملليني يف إدارة وطنية حتت 504 إشراف الربيطانيني. قامت بريطانيا بدور رئيسي يف تعقيد مشكلة اجلنوب إذ باإلضافة إىل واقع السودان التعددي عرقيا ودينيا أسهمت سياسة بريطانيا االنفصالية يف جنوب السودان بإعاقة االندماج الوطين على حنو سلمي فمثال تضمن تقرير جلنة ملنر 1921 م توصية بضرورة اعتماد حكومة السودان على أهل اجلنوب يف إدارة اجلنوب ومن مث مل يعد ضروريا حضور مديري املديريات اجلنوبية االجتماع السنوي ملديري مديريات السودان الذي يعقد باخلرطوم وقد ذادت سياسة العزل هذه بصدور قانون الرخص واجلوازات عام 1922 الذي منع السفر والتجول واهلجرة بني الشمال واجلنوب. وبناء علي املادة 22 من قانون الرخص واجلوازات صدر قانون املناطق املغلقة يف عام 1922 م الذي فرض قيودا صارمة علي حرية التنقل والذي أصبحت كل من مديرية دارفور االستوائية وأعايل النيل وبعض أجزاء من املديريات الشمالية كردفان واجلزيرة وكسال مناطق مغلقة مبعىن أنه حيرم على غري املواطنني السودانيني الدخول أو البقاء يف هذه املناطق إال بإذن من السكرتري اإلداري أو مديرية املديرية اليت يتبعها ذلك اجلزء املمنوع 505 دخوله وبقرار استبعاد استخدام اللغة العربية أيضا الذي صدر يف عام 1928 م حني نظمت اجلمعية التبشريية يف املديرية "االستوائية "مؤمترا قرر استخدم اللغة االجنليزية و 7 لغات جنوبية رئيسية وسيلة للتعليم يف 506 اجلنوب. 504 عبد اهلل عبد الرازق دور بريطانيا في انفصال جنوب السودان معهد البحوث والدراسات األفريقية القاهرة 2009 م ص Handerson K.D.D Sudan Republic London1965 p حامت الصديق حممد الدور المصري في حل مشكلة دارفور مؤمتر ثورة 25 يناير 2011 م معهد البحوث والدراسات االفريقية القاهرة 2011 م ص 22.

208 إن الباحثني السودانيني اجلنوبيني يرون أن أسباب جلوء بريطانيا إىل سياسة الفصل هذه تتعلق مبخاوف اإلدارة من ثورة يف اجلنوب ضد بريطانيا يف ضوء اغتيال السري يل ستاك على يد حركة اللواء األبيض اليت ينتمي بعض قادهتا إىل اجلنوب إضافة إىل املخاوف املتعلقة بإمكانية تغلغل النفوذ الديين للسيدين عبد الرمحن املهدي وعلي املريغين يف اجلنوب عن طريق التجار إال أن الثابت أن قانون املناطق جاء قبل قيام حركة اللواء األبيض واستكماال لسياسة فصل اجلنوب عن الشمال قدم السكرتري اإلداري حلكومة السودان عام مذكرته اليت قدمها إىل مدير املديريات اجلنوبية وتتلخص يف أن تقوم سياسة احلكومة يف جنوب السودان على إنشاء جمموعة من الوحدات القبلية والعنصرية يكون لكل منها اكتفاؤه الذايت ويقوم كيان كل منها وتنظيمه على أساس احملافظة على العادات والتقاليد املوروثة والعرف واملعتقدات السائدة ويتطلب ذلك أن يقوم بالوظائف اإلدارية والكتابية والفنية غري الناطقني باللغة العربية وأن توقف هجرة التجار الشماليني إىل اجلنوب وبناء على ما تقدم أدت سياسة العزل إىل تعميق املتناقضات اليت أثرت على حتقيق التكامل الوطين 508 بني أبناء الوطن الواحد. كما أن هناك شبه اتفاق عام على وجود توجهات بريطانية لإلحلاق اجلنوب السوداين مبستعمرات شرق أفريقيا حىت منتصف األربعينيات حيث قال دوغالس نيوبولد Douglas Newbold السكرتري اإلداري عام 1944 :)إن السياسة املقررة لدى احلكومة هي أن تعمل على أساس أن أهل اجلنوب هم حقيقة أفارقة وزنوج وواجبنا حنوهم هو أن نسرع عندهم التنمية لريتبط مصريهم مستقبال مع مشال السودان أو شرق 509 أفريقيا أو يرتبط جزئيا هنا وجزئيا هناك( رسالة هناد امحد مكرم ازمة التكامل السياسي وانعكاساتها على الحياة السياسية السودانية في الفترة 507 ماجستري غري منشورةكليه التجارة ببورسعيد جامعة قناة السويس 2006 ص هناد امحد مكرم ازمة التكامل السياسي وانعكاساتها على الحياة السياسية السودانية مرجع سابق ص 184. أماين الطويل العالقات المصرية السودانية جذور المشكالت وتحديات المصالح مرجع سابق ص 259.

209 وعلى الرغم من ذلك أمهلت اإلدارة الربيطانية اجلنوب وتأخرت يف تدشني تنمية اقتصادية واجتماعية به تالحق مستوى التطور يف الشمال فلم تنشئ إال مدرسة ثانوية واحدة يف رمبيك عام 1948 كما أنشأت زراعي مشروع 1950 إلنتاج القطن ومن هنا كان لسياسات الفصل العنصري وضعف التنمية تأثري سليب 510 للغاية على عملية االندماج الوطين السوداين. يف عام 1947 حدث انقالب يف التوجهات الربيطانية إزاء جنوب السودان حيث اختذ قرار بان يبقى السودان موحدا وال يلحق بأوغندا ويف هذا السياق رتبت بريطانيا عقد مؤمتر جوبا يف يونيو 1947 الذي حشدت له اإلدارة الربيطانية كل إمكاناهتا إلقناع اجلنوبيني بتأييد فكرة إنشاء جملس استشاري للجنوب حيث حقق هذا املؤمتر اجيابيات عدة منها اعرتاف أغلبية زعماء اجلنوب مببدأ الوحدة بني شطري السودان ونبذ 511 فكرة ضمه إىل أوغندا. كانت أسباب الضغط الربيطاين على اجلنوبيني يف جوبا من خالل ربط مصريهم السياسي بالشمال تتعلق مبسار احلركة الوطنية السودانية يف الشمال اليت تبلورت يف اجتاهني: األول: حزب األمة واألنصار داخل اجلمعية التشريعية اللذان رفضا متديد فرتة احلكم الذايت والضغط باجتاه االستقالل الفوري أما االتجاه الثاني فكان يقوده االحتاديون واخلتمية الذين كانوا يريدون االستقالل ضمن عالقة وحدوية مع مصر ورفضت بريطانيا 512 االجتاهني واستغلت مشكلة اجلنوب داخل اجلمعية التشريعية لتأجيل االستقالل. لقد قامت اجلمعية التشريعية وهبا 13 عضوا ميثلون املديريات اجلنوبية الثالث منتخبني بواسطة جمالس املديريات فحاولت بريطانيا تصحيح سياسة العزل لسياسة أخرى تقوم على ربط الشمال باجلنوب وبدء مشاريع التنمية اليت قد تأخرت يف اجلنوب إال أنه من املالحظ نتيجة طول العزلة اليت عاىن منها اجلنوب يف حممد املعتصم سيد جنوب السودان في مائة عام مرجع سابق ص 113. حممد املعتصم سيد جنوب السودان في مائة عام مرجع سابق ص حمجوب حممد صاحل أزمة الجنوب السوداني الخلفية والتطورات مركز الدراسات السودانية العدد 29 القاهرة 2004 ص ص

210 السودان أنه بدا وكأنه متخوف من تطور تلك العالقة بينه وبني الشمال ونتيجة لغياب اجلنوب عن اإلحداث السياسية بصفة عامة فيما خيتص املستقبل السياسي يف السودان باإلضافة إىل أن تلك الصفوة اليت شاركت يف اجلمعية التشريعية تعلمت وتربت يف مدارس اإلرساليات التبشريية فكان هناك ختوف من قبل اجلنوبيني جتاه 513 االستقالل واحلكم الذايت. وقامت بريطانيا بالتالعب بورقة هوية جنوب السودان يف املفاوضات املصرية الربيطانية حول االستقالل حيث ورد يف ملحق مذكرة قدمها السفري الربيطاين إىل اجلانب املصري يف يوليو 1951:) أنه بالنظر إىل الفروق الواسعة بني السودانيني يف الثقافة واجلنس والتطور السياسي يقضي إجراء الوصول إىل احلكم الذايت بالكامل دون مصر واململكة املتحدة مع السودانيني( وردت مصر على هذه املذكرة بالقول إن هذه الفروقات ال تستند على أساس لكنها نتيجة سياسات بريطانيا يف السودان اليت هتدف إىل فصل جنوبه عن 514 مشاله. وقد شرع اإلداريون الربيطانيون يف تأليب اجلنوبيني يف أعقاب التوقيع على اتفاقية احلكم الذايت مباشرة فرباير يف حيث صرح احلاكم العام روبرت هاو يف نداء وجهه إىل أبناء اجلنوب أن تلك االتفاقية أغفلت حقوقهم 515 اليت جيب أن يطالبوا هبا متبعني يف ذلك الطرق الدستورية ومل يكتف الربيطانيون بذلك بل كثفوا حرب الدعاية ضد املصريني بإثارة نقاط املخاوف التارخيية وذلك بالرتكيز علي عناصر االسرتقاق واملطامع املصرية يف املياه حيث أشاعوا أنه سيتم استعبادهم وتصديرهم يف حال جناح احلزب االحتادي ووحدته 516 مع مصر وان حممد جنيب سوف يغزو السودان وحيرمهم من زراعة القطن لصاحل املصريني حمجوب حممد صاحل أزمة الجنوب السوداني الخلفية والتطورات مرجع سابق ص محاضر جلسات مجلس الوزراء المصري املطبعة األمريية القاهرة 1953 ص ص Harold Alfred The Sudan Nations of the Modern World London 1954 p أرشيف الخارجية المصرية أرشيف الدول السودان ( حمفظة رقم 2 ملف رقم 1952/7 /سري(.

211 على العموم احلصاد النهائي لتلك التحركات ما عرب عنه مجال عبد الناصر للسفري الربيطاين يف القاهرة رالف ستيفنسون Ralph Stevenson بوجود نشاط خمابرايت بريطاين يستهدف فصل اجلنوب بالتعاون مع اجلنوبيني لكن السفري الربيطاين نفى ذلك فأقدمت صحافة القاهرة علي شرح سيناريو املؤامرة وحتدثت بكل تفاصيله وميكن القول أن النتائج النهائية هلذه املعركة يف ضوء قول احلاكم العام الربيطاين توكس هاملHalm Tux لرئيس الوزراء السوداين إمساعيل االزهري 1955 ) أن أفضل األوضاع هو اإلسراع يف تقرير املصري حىت ال تتحمل بريطانيا أعباء عسكرية وماليه جديدة وخباصة بعد التأكد من أن مصر لن تفوز 517 باالحتاد مع السودان الذيكانت تنشده احلكومات املصرية يف ظل اضطرابات منتشرة يف اجلنوب ضدها(. وقد انتهت حقبة االستعمار الربيطاين مع إدراك متأخر من قبل بريطانيا ملا حلق باجلنوب من تدهور يف خمتلف نواحي احلياة وخباصة االقتصادية منها وهو ما مت التعبري عنه يف تقرير اللجنة اإلدارية اليت مت تشكيلها هبدف تقدمي املشورة فيما يتعلق مبستقبل احلكم يف السودان وموقف جنوب السودان الذي أدرك االحتالل انه ليس لدية ما يفعله به يف حال إذا ما استقل الشمال حيث أشار تقرير اللجنة إىل أن السودان جيب أن يظل واحدا وان مستقبل تنمية اجلنوب مرتبط ارتباطا ال تنفصم عراه بالسودان الشمايل الشرق أوسطي واملعرب ومن مث تتأكد احلاجة إىل تطوير التعليم والتنمية االقتصادية حىت يصبح اجلنوبيون قادرين علي تويل شئوهنم يف 518 املستقبل اجتماعيا واقتصاديا كشركاء متساوين مع نظرائهم يف مشال السودان وسودان املستقبل". ومل ينته الدور الربيطاين ضد مصر يف اجلنوب بإعالن استقالل السودان إذ أن النهج الربيطاين حتول من توظيف اجلنوب يف املعادلة السياسية الداخلية يف السودان إىل توظيفه ضد أي تقارب مصري مع الشماليني ومارست السفارة الربيطانية أنشطة دعائية يف املديرية االستوائية يف نوفمرب 1956 فوزعت فيها 517 F.o.371/109332,From Khartoum Embassy to Foreign Office, 28 August صباح امحد فرج خليل مرجع سابق ص 36.

212 ج 1 منشورات تتهم عبد الناصر بالشيوعية وأنه ميلك خمططات هتدف إىل قلب نظم احلكم يف الدول العربية 519 وحتويلها إىل نظم شيوعية. كما مارس موظفو بنك باركليز يف جوبا دعاية ضد مصر منطلقني من الكنائس ضد العالقات مع مصر باعتبارها دولة مسلمة تقف ضد املسيحية كما رصدت تقارير املخابرات احلربية نشاطا دعائيا يقوم به 520 أجانب أوروبيون يتدفقون على اجلنوب ضد مصر والتجار الشماليني املوجودين يف اجلنوب وظهرت السياسة الربيطانية يف الفرتة بني عامي يف موقفها من النفوذ املصري يف اجلنوب عرب قنوات االتصال بالنواب اجلنوبيني والتأثري عليهم ليكون هلم تأثري يف أن يكونوا عقبة كأداء ضد قيام احتاد بني مصر 521 والسودان. وخالل حكم عبود تصاعدت حركات التمرد من قبل اجلنوبيني وأعلنوا تكوين قوات انيانيا اجلنوبية املسلحة فرباير 1962 ومع تصاعد العمليات العسكرية تكونت مؤشرات لدى السودان حول ضلوع الربيطانيني يف دعم احلركات املتمردة على احلكم املركزي حيث تلقى الربيطانيون استفسارا من حسن بشري نصر نائب القائد األعلى للقوات املسلحة السودانية عن حتركات ونشاط الربيطانيني يف الغابات اجلنوبية حيث عثرت القوات املسلحة السودانية علي أمر تنفيذي متعلق بالعمليات العسكرية اعتربه أنه من مصدر 522 بريطاين. ومل يكن التحرك الربيطاين يف اجلنوب عن طريق رجال اإلدارة وعمالء السفارة فقط بل عن طريق اجلمعيات التبشريية سواء كانت بريطانية أم أمريكية حيث حتدث الرئيس السوداين حسن بشري مع السفري الربيطاين عن أن مروحيتني تعمالن لبعثة تبشريية أمريكية شوهدتا ومها حتمالن صناديق شبيهة بصناديق البنادق 519 أرشيف الخارجية المصرية أرشيف الدول السودان ( حمفظة رقم 14 / ملف رقم 7/246/ 2/ سري جدا( أرشيف الخارجية المصرية تقارير املخابرات احلربية ( حمفظة رقم 189 تقرير 57/521/18 (. أماين الطويل العالقات المصرية السودانية جذور المشكالت وتحديات المصالح مرجع سابق ص F.o.371/ Telegram No October1963.

213 ونقل اللواء حسن بشري مع السفري الربيطاين شكوكا داخل حكومته تتعلق باملوقف الربيطاين من اجلنوب وقال)أن هناك شكا يف أن االضطرابات احلالية تضرب جبذورها يف السياسة الربيطانية يف املاضي( لكن السفري الربيطاين أكد لبشري بشكل قاطع قائال:) أن السياسة الربيطانية اليوم هتدف إىل سودان متحد وأننا ال نؤيد 523 احلركات االنشقاقية املسلحة(. ونفس املوقف أعرب عنه حسن بشري للسفري األمريكي رونرتي عن اعتقاده أن بعض املبشرين يدعمون املتمردين يف اجلنوب من دون أن حيدد هوية هؤالء املبشرين وال جنسياهتم ويبدو أن هذه املؤشرات 524 كانتكافية لدفع احلكومة السودانية إىل طرد املبشرين األجانب يف مارس على العموم ميكن القول أن الدور الربيطاين يف هناية الستينات اقتصر علي متابعة املوقف يف جنوب السودان من دون التدخل املباشر حيث رفض القيادي يف حركة انيانيا احلصول على دعم سياسي ومادي من بريطانيا وكان ذلك يف أعقاب بلورة بريطانيا موقفها السياسي إزاء اجلنوب بأهنا ال تستطيع التضحية بإفريقيا 525 السمراء مقابل أفريقيا السوداء. وميكن القول إن مشكلة جنوب السودان ت عد من أخطر املشكالت اإلقليمية تعقيدا على مستوى القارة األفريقية والوطن العريب إذ تدخلت فيها عوامل كثرية منها ما هو خارجي إقليمي ودويل ومنها ما هو داخلي سياسي اقتصادي ثقايف دميقراطي وجغرايف باإلضافة إىل سلسلة من األخطاء اليت وقعت فيها احلكومات الوطنية املتعاقبة ناهيك عن الدور السليب لبعض قيادات املعارضة اجلنوبية اليت جعلت من اجلنوب مدخال لالبتزاز واملساومات وبوابة للتدخل األجنيب يف شئون السودان الداخلية هبدف عرقلة الوحدة الوطنية والتنمية االقتصادية واالجتماعية وإحداث شرخ يف العالقات األفريقية العربية من أجل حتقيق أهداف ومصاحل دول إقليميه على حساب تنمية وتطور السودان. 523 F.o.371/ ,Received in Archives, 10 October فرانسيس دينق دينامية الهوية أساس التكامل الوطني في السودان ترمجة حممد علي جادين القاهرة 1999 ص 51. جمدي محاد حسني مصر والسودان مرجع سابق ص 13

214 والواقع أن ما جيري يف السودان خطر داهم على مشاله وعلى مصر وعلى اإلسالم والعروبة إهنا خطة استعمارية مركزة لوقف املد اإلسالمي ومنع توحد العرب واألفارقة فكان اجلنوب له نصيب األسد يف هذا املخطط اجملرم فهو احلاجز األساسي أمام متدد احلضارة العربية اإلسالمية من أخطر معاقلها من مصر ومن وادي النيل الذي شكل قطبا حضاريا مصريا سودانيا قبل أن تعرف أوربا لنفسها أمسا أو مكانا على 526 اخلريطة. وباعتبار أن السودان يقع يف قلب القارة األفريقية وميثل أكرب الدول األفريقية مساحة وثروة طبيعية وسكانا وحدودا تتصل بتسع دول أفريقية ما جيعل عالقاته تتأثر بأوضاعه الداخلية وتبعا هلذا جند أمن مشكلة جنوب السودانكانت ومازالت تلقي بظالهلا على العالقات السودانية األفريقية حىت وقتنا احلايل بعد انفصال اجلنوب فتداعيات هذه املشكلة حالت دائما دون تأكيد السودان النتمائه للقارة األفريقية فقد نشبت يف أوقات خمتلفة نزاعات وصراعات عرب األنظمة املتعاقبة يف السودان مع عدد من الدول األفريقية بسبب دعم بعض تلك الدول ومساندهتا حلركات التمرد اجلنوبية املتعاقبة ولعل ضعف االهتمام بالعالقات مع عدد كبري من الدول األفريقية البعيدة يرتبط بضعف تأثريها على مشكلة جنوب السودان وتبع ذلك التمثيل الدبلوماسي يف عدد من الدول 527 األفريقية. مشكلة دارفور والدور المصري إن الصراع يف إقليم دارفور ليس طارئا جديدا على اإلقليم فهو ظاهرة مالزمة لإلقليم منذ الق دم إال أن الصراع يف هذه الفرتة ارتقى إىل مستوى األزمة لعدة أسباب منها جغرايف وسياسي وآخر اقتصادي وهذه جمدي محاد حسني مصر والسودان مرجع سابق ص 13. عمر صديق بشري سياسة السودان الخارجية مرجع سابق ص 165.

215 األسباب متداخلة مع بعضها وقد أسهمت يف إجياد البيئة املواتية لنشوء الصراعات إىل أن خرجت املشكلة 528 عن نطاق السيطرة. تعد مشكلة دارفور واحدة من املشاكل اليت تواجه مصر والسودان ومن املعروف أن هذا اإلقليم ي عد من األقاليم املهمة حيث يرتبط أمن مصر بتطورات األحداث فيه وميكن ملصر العربية أن تلعب دورا مهما يف حل مشاكل اإلقليم من خالل الدبلوماسية املصرية ومتانة عالقاهتا اخلارجية ومكانتها يف احمليط العريب 529 واإلفريقي والعاملي. وميثل دارفور مخس مساحة السودان وهي تعادل مساحة فرنسا وميتد اإلقليم تارخييا من خط عرض مشاال إىل خط العرض 16 مشاال ومن خط الطول 22 شرقا إىل خط الطول مثلثا متتد شرقا مشكال مساحته على 450 ميال طوال و 350 ميال عرضا يف أوسع حدودها السياسية وتقع والية دارفور غرب السودان يف مساحة تقدر بنحو ميال مربع ا وجتاورها من ناحية الشرق الوالية الشمالية ووالية كردفان ومن اجلنوب والية مشال حبر الغزال وغرب حبر الغزال ومن الشمال الغريب حتدها ليبيا ومن جهة الغرب مجهورية تشاد ومن اجلنوب الغريب مجهورية إفريقيا الوسطى هذا الوضع جعل من منطقة دارفور منطقة مفتوحة 530 على ثالث أقطار متداخلة إثنيا وثقافيا. 528 حسان عبد اهلل علي غالب صدام الحضارات " دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق: حالة السودان 1993 م 2006 م " مرجع سابق ص حامت الصديق حممد الدور المصري في حل مشكلة دارفور مؤمتر ثورة 25 يناير 2011 م معهد البحوث والدراسات األفريقية القاهرة 2011 م ص مصطفى عثمان إمساعيل كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور جريدة الشرق األوسط العدد ص 19.

216 يبلغ عدد السكان يف دارفور ستة ماليني نسمة ينتمون إىل قبائل عدة يبلغ عددها 80 قبيلة منقسمني لعرب وأفارقة يضم القسم األول القبائل اجلنوبية وهم يقومون بالزراعة ومنهم قبائل الغور واملساليت 531 والزعاوة والربصق والتاما وقبائل عربية رعوية يف الشمال مثل التعايشة والرزيقات وبنو هابة وملسرية. النزاع يف دارفور قدمي بسبب مشكالت املياه والرغبة يف إجياد مناطق للرعي مما أدى إىل نشوب النزاعات منذ أيام سلطنة الفور بني قبائل الفور الزراعية وبني القبائل الرعوية مثل الرزيقات ومن املعلوم أن حياة الرعاة اخلشنة تعتمد على الرتحال يف الفصول اجلافة فكانت تلك القبائل تنتقل حباشيتها حنو اجلنوب يف جهات حبر العرب ويعودون يف فصل املطر للشمال وكان سالطني الفور يرون أن األرض اليت ينزل فيها الرزيقات ملك هلم وبالتايل فإن عليهم أن يدفعوا الضرائب عن فرتة إقامتهم وكان الرزيقات يتهربون من دفع الضرائب فأدى هذا إىل حدوث صراع مرير بني الرزيقات وغريهم من الرعاة الذين جيوبون اإلقليم حبث ا عن املاء 532 والكأل وبني الزارعني الذين تتعرض مزارعهم النتهاكات الرعاة. وقد اعتادت حكومات دارفور عرب التاريخ أن ترسم للرعاة مسارات حبيث ال يعتدوا على أراضي املزارعني ومع ذلك كثري ا ما حيدث التعدي من جانب الرعاة مما يستوجب عقد اجملالس العرفية واملؤمترات القبلية اليت حيكم فيها شيوخ القبائل واألجاويد وقد اعتاد رجال القبائل فرض دية يدفعها املعتدي أو املعتدون على احملاصيل الزراعية أو على أصحاهبا املزارعني خاصة يف حالة وقوع حوادث قتل وقد اشتد اخلالف بني القبائل وبدأ من القبائل الشمالية بعد ما كانت األمطار تسقط بشكل طبيعي وكانت مناطق الشمال تسقط فيها أمطار كثرية تغري املناخ وبدأت نسبة األمطار تقل يف الوقت الذي كانت فيه قبائل اجلنوب مساحات الزراعة هبا حمدودة وتسمح بسري القطعان يف املراحيل بشكل سهل مث ازداد األمر صعوبة مع قلة األمطار 531 شوقي عطا اهلل اجلمل تاريخ سودان وادي النيل حضارته وعالقاته بمصر من أقدم العصور إلى الوقت الحاضر مكتبة األجنلو املصرية ط 1 القاهرة 2008 م ص 894. السيد فليفل مشكلة دارفور بين التدخل الدول واألزمة الداخلية املركز العاملي لدراسات وأحباث الكتاب األخضر ديسمرب م ص 160.

217 واجلفاف اضطر املزارعون لزراعة هذه املسارات ومع اجلفاف يف الشمال اضطر الرعاة النزول للجنوب واملرور 533 من املناطق الضيقة ومن هنا بدأ حيدث التعدي على األراضي الزراعية مما أوجد خالف ا بني القبائل. تعمق اخلالف بني قبائل الفور أو الدنكا ملوال اجلنوبية اليت كانت تنشأ على أراضي املراعي والصيد و أثناء احلكم الثنائي مت إصدار قانون املناطق املغلقة 1922 م والذي نص على منع نزول القبائل العربية الشمالية إىل خط 10 ه مشال خط االستواء أو صعود القبائل اجلنوبية الزجنية إىل مشال هذا اخلط إال بأمر هذا احلاكم العام أو ممثله فخلق هذا القانون فاصال جغرافيا وبشريا ونفسيا بني القبائل الشمالية العربية واجلنوبية غري العربية ويف 1924 م مت ترسم احلدود بني الفور أو الدنكا ملوال والرزيقات مبوجب اتفاقية اعرتفت حبق الرزيقات التارخيي يف التواجد يف البقعة من األرض املمتدة جنوب حبر العرب ب 14 ميال وقد أعطت االتفاقية 534 يف ذات الوقت الدنكا احلق يف الورود إىل حبر الغزال بإعادة النظر يف االتفاقية العتبارات سياسية. يضاف إىل ما سبق حدوث جمموعة من األخطاء يف إدارة شئون السودان من قبل اإلدارة السودانية بعد االستقالل متثلت يف إلغاء املسألة املتعلقة باإلدارة األهلية اليت كانت وسيلة اإلجنليز لضبط شئون 535 السودان مبعىن ترك األمر حلكام من القبائل ومن خالل تلك اإلدارة كان احلاكم الربيطاين يدير احلكم وكانوا يصفون هذه اإلدارة بأهنا أقل تكلفة إدارية ميكن أن يتعامل معها أي نظام حاكم ولكن هذه اإلدارة تقلصت إىل أن ألغيت أيام الرئيس جعفر منريي ومعىن هذا أن اجملتمع الدارفوري مل يعد ميتلك اآللية األهلية 536 البسيطة للتصرف يف مواجهة حاالت هنب املاشية. ومن األمور اليت فاقمت مشكلة دارفور أن حكومات السودان املتعاقبة منذ االستقالل 1956 م قامت بتوقيف بعض مشروعات التنمية مثل مشروع جبل مرة ومشروع سابق النعام ومشروع الغزالة وهيئة تنمية زكي البحريي مشكلة دارفور مكتبة مدبويل ط م ص 51. شارل فؤاد املصري حوار مع زكي البحيري حول أزمة دارفور جريدة املصري اليوم العدد مارس 2009 م ص 11. عبده خمتار موسي دارفور من أزمة دولة إلى صراع القوى العظمى مركز اجلزيرة للدراسات الدوحة 2009 ص 123. صالح فضل مشكلة دارفور في السودان كتاب اجلمهورية القاهرة 2004 م ص 23.

218 غرب السفانا وكبكابيه كل هذه املشروعات توقفت رغم قلتها وأصبحت دارفور خالية من مشروعات التنمية يف ظل التزايد السكاين يف العقدين األخريين واستمرار القوانني القبلية املوروثة واليت أعطت كل قبيلة حاكوره أو إقطاعية الستغالهلا دون مراجعة لنظام احلواكري أو اإلقطاعيات القائمة منذ أيام سالطني الفور بشكل يتناسب 537 مع التعددات االقتصادية يف جمال الزراعة والرعي. كذلك نشوب احلرب األهلية يف جنوب السودان واستمرارها من 1955 م حىت انعقاد مؤمتر أديس أبابا 1972 م حيث أصد قانون وضع حدأ للحرب األهلية ومنح املديريات اجلنوبية الثالثة احلكم الذايت ومبوجب هذا القانون مت إنشاء اهليئات التشريعية اخلاصة باإلقليم اجلنويب وإنشاء اجمللس التنفيذي العايل 538 االنتقايل الذي مشل باإلضافة إىل رئيسه احد عشر وزيرا إقليميا وحيت عام 1983 م قتل ما يزيد عن مليون شخص وهجرة مايقرب من 2 مليون شخص لشمال السودان وأنفاق أكثر من مليون دوالر يوميا على اجلانبني 539 مما أنعكس على مشروعات التنمية. وهنا تنبع أمهية تناول قضية دارفور يف الوقت الراهن من حقيقة أساسية وثابتة وهي أن االهتمام باألمن القومي املصري يوجب علينا االهتمام باألمن جنوب مصر وليس فقط األمن الشرقي وعلى هذا األساس دخل السودان دوما دائرة اهتمام املعنيني باألمن القومي ملصر فمع بداية عملية املفاوضات يف قضية جنوب السودان ومع تركز األضواء على ما حيدث يف غرب السودان أصبح من اجللي أن األمن القومي املصري يستوجب النظر إىل ما يأيت من اجلنوب يف هذه اآلونة من حلظات تطور األمن القومي العريب كليا واألمن القومي املصري يف جوهره. 537 زكي البحريي مشكلة دارفور مرجع سابق ص التيجاين سيسي حممد الحكم اإلقليمي بالسودان تجربة إقليم دارفور أحباث ندوة تقييم التجارب الدميقراطية يف السودان 538 القاهرة 1993 ص صالح فضل مشكلة دارفور في السودان مرجع سابق 24.

219 ص ترى مصر أن دارفور جزء من السودان وتنظر ألبناء اإلقليم مجيعا سواء من ينتمي منهم إىل جذور عربية أو إىل جذور افريقية باعتبارهم مواطنني سودانيني وليس وفقا للتصنيفات اليت قسمت سكان اإلقليم إىل عرب وأفارقة وصورت الصراع على أنه عريب أفريقي وال تنظر مصر على أنه صراع قبلي أو عرقي بل تنظر إليه على أنه جمموعة من الظروف التقت مع طبيعة اإلقليم القاسية. تمثلت الجهود التي قامت بها مصر اتجاه السودان في قضية دارفور يف العديد من األبعاد منها 541 البعد األمين والسياسي واإلنساين : البعد األمني: 1. متثل فيما قدمته مصر من مساعدات لألجهزة األمنية السودانية لرفع كفاءهتا وحماولة إقناع املليشيات املسلحة بالتخلي عن العمل املسلح وحماولة الدخول يف مفاوضات. البعد السياسي: 2. إجراء العديد من االتصاالت واملشاورات مع العديد من الدول اإلقليمية أو الدول األجنبية أو احلكومة السودانية وحماولة تقريب وجهات النظر أمال يف التوصل يف حل سلمي. 3. البعد اإلنساني: قدمت مصر العديد من املساعدات لالجئني من قبيل املساعدات الطبية والغذائية من أجل التخفيف عن معاناهتم فإهنا مل تدخر جهدا من أجل حل الصراع سواء على املستوى األمين أو السياسي أو اإلنساين ولكن ذلك يف نظر السودان مل يرقى إىل 542 املستوى املطلوب 540 السيد فليفل أزمة دارفور األصول والمواقف معهد البحوث والدراسات األفريقية القاهرة 2005 ص 18. امحد مخيس كامل دارفور بين الضغوط الخارجية واالستجابة الداخلية جملة السياسة الدولية العدد 177 القاهرة ص عبد اهلل األشعل السودان المحكمة الجنائية الدولية القاهرة بدون ناشر ط

220 ولذا فمن الطبيعي أن يأيت املوقف املصري داعما ومساندا للسودان يف كل ما حيفظ له أمنه وسالمته واستقراره ووحدة أراضيه وبالتايل فإن دور مصر فيما يتعلق بأزمة دارفور تدور حول الوقوف ضد أي سعي لتدويل أزمة دارفور وضرورة التزام اجلهود الدولية كافة خطى ثابتة حيرتم سيادة السودان ووحدة أراضيه وكذلك احلرص على معاجلة األزمة يف إطار أفريقي عريب وعدم اللجوء إىل استخدام القوة ورفض االلتجاء إىل تطبيق عقوبات دولية على احلكومة السودانية كآلية حلل األزمة أو حتسني األوضاع اإلنسانية للمتضررين من 543 السكان. وكذلك عملت مصر على ضرورة التوصل إىل اتفاق سالم شامل وعادل بني احلكومة السودانية وحركات التمرد اليت حتمل السالح يف دارفور من أجل حتقيق السالم يف كافة أحناء اإلقليم. وما فتئت احلكومة املصرية جتسد هذا الدور يف خمتلف احملافل اإلقليمية والدولية ويف القمم األفريقية العامة واملصغرة ويف الوفود الزائرة إلقليم دارفور واملشاركة يف أعمال اإلغاثة وعمل كل ما من شأنه جتنيب السودان أية خماطر تضر مبصاحله السياسية واالقتصادية والواقع أن احلفاظ على وحدة السودان هي يف احلقيقة احلفاظ على كيان مصر ذاهتا وعلى ب عدها االسرتاتيجي خاصة وأن مؤسسات ومشروعات التكامل بني مصر والسودان تسري سريا سريعا حنو 544 حتقيق أهداف اقتصادية مشرتكة بني البلدين. وانطالقا من موقف مصر الرافض ألي تدخل أجنيب يف شؤون السودان داخليا ألن ذلك ميس أمن السودان ومصر بالدرجة األوىل وقد صرحت مصر بشأن وضع دارفور بالقول "إن القيادة املصرية ورجال الدبلوماسية يف مصر عملوا كل ما يف وسعهم لتجنيب السودان أية خماطر" وكذلك رعت مصر احملادثات بني احلكومة السودانية والتجمع السوداين املعارض يف القاهرة إىل أن مت التوصل إىل اتفاق هنائي والذي تضمن عبد اهلل األشعل السودان المحكمة الجنائية الدولية مرجع سابق ص 13. مجال عنقرة ست البنات حسن مصر ومعركة السودان الدولية القاهرة بدون ناشر ط ص 34.

221 ضرورة حل مجيع قضايا السودان برؤية قومية واحدة ونص على مشاركة مجيع ممثلي التجمع يف وضع دستور 545 السودان املؤقت واالشرتاك يف احلكومة االنتقالية. واتساقا مع هذه احلقائق يذكر أحد الباحثني أنه سأل أحد اهلولنديني الذين يعملون يف جمال اإلغاثة عن سبب أزمة دارفور يف السودان فرد علية قائال: "إن سبب هذه األزمة واحلروب املرتتبة عليها هو سبب إعالمي يف املقام األول فاإلعالم الغريب قد ضخم املشكلة وعرضها بالصورة اليت ختدم مصاحلة وتربر تدخله يف غياب اإلعالم الوطين والعريب خاصة التليفزيون السوداين عن كثري من مناطق هذا البلد الكبري خاصة القاطنني يف أطرافه الذين ينظرون إىل أحواهلم السيئة وال يعرفون شيئا عن إخواهنم اآلخرين مما جيعلهم يعتقدون 546 أهنم الوحيدون احملرومون من التنمية". ويف احلوار الذي أجراه الصحفي حممد أمني املصري مع وزير اخلارجية السوداين مصطفى عثمان إمساعيل املنشور جبريدة األهرام أكد الوزير على أنه إذا كان املستفيد األول من قيام احلروب والصراع يف دارفور هي القوى األجنبية ويف مقدمتها الواليات املتحدة فإن املستفيد األول من وقف احلرب األهلية يف دارفور هم األهايل يف دارفور أنفسهم أوال وشعب السودان ثانيا بل إن أمر استقرار هذه املنطقة سوف ينعكس إجيابيا على الدول األفريقية اجملاورة للسودان مثل مصر وتشاد ومجهورية أفريقيا الوسطى وأريرتيا وأثيوبيا وأوغندا وعلى 547 املنطقة العربية بكاملها. دور الصهاينة في إثارة المشاكل: األهرام 4 أغسطس 2004 م. املعتصم امحد علي األمني مرجع سابق ص 29. زكي البحريي مشكلة دارفور مرجع سابق ص 106.

222 إن التقديرات الصهيونية من بداية استقالل السودان أشارت إىل أنه جيب أن ال يسمح هلذا البلد على الرغم من بعده عن الصهاينة أن يصبح قوة مضاعفة إىل قوة العامل العريب ألن موارده إن استثمرت يف ظل أوضاع مستقرة ستجعل منة قوة حيسب هلا ألف حساب ويف ضوء هذه التقديرات كان على الكيان الصهيوين أو اجلهات ذات العالقة أو االختصاص أن تتجه إىل هذه الساحة وتعمل على تفاقم األزمات وإنتاج أزمات جديدة حىت يكون حاصل هذه األزمات معضالت يصعب معاجلتها فيما بعد وهتدف الصهاينة من ذلك إىل السيطرة على السودان بصورة مباشرة أو غري مباشرة والتحكم مبوارده الطبيعية وزيادة ضغطها علي مصر 548 وحرماهنا من عمق اسرتاتيجي مهم هلا. إن العالقات املصرية السودانية قضية واسعة ومتعددة اجملاالت لذا تتعدد إليها السبل بغية الوصول إىل اهلدف األساسي منها وهو التعاون بني الدولتني على كافة املستويات االسرتاتيجية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية وذلك من أجل حتقيق أكرب قدر ممكن من املصلحة للطرفني فربغم األزمات اليت شابت العالقات املصرية السودانية ظل االرتباط املباشر بني أمنهما حقيقة بل أكثر من ذلك برز عمق العالقات اإلنسانية بني الشعبني نسبا وثقافة وتارخيا حيث استقبلت مصر بكل ترحاب أعدادا غفرية من األخوة السودانيني من مجيع املشارب واالجتاهات الفكرية بعائالهتم وأمواهلم واستثماراهتم وكذلك استقبلت السودان اهلجرات املصرية املتجهة اليها يف 549 كل األوقات من مث حيدد هذا الواقع اخلاص للشعبني منهجا تناول موضوع العالقات املصرية السودانية حبيث يصبح الرتكيز على حتليل العالقات بني احلكومات فقط قاصرا عن تبيان حقيقة هذه القضية احليوية فيتحتم إذا أن نوسع من رؤيتنا ونتناول العالقة بني القوى السياسية والشعبية يف الدولتني وطبيعة نشأهتا مث نستنتج من هذه اجلذور نقاط القوة والضعف يف هذه العالقات مث خنتم بتصور ثوابت موضوعية ميكن أن تقوم 548 عامر خليل أمحد عامر السياسة الخارجية األسرائيلية الصهيونيية تجاه أفريقيا مركز الزيتونة للدراسات واالستشارات بريوت 2011 م ص عامر خليل أمحد عامر املرجع نفسة ص 133.

223 عليها عالقة دائمة ومستقرة بني القطرين الشقيقني يف إطار مؤسسي ال يتأثر بتغري احلكام وأمزجتهم 550 الشخصية. وترى الباحثة أن املشكالت واألزمات بني البلدين كانت تثار فرتة وختمد فرتة أخرى كأن مل يكن هلا وجود ويرجع ذلك إىل عجز اجلانبني املصري والسوداين التوصل إىل صيغة مشرتكة بينهما لتكون العالقات على وترية واحدة باإلضافة إىل إغفال الكثري من النقاط عند حل املشكالت بني اجلانبني والنظر إىل نقاط دون أخذ األخرى باالعتبار و أن اجلانبني املصري والسوداين قد أخطآ يف فهم طبيعة العالقة والبد من وضع اسرتاتيجية للعالقات بني اجلانبني تساعد على فهم وحل هذه املشكالت حبيث تكون هذه االسرتاتيجية مبنية على تكافؤ يف مستوى املواقف كل جانب جيب أن ينال فرصته من التنمية والثروات بني اجلانبني. الخاتمة: 550 عامر خليل أمحد عامر السياسة الخارجية األسرائيلية الصهيونيية تجاه أفريقيا مرجع سابق ص 133.

224 لقد أظهرت دراسة التطورات يف العالقات املصرية السودانية من 1952 م 1970 م مجلة من احلقائق واالستنتاجات اليت ميكن إمجاهلا على النحو التايل: بني هذا البحث مسرية العالقات السودانية املصرية واألسس اليت بنيت عليها واليت متثلت يف ق دم الوعي املصري بأمهية السودان بالنسبة ملصاحلها االسرتاتيجية وإدراك مصر التام لتلك املصاحل كما متثلت من جانب السودان يف تطلعه احلضاري حنو مصر باعتباره مهد احلضارتني العربية واإلسالمية وكذلك كان اجتاه السودان ملصر يغلب عليه السياسة العاطفية األمر الذي أدى إىل خلق عدم توازن يف العالقات بني البلدين فقد بنيت السياسة السودانية اخلارجية جتاه مصر يف أحيان كثرية على اجلانب الوجداين والعاطفي املرتبط بالسودان 551 احلضاري حنو مصر منذ الق دم. وأوضح أن البلدين حيتالن مركزا اسرتاتيجيا فريدا يف ميزان املصاحل الدولية حيث وقف البحث يف هذا الصدد على أمهية مصر االسرتاتيجية من حيث املوقع الفريد والتاريخ الضارب يف القدم واملكانة العلمية والثقافية والسياسية اليت جعلتها قائدة للنظام اإلقليمي العريب أمام كل تلك العوامل جعلت البلدين يف حمط أنظار القوى العظمى األمر الذي اقتضى ضرورة التنسيق بينهما لتحقيق مصاحلهما املشرتكة يف اإلطار اإلقليمي والعاملي. وقد تناول تاريخ العالقات املصرية السودانية حىت عهد حممد علي باشا عندما غزا السودان عام 1821 م إذ مث ل ذلك التاريخ بداية السودان احلديث كما أنه بداية ملرحلة العالقات الشائكة بني مصر والسودان. 551 كما مر معنا يف البحث.

225 وتناول البحث اهتمام بريطانيا بالسودان منذ وقت مبكر يرجع إىل الفتح املصري له وتطورت السياسة الربيطانية مبرور الوقت حىت أصبحت ملموسة وواضحة وكذلك عملية سحب القوات املصرية من السودان إثر جناح الثورة املهدية مقصودا به إثبات فشل سياسة احلكم الرتكي املصري يف السودان. وخالل فرتة حكم املهديني انتهجت بريطانيا سياسة مسحت مبنح بعض النفوذ هلا أو لدول أخرى كإيطاليا يف شرق السودان أما السودان الذي حكمه املهديون فقد ظلت بريطانيا بعيدة عنه ومرتقبة له مث متت استعادة السودان جبيوش وأموال أغلبها مصري وأشركت بريطانيا مصر يف استعادة السودان حىت ال تثري عليها احتجاج تركيا والدول االوربية. وقد مت االتفاق على أن يدار السودان مبوجب االتفاقية الثنائية اليت عقدت بني مصر وبريطانيا عام 1899 م ومل تكن يف نية بريطانيا أن تكون مصر شريكا هلا يف إدارة السودان باملعىن املفهوم للمشاركة وإمنا ارادت االستفادة من وجود مصر معها ففي وجودها إظهار أن إجنلرتا مل تلتهم السودان وتستويل عليه عنوة. ورغم توقيع احلكومة املصرية على اتفاقية احلكم الثنائي اليت أملتها عليها بريطانيا وموافقتها على رفع العلم الربيطاين جنبا إىل جنب مع العلم املصري يف اخلرطوم وعلى أن يطلق على السودان رمسيا اسم السودان اإلجنليزي املصري فإن املصريني الذين أصيبوا خبيبة أمل كبرية لتوقيع تلك املعاهدة اليت مل حتقق هلم طموحاهتم يف عودة السيادة املصرية الكاملة على السودان فقد ظلوا يعملون على تعديل بل إلغاء تلك املعاهدة لتحقيق تلك الغاية. لقد ظل الود بني الشعبني أكيدا وباقيا ومستمرا رغم ما حدث وحيدث بني أنظمة احلكم من خالف وما يعرتيها من توتر وخصام بسبب تضارب املصاحل احمللية واختالف وجهات النظر حول القضايا السياسية. وهذا األمر يبلور خصوصية هذه العالقة ويؤكد أصالتها وعمقها ودليل قاطع على حاجةكل منهما لآلخر. وتناول البحث ثورة 1919 م يف مصر حيث وقف الشعب املصري يف مواجهة الوجود الربيطاين وضاقت بريطانيا بالثورة املصرية الشاملة وفشلت يف قمعها ومل يكن السودان بعيدا عن تطورات األحداث يف مصر والعامل حيث حتركت روح الثورة يف السودان وقامت اجلمعيات الوطنية السرية والعلنية فكانت اإلجراءات

226 الربيطانية هتدف إىل منع تطور عالقات الصداقة بني طريف وادي النيل مما ظل أثره يفرض ذاته بفعل السياسة الربيطانية على مصر والسودان مثكانت معاهدة 1936 م واليت ع قدت يف ظروف دولية جديدة مما أدى إىل تغيري شكل العالقات بني مصر والسودان وبريطانيا. لقد عملت مصر على إبقاء السودان حتت سيطرهتا مبختلف الوسائل السياسية منها والعسكرية فركزت على دعوات الوحدة والتكامل واالستقالل حتت التاج املصري يف أحيان كثرية ويف أحيان أخرى استخدمت القوة العسكرية لإلغارة على السودان وإخضاعه سواء أكانت منفردة أم باالستعانة بالقوى األخرى كاألتراك والربيطانيني وقدكان ذلك طابع العالقات الثنائية يف الفرتة اليت سبقت استقالل السودان. إن ارتباط البلدين ببعضهما هو ارتباط وثيق تتحكم فيه كثري من العوامل اليت جعلت من السودان عمقا اسرتاتيجيا وأمنيا ملصر ومن مصر عمقا اسرتاتيجيا وأمنيا للسودان يتأثر مبا جيري يف مصر من أحداث وكذلك احلال بالنسبة ملصر تتأثر مبا جيري يف السودان. وبعد قيام الثورة املصرية 23 يوليو 1952 م قررت احلكومة اجلديدة يف مصر حق تقرير املصري للسودان. وتأكيدا هلذه اخلصوصية وتلك االصالة فقد سعت الدولتان منذ استقالل السودان وحتت مسميات خمتلفة )وحدة وادي النيل إزالة اجلفوة املفتعلة ميثاق التكامل( إىل تقنني هذه العالقة وتطويرها اعرتافا بأمهيتها وضرورهتا غري أهنا مجيعا مل تكلل بالنجاح. كشف االنقالب العسكري األول تعطش اجليش للسلطة السياسية وهلذا بدأ مبحاربة مجيع النشاطات السياسية فقام بتعطيل الدستور واألحزاب السياسية وفرض االحكام العرفية والسري بالبالد على طريق الدكتاتورية العسكرية. كانت ثورة أكتوبر 1964 م تعبريا عن االستياء الشعيب العميق ضد سياسات االنقالبيني وهي ثورة فجرها الغضب اجلماهريي وسامهت فيها القوى السياسية ذات األهداف املتباينة.

227 عندما وقع انقالب مايو 1969 م وتسلم الضباط األحرار السلطة بقيادة جعفر النمريي عم ل على تأسيس حكم جديد إال أن ما حتقق على أرض الواقع غري ذلك حيث مر النظام بتقلبات سياسية عديدة فقد شهدت هذه الفرتة كثريا من األحداث يفكال البلدين فتشكلت معامل بارزة يف تاريخ العالقات بني البلدين. وأخريا وقف البحث على املشاكل احلدودية بني البلدين حيث أوضح املبحث األول مشكلة احلدود بني مصر والسودان ومشكلة حاليب ودور احلكومات املصرية والسودانية يف حل تلك املشكلة وأوضح املبحث الثاين مشكلة جنوب السودان ودور االستعمار األوريب والصهاينة يف تضخيم املشكلة وتدويلها. أما املبحث الثالث فقد أوضح مشكلة دارفور والدور املصري والعريب يف حلها. وبني هذا العرض عمق الصالت التارخيية بني مصر والسودان وكيف جتسدت هذه العالقة يف وحدة املعتقد والتماثل احلضاري والثقايف والتقارب العرقي الذي أفرزه جوار جغرايف وتداخل حضاري. وأخريا ميكن أن نقول إن العالقات املصرية السودانية هي وليدة ظروف تارخيية واقتصادية وسياسية خمتلفة ومعقدة أث رت يف كال البلدين تأثريا عميقا وكانت هلا انعكاساهتا اآلنية واملستقبلية سواء أكانت إجيابية أو سلبية.

228 التوصيات بعد هذا الطرح للعالقات المصرية السودانية نوصي بعدد من المقترحات والتوصيات من أجل مستقبل أفضل للشعبين المصري والسوداني ومنها: أوال: إن العالقات السودانية املصرية هي عالقات أزلية وليست فيها خيارات للحكومات أو الشعوب وليس هلا أي خيار سوى اخليار الذي خيدم مصلحة البلدين من كل النواحي والبلدان ميثل كالمها البعد األمين والغذائي واالقتصادي لآلخر إىل جانب التاريخ املشرتك وعليه حنن نرى أن التغيري الذي حدث يف مصر اآلن بفوز عبد الفتاح السيسي بالرئاسة يرتب عليه مسؤولية مجع الصف الوطين يف مصر ألن استقرارها يعين استقرار السودان والعكس صحيح وهذا يقابله يف السودان أيضا دفع مسرية احلوار الوطين لتكون الرؤى واضحة والقضايا متفقا عليها لتشكل مسرية السودان ونتيجة احلوار ستفضي إىل توافق عام يف كل امللفات من بينها ملف التوجه اخلارجي ألن املصلحة السودانية العليا ميكن أن تشكل مصلحة عليا مشرتكة لرئيسي البلدين فيعود باملصلحة احلقيقية لشعب وادي النيل. إن ثانيا: مستقبل العالقات بني مصر والسودان مشاال وجنوبا حتدده االجنازات اليت يتم حتقيقها يف ملفات اسرتاتيجية مثل املياه واألمن والكهرباء والتنسيق السياسي ملنع التدخالت اخلارجية باإلضافة إىل أمهية التمثيل الدبلوماسي املتميز مع وضع آلية سريعة للتعامل مع كافة التحديات اليت يتعرض هلا مستقبل السودان بعد إعالن دولة اجلنوب. ثالثا: إن مستقبل العالقات بني مصر والسودان مشاال وجنوبا جيب أن يكون وفق املعطيات احلالية واملؤثرات العاملية واإلقليمية خصوصا مع وجود عراقيل يف هذا الوقت من بعض دول حوض النيل ملصر والسودان مدفوعة بدعم من الدول األوروبية ذات املصاحل واليت تتخذها كضغوط لتسوية ملفات أخرى إقليمية وعاملية ومن هذا املنطلق البد من النظر إىل أمر العالقة من زاوية جديدة وب عد نظر يضمن املصاحل لكل من مصر والسودان الشمال واجلنوب.

229 رابعا: إن مصر تستطيع أن تلعب دورا اجيابيا يف خلق روابط اسرتاتيجية قوية بينها وبني دوليت اجلنوب والشمال واحلفاظ على سالمة قيام وتأسيس الدولة اجلديدة واحلد من احلروب الداخلية وانتشارها ملا يسببه ذلك من زعزعة لألمن القومي يف وادي النيل باإلضافة إىل أن مصر والسودان قامتا بعمل معاهدة تقسيم مياه النيل منذ عام 1959 فمن املفرتض أن يرث هذا اجلزء املعاهدات اليت قامت الدولة األم بالتوقيع عليها وبالتايل سريث االلتزامات املوجودة ناحية الطرف الثاين من االتفاقية إال إذا تطور األمر وبدء عمل اتفاقيات جديدة وإىل أن حيدث هذا سيظل عامل املصلحة مسيطرا على العالقات مع اجلنوب لكن أهم شيء يف املرحلة املقبلة هو توطيد العالقات بني مصر وجنوب السودان ألن هذا األمر سيوفر األمن املائي املرتبط جديا باألمن القومي املصري. خامسا: إن مستقبل العالقات املصرية السودانية مفتوح على كل االحتماالت فهي قابلة لإلصالح والتطور ويف الوقت نفسه قابلة ألن تسوء فمستقبلها رهن بالسياسات اليت سيتبعها النظام اجلديد يف السياسات اخلارجية يف كل من مصر والسودان إال إنين أرى جلي ا أن األمر يف يد مصر أكثر منه يف يد السودان وهناك احتمال أن تسري العالقات بنمط دبلوماسية الرئيس السابق حسين مبارك وقبول السودان والتعامل معه بالقدر املمكن وهناك احتمال أن يكون جزءا من محلة دولية تعارض أيديولوجية الوضع يف السودان ومصر إال أن املتوقع أن ي غ ل ب احلكم املصري اجلديد املصاحل املصرية ويضع ملسألة مياه النيل األولوية وبالتايل ال بد له من أن يتعامل مع السودان وفق هذه املعطيات. سادسا: بالنسبة ملشكلة احلدود ليس من املتوقع أن يأيت احلكم املصري اجلديد جبديد يف هذا املوضوع خصوصا ملف حاليب ولكن أتوقع أن مييل إىل التهدئة علما أنه ال يستطيع االنسحاب منها ولكنه لن يقوم بأي عمل استفزازي وميكنه أيضا أن يقود املسألة إىل التسوية وحل اخلالف بصورة هنائية.

230 المالحق العالقات السياسية المصرية السودانية في عهد عبد الناصر اتفاقية )اجلنتلمان( بني االستقالليني السودانيني 29 أكتوبر 1952 واحلكومة املصرية. كلمة البكباشي مجال عبد الناصر يف نادي السودان 9 ابريل 1953 باملنصورة. وزير الداخلية البكباشى مجال عبد الناصر يستقبل يف 8 سبتمرب 1953 مكتبه سليمان حافظ املستشار القانوين لرئيس اجلمهورية والصاغ صالح سامل وزير اإلرشاد القومي ووزيرالدولة لشئون السودان. نائب الرئيس البكباشى مجال عبد الناصر جيتمع بوزير 16 نوفمرب 1953 اإلرشاد القومي والدولة لشئون السودان الصاغ صالح سامل وحيضران حفل االستقبال الذي أقامه "تيت" مدير شركة شل. وزير الدولة لشئون السودان الصاغ صالح سامل 30 نوفمرب 1953 يصدر تعليقا يرد فيه على البيان الذي أصدره حزب األمة السوداين والذي تضمن انتقادات ملصر فيما خيص استقالل السودان. الرئيس حممد جنيب ورئيس الوزراء البكباشى مجال 12 مايو 1954

231 عبد الناصر حيضران مأدبة اإلفطار يف نادي ضباط القوات املسلحة اليت أقيمت لتكرمي ضيوف مصر من أبناء السودان رئيس الوزراء مجال عبد الناصر يستقبل بدار الرئاسة 24 مايو 1954 وفدا من احتاد السودان. رئيس الوزراء مجال عبد الناصر يستقبل وزيرا األشغال 11 يونيو 1954 والصحة السودانيني حممد نور الدين وحممد أمني حيث مت حبث املسائل اليت هتم البلدين. حضر املقابلة الصاغ صالح سامل وزير اإلرشاد القومي والدولة لشئون السودان واللواء عبد احلكيم عامر. اجتماع يف القصر اجلمهوري لبحث شؤون السودان 12 يونيو 1954 حيضره الرئيس حممد جنيب ورئيس الوزراء مجال عبد الناصر ووزيري األشغال والصحة السودانيني. رئيس الوزراء مجال عبد الناصر على رأس مستقبلي 19 يوليو 1954 رئيس وزراء السودان إمساعيل األزهري ورفاقه لدى وصوهلم القاهرة. رئيس الوزراء مجال عبد الناصر يزور رئيس الوزارة 31 يوليو 1954 السودانية إمساعيل األزهري حيث تناوال تنفيذ اتفاقية السودان بعد إبرام اتفاقية اجلالء مع بريطانيا. رئيس الوزراء مجال عبد الناصر يعقد اجتماعا يف منزله 23 أغسطس 1954

232 حضره العديد من الشخصيات السودانية ووزير الدولة لشئون السودان الصاغ صالح سامل حيث تناول االجتماع عددا من القضايا السودانية واإلسالمية. رئيس الوزراء مجال عبد الناصر يسجل كلمة لشعب 19 أكتوبر 1954 السودان بدار اإلذاعة مبناسبة توقيع اتفاقية اجلالء. رئيس الوزراء مجال عبد الناصر جيتمع يف منزله بعد 9 نوفمرب 1954 من الوزراء السودانيني وقائد الفرقة اجلوية حسني ذو الفقار والصاغ صالح سامل حيث مت التباحث بشأن العالقات املصرية السوداين. رئيس الوزراء مجال عبد الناصر يستقبل يف دار الرئاسة 25 نوفمرب 1954 أعضاء وفد احلزب االحتادي الوطين السوداين حيث مت حبث العالقة املصرية السودانية. رئيس الوزراء مجال عبد الناصر يستقبل املسئولني 27 نوفمرب 1954 السودانيني: السري "سيواير" عضو جلنة احلاكم العام و"بولني البري" وزير الثروة احليوانية و"جوردون أيوب" عضو جملس الشيوخ السوداين حيث مت تناول العالقات بني مصر والسودان. كلمة الرئيس مجال عبد الناصر حتية للسودان. رئيس الوزراء مجال عبد الناصر جيتمع بوزير مالية 20 اكتوبر ديسمرب 1954 السودان األستاذ محاد توفيق حيث تبادال وجهات

233 النظر يف بعض القضايا اليت هتم البلدين. الرئيس مجال عبد الناصر وأعضاء جملس قيادة الثورة 27 يناير 1955 حيضرون االحتفال اخلاص باستقالل السودان والذي دعي إليه السيد بابكر الديب القائم بأعمال سفارة السودان يف مصر. كلمة الرئيس جمال عبد الناصر عند استقباله وفد 24 فرباير 1955 من قبائل شرق السودان. الرئيس مجال عبد الناصر جيتمع بإمساعيل األزهري 18 مايو 1955 رئيس وزراء السودان الرئيس مجال عبد الناصر جيتمع بإمساعيل األزهري 19 مايو 1955 رئيس وزراء السودان لتناول املسائل اجلارية بني شطري الوداي وهي مسائل سياسية واقتصادية ومسائل خاصة باتفاقية مياه النيل. مصر تقدم احتجاجا شديد اللهجة إىل احلكومة 23 أكتوبر 1955 الربيطانية بسبب التصريح الذي أدىل به املستشار السياسي حلاكم السودان العام. أنشأ فرع جلامعة القاهرة يف اخلرطوم الرئيس مجال عبد الناصر يؤكد يف تصرحيات له 25 أكتوبر ديسمرب 1955

234 استجابة مصر لرغبة شعب وبرملان السودان يف استقالله ويعرب عن متنيات حكومته يف رعاية االتفاقات اليت عقدهتا دولتا "اإلدارة" الثنائية نيابة عن اخلرطوم إعالن استقالل السودان. الرئيس مجال عبد الناصر يستقبل يف مكتبه اللواء 1 يناير يناير 1956 حممود سيف اليزل خليفة سفري مصر يف السودان وجيتمع بالسيد سليم حلود وزير خارجية لبنان وبعض مرافقيه. الرئيس مجال عبد الناصر يستقبل السيد إمساعيل 17 ابريل 1956 األزهري رئيس وزراء السودان. توقيع ميثاق تآخي بني مصر وحزب األمة السوداين. الرئيس مجال عبد الناصر يستقبل السيد بابكر الديب 16 يونيو يوليو 1956 أول سفري للسودان يف القاهرة بعد أن قدم أوراق اعتماده للرئيس يف احتفال رمسي بدار الرئاسة. الرئيس مجال عبد الناصر يستقبل السيد على عبد 24 ديسمرب 1956 الرمحن وزير داخلية السودان ويتلقى آالف من برقيات التهنئة النسحاب القوات املعتدية. إبرام اتفاقية مالية بني اجلانبني املصري والسوداين 12 فرباير 1957 لصك العملة السودانية.

235 الرئيس مجال عبد الناصر يستقبل السيد مريغين محزة 14 ديسمرب 1957 نائب رئيس وزراء السودان وجيتمع بالسيد حممود سيف اليزل خليفة سفري مصر يف اخلرطوم. الرئيس مجال عبد الناصر جيتمع بالسيد حممد أمحد 19 فرباير 1958 حمجوب وزير خارجية السودان لبحث مشكلة احلدود بني البلدين وبالدكتور حممود فوزي والسيد زكريا حميي الدين والسيد علي صربي. 17 نوفمرب 1958 تولية الفريق إبراهيم عبود وحماولة حتسني العالقات مع مصر. اجلمهورية العربية املتحدة تتفق مع السودان حول 1 نوفمرب 1959 التعويضات املستحقة للسودان بسبب مشروع السد العايل. اتفاقية مياه النيل. الرئيس مجال عبد الناصر يستقبل الرئيس إبراهيم عبود 8 نوفمرب يوليو 1960 رئيس مجهورية السودان يف مطار أملاظة حبضور السادة نواب الرئيس والوزراء املركزيني والتنفيذيني ورجال السلك الدبلوماسي. الرئيسان مجال عبد الناصر وإبراهيم عبود يزوران 24 نوفمرب 1960 بورسودان يف شرق السودان يف هناية زيارة الرئيس للسودان.

236 الرئيس مجال عبد الناصر يستقبل "تيتو" لدى وصوله 18 فرباير 1962 إىل مطار أملاظة بعد عودته من السودان ويستأنفان حمادثاهتما السياسية حول مؤمتر نزع السالح الذي تقرر عقده يف جنيف. الرئيس مجال عبد الناصر يتسلم رسالة من الرئيس 31 مايو 1962 السوداين إبراهيم عبود محلها السيد عبد املنعم القيسوين وزير االقتصاد بعد أن وقع جمموعة من االتفاقيات التجارية مع السودان يف اخلرطوم. إعالن عبود بأنه لن ميدد صالحية اتفاق التبادل 29 يونيو 1964 التجاري بني مصر والسودان. يناير 1965 حضور رئيس الوزراء السوداين سر اخلتم خليفة احتفاالت السد العايل. فرباير 1965 عقد اتفاقية جتارية بني اجلانب املصري والسوداين) اتفاقية السمسم( الرئيس مجال بعد الناصر يستقبل السيد عبد احلميد 28 نوفمرب 1965 صاحل وزير الدولة لشئون الرئاسة بالسودان وجيتمع مع الرئيس البولندي "أوخاب" حيث شرح خطة التحول االشرتاكي يف اجلمهورية العربية املتحدة منذ قيام الثورة واملشكالت اليت واجهت التطبيق االشرتاكي.

237 الرئيس مجال عبد الناصر يستقبل وفد القوى التقدمية 12 أكتوبر 1966 السوداين الذي ميثل اهليئات السياسية والتنظيمات الشعبية والنقابية بالسودان. الرئيس مجال عبد الناصر يستقبل السيد خليفة عباس 2 ديسمرب 1966 وكيل وزارة خارجية السودان. مناوشات يف العالقات بني اجلانبني بعد أن مت رفع 25 ديسمرب 1966 العلم السوداين يف منطقة حاليب املصرية. يونيو 1967 نقل قوات اجليش املصري إيل السودان لتكون بعدية عن القصف اجلوي االلصهاينةي. قطع السودان عالقاته مع أي دولة تساعد الصهاينة. الرئيس مجال عبد الناصر يتلقى اتصاال هاتفيا من يونيو يونيو 1967 إمساعيل األزهري رئيس جملس السيادة يف السودان لالتفاق على عقد مؤمتر قمة عربية طارئ بسبب األزمة. الرئيس مجال عبد الناصر يستقبل رئيس وزراء 23 أغسطس 1967 السودان حممد أمحد حمجوب مبنزله مبنشية البكري متهيدا الجتماع القمة العربية. 29 أغسطس 1967 ديسمرب 1967 عقد مؤمتر القمة العريب باخلرطوم. أسست منظمة للتنمية واالستثمار الصناعي بني

238 اجلانبني. الرئيس مجال عبد الناصر يستقبل السيد حممد عثمان 7 أكتوبر 1968 املريغين زعيم الطائفة اخلتمية يف السودان. الرئيس مجال عبد الناصر يستقبل السيد اهلادي 24 فرباير 1969 املهدى زعيم طائفة األنصار بالسودان والدكتور عبد احلميد صاحل وزير الصحة السوداين. تولية منريي السلطة وتبنية املبادئ االشرتاكية الناصرية 25 مايو 1969 وتأمينه عدد من الشركات اخلاصة والبنوك. الرئيس مجال عبد الناصر يعقد جلسة حمادثات مع 21 يوليو 1969 السيد بابكر عوض اهلل رئيس وزراء السودان ووزير خارجيته. تشكيل جلنة اقتصادية مشرتكة للنظر يف تطوير 30 يوليو 1969 التعاون االقتصادي بني البلدين. اتفاق تكامل اقتصادي بني البلدين. الرئيس مجال عبد الناصر يستقبل السيد الشفيع أمحد 2 سبتمرب نوفمرب 1969 الشيخ رئيس احتاد نقابات عمال السودان. الزعماء الثالثة مجال عبد الناصر ومعمر القذايف 27 ديسمرب 1969 وجعفر النمريي يعقدوا االجتماع األخري يف سلسلة حمادثاهتم وأكدوا يف البيان املشرتك على أن لقائهم يقيم جبهة عربية تنطلق بقدرات ليبيا ومصر والسودان

239 حنو حياة مادية وروحية تليق باإلنسان العريب. ميثاق طرابلس بني مصر والسودان وليبيا. 28 ديسمرب 1969 اجتماع دول املواجهة بالقاهرة يبدأ أعماله حبضور 7 فرباير 1970 اجلمهورية العربية املتحدة وسوريا والسودان واألردن والعراق وذلك يف جو مشحون بالتطورات يف منطقة الشرق األوسط. الرئيس مجال عبد الناصر يصل إىل اخلرطوم وسط 24 مايو 1970 استقبال شعيب حافل يف مستهل زيارته للسودان ملشاركة الشعب السوداين يف العيد األول لثورته. الرئيس مجال عبد الناصر حيضر والعقيد القذايف 25 مايو 1970 واللواء النمريي االحتفال الشعيب الكبري يف الذكرى األوىل للثورة السودانية حيث أكد اللواء النمريي على أثر الثورة املصرية على السودان. رؤساء الدول يصلون إىل القاهرة لتشييع جثمان 29 سبتمرب 1970 الرئيس مجال عبد الناصر أول الوفود الوفد السوداين مث اجلزائري مث وفد االحتاد السوفييت مث وفد ليبيا. المصدر: من إعداد الباحثة بناء على تقارير وزارة اخلارجية املصرية ودار الوثائق املصرية. - هدى مجال عبد الناصر: ملف وثائقي عن العالقات املصرية السودانية مبتحف الرئيس الراحل مجال عبد الناصر القاهرة مت االطالع بتاريخ /أغسطس 2015 م.

240 الوثائق وثيقة رقم )1( ثالثا: االتفاقيات. اتفاق االنتفاع الكامل بمياه النيل بين مصر والسودان عام 1959 م: يف جمال التعاون األمني على استجالء احلقوق وعلى توحيد اجلهود لتنفيذ السلسلة احملكمة من املشروعات الالزمة لالنتفاع الكامل مبياه النيل عقدت مصر والسودان اتفاقا يف نوفمرب 1959 م لتحقيق هذا الغرض فجاء مثال حيتذى به للوسيلة اليت ميكن للدول اجملاورة أن تتبعها لتحقيق نفعها الكامل من النهر املشرتك دون ما ثغرة ميكن أن ينفذ منها خالف. ولقد كان للتطور الذي حدث منذ توقيع اتفاق 1929 م وما اقرتن باجتاه التوسع الزراعي يف كل من مصر والسودان أدت إىل مفاوضات انتهت بعقد اتفاق االنتفاع الكامل مبياه النيل فيما يلي ما تضمن ه من نصوص. نظرا ألن هنر النيل يف حاجة إىل مشروعات لضبطه ضبطا كامال ولزيادة إيراده لالنتفاع التام مبياهه لصاحل مجهورية السودان ومجهورية مصر على غري النظم املعمول هبا اآلن...ونظرا ألن هذه األعمال حتتاج إلنشائها وإدارهتا إىل اتفاق وتعاون كامل بني اجلمهوريتني لتنظيم اإلفادة منها واستخدام مياه النهر مبا يضمن مطالبها احلاضرة واملستقبلية. ونظرا إىل أن اتفاقية مياه النيل املعقودة يف سنة 1929 م قد نظمت بغرض االستفادة مبياه النيل ومل يشمل مداها ضبطاكامال ملياه النهر...فقد اتفقت اجلمهوريتان على مايلي: *الحقوق المكتسبة الحاضرة: 1 يكون ما تستخدم اجلمهورية العربية املتحدة من مياه النيل حىت توقيع هذا االتفاق هو احلق املكتسب هلا قبل احلصول على الفوائد اليت ستحققها مشروعات ضبط النهر وزيادة إيراده املنوه عنها يف هذا االتفاق ومقدار هذا احلق 48 مليار من األمتار املكعبة مقدرة على أسوان سنويا.

241 2 يكون ما تستخدمه مجهورية السودان يف الوقت احلاضر هو حقها املكتسب قبل احلصول على فائدة املشروعات املشار إليها ومقدار هذا احلق أربعة مليارات من األمتار املكعبة مقدرة عند أسوان سنويا. *مشروعات ضبط النهر وتوزيع فوائدها بين الجمهوريتين: 1 لضبط مياه النهر والتحكم يف منع انسياب مياهه إىل البحر توافق اجلمهوريتان على أن تنشئ اجلمهورية العربية املتحدة خزان السد العايل عند أسوانكأول حلقة من سلسلة مشروعات التخزين املستمر على النيل. 2 ولتمكني السودان من استغالل نصيبه توافق اجلمهوريتان على أن تنشئ مجهورية السودان خزان الرصريص على النيل األزرق وأي أعمال أخرى تراها مجهورية السودان الزمة الستغالل نصيبها. *حيسب صايف الفائدة من السد العايل على أساس متوسط إيراد النهر الطبيعي عند أسوان يف سنوات القرن احلايل املقدرة بنحو 84 مليار سنويا من األمتار املكعبة ويستبعد من هذه الكمية احلقوق املكتسبة للجمهوريتني وهي املشار إليها مقدرة عند أسوانكما يستبعد منها متوسط فائدة التخزين املستمر يف السد العايل فينتج من ذلك صايف الفائدة اليت توزع بني اجلمهوريتني. ) 2 وثيقة رقم (

242 القرار الصادر من ناظر )وزير ) الداخلية في 26 مارس سنة 1899 م بشأن تعديل تخوم مصر والسودان) 1 ( أوال: يكون احلد اجلنويب للقطر املصري خطا ميتد من الشرق إىل الغرب ويكون مارا من اجلهة الشرقية للنيل بالرببا الكائنة بناحية)أدندان( ومن اجلهة الغربية منة على مسافة 200 مرت مشال الرببا الكائنة بناحية )فرس(وقد وضع هناك قائمان علىكل قائم لوحة مكتوبة على الوجهة الشمالية )مصر( واجلنوبية )السودان(. ثانيا: يفصل من مركز حلفا التابع حملافظة النوبة )مديرية احلدود( العشرة بالد الواقعة قبلي خط احلد الذكور وتدخل يف حدود السودان وهي بالد )عنقش وهي حلفا دغيم دبروسة وهي التوفيقية أرقني أشكيت دبرية سرة شرق سرة غرب فرس جزيرة فرس( وزمامهاكلها 4094 فدانا مبا ىف ذلك 112 فدانا أطيان األهايل. ثالثا: البالد الباقية من مركز حلفا داخل احلدود املصرية تلحق مبركزكروسكو وبذلك يلغى مركز حلفا. رابعا: حمافظة النوبة املعروفة باسم حمافظة احلدود أو مديرية احلدود تسمى مديرية أسوان. خامسا: مركز الكنوز يسمى مركز كروسكو ويكون مقره كروسكو ويتكون من 22 بلدة من أدندان جنوبا إىل شاتروة مشاال حيث يكون امتداد املركز 152 كيلو مرتا وزمامه 9117 فدانا وسكانه نفسا. سادسا: ينشأ مركز جديد باسم مركز أبو هور ويكون مقره بلدة أبو هور ويتكون من 18 بلدة من ناحية املضيق جنوبا إىل ناحية الشالل مشاال حيث يكون امتداد املركز 144 كيلومرتا وزمامه فدانا وسكانه 552 نفسا.حتريرا ىف 26 مارس سنة 1899 م ناظر الداخلية )إمضاء( وثيقة رقم ( مصطفى فهمى ) 3 االتفاقية البريطانية المصرية حول استغالل مياه النيل في عام 1929 م 552 عبد الفتاح عبد الصمد منصور العالقات المصرية السودانية في ظل االتفاق الثنائى م اهليئة املصرية العامة للكتاب 1993 م ص 338.

243 يف عام 1929 م: أبرمت اتفاقية مياه النيل املعروفة بني مصر وبريطانيا نائبة عن السودان وأوغندا وكينيا وتنجانيقا...فجاءت بنص واضح: "أال تقام بغري اتفاق سابق مع مصر أعمال ري أو توليد طاقة هيدروكهربية...والتتخذ إجراءات على النيل وفروعه...أو على البحريات اليت ينبع منها يكون من شأهنا إنقاص مقدار املياه الذي يصل مصر أو تعديل تواريخ وصوله أو ختفيض منسوبه على أي وجه يلحق الضرر مبصاحل مصر". كما تضمن االتفاق نظم تشغيل خزان سنار وتثبيت احلقوق املكتسبة ملصر والسودان...وعدم االضرار مبصاحل أي من البلدين...حيث نص على مايلي: يعطى السودان احلق يف سحب مياه النيل خالل الفرتة من 16 يوليو إىل 31 ديسمرب /ك 1 وحيرم من حق السحب من مجلة اإليراد الطبيعي للنهر يف الفرتة ما بني اول يناير /ك 2 15 يوليو...باعتبارها الفرتة املقابلة لتفريغ خزان أسوان...وذلك فيما عدا ماسبق التصريح بري ه على الطامبات مضافا إليه تصرف مقدار 141 مليونا من األمتار املكعبة اعترب حقا للسودان عن املدة من أول يناير إىل 18 يناير /ك 2.. جمهورية السودان وزارة الخارجية الخرطوم إدارة االعالم والصحافة. أسفرت سلطات والية اخلرطوم يف غطار إعادة ختطيط وتنظيم العاصمة القومية عددا من القرارات التنظيمية واإلدارية وفق القوانني واللوائح السارية واعتمادا على الوثائق املتوفرة اسرتدت مبقتضاها عددا من املواقع يف خمتلف احناء الوالية لالستفادة منها والستثمارها للصاحل العام...وقد مشلت القرارات ستة عشر موقعا منها ثالثة باسم اجليش املصري كان املفروض أن تؤول امللكية للحكومة السودانية بعد جالء جيش االحتالل الربيطاين املصري عند استقالل البالد يف عام 1956 م كما حدث بالنسبة للمواقع اليت كان حيتلها اجليش الربيطاين وثالثة عشر

244

245

246

247 الخرائط

248

249 -http;

250 املصدر.حممد سعيد حممد عبد الناصر والسودان ص 56

251 املصدر.حممد سعيد حممد عبد الناصر والسودان ص 56.

252 املصدر.حممد سعيد حممد عبد الناصر والسودان ص 66.

253 املصدر : حممد سعيد حممد مرجع سابق ص 67.

254 المصادر والمراجع http;fatakat.com